ظاهرة الإمامة
الإمامة بمظاهرها لها أصولها النظرية في المعارف الإلهية والفكر الإنساني عموماً، ولها معالمها البارزة الدالة عليها من خلال سيرة الأئمة (ع) وصفاتهم.
البحث في الإمامة بمظاهرها يشمل البحث في الأصول النظرية للإمامة في المعارف الإلهية، وفي الفكر الإنساني، ويشمل أيضاً الدراسة التحليلية لسيرة الأئمة (ع) وصفاتهم وأخلاقهم.
والمقصود بالدراسة التحليلية أننا نبحث عن دلالات السيرة ودلالات الصفات ونسبتها إليهم (ع). وتبدأ الدراسة التحليلية هذه منذ وفاة الرسول الأعظم (ص) حتى وفاة الحسن العسكري (ع)، كانت خلالها سيرة الأئمة واضحة ومعروفة. بعد ذلك تبدأ الغيبة الصغرى ثم الغيبة الكبرى، ولكي تتضح مع المسيرة التاريخية للأئمة (ع) ينبغي تقديم دراسة لفلسفة الغيبة ودلالتها، وكيف تستطيع الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى أن تشارك في تحقيق الأهداف التي أرادها الله (عز وجل) من سيرة الأنبياء والأئمة (ع).
وتشمل «الدراسة التحليلية» أيضاً الامتداد الطبيعي للأئمة (ع) في عصر الغيبة وهم الفقهاء، ثم تشمل مرحلة الظهور بصفتها النتيجة النهائية (وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِيْنَ). وبحث ظاهرة الإمامة يفتح آفاقاً جديدة لبحث عقيدة الإمامة، وبحث خط الإمامة يفتح آفاقاً أخرى لتقييم هذا الخط.
* الأصول النظرية للإمامة في المعارف الإلهية:
(أ) الله (جل جلاله) يقول: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[1]. هذه الآية تبين لنا الرؤية القرآنية للإمامة، فالإمام حسب هذا منظور الآية معيّن من قِبل الله (عز وجل)، وهي أيضاً عهد من الله (عز وجل) لهذا الأمام، وأنه يجب أن يكون معصوماً أيضاً (قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، الظالم لغيره والظالم لنفسه على السواء، وذلك حسب المفهوم القرآني للظلم.
(ب) واقع إمامة أهل البيت (ع):
* النصوص الدالة على إمامة أهل البيت (ع) مثل: حديث الثقلين، آية الولاية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ)، وبإجماع المفسرين أنها نزلت في علي (ع).
* النصوص الدالة على عصمة أهل البيت (ع): آية التطهير (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[2].
(ج) عدم وجود فهم للأصول النظرية في مدرسة الخلفاء الخط المقابل لمدرسة أهل البيت (ع)، مثل: الشورى:
(1) لا دلالة في النصوص الإسلامية الخاصة بالشورى في أنها تمثل الأساس في اختيار الحاكم الشرعي، وإنما لها دلالتها في إدارة الحكم.
(2) لا واقع (في تجربة الخلافة الإسلامية) لاختيار الحاكم الشرعي عن طريق الشورى.
(د) إن خط إمامة أهل البيت (ع) فيه المصداقية إلى كثير من أحاديث الرسول (ص) والآيات القرآنية، وتنعدم هذه المصداقية في خط الخلافة (المقابل) مثل:
(1) الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم، والأمام أحمد، وأبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك (الصحاح والمسانيد في مدرسة الخلفاء)، فضلاً عن مدرسة أهل البيت (ع): (الخلفاء من بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش «أو» اثنا عشر نقيباً «أو» اثنا عشر خليفة «أو» كعدة الشهور). مصداقية هذا الحديث واضحة في إمامة أهل البيت (ع)، ولا يوجد فهم محدد من قِبل مدرسة الخلفاء لهذا الحديث.
(2) الحديث الصحيح الوارد بأكثر من صيغة (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) و(من مات وليس في رقبته بيعة مات ميتة جاهلية). حينما تسأل الإنسان المخالف من هو إمام زمانك، الذي إذا مت ولم تعرفه مت ميتة جاهلية، وكان مصيرك إلى النار؟ فإنه لا يعرف الجواب. أما الإنسان الموالي لأهل البيت فإنه يعرفه.
(هـ) عند البحث في سيرة أئمة أهل البيت (ع) نجدهم اثني عشر إماماً هم أفضل أهل زمانهم، حتى حسب تقييم المخالفين، بل المعادين لهم.
(و) عدم وجود معلم للإمام من أهل البيت (ع)، ويتضح ذلك أكثر في حياة الإمام الجواد وحياة الإمام علي الهادي (ع)، حيث توليا زمام الإمامة ما بين سبع وعشر سنوات، والقرآن الكريم يتضمن ما يوافق ذلك، قوله تعالى مخاطباً يحيى (ع): (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)[3]. وفي المقابل نجد خط مدرسة الخلفاء، حيث الخلفاء الفاسقون من بني أمية وبني العباس، نجدهم ما بين شارب خمر أو لاعب بالطنبور.. إلخ.
المراجع والمصادر
- [1]. سورة البقرة، الآية: 124.
- [2]. سورة الأحزاب، الآية: 33.
- [3]. سورة مريم، الآية: 12.