مواضيع

القانون عامل لمقابلة النفوذ

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء لقد تحدّثت عن موضوع الاستقلال؛ لأن دستورنا ينص على أنّ الاستقلال لا يمكن أن يحول دون الحرية، ولا الحرية يمكن أن تحول دون الاستقلال، وهذا من الأصول القوية والمتينة للغاية؛ فلو كان البعض يرغبون في إطلاق العنان للأعداء ونفوذهم باسم الحرية وتحت شعار الحرية، فإن هذه ليست بحرية، بل إنّ هذا هو ما يريده العدو، وهذا هو الفخ الذي نصبه العدو على نطاق واسع. إنّ اليوم هو يوم حسّاس، وإنّ هذا الزمن لزمن حسّاس.[1]

إنّ للمرء أن يقع في مورد الشك وأن يتردد في تصديق الكثير من المزاعم المطروحة عندما يجد أن أجهزة إعلام العدو، والأجهزة الدعائية العميلة لأمريكا ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والأجهزة الإعلامية الإنجليزية، والأجهزة الإعلامية للكيان الصهيوني الغاصب، وقد عبّأت كافة طاقاتها، وشنّت حرباً نفسية من أجل لائحة ما تُقدَّم للمجلس، وراحت تعبّر عن عواطفها الجيّاشة التي تفوق عواطف الأم شفقة ورقّة من أجل أحد السجناء، أو أحد المسؤولين!

لقد عقد العدو آماله اليوم على استغلال نقاط الضعف، والسذاجة، وإعداد موطئ قدم له من جديد في أجهزتنا السياسية والثقافية، ولكني أقول: بأن هذا الشعب شعب متيقّظ، وإنّ المسؤولين متيقّظون، وسيردّون الكَرّة على العدو بكل ثقة وقوة.

إنّ دستورنا دستور متقدّم، وقد دوّن بعناية فائقة ودقّة متناهية، كما أنه يحتوي على كل شيء بما ينبغي له.

وإنني أوصي كافة المسؤولين، وكافة المؤسسات التشريعية والمراكز القانونية وكافة أفراد الشعب باحترام الدستور؛ إن احترامنا للدستور سيحول بين العدو ومواصلة أطماعه، فلابدّ من احترام القانون؛ لأن ذلك يسدّ الطريق على الأعداء ويقضي على نفوذهم.[2]

وإنني أقول لكم أيها الأعزاء: بأن الخلافات السياسية والجناحية التي تبدو أحياناً كبيرة وضخمة، ليست بهذا الحجم، ولا بهذه الأهمية.

إنّ المسيرة ستظل متقدّمة إلى الأمام على طريق الشعب، وطريق الإسلام، وطريق الثورة، وطريق الله، وطريق الإمام العظيم.

إنّ الجماهير لم تعد تهتم بمثل هذه التخطيطات المصطنعة، وإنّ الأعداء يصبون إلى زرع الشقاق بين الأجنحة. لقد قلت مراراً بحرقة تامة في صلاة الجمعة – وهي أقدس مكان – وكذلك في الأماكن الأخرى ودعوت الأجنحة السياسية إلى الجلوس معاً والتباحث والانطلاق من القواسم المشتركة ووجهات النظر المتّفق عليها إلى حل الخلافات القائمة، وأنه لو شدّدنا على المبادئ والأصول فلن تكون ثمّة أهمية للخلافات السياسية الجزئية؛ فقَبِل البعض بذلك، وعاند البعض الآخر وما يزالون.. فما معنى هذا العناد؟! ولماذا ينبغي التضحية بالوحدة الوطنية والأمن القومي والمصالح الوطنية ومصالح هذا البلد من أجل الأهداف الجناحية التي تعتبر سيّئة للغاية، فيما إذا كانت بعيدة عن نفوذ الأعداء، والتي ستتضاعف سوءاً فيما إذا كانت ذات صلة بنفوذ العدو؟!

إنني مازلت أدعو من جديد إلى وحدة الكلمة على أساس المبادئ الأصولية للنظام الإسلامي، وعلى أساس بيّنات الدستور، وعلى أساس الإسلام، وعلى أساس خط الإمام، وعلى أساس مصالح الجماهير، وعلى أساس مواجهة كل من يواجه هذا الشعب؛ وهذا طريق واضح بوسع كل الأخيار والمتحرّقين والصادقين أن يجتمعوا عليه.[3]

إنّ الجمهورية الإسلامية بلد عزيز في العالم اليوم، وإنّ مسؤوليها أعزاء بما تربطهم من علاقة وطيدة بالشعب؛ وهذا ما يعرفه رؤساء ومسؤولو هذا البلد، وهو ما يتمسّكون به أيضاً والحمد لله، إلاّ أنّ البعض من ضيّقي الأفق، وذوي الشخصـيات الضعيفة المتهافـتة على المـادة بأشكـالها المختـلفـة، وأصحاب الأذواق الممجوجة أحياناً – ونحن نثير هنا موضوع الأذواق أيضاً حتى يبقى هناك سبيل لحسن الظن – كلهم قد اختاروا طريقاً آخر![4]

القدرة الشاملة طريق لمقابلة نفوذ العدو

حين يأمرنا القرآن الكريم: <وَ أَعِدّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِه‌ عَدُوَّ اللهِ وعَدُوَّكم>[5] فيجب أن يكون تواجدكم ووضعكم وتحرككم بالشكل الذي يبعث على رعب العدو؛ العدو المعتدي بالطبع. طبيعة ناهبي العالم العدوان والتقدم والاحتلال والإضرار بالغير، هذه هي طبيعتهم. إذا كانت سواتركم هشة وممكنة التغلغل فسوف يتغلغلون. يجب أن تتحركوا بطريقة يشعر معها العدو أنه لا يستطيع التغلغل والنفوذ. تشكيل جبهة ثورية في جنوب البلاد وتواجد القوى الثورية على شكل قوة بحرية للحرس ومن شباب المحافظات الساحلية – هؤلاء الشباب الشجعان غير المبالين للدنيا – كان من شأنه تحقيق هذا الهدف القرآني: <تُرهِبونَ بِه‌ عَدُوَّ اللهِ وعَدُوَّكم>. هذه حالة ينبغي أن تستمر دوماً. قلنا مراراً إننا لن نكون بادئين بحرب، ولدينا أسبابنا في هذا النهج، إننا لا نبدأ أيّ حرب، لكننا يجب أن نسلب العدو الجرأة على بدء الحرب؛ ينبغي معرفة العدو وطبيعته.[6]

طبعاً الجمهورية الإسلامية بتوفيق من الله وحوله وقوته لا تمنع تغلغل العدو إلى داخلها وحسب، بل منعت إلى حد كبير تنفيذ مخططات العدو في المنطقة أيضاً. هذا توفيق من الله، وهذه قدرة الله التي ظهرت ببركة عزائمكم وإراداتكم أيها الشباب. الكثير من مخططاتهم أخفقت وأحبطت بسبب اقتدار الجمهورية الإسلامية وتواجدها وإسهاماتها في المواطن التي يجب أن تسهم فيها. لذلك فإن أكبر تركيزهم في عدائهم هو على نظام الجمهورية الإسلامية، وهم يفعلون كل ما يستطيعون.[7]

أقول لكم أيها الشباب الأعزاء: إنه على الرغم من كل ما حصل خلال هذه العقود الثلاثة – المؤامرات المختلفة، وصنوف الإيذاء، ومؤامرات الإسقاط والانقلاب في السنوات الأولى والعقد الأول للثورة، وإلى الحرب المفروضة، ثم إلى المؤامرات التي تسمى رقيقة ومرنة بعد العقد الأول وبعد انتهاء الحرب وإلى هذا الحين – فإن الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية أثبتت أنها جديرة بالبقاء.. وقفت بقوة. وبعد الآن أيضاً لن تستطيع أحداث العالم المختلفة زعزعة هذه الشجرة المتينة العظيمة. هم لم يستطيعوا استئصالها يوم كانت غرسة يانعة، أما اليوم فتحولت إلى شجرة هائلة متجذرة. ليس بوسعهم زعزعة الجمهورية الإسلامية. علينا أن نحذر من أن ننخر ونتهرأ داخلياً. إذا حافظنا على سلامتنا المعنوية وسرنا في الطريق الذي رسمه لنا الإسلام والجمهورية الإسلامية ولم ننحرف عنه فلسنا خائفين من العدو الخارجي على الإطلاق، ولن يستطيع إلحاق أي ضرر بنا.

السياسات الاستكبارية وسياسات أمريكا، وسياسات الشبكة الصهيونية العالمية التي تستهدف بالدرجة الأولى الجمهورية الإسلامية لأسباب واضحة، ليس بوسعها القضاء على الجمهورية الإسلامية. وهي ليست عاجزة عن القضاء عليها وحسب، بل وعن إبطاء حركتها أيضاً. بوسعنا المضي في مسيرتنا بسرعة. ونتوقع مؤامرات العدو بالطبع، فهذه المؤامرات ستستمر إلى حين معين، وهذا الحين المعين هو الاقتدار الشامل للبلاد، وهذه هي مهمتكم أنتم الطلبة الجامعيين وجيل الشباب. يوم استطعتم إيصال البلد لمحطة الاقتدار العلمي والاقتدار الاقتصادي، ويوم تمكنتم من توفير العزة العلمية لبلادكم، عندها ستقل المؤامرات طبعاً؛ لأن الأعداء سوف ييأسون. وطالما لم نصل إلى تلك المحطة يجب توقع المؤامرات والاستعداد لمواجهتها. وسوف تكونوا أقوى ويكون عدوكم أضعف مع كل يوم يمرّ إن شاء الله، ولن يكون يوم انتصار الشعب النهائي بعيداً بمشيئة الله.[8]


[1]. بيانات سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 5-10-2000م

[2]. نفس المصدر

[3]. نفس المصدر

[4]. نفس المصدر

[5]. الأنفال: 60

[6]. بيانات سماحته أمام قادة القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية وعوائلهم بتاريخ 7-10-2015م

[7]. نفس المصدر

[8]. بيانات سماحته في جامعة علم وصنعت بتاريخ 14-12-2008م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟