يقول الإمام الخميني (ق): «إن سر الانتصار هو في القرآن ووحدة الكلمة».
والآن نتحدث عن نقطة أخرى من المنطلقات الأساسية في وضع مفاهيم ومرتكزات مدرسة السيد الإمام (ق)، وهي القرآن الكريم، فمن المعروف إن مدرسة السيد الإمام أولت اهتماماً كبيراً بالقرآن الكريم من جميع النواحي، حفظاً وتلاوةً وتفسيراً، وهو يحتل المرتبة الأولى في هذه المدرسة من جهة كونه مصدراً معرفياً.
وهذا بخلاف المدارس الأخرى التي لم تولّ اهتماماً كافياً بالقرآن الكريم، بل كانت تمر عليه مرور الكرام، وحتى لو كانت تهتم به من ناحية التفسير؛ فهي تهتم بآيات الأحكام الفقهية فقط.
أما القرآن بشكل عام فهو كتاب تبرك وللحصول على الثواب، بل إن بعض العلماء الماضين كان يقول بأنه لا نستطيع فهم القرآن ومعاني الآيات؛ فنحتاج للرجوع إلى الروايات لنرى إذا كانت هناك رواية تشرح وتبين معنى الآيات، وإلا فلا نستطيع أن نفهم معنى الآية، كما أنه إذا ذكرت الرواية معنى للآية فنلتزم به ولا نتجاوزه.
وهكذا أيضاً عندما أراد السيد الخوئي رحمه الله أن يكتب تفسيراً للقرآن، وقفت مجموعة من الطلبة أمام رغبته تلك، وقالوا له: بأن هناك ما هو أولى من تفسير القرآن، ليبذل السيد الخوئي رحمه الله وقته لأجله، وإن السيد الخوئي بمرتبته ومقامه لا يناسبه أن يصرف وقته في تفسير القرآن، بل هو شأن من هو أقل منه، إلى أن تراجع السيد الخوئي عن تلك الرغبة ولم يكمل تفسيره وتوقف عند سورة «الحمد» فقط، ومقدمة في علوم القرآن في كتابه «البيان».
وبذلك حرموا الناس من عطائه في هذا المجال والذي يقول البعض أنه كان سيكون إضافة كبيرة ومميزة في المكتبة الإسلامية، خصوصاً إن كتابه الأخير الذي أشرنا إليه كان مميزاً في محله، وحتى في تفسيره لسورة الحمد، كانت له إضافات جديدة ومميزة.
في مقابل ذلك نجد إن مدرسة السيد الإمام (ق) قد غيرت هذه النظرة وصارت تستشهد في أفكارها بالآيات القرآنية، وتقيم البحوث لاستخراج المفاهيم المختلفة، فبدل أن يكون القرآن كتاباً غير مفهوم، أو كتاباً لاستخراج الأحكام الفقهية فقط، صار كتاباً لاستخراج جميع المفاهيم ولفهم الحياة ككل.
وقد تميز في هذا المجال -مجال تفسير القرآن-، منهج العلامة الطباطبائي (ق) الذي يعتمد منهج تفسير القرآن بالقرآن، والذي يعطي الأصالة والأولوية للقرآن أيضاً حتى في جانب التفسير، فيكون اعتماداً وتطبيقاً للآية التي تقول بأن القرآن نفسه، فهو يبين نفسه بنفسه، وهو يبين كل شيء حتى نفسه.
<تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ>، فيكون القرآن ليس أساساً لفهم الحياة والمجتمع وباقي الأمور، بل يكون أساسا لفهم القرآن نفسه.
وبذلك يكون هناك اعتماد حقيقي على القرآن، فلو قلنا بأن القرآن هو الأساس لفهم كل شيء، ولكن عندما نذهب للقرآن طبقنا أهواءنا ومعلوماتنا على القرآن. فهي في هذه الحالة لن نكون اتخذنا القرآن أساساً ومصدراً، بل نكون في الحقيقة قد اتخذنا أهواءنا ومعلوماتنا وأفهامنا التي أخذناها من مصادر مختلفة كالخلفيات والرواسب الاجتماعية وغيرها. ولكن نقدمها بصورة إن القرآن يقول بها ويطرحها!
بينما ينبغي أن نذهب للقرآن من دون أن نحمل معنا أي شيء، لنرى ما يقول القرآن الكريم في الأمر الذي نبحث عنه، وذلك ليكون اعتمادنا بشكل حقيقي على القرآن الكريم.
كما أن مدرسة السيد الإمام تميزت بأنها تنظر للقرآن ككتاب حي وحيوي يقبل الانطباق في جميع الأزمنة وعلى كل الموارد، وهذا معناه إن معاني الآيات والعبر الموجودة فيها غير منحصرة بزمن النزول، وغير محصورة في سبب النزول والأشخاص والأقوام التي نزلت فيهم، بل كل ما انطبق في السابق وفي الزمن الماضي، فهو ينطبق في هذا الزمن ويمكن أن يتحقق مرة أخرى.
فجميع القصص المذكورة في القرآن الكريم قابلة للانطباق في هذا الزمن وأخذ العبرة منها، وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم:
<لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ>
فهذه القصص التي ينقلها القرآن لا ينقلها لأجل السرد وفقط، بل هي قصص للعبرة والاستفادة.
وأيضا عندما نقول بأن القرآن هو أساس المعارف، ويقع في المرتبة الأولى من الناحية المعرفية، فمعنى ذلك إن القرآن الكريم ينبغي أن يكون هو المصدر الأول لمعرفة الشريعة والإسلام، وإذا تعارضت الآية والرواية، فتكون الآية هي المقدمة، وهذا ما دلت عليه الروايات أيضاً، فنجد إن روايات أهل البيت عليهم السلام قد أمروا بعرض الروايات على القرآن الكريم ورد ما خالف القرآن منها.
وهذا ما يؤكد ويعزز من موقعية القرآن الكريم كمصدر أول وأساس ومحور، وبذلك تكون مفاهيمنا وأفكارنا فعلاً مفاهيماً قرآنية، وأخلاقنا قرآنية، ومنهجنا قرآني، وشخصيتنا قرآنية، ومفاهيمنا قرآنية.من جهة أخرى؛ هذا الأمر يعطي الأصالة والمتانة والرصانة، لأن القرآن كتاب قطعي الصدور، صادر من جهة قدسية بنحو معجز، بخلاف الروايات التي أغلبها ظني الصدور ورغم كونها صادرة من جهة قدسية أيضاً، إلا أن كثيراً منها منقول بالمضمون، كما أنها لم تلق ولم تصاغ بشكل إعجازي بحيث لا يمكن تحريفها أو الإنقاص والزيادة فيها.
وهذا الاختلاف هو ما يجعل الاعتماد على القرآن يعطي أصالة ومتانة.
طبعا المقصود من كون القرآن قطعي الصدور هو أننا نقطع 100% من الآيات التي بين أيدينا هي قطعاً كلام الله سبحانه وتعالى الذي نزل به الوحي الأمين جبرائيل على النبي (ص).
بخلاف الروايات والأحاديث المنقولة عن النبي (ص) وأهل بيته (ع) فإن أغلب الروايات هي روايات ظنية الصدور، فحتى الروايات الصحيحة هي روايات ظنية؛ لأنها منقولة عن آحاد ثقات، ثقة ينقل عن ثقة.
فصحيح إن الناقل ثقة ولكن لا نستطيع أن نجزم ونقطع 100% بأن الرواية قد صدرت من الإمام فعلاً، وذلك لأن الثقة صحيح بأنه لا يكذب، ولكن لا يستحيل عليه الكذب والاشتباه. وهذا كما لو جاء لك شخص ثقة لا يكذب ونقل لك بأن حادثة معينة قد تحققت، فأنت ستصدقه، لكن لا تستطيع أن تقطع 100% بأن الحادثة قد وقعت.
نعم.. هناك روايات نقطع بصدورها، ولا يمكن أن يشكك أحد في صدورها، وهي الروايات التي تسمى بالروايات «المتواترة»، وهذه الروايات تكون قطعية لأنها متواترة، بمعنى إن هذه الروايات منقولة بكثرة جداً وعن أشخاص مختلفين من عدة نواحي. بحيث يستحيل اجتماعهم على الكذب. ولكن هذه الروايات عددها قليل جداً إذا قارناها بالروايات الأخرى الصحيحة، فإن الروايات تعد في مجملها روايات ظنية الصدور، بخلاف القرآن الكريم الذي هو قطعي الصدور.
المصدر والمنطلق الثاني إذا صار واضحاً الآن.
مدرسة السيد الإمام = القرآن الكريم
تعليق واحد