مواضيع

التشيع البريطاني

تمهيد

إنّ أعداء الإسلام ولكي يقضوا على الإسلام، فإنهم يشنون الحرب تلو الأخرى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ينوّعون في حروبهم، فمن حروب عسكرية إلى حرب اقتصادية إلى حرب ثقافية فكرية وإلى حرب أخلاقية ومعنوية، فهم في حربٍ دائمة وعلى أكثر من جبهة وبأكثر من أسلوبٍ وطريقة.

إيجاد البديل المشابه شكلاً لا مضمومناً

من أكثر الوسائل التس اعتمدها الأعداء من أجل ضرب الإسلام هي إيجاد إسلام بديل عن الإسلام الأصيل!

وعندها لا يقدر عامة الناس على التفريق بين الإسلاميين فيقعون في فخاخ الشياطين.

الإسلام الأموي والإسلام العلوي

الإسلام الذي جاء به النبي محمد(ص) هو الإسلام الذي جسّده أمير المؤمنين(ع) والذي أقامه عندما جاءته الخلافة، ولكن في المقابل بدأ الإسلام الأموي بالظهور من يوم السقيفة، ليُعلن عنه الطليق ابن الطلقاء في عام 40 هـ، فكان الصراع الحقيقي بين الإسلامين، العلوي والأموي.

وللأسف فإن عامة الناس في ذلك الزمان ما كانت تفرّق بين الإسلاميين، بل أصبحت الأمة تعمل بالإسلام الأموي عوضاً عن الإسلام المحمدي الأصيل.

الإسلام الأمريكي

اليوم تُعاد القصة بنفسها، حيث قام أئمة الكفر بقيادة الشيطان الأكبر والاستكبار العالمي بصناعة إسلامٍ جديد بمقاساتٍ شيطانية استعمارية؛ تمكّن الطغاة وتسلب ما تبقى من قوّة الضعاف.

وها هي الدول الإسلامية ترزح اليوم تحت حكومات ودولٍ تدّعي الإسلام، وما هو إلا الإسلام الأمريكي الذي يمكّن الكفار من مقدرات الأمة ويجعل شعوبها ضائعة تائهة لا حول لها ولا قوة! وهذا هو سر تأخرها وضياعها وتيهها.

أبرز ما ظهر من الإسلام الأمريكي هو إسلام القاعدة وداعش ومن قبلهما السلفية البغيضة التي كفّرت كل المسلمين وبالأخص شيعة أمير المؤمنين(ع).

العمالة الأمريكان

من يسير في ركاب الأمريكان ويتحرك بمقاساتهم ويحمل رؤاهم، بل ويحمل طباعهم، ما هو إلا عميلٌ لهم، يشعر أو لا يشعر، يعي أو لا يعي.

وهو مهما صرخ نهاراً أو ادّعى المعارضة جهاراً، بل وحتى لو سجن شهوراً وأعواماً، فهو في آخر المطاف لن يحقق إلا أطماع الاستكبار، ولم يُسعد إلا الأمريكان، وأما شعبه وأهل وطنه فهم في حرمانٍ وفقرٍ وجهلٍ وألمٍ لا يُطاق.

مسؤولية الأمة

ما لم تخلع الأمة – وبالأخص نخبها وخواصها – هذا اللباس المذل ولم ترفض هذا المنهج المنحرف، وما لم ترجع إلى إسلامها الأصيل، فلا ينبغي أن ترجو لنفسها ولا لشعبها خيراً ولا نفعاً.

وهل انتهت القصة؟

كلا، لم تنتهِ القصة؛ حيث وجدوا أنّ الإسلام ما زال باقياً، وفي الأمة من يحمي مقدراتها ويحفظ حماها وعزتها وكرامتها، فتساءلوا مبغضين: كيف ذلك والناس ترتدي الإسلام الأمريكي؟

فكان الجواب: إن في الأمة من رفض هذا اللباس ولم يرضخ لإملاءات البغاة، وأبى إلا عيش العزة والحرية والكرامة، وأنهم شيعة أمير المؤمنين(ع).

فالتشيع هو الذي حفظ الإسلام، وهو الذي أبقاه من ذلك الزمان إلى هذا الزمان، مع كل ما جرى عليه من تشويهٍ وتضييعٍ وتحريفٍ لمبادئه وقيمه وأحكامه وسننه؛ فالإمام علي(ع) كان هو الحافظ للإسلام حتى مع قيام السقيفة واغتصاب الخلافة وتعاقب الطلقاء وأبناءهم عليها.

وهكذا، فإن التشيع هو الذي حفظ الإسلام، حتى بثوبه الأموي الأمريكي.

فما العمل حتى يقضوا على الإسلام من جديد؟

الجواب: هو صناعة تشيعٌ جديد، ولكن هذه المرة بلباسٍ بريطاني، فكان التشيع البريطاني.

عن الأمير(ع): «إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى»[1].

التشيع البريطاني

ما دام التشيع يمثل نواة الإسلام وقلبه النابض وروحه الخالدة، فكانت الشيطنة البريطانية بصناعة تشيع شبيه بالتشيع الأصيل، يحقق أهدافهم على ما تبقى من إسلام أعداءهم، إنه التشيع البريطاني.

الاختراق من الداخل

هذه المرة، التحريف في داخل النواة، والسهم يصيب عين الإسلام وروحه المتألقة وقلبه النابض، فلا قاعدة ولا داعش ولا غيرهما، إنما عمائم سوداء وأخرى بيضاء! وألقابٌ ما أنزل الله بها من سلطان.

نعم، اخترقوا الحوزات العلمية في النجف وقم وكربلاء وغيرها؛ ليصنعوا واجهةً وعلماءً يفكرون كما يريد لهم الاستعمار البريطاني أن يفكروا؛ فيهدمون التشيع من داخله، ويشوّهون سمعته من حُماته، ويشقّون الصف بمثل هذه العمائم المهترئة.

عمامةٌ صنيعة الاستخبارات البريطانية

لا أدري، أنيامٌ أم أيقاظ، أم أنهم في غيّهم يعمهون؟ كيف لهم أن يصفقوا لعمامة مقرها ودعمها من الاستخبارات البريطانية؟ ولعالمٍ يتعرض في وضح النهار لعمامة علماء الطائفة؟ على وقاحة منطقه وضحالة فكره وبذاءة كلماته!

نعم، إنه خبيث العمائم وعميلٌ بصورة عالِم، وشيطانٌ في هذا الزمن الغابر.

عن الأمير(ع): «وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ، فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى، وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى، فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَ لَا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّه».[2]

فدكٌ تكسر ضلع الزهراء(عليها السلام)!

جاء بقناة فدك ليكسر ضلع الزهراء(عليها السلام) مرة ثانية، ويسلب إرثها بتشويه دين أبيها، ويغرر بضعاف العقول بعمامته التي لُفّت بحبال الغدر والخيانة!

عن الأمير(ع): «وَآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَأَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ وَنَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وَقَوْلِ زُورٍ قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ وَعَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ وَيُهَوِّنُ كَبِيرَ الْجَرَائِمِ يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَفِيهَا وَقَعَ وَيَقُولُ أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وَبَيْنَهَا اضْطَجَعَ فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ وَالْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لَا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَلَا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ».[3]

شريعتمداري المرجع

هو مثالٌ على ما نقول ومدّعمٌ لما ذكرناه، فقد صنعوه لكي يكون ندّاً للإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه) من أول أيام الثورة الإسلامية الإيرانية، وكانت له موقعية عند الكثير من الناس حيث كان يقلّده نحو 3 ملايين من الشيعة، وكان ثورياً طوال 15 عاماً، ولكن عند المحكّات والمنعطفات كانت تُعرف حقائق هذه العمامة، فقد كان الإمام(رضوان الله تعالى عليه) يدعو لإسقاط النظام بينما كان هو يدعو للمملكة الدستورية وإبقاء الشاه! وكان الإمام الخميني يقول وهو يقول! ولكن بعد انتصار الثورة الإسلامية وعندما هجم الطلاب الجامعيين على السفارة الأمريكية واستولوا على الوثائق السرية، اكشتفوا بأنه كان عميلاً للاستكبار والاستعمار طيلة أيام الثورة!

لفتة هامة: لا نرفض الجميع

هذا لا يعني أن يفهم البعض خطئاً أننا نرفض أي مرجعٍ آخر غير الولي القائد، فهذا كلامٌ لا يقول به عاقل، وإنما مرادنا أن هناك من بين المراجع أو من يدّعون المرجعية – وإن كانوا قلة – هم عملاء من حيث يعلمون أو لا يعلمون، ومعيار عمالتهم أن أفعالهم وتصرفاتهم كلها تصبّ في صالح الاستكبار العالمي وتحت مشروع التشيع البريطاني، فالتقييم بلحاظ الواقع الخارجي والسلوك على الأرض، ويكفيك أن تنظر إلى إعلام الاستكبار العالمي وعملائهم، حيث تجدهم يمجّدون مثل هذه العمائم ومثل هذه المرجعيات، وكما يقول السيد الإمام(رضوان الله تعالى عليه): «إذا رضي علينا الأمريكان فعلينا أن نتهم أنفسنا»، وكيف لا؟ وهل يرضى الشيطان إلا على أوليائه؟!

بعض معالم التشيع البريطاني

  • محاربة الوحدة الإسلامية: فهم أساس أي شقاقٍ وشرخ في الأمة؛ فهم لا يؤمنون بالوحدة الإسلامية، ويسعون لإيجاد الاحتراب بين المسلمين، فلذلك يحرّكون المسائل الخلافية بين العوام ومن خلال الفضائيات، فإذا كانت بالأمس وصال وصفا بلغةٍ سلفية وهّابية، فاليوم فدك بالصبغة الشيعية البريطانية.

ويزيد التشيع البريطاني بأنه يقوم بإيجاد الشقاق والاحتراب وإيجاد الفتن بين الصف الشيعي الواحد، فما أن تقع أرجلهم على أرضٍ حتى يزرعوا الشقاق والصراع بين المؤمنين.

  • تسخيف القضية الفلسطينية: هم لا يعيرون القضية الفلسطينية أي اهتمام مع أنها القضية الأم والأساس، خصوصاً أن العدو هو الصهاينة مع الحماية الأمريكية والولادة اللاشرعية البريطانية.

يقولون: فلسطين سنّة والله سلّط عليهم اليهود! فماذا نقول لمثل هؤلاء وهم يحملون مثل هذا المنطق؟!

الاشتغال بهوامش الفروع، لا تجدهم يركزون على المسائل الأصيلة والأساسية ويركزون على المسائل الفرعية، حتى يتحوّل المباح أو المستحب إلى واجب وفرض عين!

وعندما تقع الحروب المصيرية لا تجدهم في الساحات، فأين الذين يبكون على السيدة زينب(عليها السلام) عندما هدّد الدواعش بأن ينبشوا قبرها؟ وأينهم وهم يرون الغزاة يقطعون الأمة قطعةً قطعة؟ فمسائل الجهاد ومقارعة الطغاة والاحتلال وغيرها هي أمور غير مهمة! وما المهم؟ قالوا: إحياء المآتم وعقد مجالس البكاء! حتى ذهبت بعض عمائمهم إلى بعض المناطق المفارقة في جنوب لبنان من أجل أن يخدّروا الشباب ويزّهدوا الناس عن خيار المقاومة واسترجاع الكرامة! فلمّا ضعف الصهاينة من مقاومة وبسالة وشجاعة رجال حزب اله تراهم يرسلون مثل هذه العمائم لتوهين عزمهم وتغيير فكرهم ومن ثم تحقيق النصر عليهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون من عمائم مثل هذه العمائم، وباسم الحسين(ع) ومنبر الحسين(ع) يقتلون الحسين(ع).

  • معاداة خط الإمام الراحل(رضوان الله تعالى عليه): الإمام يطرح أسبوع الوحدة وهم يطرحون أسبوع البراءة! والإمام يطرح عشرة الفجر (انتصار الثورة) وهم يخترعون عشرة وراء عشرة! يأخذون الاسم ويفرغونه من المحتوى وهكذا.
  • القشرية في فهم الدين: هم يرفضون أن يتعمقوا في أحكام الدين وبيان فلسفته، خصوصاً في القضايا العقلية الفلسفية، فهم حربٌ على كل ما فيه تعقّل بحجة التعبّد، حتى دعوا إلى فصل الدين عن العقل! وما أشبه اليوم بالبارحة حين تم فصل الدين عن السياسة!
  • المهادنة والوقوف مع الحكام: قد تراهم – عندما يرون في المصلحة في ذلك – يتعاقدون مع الحكام الجائرين، بل يستلمون منهم الأموال لتأمين رواتب طلاب العلم (المشايخ) في حوزاتهم! فلا أعلم/ ما هو مصير هذا العالم الذي يأكل ويشرب على نفقة الدولة الظالمة الجائرة؟ وهل صناعة العمالة غير ذلك؟ وهل تكون صناعة علماء البلاط بغير هذه الطريقة؟ وهذا الملجس الأعلى الإسلامي وذلك المعهد الجعفري وتلك حوزات النظام، فهل الناس نيام؟

والمؤسف أن ينضم الإنسان لهذه الحوزات بعد كل معانات في سجون الظالمين، ويكون مؤسساً لهدم التشيع بعمائم هو يصنعها بمقاساتٍ حكومية!

فإنا لله وإنا إليه راجعون!


[1]  نهج البلاغة، خطبة 50

[2]  نهج البلاغة، خطبة 38

[3]  نهج البلاغة، خطبة 87

المصدر
شمعة في وسط الظلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟