مواضيع

بني إسرائيل وإقامتهم في مصر

بني إسرائيل: هم سلالة نبي الله يعقوب (إسرائيل) (عليه السلام) ويعرفون بالأسباط، والسبط في اللغة: ولد الولد، والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب، وهم الذين يعودون إلى أب واحد من أبناء يعقوب (إسرائيل) (عليه السلام) حيث أصبح كل من أولاد يعقوب الاثنا عشر الذين سبق ذكرهم، أبالسبط (قبيلة) من أسباط بني إسرائيل، فجميع بني إسرائيل انحدروا وتناسلوا من هؤلاء الأولاد الاثنا عشر لنبي الله يعقوب (إسرائيل) (عليه السلام) وقد ظهر فيهم أنبياء كرام، مثل:

  • أ.   موسى، وهارون، وإلياس، واليسع، من سبط لاوى.
  • ب.  داوود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وعيسى، من سبط يهودا,
  • ج.  يونس من سبط بنيامين.

ويعتبر يوسف الصديق (عليه السلام) النبي الوحيد من أولاد يعقوب (عليه السلام)، وقيل: بنيامين أيضاً، وكان يوسف الصديق (عليه السلام) أحب أبناء يعقوب (عليه السلام) إليه، وذلك لما جعل فيه من النبوة والرسالة والإمامة والولاية والحكمة والخير المادي والمعنوي إلى الناس، وقد سمى القرآن الكريم سورة باسم (سورة يوسف) فيها بيان لحياته ومحنته مع إخوته، ومحنته مع امرأة العزيز، ودخوله السجن، وتعبيره الرؤيا للملك، وخروجه من السجن، وجعله على خزائن مصر(وزيراً للمالية) رئيساً للحكومة، وذهاب إخوته إلى مصر لطلب المؤونة لأهلهم؛ بسبب القحط وتعرفه عليهم، ثم هجرة يعقوب (عليه السلام) وجميع أهله وبني إسرائيل من وطنهم فلسطين إلى مصر بطلب من يوسف الصديق (عليه السلام) وذلك في القرن الثامن عشر (18) قبل الميلاد، قول الله تعالى: <اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ>[1]، وقول الله تعالى: <فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ 99 وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا>[2]، أي: طلب نبي الله يوسف الصديق (عليه السلام) من إخوته الذين تعرف عليهم في مصر أن يذهبوا بقميصه الجديد، مقابل قميصه القديم الذي أخذوه ملطخاً بدم كذب إلى أبيهم يعقوب (عليه السلام)، وقد جر عليه البلاء والأحزان والأدواء والآلام والغموم حتى ابيضت عيناه من شدة الحزن على فراق المحبوب وما نزل به من الحوادث، وذلك لما في القميص الجديد من أثر ريح المحبوب والبشرى بسلامته وسعادته، بعد ما أودع فراقه في قلب أبيه العاشق لأنواره الملكوتية من الحزن والشوق والحنين والألم ما لا يعلم مقداره إلا الله سبحانه وتعالى، وقد أراد يوسف الصديق  (عليه السلام) موافقاً لإرادة الله تبارك وتعالى وألطافه ومواهبه، أن يشم أبوه قميصه، فترجع إليه روحه، ويكون فيه شفاؤه وراحته وسروره، ويعود إليه بصره كما كان قبل أن يفقده. وقيل: أن يوسف الصديق (عليه السلام) قال لإخوته: إنما يذهب بقميصي هذا من ذهب بقميصي أولاً، فقال يهودا أنا ذهبت به وهو ملطخ بالدم وأخبرته أنه أكلك الذئب، فقال يوسف (عليه السلام) فاذهب بهذا أيضاً وأخبره أني حي وأفرحه كما أحزنته[3]. وقيل: أن جبرائيل (عليه السلام) أمر يوسف الصديق (عليه السلام) أن يرسل إلى أبيه قميصه؛ لأن فيه ريح الجنة، وأنه لا يقع على سقيم ولا مبتلى إلا عوفي[4]. وقيل: أنه قميص موروث من إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وأمر يوسف الصديق (عليه السلام) أخوته بأن يلقوا القميص على وجه أبيه، وأخبرهم بأن من شأن ذلك أن يعيد البصر إلى عين أبيه بعد ما صار من كثرة الحزن والبكاء على فراق ابنه المحبوب يوسف الصديق (عليه السلام) ضريراً لا يبصر. وهذا يدل على نبوة يوسف الصديق (عليه السلام) وفضلة وكرامته العظيمة عند الله تبارك وتعالى، فعودة بصر أبيه إليه، التي هي أمنية جميع إخوته وفيها تخفيف كبير لما يشعرون به من الذنب بفضل قميصه، هي بدون شك أحد معاجزه التي تدل على نبوته وعظيم مكانته ومنزلته عند الله تبارك وتعالى، وهي من العنايات الإلهية البديعة التي أظهرها الله (عز وجل) في حق عبده ووليه يوسف الصديق (عليه السلام)؛ ليكشف لنا عنايته بعباده الصالحين الذين يتعرضون للظلم والحسد من إخوانهم وأقرب الناس إليهم بسبب ما يتمتعون به من الفضائل ومكارم الأخلاق، وليس لجرم ارتكبوه أو لتقصير ونحوهما، فيصبروا حباً لله ذي الجلال والإكرام وابتغاءً لمرضاته حيث تتحول الأسباب التي أراد بها الحساد الظالمون كيداً إلى خلاف الجهة التي يريدونها تماماً، فقد أراد أخوة يوسف الصديق (عليه السلام) به الأذى والإذلال والغربة بإلقائه في الجب ثم بيعه بثمن بخس، فإذا هذا السبب نفسه، يتحول إلى سبب وصوله إلى بيت عزيز مصر وقراره فيه، ثم جلوسه على عرش الملك والسلطان، وتظهر كرامته وعظيم منزلته عند الله  (جل جلاله)، أي: ظهرت كرامته في عالم الدنيا بالملك والسلطان، وكرامته الروحية بالنبوة والرسالة والإمامة والولاية والعصمة. ثم إن هذه المعجزة التي من شأنها أن تخفف عن أنفسهم المثقلة ما تعاني من الشعور بالذنب، من شأنها كذلك أن تزيل كل ما كان عالقاً في نفوسهم من رواسب الماضي، وتفتح فيها صفحة جديدة نقية في العلاقة بينهم تقوم على الأخوة والمحبة والاعتراف بالجميل والخضوع التام للولاية الإلهية، مما يعزز التوبة ويقود إلى صلاح النفس والأعمال الصالحة وذلك من ألطاف الله تبارك وتعالى بهم، كما تدل على صحة التوسل والتبرك بالأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين (عليهم السلام)، ويقود إلى بر الوالدين ويكشف عن قيمته العظيمة، يقول الشيخ محمد جواد مغنية: «والعاقل يستخلص العبرة من الفرق بين الولد العاق العقور كإخوة يوسف، حيث فعلوا ما فعلوا بأعز الخلق على أبيهم وجاؤوا بالقميص الأول الذي جر عليه الأذى والعمى، وبين الولد البار الشكور كيوسف وقميصه الثاني الذي كان لأبيه حياة وشفاء وسعادة وهناء»[5].

كما طلب يوسف الصديق (عليه السلام) من إخوته أن يأتوه بأبيه يعقوب (عليه السلام) وجميع أهله من الرجال والنساء والأطفال والتوابع؛ ليحصل تمام اللقاء، ويسكنوا عنده مقدرين معززين مكرمين، ويكونوا تحت عينه ورعايته المباشرة لهم ويمكثوا في مصر ويتخذوها وطناً لهم، حيث كانوا أهل بادية في فلسطين، يرعون المواشي ويعانون من القحط وضيق الرزق ونكد العيش واختلال الأمن بينما تعتبر مصر بلاد المدنية والحضارة والرخاء والرقي والازدهار المادي والعلمي والأمن والاستقرار. ففعل أخوة يوسف ما أمرهم به يوسف الصديق (عليه السلام) ولبى يعقوب الدعوة، وولى وجهه شطر المحبوب، وهب مسرعاً في المسير.

وقد عمل يوسف الصديق (عليه السلام) لأبيه وعشيرته استقبالاً رسمياً على الحدود المصرية مع فلسطين، فأقام مضرباً أو سرادقات وهيأ مقدمات الاستقبال وانتظر حتى دخل أبوه وعشيرته إلى مكان الاستقبال الرسمي في مصر، وكان عددهم ثلاثة وسبعون (73) إنساناً، وكانت لحظات اللقاء الأولى بين الحبيبين يوسف ويعقوب (عليه السلام) بعد سنين الفراق الطويلة لحظات لا توصف، فلا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى ما كان فيها من أمواج متلاطمة وعواصف وتيارات من مشاعر العشق والحنين والبهجة والسرور وما انسكبت فيها من دموع الفرح، وكانت بدون شك من أحلى اللحظات التي مرت عليهما في حياتهما كلها، لا تعلو عليها إلا تلك اللحظات التي كان فيها أول الوحي والاتصال بالمحبوب الأول والمعشوق المطلق الذي لا يقاس به أحد من الخلق أبداً.

وقد منح يوسف الصديق (عليه السلام) إخوته في أول دخولهم إلى مصر صك الأمان التام فيها من جميع المخاوف والمكاره التي تدخل في دائرة السلطة والحكومة، وقيد ذلك بمشيئة الله سبحانه وتعالى، قوله: <ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ>[6] لأن المشيئة الإنسانية لا تؤثر أثرها إلا إذا وافقت المشيئة الإلهية. وهذا يدل على أهمية الأمن والاستقرار في الدولة والمجتمع من أجل الإنتاج والإبداع والتفكير الهادي المتزن والرخاء والرفاه والحياة الحرة الكريمة، وبدون الأمن والاستقرار ينعدم كل ذلك ويحدق الخطر بالدولة والمجتمع ويعم الخراب فيها، ومقولة يوسف الصديق (عليه السلام) تؤثر على الفرق بين دولة أولياء الله والعدل الإلهي وبين دولة الطاغوت والاستكبار والاستبداد الفرعونية، وتعتبر الأمن والاستقرار وما يصاحبهما من أهم مظاهر دولة أولياء الله والعدل الإلهي، والخوف والاضطراب وانعدام الأمن والاستقرار وما يصاحبهما من أهم مظاهر دولة الفراعنة والظلم والديكتاتورية والاستبداد.

ثم عمل يوسف الصديق (عليه السلام) لأبيه وعشيرته حفلاً عظيماً خاصاً بالمناسبة في القصر الملكي، حضره فرعون (الملك) وجميع أفراد أسرته ومستشاريه وكبار الموظفين ورجال الدولة المدنيين والعسكريين والأشراف والوجهاء ونحوهم، وفي الحفل أجلس يوسف الصديق (عليه السلام) أبويه معه على السرير الذي كان يجلس عليه أثناء الحفل، وأبدى لهما شيئاً عظيماً من البر والاحترام والتقدير والتكريم والتبجيل والتعظيم، يليق بمقامهما كأبوين من الأولياء الصالحين العظام، ويعبر فيه عن أخلاقه النبوية الرفيعة وعن تواضعه عموماً ولأبويه العظيمين خصوصاً، وعن كرامة النبوة وعظمة الإمامة والولاية وعزة الملك والسلطان ورفعة المقام.

وقبل الاحتفال جلس الحضور في قاعة الاحتفال الضخمة جداً، وفيهم نبي الله يعقوب (عليه السلام) وأبناؤه الأحد عشر وجميع أهل بيته وعشيرته فلما دخل عليهم يوسف الصديق (عليه السلام) قاعة الاحتفال، قام له الحضور جميعاً، وخر أبواه وإخوته له سجداً، وذلك إجلالاً له لما رأوا من مظاهر العظمة والجلال والمواهب والألطاف الإلهية عليه والمقام الرفيع الذي كان له، وتحية منهم إليه، وإظهاراً للعشق والمحبة له، وشكراً لنعمة الرب تبارك وتعالى عليه وعليهم، وتكريماً وتعظيماً لمقامه السامي الرفيع، ولم يكن سجود عبادة؛ لأن سجود العبادة لا يجوز إلا لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ولا يجوز لغيره مهما كان مقامه وكانت منزلته الدنيوية والروحية، ولا يمكن أن يصدر عن نبي معصوم مثل نبي الله يعقوب (عليه السلام) أو يرضى به ولي الله الأعظم يوسف الصديق (عليه السلام) وكان سجود التحية للمعظم جائزاً في شريعتهم ومتعارفاً في زمانهم، وقد حرم في شريعة خاتم الأنبياء الكرام محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل: كان سجود نبي الله يعقوب (عليه السلام) وزوجته راحيل أم يوسف الصديق (عليه السلام) وأبناءه الأحد عشر أخوة يوسف الصديق (عليه السلام) سجوداً لله سبحانه وتعالى، وأنهم أخذوا يوسف كآية لله  (جل جلاله) وقبلة لهم في سجودهم، تماماً كما تتخذ الكعبة قبلة فيصلي إليها، والصلاة هي لله سبحانه وتعالى وليس للكعبة، وكذلك سجود نبي الله يعقوب (عليه السلام) وزوجته وأبناءه الأحد عشر لله سبحانه وتعالى لا لغيره، وقيل: كان سجوداً لله تبارك وتعالى شكراً له على نعمة اجتماع الشمل وغيرها من النعم الكبرى التي أنعم بها على يوسف الصديق (عليه السلام) وعليهم، وقد أخذهم الجمال اليوسفي الطبيعي والروحي البديع، وغشيهم النور الإلهي المتلألئ من محياه ومن جماله البديع وقد أراهم الله (عز وجل) فيه ما لم يره غيرهم فلم يتمالكوا أنفسهم حتى خروا له ساجدين.

ثم أنزل يوسف الصديق (عليه السلام) أبويه عنده في منزله وضمهما إلى بيته وعائلته وأخلصهما بقربه وحبه ورعايته وتكفل بهما بنفسه، وأسكن إخوته وبقية أهله وعشيرته في مكان خاص اقتطعه لهم الملك (فرعون) وأعده لهم وجهزه بكل ما يحتاجون إليه من مقومات الحياة الكريمة، وكان المكان في أطراف مصر، معروف بالخصوبة وكثرة الزرع. وكان بدخول نبي الله يعقوب (إسرائيل) (عليه السلام) وجميع بني إسرائيل إلى مصر الحضارة والمدنية على تلك الحالة السارة، وما حدث لهم من حسن الاستقبال وحسن الضيافة وضمان الحياة الكريمة والأمن والسلامة، قد أزال عنهم النصب والتعب ونكد العيش وضيق الرزق، وفتحت لهم صفحة جديدة في حياتهم وتاريخهم تقوم على النعيم الإلهي والرعاية اليوسفية الرحيمة والمشفقة.

وقد بقى بنو إسرائيل في المكان الذي أسكنهم فيه يوسف الصديق (عليه السلام) إلى عهد نبي الله موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) في القرن الثالث عشر (13) قبل الميلاد، حيث خرج بهم بأمر الله  (جل جلاله) من مصر متوجهاً إلى فلسطين بعد أكثر من أربعمائة (400) سنة أقاموا خلالها في مصر، وكان عددهم قد تجاوز في ذلك العهد الموسوي الميمون ستمائة ألف وخمسمائة وسبعون (600,570) وقد دخلوا فلسطين في عهد وصي موسى الكليم (عليه السلام) وخليفته يوشع بن نون بعد أربعين سنة قضوها في التيه في صحراء سيناء والنقب بسبب معاصيهم وتركهم الجهاد في سبيل الله (عز وجل)، وقد توفي موسى الكليم وأخوه هارون (عليه السلام) في هذه السنوات الأربعين ودفنا في صحراء سيناء قبل أن يدخلا إلى فلسطين.

وموسى الكليم وأخوه هارون (عليه السلام) من نسل يعقوب وإسرائيل (عليهم السلام) أي: من بني إسرائيل. وكانوا مستعبدين ومستضعفين جداً من قبل فرعون الطاغية الجبار وحكومة الأقباط المستكبرين، وكانوا ممنوعين من الرجوع إلى وطنهم الأصلي فلسطين، حيث كان يسكن جدهم الأول يعقوب (إسرائيل) قبل هجرته إلى مصر في عهد حكومة ولده يوسف الصديق (عليه السلام) في القرن الثامن عشر (18) قبل الميلاد، وذلك بهدف إبقائهم تحت سلطة فرعون ولكي يستخدمهم الأقباط الذين هم قوم فرعون في الأعمال الشاقة والدنيا، مثل: أعمال البناء والزراعة ونقل الماء وخدمة البيوت ونحوها، وذلك رغم تاريخهم العريق وشرفهم وكونهم من أولاد الأنبياء الكرام (عليه السلام) ومن سلالة نبي الله يعقوب (عليه السلام) والد عزيز مصر ورئيس وزرائها البارز والمميز وصاحب الأفضال على أهلها يوسف الصديق (عليه السلام)، مما يدل على أن الملوك الجبابرة الذين يحكمون بفرض الأمر الواقع لا يرون إلا أنفسهم ولا يرون غيرها، ولا يفكرون إلا في مصالحهم وفي البقاء في السلطة والتمتع بامتيازات الحكم والسلطة، ولا يؤمنون إلا بالقوة، ولا يقيمون لأحد وزناً أو كرامة أو فضل ولا يحفظون لأحد حرمة، ولا يعترفون لأحد بتاريخ، ولا يعتبرون بدين أو مبدأ أو قيمة أخلاقية أو إنسانية ولا بشيء من هذا القبيل، وتلك بدون شك رذيلة لا يفعلها إلا خسيس الطبع، خارج عن الفطرة من الفراعنة والمترفين والانتهازيين الأنانيين.

وفي المقابل يقع الأنبياء الكرام والأوصياء المطهرون والأولياء الصالحون، الذين يؤثرون الآخرة على الدنيا، والقيم الروحية على القيم المادية، ويحرصون على الإنسان تمام الحرص، ولا يكتفون بالتبليغ عن الله تبارك وتعالى والتربية الصالحة للمؤمنين، بل يعملون على الأرض ويجاهدون بالنفس والنفيس من أجل صالح الناس وعزتهم وكرامتهم والوصول بهم إلى كمالهم الإنساني اللائق بهم والمقدر لهم وإلى سعادتهم الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة، وينخرطون في حركات الإصلاح والمطالبة بالحقوق ويشاركون في عمليات المقاومة والتحرير بكل ما أوتوا من قوة، ويقودون الثورات المشروعة على الطواغيت الضالين والفراعنة الجبارين الفاسدين والمستكبرين في الأرض وكل مظاهر الباطل والظلم والجور والفساد والاستكبار والاستبداد والدكتاتورية والتخلف والتحلل والانحطاط، وهذا ما ينبغي أن يتحلى به المؤمنون الصالحون الصادقون في إيمانهم والشرفاء ويكونوا عليه.

الجدير بالذكر: أن الأنظمة الدكتاتورية والحكومات المستبدة، كانت ولا تزال تمارس صنوف القمع والاضطهاد والتعذيب والتضييق والقتل والسجن والتشريد وتشويه السمعة ضد قادة ورموز وجماهير حركات الإصلاح والثورات والمطالبين بحقوق الإنسان، تريد بذلك أن توقف عجلة التاريخ والمسيرة البشرية، ولكن بدون جدوى، فمساعي الطواغيت والفراعنة والحكام المستبدين، مساعي بائسة غير منتجة ولا يمكن أن تفلح وتصل إلى أهدافها؛ لأنها ضد المنطق والفطرة والطبع الإنساني السليم وضد السنن الإلهية الحاكمة في المسيرة البشرية التاريخية.

وإلى جانب ذلك يحتفظ الضمير الإنساني العالمي التاريخي والمعاصر بالاحترام والتقدير والتبجيل، لقادة ورموز وجماهير حركات الإصلاح والثورات في العالم لما لهم فضل ودور تضحوي وتنويري كبير في تجميل وتحسين وجه العالم وإضاءة صفحات التاريخ والتقدم بالبشرية إلى الأمام في مسيرتها التاريخية والحضارية التكاملية، ويحتفظ بالاستهجان والتحقير والذم واللعن إلى قادة ورموز وأتباع الأنظمة الدكتاتورية والحكام المستبدين؛ لفساد طبائعهم وسوء أخلاقهم وانحراف سلوكهم، ولما لهم من دور سيء في انتهاكات حقوق الإنسان الطبيعية والمكتسبة، ولما تسببوا فيه من أحزان وآلام ومصائب للشعوب، وتسويد صفحات التاريخ وإعاقة تقدم البشرية في مسيرتها التكاملية المعرفية والتربوية والحضارية.


المصادر والمراجع

  • [1]. يوسف: 93
  • [2]. يوسف: 99-100
  • [3]. الجوهر الثمين، سيد عبدالله شبر، جزء 3، صفحة 228
  • [4]. نفس المصدر
  • [5]. التفسير المبين، محمد جواد مغنية، صفحة 317
  • [6]. يوسف: 99

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟