كلمة الشهيد السيد حسن نصرالله في احتفال يوم الشهيد
لتحميل الخطاب لتحميل الخطاب بصيغة PDF اضغط هنا
كلمة الشهيد السيد حسن نصرالله في احتفال يوم الشهيد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.
مقدمة يوم الشهيد
الإخوة والأخوات، الحفل الكريم، الإخوة والأخوات والأهل الكرام الذين اجتمعوا في هذا اليوم، يوم الشهيد، في الأماكن المتعددة، في الهرمل، في بعلبك، في النبطية، في دير قانون النهر، في المعيصرة-كسروان، وهنا في الضاحية الجنوبية.
السادة العلماء، عوائل الشهداء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” صدق الله العلي العظيم.
بعد الترحيب بالحضور الكرام، والتعبير عن الاعتزاز بالشهداء وبعوائل الشهداء، هذا اليوم كما في مثله من كل عام، يعني 11/11، هو يوم شهيد حزب الله في تقاليدنا وعاداتنا والتزاماتنا، ونقصد به كل شهيد، من أول شهيد مع انطلاقة مسيرة المقاومة في عام 1982.
مقاومة حزب الله بالتحديد، المقاومة العامة تشمل فصائل كثيرة، أتحدث عن حزب الله إلى آخر شهيد تم تشييعه اليوم، واليوم قرانا وبلداتنا في البقاع والجنوب والضاحية شيعت العديد من الشهداء الأعزاء.
هو يوم شهيدنا، يوم شهدائنا، كل شهدائنا، شهدائنا العلماء، شهدائنا المجاهدين، شهدائنا الاستشهاديين، شهدائنا الذين قضوا في كل الميادين وكل الساحات وكل المعارك وكل الأماكن، شهدائنا من الرجال والنساء والولدان، من الصغار والكبار، نحن لدينا عائلات بأكملها، أب وأم وأولاد استشهدوا كما حصل في حرب تموز.
طبعًا هذه المناسبة، هذا التاريخ كما هو معلوم لكم فقط للتذكير، تم اختياره انطلاقًا من العملية النوعية الكبيرة العظيمة التي نُفذت في يوم 11/11/1982 واستهدفت مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، وأدت إلى تدمير المبنى بالكامل ومقتل ما يزيد على 100 ضابط وجندي إسرائيلي وإعلان الحداد العام لثلاثة أيام في كيان العدو الغاصب.
وشاهدنا وجه شارون كيف كان مُسودًا “لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ”، هذا شهدناه أمام مبنى الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، أحد مصاديق “لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ”، كما أن من أعظم مصاديق “لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ” هو ما حصل في 7 تشرين الأول هذا العام في غزة في فلسطين المحتلة، هذه العملية النوعية التي نفذها أمير الاستشهاديين الشهيد أحمد قصير (رضوان الله تعالى عليه)، والذي اعتبر بحق فاتح عصر العمليات الاستشهادية في لبنان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهذه العملية كما نُذكّر في كل عام، ما زالت حتى اليوم بلحظتها، بفعلها، بنتائجها، ما زالت العملية الأهم والأكبر والأعظم في تاريخ المقاومة وفي تاريخ صراع هذه الأمة مع العدو الصهيوني.
مكانة الشهداء في ثقافة المقاومة
نحن اخترنا هذا اليوم ليكون يومًا لكل شهيد في مسيرتنا وفي هذا الطريق، لنؤكد أن الشهادة هي صانعة الانتصار وكما كان يقول الإمام الخميني (قدس سره) عن دم الحسين (ع) وشهادة الحسين (ع) في كربلاء، وعن يوم كربلاء أنه يوم انتصار الدم على السيف.
الدم في 11/11 دم الاستشهادي أحمد قصير، ودماء كل الشهداء الذين جاءوا بعده وكانوا قبله هم الذين انتصروا، هذه الدماء هي التي انتصرت على السيف الأميركي-الإسرائيلي المسلط على منطقتنا وعلى شعوب منطقتنا، وبالحد الأدنى من أربعينيات القرن الماضي.
نحن عندما نتحدث عن أعزائنا الذين قُتلوا منذ ذلك الحين، يعني 41 عامًا تقريبًا إلى اليوم نقول أنهم شهداء، لماذا؟ لأنهم قُتلوا في سبيل الله، الشهيد هو من يُقتل في سبيل الله، وإخواننا وأخواتنا وأعزاؤنا قُتلوا في سبيل الله عز وجل، وهؤلاء الشهداء لهم هذه الصفة المعنوية الكبيرة والعظيمة.
الشهداء في مسيرتنا وفي ثقافتنا لهم مكانة خاصة، مكانة إيمانية، معرفية، ثقافية، عاطفية، وجدانية، لهم عندنا قداسة، انطلاقًا من مديح الله سبحانه وتعالى لهم، وتعظيم الله لهم، وتكريم الله لهم في آيات القرآن وفي أحاديث الرسول وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين). حقيقة مقام الشهادة، نحن لا ندركها بعقولنا المحدودة كما كان يقول إمامنا الخميني، ما هو هذا المقام العظيم الذي كانت تتطلع إليه عيون أولياء الله الكبار، فيطلبون من الله ويتوسلون إليه بلهفة أن يرزقهم هذا المقام الرفيع.
نحن نشعر ببركات وتضحيات هؤلاء الشهداء هنا في لبنان وفي منطقتنا في كل ساعة وفي كل يوم وفي حياتنا اليومية، في الأمن والأمان والكرامة والتحرير والحرية والشرف وفي الحماية أيضًا من خلال قوة الردع التي صنعوها، نحن نُعرّف شهداءنا كالتالي: شهداؤنا أهل الإيمان بالله ورسله وأنبيائه وملائكته وكتبه واليوم الآخر، شهداؤنا هم أهل البصائر، يعرفون الهدف ويعرفون الطريق، يعرفون العدو ويعرفون الصديق، يتحركون في الوقت الصحيح، في المكان الصحيح، في الظرف الصحيح والمناسب.
شهداؤنا أهل الإحساس بالمسؤولية عندما يتغافل الناس وأهل تحمل المسؤولية مهما كانت الأثمان، شهداؤنا أهل العمل والجهاد، شهداؤنا أهل الصبر والتضحيات الجسام، والجود بالنفس أسمى غاية الجود، شهداؤنا أهل الإخلاص لله عز وجل، فلم يطلبوا في يوم من الأيام ولا يطلبون اليوم على دمائهم وعلى جهادهم وعلى شهادتهم ثناءً من أحد، ولا مديحًا من أحد، ولا شكرًا من أحد، ولا جزاءً من أحد، وإنما يرغبون بما عند الله سبحانه وتعالى.
شهداؤنا كانوا هكذا وما زالوا هكذا، والمجاهدون الذين يتقدمون في ساحات الجهاد والشهادة يحملون هذه الأنفاس وهذه الأرواح، وعوائل شهدائنا هم الذين قدموا لمجتمعنا هؤلاء الرجال وهذه النسوة، عوائل الشهداء الآباء والأمهات والبيوتات الشريفة والكريمة التي ربّت أبناءها وبناتها على الإيمان وعلى القيم وعلى الأخلاق وعلى حس المسؤولية وعلى الخوف من الله والطمع بما عند الله عز وجل.
عوائل شهدائنا أيضًا يحملون هذه المواصفات، من الإيمان وتحمل المسؤولية والعمل والجهاد والصبر والتضحية ويُضاف إلى ذلك الاحتساب، احتساب التضحيات بعين الله وعند الله سبحانه وتعالى، يصبرون ويحتسبون ويُسلمون لله في قضائه وقدره بل يرضون برضا الله، بل يفخرون بما اختاره الله لهم.
عندما انتخب الله من عائلاتهم شهيدًا، زوجًا أو زوجة أو ابنًا أو أخًا أو أختًا أو عزيزًا، أيًا يكن هذا العزيز، وهم نجحوا وينجحون كل يوم في هذا الابتلاء وفي هذا الامتحان، فقد الأحبة من أعظم الابتلاءات الإلهية للإنسان وخصوصًا وهذا ورد عندنا في الروايات الشريفة، من جملة الامتحانات الصعبة التي يُمتحن بها الإنسان فقد الولد، فلذة الكبد، وهذا امتحان عاناه وعاشه الأنبياء العظام (ص).
عوائل شهدائنا يحملون المسؤولية بعد الاحتساب، مسؤولية حفظ أمانة دماء أعزائهم، حفظ الأهداف، المحافظة على الطريق، المحافظة على الإنجازات والانتصارات، أصبحوا شركاء حقيقيين بالدم في هذه المسيرة، في تضحياتها، في إنجازاتها، في انتصاراتها، في التهديدات التي تواجهها، في المخاطر التي تُعاني منها، ولذلك في المواقف الصعبة نجد أن عوائل الشهداء هم الأشد لهفةً وقلقًا على هذه المسيرة، واحتضانًا لها واستعدادًا لتقديم المزيد من التضحيات.
أنا اليوم في يوم الشهيد أتقدم من كل عوائل الشهداء، أتقدم منهم بالتبريك، بانتمائهم إلى هذه القافلة، قافلة النور، قافلة سادة الوجود، قافلة الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى واجتباهم فاختارهم شهداء في ركب الأنبياء والأولياء (ص)، وأعترف لهم بالثبات والصلابة والصدق والإخلاص، بالوفاء، بالتضحية، بالزهد في الدنيا، بالتخلي عن كل أطماعها، وبالاستعداد الدائم للعطاء.
هم الذين يدافعون عن هذه المسيرة بأصواتهم، بحناجرهم، بمواقفهم، بثباتهم، يجب أيضًا أن أُشيد بالكلمات التي سمعناها منذ 8 تشرين أول إلى اليوم من عوائل الشهداء، التي تؤكد على المضي في المسيرة.
وفي الخطاب الذي وجّهه الآباء والأمهات والزوجات والأبناء والبنات إلى عوائل شهداء غزة والضفة وفلسطين، وعبّروا فيه في هذا الخطاب والخطابات والكلمات عن مواساتهم وهم في موقع العطاء، عطاء الدم، مواساتهم لعوائل الشهداء هناك وعن استعدادهم للفداء وتقديم المزيد من أجل الدفاع عن غزة وعن المقدسات وعن فلسطين وعن لبنان. عوائل الشهداء هم الذين أعطونا دائمًا منذ 1982 وقبل ذلك أعطونا دائمًا القوة للمضي في هذه المسيرة الجهادية التاريخية، التي تُساهم بحق وهي تساهم اليوم بحق في رسم مصير ومستقبل شعبنا وشعوبنا ومقدساتنا ومنطقتنا.
الأحداث الجارية وتطورات الأوضاع في المنطقة
أيها الإخوة والأخوات، يوم الشهيد هذا العام يتزامن مع أحداث كبيرة وخطيرة وتاريخية في منطقتنا، في غزة، في فلسطين، وفي كل منطقتنا، يجب أن نتوقف لبقية الوقت المتاح أمام تطور الأحداث لمواكبتها وفهمها وأيضًا لتحديد المسؤوليات تجاهها.
في الأحداث الجارية اليوم خصوصًا في غزة، نبدأ من غزة، هناك حدثان يتعاظمان، الحدث الأول: العدوان الإسرائيلي على الناس، على أهل غزة، رجال ونساء وأطفال والكبار والصغار وكل ما هو مدني، والحدث الثاني: هو التصدي البطولي والعظيم للمقاومة الفلسطينية في مواجهة قوات العدو.
في العنوان الأول ما يجري هو كبير وخطير واستثنائي في منطقتنا وفي العالم، هذا العدوان، هذه جرائم الحرب، هذه الوحشية، مساحة ضيقة هي قطاع غزة محاصرة يسكنها أكثر من مليوني إنسان تحت القصف منذ 7 تشرين الأول إلى اليوم ليلًا ونهارًا وعلى مدى الساعات، لا حرمة لشيء فيها لا لمساجد ولا كنائس ولا مدارس ولا مؤسسات دولية ولا مراكز صحية.
والغريب في جرائم هذا العدوان هو الاعتداء العلني والفاضح والمتبنى رسميًا على المستشفيات من قبل العدو وبحجج واهية وكاذبة، وهذه الأعداد الكبيرة للشهداء وأكثرهم من الأطفال والنساء، هذه الأعداد الكبيرة من الجرحى والمهجرين من بيوتهم والمنازل المدمرة تحت عين العالم وهذا لم يتوقف ولم يهدأ ولم يتراجع بل كان يزداد يومًا بعد يوم.
هذا الحدث المؤلم وهذه الجرائم العظيمة تُعبّر في جانب من جوانبها عن الانتقام الإسرائيلي، هذا انتقام روح الانتقام المتوحش الذي لا حدود له ولا ضوابط له لا أخلاقية ولا قانونية ولا إنسانية وهي تُعبّر عن حقيقة وطبيعة هذا الكيان.
لكن هناك جانب آخر وهو الذي أود أن أقف عنده قليلًا، ورد على لسان عدد من المسؤولين الصهاينة وهنا أيضًا يُخطئون في الحساب، وهذا وفهم هذا الموضوع هو مهم جدًا لنا جميعًا في المنطقة لأنه جزءٌ من تعطيل أهداف العدوان، هم يقولون يعني صرحوا بهذا بشكل واضح كل هذا القتل وهذا الإرهاب وهذا التعذيب وهذا التوحش هذا له هدف. هذا ليس فقط انتقام وعملية غضب وانفعال نفسي وإنما هو عدوان وجرائم هادفة.
أحد الأهداف الأساسية التي يريدها العدو هو الإخضاع، ليس إخضاع شعب غزة وأهل غزة فقط، بل إخضاع الشعب الفلسطيني، إخضاع الشعب اللبناني، إخضاع شعوب المنطقة. الهدف هو الإخضاع، الهدف هو إسقاط إرادة المطالبة بالحقوق المشروعة، الهدف هو التيئيس من خيار الصمود والمقاومة، الهدف هو الدفع إلى الاستسلام والى الاستسلام والقول أن كلفة المقاومة والمطالبة بالحق غالية جدًا فعليكم أن تتوقفوا.
هدفه أن يقول للفلسطينيين كل الفلسطينيين من خلال جرائمه في غزة، أن يقول لهم انسوا أرضكم وأسراكم ومقدساتكم، انسوا فلسطين من البحر إلى النهر وانسوا حتى أراضي 67 المحتلة، وهو يدمر ويقتل في غزة يُخاطب لبنان ويقول: انظروا يا أهل لبنان ما يجري في غزة، وغزة لأنها قاومت لأنها تمردت، هذا ما يريده العدو،
هذا من أهداف القتل المتعمد والوحشي، ما في قتل خطأ. يعني مثلًا عندما يأتي ليقول: دمرنا آلاف الأهداف، تكلم عن أكثر من عشرة آلاف هدف في غزة لحماس، أين يوجد عشرة آلاف هدف في غزة لحماس؟ أين توجد عشرة آلاف من النقاط العسكرية أو الجهادية لحماس والجهاد الإسلامي وكل الفصائل؟ هو يعتبر كل بيت وكل عائلة في غزة أهداف مشروعة لهم ليحقق هذا الهدف.
هنا يُخطئ العدو من جديد، وهذا الهدف لن يتحقق بالرغم من كل الآلام والمعاناة، كأن الصهاينة نسوا ما فعلوا بالشعب الفلسطيني منذ الأربعينيات في القرن الماضي، من مجازر في دير ياسين إلى الآن من مجازر، من هدم بيوت، من تهجير، من تغيير ديموغرافي، من قتل على مدى 75 سنة. ماذا كانت النتيجة؟ هل كانت النتيجة هي تراجع الشعب الفلسطيني وأجيال الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم وعن المقاومة وعن بذل الدماء والتضحيات؟ بالعكس كانت هذه المقاومة وهذه الإرادة وهذه الثقافة تتعاظم جيلًا بعد جيل وزمنًا بعد زمن، حتى وصلت في أعلى درجاتها إلى العمل التاريخي العظيم الذي أنجزه المقاومون من كتائب القسام في غزة في 7 تشرين الأول هذا العام.
وأيضًا هنا في لبنان غير الاعتداءات من 1948 إلى اليوم والحروب والغزوات، الإسرائيلي يتحدث عن حربين يسميها حرب. حرب لبنان الأولى اجتياح 1982، وحرب لبنان الثانية عام 2006 حرب تموز، غير الاجتياحات 1978 وغيرها.
طيب في اجتياح 1982 إذا رجعنا للإحصاءات، عدد المنازل التي دمرها في لبنان، عدد الشهداء عدد الجرحى بالآلاف المؤلفة، الذين هُجروا من ديارهم، الحرب طالت لأشهر، ولكن هل استطاع أن يجعل اللبنانيين يتخلون عن المقاومة؟
بالعكس، مباشرةً بعد هذه الحرب وهذه المجازر وهذا الدمار وهذا التهجير،انطلقت المقاومة اللبنانية بمختلف فصائلها. أحد التعبيرات القوية والأساسية، أحد ردود الأفعال الجوهرية التي تقول للعدو أنت مخطئ في حساباتك، هي عملية الاستشهادي أحمد قصير في 11/11/1982 وما تلاها من عمليات المقاومة لكل الفصائل والحركات والأحزاب اللبنانية التي شاركت في المقاومة، وألحقت الهزيمة بالعدو الإسرائيلي وأسقطت اتفاقية 17 أيار وفرضت عليه أن ينسحب بالـ 85 وبالـ 2000.
في حرب لبنان الثانية باصطلاحه هو ألم يقتل الآلاف ويجرح الآلاف ويدمر أكثر من 150 ألف وحدة سكنية ويُهجر أكثر من مليون إنسان من بيوتهم وديارهم؟ ماذا كانت النتيجة؟ هل تخلى الشعب اللبناني عن المقاومة أمام هول المجازر؟ على الإطلاق تمسك بالمقاومة أكثر، آمن بها أكثر، وثق بها أكثر، وما زال يثق بها إلى اليوم. إذاً هذا الهدف الذي يضعه العدو نصب عينيه يجب أن يُواجه.
للأسف هناك وسائل إعلام عربية وهناك كتاب عرب وإعلاميين عرب وآخرون في العالم هم يُساعدون بشكلٍ متعمد أو غير متعمد على تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي الذي قُلت أنه لن يتحقق نتيجة الوعي، نتيجة البصيرة، نتيجة الفهم، نتيجة الاستفادة المطولة من هذه التجارب. الذي يجب أن ييأس هو الإسرائيلي، الذي يجب أن يعلم أن من أشلاء الشهداء في غزة وفي الضفة ومن أشلاء الشهداء في لبنان وفي غير لبنان، من أشلاء الأطفال والبنات الصغار والجدات الكبار ستنطلق أجيال وأجيال للمقاومة أشد إيمانًا وأقوى بأسًا وعزمًا وتصميمًا على مقاومة هذا المحتل وإزالته من هذا الوجود إن شاء الله.
هو الذي يجب أن ييأس وليس شعوبنا هي التي يجوز لها أن تيأس، لأن خيارها الوحيد الذي أثبت على مدى 75 عامًا أنه خيار الانتصار والإنجاز والتحرير والحماية والكرامة هو خيار المقاومة وليس خيار الاستسلام والخضوع وإن غلت وتعالت التضحيات وكانت جسيمة جدًا كما يحصل اليوم في غزة وفي الضفة أيضًا.
طبعًا العدو من خلال هذا العدوان وهذه المجازر، كما قُلت أولًا لن يتمكن من تحقيق هذا الهدف وإنجاز هذا الهدف. وثانيًا هو يُلحق بنفسه الكثير من الخسائر، ومن جملة هذه الخسائر أن حقيقته الوحشية والهمجية تتضح أكثر لشعوب منطقتنا وشعوب العالم وحكومات العالم.
هم الذين عملوا خلال سنوات، أكثر من 20 سنة وهم يعملون في الإعلام العالمي والإعلام العربي للأسف على تصوير الكيان الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين والمستوطنين الإسرائيليين بقولوا الشعب (تحتها شحطين) على أنهم أخيار وطيبون ويريدون السلام والعيش بسلام، هذا كله ينهار، هم يُوجهون ضربات قاضية إلى مشروع التطبيع الذي يُعلقون عليه آمالًا كبيرة.
إذا كانت شعوبنا ترفض التطبيع بمعزل عن إرادة بعض الحكام قبل المجازر التي تحصل الآن في غزة، فهم بعد هذه المجازر وبعد هذه الوحشية سيكون موقفهم في رفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي أشد وآكد وأصلب وأكثر.
لكن الأهم في هذه اللحظة هو تبدل الرأي العام العالمي وانكشاف زيف الادعاءات الإسرائيلية التي تدعي أنها تدافع عن الأطفال وهي التي تقتل آلاف الأطفال وآلاف النساء، هذا التحول الآن هو في صالح المقاومة ومشروع المقاومة وأهل غزة.
المظاهرات التي تجري في أكثر من مكان في عالمنا العربي والإسلامي هي مهمة على درجة عالية من الأهمية، لكن الأهم هي المظاهرات التي تحصل في واشنطن ونيويورك ولندن وباريس ودول الغرب الأوروبي لأنها تضغط على حكوماتهم، الوقت هنا يضغط على العدو وعلى من يحمي العدو، اليوم حتى أولئك الذين من الدول، من رؤساء الدول الغربية، الذين كانوا يقولون في الأيام الأولى لا يجوز وقف إطلاق النار وأما وقف إطلاق النار هو لمصلحة حماس ومصلحة المقاومة في فلسطين.
اليوم كل هؤلاء انضموا إلى الأصوات الداعية إلى وقف كامل لإطلاق النار. لم يعد هناك أحد في العالم يدعم استمرار هذا العدوان وهذا القتل إلا الإدارة الأمريكية ومعها الملحق التابع الصغير الإنجليزي، التابع للإدارة الأمريكية حتى بدأ الأمريكيون يتحدثون عن إحساسهم بالعزلة في العالم.
الصوت الغريب في العالم اليوم هو الصوت الأمريكي، الأمر الذي لم يكن هكذا في الأسابيع الأولى. لكن اليوم بسبب هذا العدوان وهذه الدماء وهذه المجازر وأشلاء الأطفال وقصف المستشفيات، حتى العالم لم يعد يتحمل هذا الأمر، هذا طبعًا سيمثل ويشكل عامل ضغط على الأمريكي وعلى الإسرائيلي ويجعل الوقت يضيق.
وفي الحقيقة الذي يستطيع أن يمنع وأن يوقف هذا العدوان هو من يدير هذا العدوان وهو أميركا، هي التي تستطيع أن توقف هذا العدوان،
في إسرائيل اليوم في الكيان هناك مجموعة من الحمقى من المجانين من الغاضبين من الذين يفكرون بمستقبلهم الشخصي ومصيرهم الشخصي مثل نتنياهو مثل غالانت وأمثالهم، الذي يدير هذه المعركة ويقرر هذه المعركة ويخوضها ويدعمها هي الإدارة الأمريكية، وكل التنديد والاستنكار والضغط يجب أن يتوجه إلى الإدارة الأمريكية وإلى الأمريكيين، وكل عوامل الضغط في منطقتنا السياسية، الشعبية، العسكرية، الأمنية والاقتصادية إن أمكن يجب أن تتمركز هنا وبالدرجة الأولى على الإدارة الأمريكية، لأنها صاحبة القرار الأول والأخير.
موقف القمة العربية والإسلامية والدور المطلوب منها
وأنا أتحدث إليكم لا أدري إذا انتهت القمة العربية الإسلامية أو لا؟ اليوم هناك قمة تجمع 57 دولة عربية وإسلامية يعني 22 دولة عربية وإذا أضفنا إليها الدول الإسلامية غير العربية لدينا 57 دولة عربية وإسلامية.
العالم وشعوب المنطقة والشعب الفلسطيني يتطلعون إلى هذه القمة بمعزل عن التوقعات. اليوم قال الفلسطينيون كلمتهم، فهم لا يُطالبون هذه القمة بإرسال جيوشها لتحرير فلسطين أو لفك الحصار عن غزة. لا يُطالبونها بما يقولون إنهم لا يقدرون عليه، ولكن يطالبونها بالحد الأدنى.
الحد الأدنى هو أن يقف العالم الإسلامي والعربي وقفة رجل واحد ويصرخ في وجه الأمريكيين ويطالبهم بحق أن يوقفوا هذا العدوان وهذه الحرب وهذه الجرائم. أن يطالبهم بجدية وأن يتوعدهم بإجراءات، وليس فقط أن يقول لهم: “أوقفوا الحرب”.
لا أحد يطلب منكم إرسال جيوش أو أن تُتعبوا أنفسكم بتحرير فلسطين أو المسجد الأقصى، بل أن توقفوا هذا العدوان. حسناً، أقل من وقف العدوان، حتى لو بقيت غزة تقاتل، ألا تستطيع 57 دولة عربية وإسلامية أن تفتح المعبر على غزة لتُدخل المساعدات والدواء والماء والوقود وتستنقذ الجرحى؟ العالم ينتظر هذا القرار وهذا الموقف وهذا الإجراء، ويُبنى على الشيء مقتضاه.
أداء المقاومة الفلسطينية وجبهات المساندة
أداء حركة حماس والجهاد الإسلامي
الحدث الآخر هو أداء المقاومة في غزة. حماس والجهاد الإسلامي ومن معهم من فصائل المقاومة الفلسطينية كلٌ بحسب وسعه وطاقته وإمكاناته. القتال في غزة يجري في ظروف قاسية جداً؛ قصف جوي متواصل وعبء نفسي كبير. هؤلاء المجاهدون المقاتلون يجب أن ننتبه إلى أنهم عائلاتهم تُقتل وبيوتهم تُقصف وأحباؤهم يُهجرون.
في واقع نفسي صعب جداً، يقاتلون بشموخ وقوة وشجاعة وصلابة، ويواجهون الدبابات والآليات والجنود وقوات النخبة. اليوم في غزة أقوى ألوية النخبة الإسرائيلية هي التي تُقاتل، وهذا دليل على عجز إسرائيل عندما تزج بأقوى ألوية النخبة في قتال غزة ومع ذلك لا تُحقق الإنجاز ولا تقدم صورة النصر الكبيرة المطلوبة والمنتظرة من قبل الإسرائيليين.
عدد الدبابات والآليات التي أعلنت عنها المقاومة في غزة وعدد الجنود القتلى أكبر مما يُعلن عنه الصهاينة. أما عدد الجرحى، فقد تحدث أحد المستشفيات عن مئات الجرحى، وأعداد منهم في حالة خطرة تم إجلاؤهم من ساحة المعركة في غزة.
هذه الشجاعة والإقدام والإبداع في تكتيكات القتال وهذا الميدان المبهر والمبدع والأسطوري يُسهم اليوم بدرجة كبيرة في مسار الأمور، والرهان الحقيقي هنا هو على الميدان. بعد كل هذا الوقت منذ 7 تشرين الأول وحتى اليوم: قصف ودمار وقتل واستهدافات وعملية برية قبل أيام ومع ذلك الإسرائيلي ما زال عاجزاً عن تقديم صورة انتصار أو صورة انكسار أو استسلام لدى مجاهدي المقاومة في فلسطين وفي غزة. وبالتالي هنا تُعلق الآمال.
على مستوى جبهات المساندة، كما يصنفها الإسرائيلي أيضاً، الإسرائيلي اليوم يقول إنه يُواجه مجموعة من الجبهات. من جملة جبهات المساندة الضفة الغربية التي تشهد مزيداً من المواجهة والاشتعال وتقديم الشهداء. القلق الإسرائيلي واضح بشأن احتمالات الانفجار في الضفة الغربية، وهم يقولون إن هذا الوضع قد يضطرهم إلى سحب بعض القوات من شمال فلسطين المحتلة ومن الجبهة مع لبنان وحتى من الجنوب مع الجبهة مع غزة لمواجهة ما يخشونه في الضفة.
جبهة اليمن
الجبهة الثانية هي اليمن. اليمن اتخذت قيادتها وشعبها موقفاً جريئاً وشجاعاً وقوياً وعلنياً ورسمياً؛ حكومة صنعاء والجيش اليمني أرسلوا على دفعات مجموعة كبيرة من الصواريخ والمسيرات باتجاه أهداف في فلسطين المحتلة وفي الكيان الغاصب. وقد واجه هذا الأمر اعتراضاً عسكرياً أمريكياً من خلال البوارج وحاملات الطائرات والقدرات العسكرية الأمريكية.
هناك حديث للأسف عن تصدي عربي أيضاً لهذه الصواريخ ولهذه المسيرات، لكن ما قام به الإخوة في اليمن كان له آثار مهمة وكبيرة جداً حتى لو افترضنا بأن الصواريخ والمسيرات لم تصل (وهي فرضية)، وهناك فرضية أخرى أنها وصلت إلى إيلات وإلى أهداف أخرى في جنوب فلسطين المحتلة ولكن العدو الإسرائيلي يتكتم عن ذلك ومن مصلحته أن يتكتم.
من أهم نتائج هذا الموقف الاستثنائي عندما نتحدث عن العالم العربي: اليوم اليمن هي دولة وحكومة وجيش وليس فقط حركة مقاومة كحال المقاومة العراقية أو حزب الله في لبنان. حسناً أولاً هذا أعطى دعماً معنوياً ونفسياً كبيراً جداً للفلسطينيين والمقاتلين والمقاومين الذين يحتاجون إلى مثل هذا الدعم ويُطالبون بمثله وهم يخاطبون شعوب العالم حتى تتظاهر وتعتصم لأن هذا يشكل دعماً معنوياً كبيراً، فكيف إذا كان هناك جيشٌ يمني ومقاومةٌ يمنية تطلق الصواريخ والمسيرات؟
الأمر الثاني أن هذا التهديد ألزم العدو الإسرائيلي أيضًا بتحويل جزء من دفاعاته الجوية، وقببه الحديدية، وصواريخ الباتريوت من شمال فلسطين وجنوب فلسطين إلى منطقة إيلات. ومن جملة آثار هذا التهديد أنه جعل هذه المنطقة أيضًا غير آمنة، وهذا يعني المزيد من النزوح والتهجير للإسرائيليين النازحين من غلاف غزة، وهذا يُساعد في المزيد من الضغط على حكومة العدو.
وكما قلت قبل قليل، مجموع عوامل الضغط على حكومة العدو السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وما شاكلها هي التي تجعل العدو، مع ضيق الوقت، يتراجع ويُعيد النظر في عنجهيته وفي قراره.
اليمن، فيما يفعله ويقوم به، يقوم بخطوات كبيرة ومباركة ومشكورة جدًا، مع العلم أنه وُجهت إليهم تهديدات قبل العمل وبعده، وهُددوا بإعادة الحرب إليهم، والتي كانت وما زالت حربًا أمريكية بامتياز على اليمن وعلى الشعب اليمني، ولكنهم لا يُصغون إلى هذه التهديدات كما هو حال بقية قوى المقاومة في المنطقة، ويُواصلون الموقف بثبات.
طبعًا إلى جانب الحضور الشعبي الذي ليس له مثيل في العالمين العربي والإسلامي، بل ليس له مثيل في العالم. حتى الآن لم نشهد في أي مكان من العالم تظاهرات وتحشدات شعبية كتلك التي شهدناها في مدن اليمن وفي أكثر من يوم وفي أكثر من مناسبة، هذه إحدى جبهات المساندة.
جبهة العراق
جبهة المقاومة العراقية، استهداف القواعد الأمريكية، لقواعد الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا، أساسًا انطلق من فكرة التضامن مع غزة. أنا سمعت للأسف بعض المسؤولين الفلسطينيين يقولون: هذا ليس له علاقة بما يجري في غزة. كلا، قبل 7 تشرين الأول كانت هذه الجبهات هادئة، جبهة المقاومة العراقية كانت هادئة خصوصًا في داخل العراق.
الحيثية الحقيقية لانطلاقة أعمال المقاومة الإسلامية في العراق هو ما يجري في غزة والعدوان عليها، والموقف مُعلن في البيانات العسكرية وفي الموقف السياسي، وهم الذين يقولون: أوقفوا الحرب على غزة حتى نُوقف هذه العمليات، هذه هي المعادلة التي طرحوها.
لكن بلا شك هذه العمليات تخدم فكرة تحرير العراق وسوريا من بقية قواعد الاحتلال الأمريكي الموجودة فيهما، هي تخدم هذا الهدف بلا شك، ويجب أيضًا أن يُوظفها العراقيون والسوريون في تحقيق هذا الهدف، ولكن الحيثية الأساسية التي انطلقت منها هي التضامن مع غزة ودعم غزة وأهل غزة ومقاومة غزة.
الأمريكي، حتى أمس صباحًا، (أمس واليوم نضيفهما لاحقًا)، يعترف بحصول 46 هجومًا على قواعده في العراق وفي سوريا، ويعترف بإصابة 56 جنديًا، إما إصابات جراح أو ارتجاج دماغي. والعجيب “شو بصير عندن ارتجاج دماغي”، طبعًا نفس النتيجة، الارتجاج الدماغي يعني خرجوا من الخدمة.
هذا الذي قامت به وتقوم به المقاومة العراقية، نفس هذا العمل يُعبّر عن إقدام وشجاعة عالية، لأنه من يقاتل؟ يُقاتل الأمريكيين، الأمريكيين الذين تملأ أساطيلهم وحاملات طائراتهم وقواعدهم المنطقة، ولكن هؤلاء الرجال الشجعان والأبطال يقفون ويتحدون الأمريكيين والقوات المسلحة الأمريكية، يتحدونها بالنار. الموقف السياسي والمظاهرة مهمان جدًا ومطلوبان، ولكن عندما تذهب إلى حد المواجهة بالنار، أنت دخلت في قلب الخطر.
طبعًا الأمريكيون، بحسب المعلومات، أرسلوا تهديدات وطلبوا من دول أن يضغطوا على الإخوة في اليمن، وهم يضغطون على الإخوة في العراق، وهم يضغطون علينا في لبنان.
ما قالته السفيرة الأميركية بين هلالين أنه: “لا، نحن ما هددنا حزب الله”، هي إما كاذبة وإما جاهلة، لا تعرف شيئًا، لم يتركوا قناة غربية وعربية ومباشرة ولبنانية لإيصال التهديدات إلا وفعلوا ذلك، ومع ذلك هذا التهويل وهذا التهديد لم يُوقف عمليات المقاومة العراقية.
ولم يوقف عمليات الإخوة اليمنيين، ولم يُوقف عمليات المقاومة في لبنان، وبالرغم من الاعتداءات الأمريكية مؤخرًا في سوريا (أعود لها بعد قليل)، والخطاب المطروح من المقاومة العراقية، كما من اليمن، كما من لبنان: إذا أردتم أيها الأمريكيون أن تتوقف هذه العمليات في جبهات المساندة، وألا تذهب المنطقة إلى حرب إقليمية، عليكم أن تُوقفوا العدوان والحرب على غزة، هذه هي المعادلة، ولن يستطيع أحد أن يضغط على حركات المقاومة لتقف وتسكت وتصمت وتتخلى عن مسؤولياتها على الإطلاق، وهذا أيضًا يرتبط بجبهتنا.
جبهة سوريا
سوريا في الحقيقة تحمل مع محور المقاومة وفي قلب محور المقاومة عبئًا كبيرًا جدًا. الموقف السياسي السوري حازم وقوي وواضح، وغير قابل للنقاش في الجامعة العربية وفي المحافل الدولية، ولكن الأهم اليوم أن سوريا، بالرغم من ظروفها الصعبة، تحتضن مقاومين وحركات المقاومة، وتتحمل أيضًا تبعات المواجهة وتبعات هذا الموقف.
أمام أي قذيفة أو صاروخ ينطلق باتجاه الجولان (بمعزل عمن يُطلق ذلك)، يقوم العدو بقصف مطار دمشق ومطار حلب وأهداف أخرى، ويسقط شهداء من الجيش السوري والقوات الرديفة معه، يتحملون تبعات ضيق الخيارات الإسرائيلية.
يعني مثلًا ما حصل في إيلات قبل يومين، المسيّرة التي وصلت إلى إيلات، هذا اعترف به الإسرائيلي، وأحدثت رعبًا كبيرًا في إيلات، ووضعت إيلات تحت دائرة الخطر، وكانت عملًا كبيرًا ومهمًا جدًا، وهي التي تحظى بحماية أمريكية وإسرائيلية ويُقال بحماية عربية أيضًا.
ضاعت إسرائيل في تشخيص الجهة التي أطلقت أو انطلقت منها هذه المسيرة الهجومية، هل هي اليمن؟ هل هي العراق؟ هل هي مكان آخر؟ ووصلت في نهاية المطاف إلى اتهام إحدى تشكيلات حزب الله العاملة في سوريا، أين يكون الرد؟ الرد في سوريا، على ماذا؟ على المسيرة التي قصفت إيلات، وكما تعلمون ارتقى لنا بالأمس عدد من الشهداء هناك، هنا سوريا تتحمل هذه الأعباء الكبيرة
في قلب هذه المواجهة لا أعتقد أن أحدًا اليوم يُطالب سوريا بأكثر من ذلك، سوريا كدولة وكشعب، حتى نكون واقعيين وموضوعيين ونضع النقاط على الحروف في زمن (بين هلالين) الكثير من المزايدات التافهة والمزايدات الخبيثة، لأنه هناك مزايدات تافهة وهناك مزايدات خبيثة.
سوريا التي تعرضت لحرب كونية على مدى 12 عامًا وما زالت، سوريا التي تُحاصر بقانون قيصر الذي يخنقها اقتصاديًا ومعيشيًا، سوريا التي ما زال ينتشر جيشها من البوكمال إلى جبال اللاذقية في مواجهة الجماعات المسلحة على مساحة ومسافة مئات الكيلومترات،
سوريا التي تَعتدي داعش قبل أيام عليها في بادية سوريا في منطقة السخنة ويرتقي عشرات الشهداء من الجيش السوري، وما تفعله داعش هناك بحماية أمريكية ومساندة أمريكية، وهذا أحد وجوه النفاق الأمريكي الذي يخرج ويقول: نحن في سوريا نُقاتل داعش، هم في الحقيقة في سوريا يرعون داعش ويجمعون داعش ويُحيون داعش من أجل استنزاف الدولة والجيش والشعب في سوريا.
إذاً سوريا، بالرغم من كل هذه الجراح على مدى 12 عامًا، ما زالت في موقعها الصامد والثابت والحاضن للمقاومة، وبالتالي هي في الموقع الطبيعي والمنطقي في هذه المواجهة.
جبهة إيران
جبهة أخرى بكلمتين قبل أن أصل إلى الجبهة الأخيرة، إيران، الجمهورية الإسلامية في إيران، موقفها الراسخ من القضية الفلسطينية، دعمها الدائم والمستمر وبلا حدود، الدعم السياسي والمعنوي والدبلوماسي وأيضًا الدعم المالي والمادي والعسكري، هذا لم يعد أمرًا مخفيًا، كان يُخفى في السنوات الماضية،
أما اليوم هذا أمر معروف، إذا كان هناك من قوة للمقاومة في لبنان، إذا كان هناك من قوة للمقاومة في فلسطين، إذا كان هناك من قوة لحركات المقاومة في هذه المنطقة، فبالدرجة الأولى الدعم غير السياسي والمعنوي والذي تتشارك فيه مع سوريا ومع دول أخرى، لكن على مستوى الإمكانيات المادية والعسكرية والمالية هذا أمر معروف، وإذا كان هناك من إنجازات ومن انتصارات ومن حضور ومن قوة ردع موجودة في منطقتنا فهي ببركة هذا الموقف الشجاع والحاسم والقاطع لقيادة الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية في إيران.
سنوات طويلة من عمر الشهيد القائد الكبير الحاج قاسم سليماني وشهداء قادة كثر كانت في هذا السياق وفي هذا الصدد، لم يتركوا لا مالًا ولا سلاحًا ولا خبرة ولا تدريبًا ولا جهدًا ولا مشورة ولا دعمًا إلا وقدموه لحركات المقاومة، لتقف شعوب هذه المنطقة على رجليها.
وما زالت الجمهورية الإسلامية في هذا الموقع بالرغم من كل التهديدات. اليوم المقاومة العراقية تضرب الاحتلال الأمريكي، وأمريكا تُهدد إيران، المقاومة في لبنان تضرب الصهاينة في شمال فلسطين المحتلة وأمريكا تُهدد إيران، وإيران الجمهورية الإسلامية لا تُبدل موقفها على الإطلاق وهي في موقع، طبعًا هي لا تقرر كما قلنا بالنيابة عن حركات المقاومة، ولكنها ستبقى دائمًا وأبدًا في موقع الحامي والمدافع والمساند لحركات المقاومة وفي قلب هذه المعركة أيضًا.
الجبهة اللبنانية والعمليات العسكرية
أصل إلى جبهتنا اللبنانية، منذ 8 تشرين الأول العمليات مستمرة، لن أُعيد ما قُلته في خطاب يوم الجمعة، ما بعد خطاب يوم الجمعة استمرت العمليات بشكل يومي كما كانت، المواقع، الدبابات، الآليات، التجهيزات، حركة الجنود، تجمعات الجنود، رغم كل الإجراءات الوقائية التي قام بها العدو بشكل طبيعي، الاختفاء من الواقع، الاختباء في الجحور، العودة إلى الخلف.
ولكن أيضًا المقاومة تستمر، وأُريدكم أن تعرفوا أنه في ظل الحضور الدائم للمسيرات المسلحة الإسرائيلية، وهذا عامل جديد طبعًا لم يكن موجودًا في حرب تموز بهذا الشكل وهو عامل جديد في المواجهة، العمليات مع ذلك تستمر.
اليوم عندما يذهب أبناؤكم وإخوانكم المقاتلون المجاهدون في المنطقة الأمامية ليطلقوا صواريخ ضد الدروع أو صواريخ البركان أو صواريخ أخرى، أو يقوموا بأعمال قنص أو أي شكل من أشكال الاستهداف العسكري، أي خطوة إلى الأمام هي بمثابة عمل استشهادي بكل ما للكلمة من معنى، وهذا يُعبّر من خلال حجم العمليات اليومية في جنوب لبنان عن مدى شجاعة وصلابة وإقدام وحضور هؤلاء المجاهدين الشجعان والاستشهاديين والأبطال والمؤمنين.
في الأسبوع الماضي، يعني بين الجمعة واليوم السبت، لا شك أنه حصل ارتقاء في عمل المقاومة في جبهتنا اللبنانية، ارتقاء كمي على مستوى عدد العمليات وحجم الاستهدافات، وأيضًا ارتقاء على مستوى نوع السلاح.
نحن للمرة الأولى في تاريخ المقاومة في لبنان نستخدم المسيرات الهجومية الانقضاضية، فعلها الإخوة قاموا بها قبل أيام وقاموا بها بالأمس أيضًا، وأيضًا على مستوى نوع الصواريخ التي دخلت قبل أيام في المعركة، واليوم أيضًا تم استخدام هذا النوع من الصواريخ التي نُسميها البركان والتي تُستهدف بها المواقع.
البركان صاروخ زنة المتفجرات الموجودة فيه ما بين 300 كيلو إلى 500 كيلو، يعني نصف طن، لكم أن تتصوروا نصف طن من المتفجرات يقع على رؤوس المواقع الإسرائيلية في المنطقة الأمامية وفي الحدود وما يتركه.
الآن الإسرائيلي لا يتحدث عن خسائر ولا يعترف بخسائر، بحثٌ آخر أشير له بعد قليل، حتى وصولًا إلى استخدام الكاتيوشا التي لم نستخدمها من 8 تشرين الأول، سواءً في الرد على الاعتداءات على إقليم التفاح، والرد الذي طاول في العمق مرابض المدفعية القريبة من الجولان السوري المحتل، أو من خلال الرد على المجزرة، على القتل الوحشي الذي حصل في عيناثا والرد بصليتين، يعني بدفعتين من صواريخ الكاتيوشا والـ 107 على كريات شمونة.
أيضًا في العمق، يعني هناك ارتقاء في العمق، العمليات التي نُفذت بالأمس سواءً بالرد بالكاتيوشا أو بالمسيرات كانت في مناطق أعمق من أي وقت مضى.
إذا كما ونوعًا وعمقًا، نحن كُنا في ارتقاء معين، وهذا طبعًا استلزمته طبيعة المعركة، وما أشرت له في خطاب الجمعة، ما يرتبط بغزة وما يرتبط أيضًا بالتصعيد القائم والموجود في لبنان.
أمس نائب رئيس المركز الطبي في الجليل، وهذا أحد مستشفيات الجليل (يعني أنا لا أتحدث عن المستشفيات الأخرى وبعضها مستشفيات أساسية)، يقول: وصل إلى مستشفاهم، ونتحدث هنا عن جبهة الشمال، أكثر من 350 إصابة من الجنود والمدنيين، غير المستشفيات الأخرى، وهو يقول: إن عددًا غير قليل منهم يصل بجراح خطيرة بل وميؤوس منها، ولكن كما قلت هم يحاولون أن يُخفوا إصاباتهم وقتلاهم أو يُدمجونهم في الأعداد العامة التي يُعلنون يوميًا.
كان لدينا في الأسبوع الماضي استهداف لمدنيين، الاستهداف الأول كان المؤذي، هناك استهداف يحدث في محيط القرى، أحيانًا بعض البيوت المتطرفة يتم الرد عليها بحدود معينة.
لكن في الأسبوع الماضي، في الأيام القليلة الماضية، تعرضت سيارات للإخوة الأعزاء في كشافة الرسالة الإسلامية للاعتداء وكان فيهم جرحى، والإخوة مشكورون على تضحياتهم وعلى حضورهم الشجاع في تلك المناطق الخطرة، وبطبيعة الحال أيضًا تم الرد في إحدى عمليات المقاومة على هذا الاعتداء على أحد المواقع الإسرائيلية والإسرائيليون اعترفوا بإصابتين.
لكن الأخطر كان ما تعرضت له سيارة العائلة الكريمة، والتي أدت إلى استشهاد الجدة الشهيدة العزيزة سميرة أيوب وحفيداتها الثلاث ليان وتالين وريماس بنات السيد محمود شور، والذي ردت عليه المقاومة الإسلامية بسرعة وبدون تردد، وكانت المرة الأولى التي تقصف بها بالكاتيوشا كريات شمونة ومستعمرة، وأبلغنا العدو من خلال بيان رسمي أننا لن نتسامح على الإطلاق بالمس بالمدنيين، وهذا ما نُؤكد الالتزام به.
جبهتنا مستمرة في دعم فلسطين
اليوم أيها الإخوة والأخوات، نحن في هذه الجبهة نُواصل العمل، هناك بعض الأعمال التي لم نُعلن عنها سابقًا، منها الإدخال اليومي لمسيرات الاستطلاع إلى شمال فلسطين المحتلة، وبعضها يصل إلى حيفا، إلى عكا، إلى صفد، إلى طبرية، يجتاز الشمال أحيانًا، بعضها يعود وحامل معه الصور المطلوبة، وبعضها لا يعود، ونحن نرغب لبعضها أن لا يعود، لماذا؟ لأنه يتم استنزاف القبة الحديدية وصواريخ الباتريوت، وأحيانًا تعجز القبة الحديدية وصواريخ الباتريوت عن النيل من هذه المسيرات فيُخرجون لها المروحيات والـ “إف 16” والـ “إف 35”.
وهذا عمل يومي، كل يوم مسيرة أو مسيرتين وأحيانًا ثلاث مسيرات، هذا غير المسيرات الهجومية، لكن هذا طبعًا لم نصدر عنه بيانات رسمية يومية.
مجموع الأداء في جبهة لبنان يعترف الإسرائيلي أنه ارتفع، ارتقى درجة معينة، هذا مما زاد لديه منسوب القلق، وهو المطلوب أن يرتفع لديه منسوب القلق، ولذلك شهدنا في الأيام القليلة الماضية موجة جديدة من التهديدات، من نتنياهو، من غالانت، من غانتس، من آخرين، باتجاه لبنان، وسببه هو ارتفاع مستوى القلق باتجاه ما يجري في هذه الجبهة وارتقائها كمًّا ونوعًا وعُمقًا.
طبعًا نحن سنستمر في هذا الموقف، في هذا الأداء، وكما قلت يوم الجمعة أن المسار العام هو هذا، نحن يوم بيوم نتطلّع، نُقيّم، ننظر ونُقرّر ونعمل، وستبقى هذه الجبهة إن شاء الله جبهة ضاغطة.
هنا يجب مجددًا أن أشيد بالمقاومين المجاهدين الأبطال الموجودين، خصوصًا في الجبهة الأمامية وفي كل مواقع المقاومة، وأن نشيد بالبيئة الحاضنة، بالبيئة الحاضنة المباشرة التي تتحمل عبء هذه المواجهة في الجبهة اللبنانية، عبء تقديم الشهداء والجرحى، وعبء التهجير من القرى الأمامية، وعبء الخسائر المادية أيضًا.
وأيضًا الموقف العام في لبنان المتضامن مع غزة، مع المظلومين في غزة، والمؤيد أو المتفهم لما تقوم به المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، باستثناء بعض الأصوات والمواقف التي إذا ما قيست لمجموع الموقف السياسي اللبناني والشعبي، هي أصوات حقيقةً شاذة وقليلة ومحدودة ولا أريد أن أعلق عليها لأنه عندها أكون أعطيها قيمة. هذا الموقف العام أيضًا هو موقف مساعد وجيد وقوي ويجعل من هذه الجبهة جبهة فاعلة ومؤثرة.
أيها الإخوة والأخوات، الكلام في لبنان يبقى للميدان، في هذه المعركة ليس كبقية المعارك، لست أنا من أعلن عن الخطوة ثم يذهب الإخوة ليقوموا بهذه الخطوة، سياستنا في المعركة الحالية الميدان هو الذي يفعل، الميدان هو الذي يتكلم، نأتي نحن بعد ذلك لنعبر عن فعل الميدان، لنشرح فعل الميدان، ولذلك يجب أن تبقى العيون على الميدان وليس على الكلمات التي تصدر منا.
المعركة الشاملة والضغط على العدو وأهمية الدعاء
من حيث المجموع، إذا أردنا أن نجمع هذا المشهد العام الذي بدأناه من غزة إلى الضفة، إلى اليمن، إلى العراق، إلى إيران، إلى سوريا، إلى لبنان، نعود لنقول نحن في معركة المقاومة، في معركة الصمود، معركة الصبر، معركة تراكم الإنجازات، معركة جمع الإنجازات والنقاط، معركة الوقت، دائمًا الوقت هو حاجة لحركات المقاومة وشعوب المقاومة، الوقت هو الذي يساعد على إلحاق الهزيمة بالغزاة والطغاة والعتاة، وهكذا كان الأمر طوال التاريخ.
عندما تحدثنا عن حركات المقاومة طوال التاريخ، نحن لا نتحدث عن صراع دول وصراع جيوش، كل الشعوب وحركات المقاومة التي قاتلت الغزاة المحتلين احتاجت دائمًا إلى سنوات طويلة، إلى تراكم إنجازات وإلى فعل تضحيات متواصل حتى أوصلت العدو إلى النقطة التي يصبح فيها مجبرًا على القبول بالهزيمة والاعتراف بالهزيمة وممارسة فعل الهزيمة، هكذا حصل في كل الصراع مع المحتلين والغزاة طوال التاريخ، وفي منطقتنا أيضًا وفي لبنان وفي فلسطين وفي غزة.
اليوم هنا في هذه المعركة عندما تتكامل هذه الضغوط صمودًا وصبرًا وفعلًا وميدانًا وسياسةً وحضورًا عالميًا وحضورًا شعبيًا وما شاكل، العدو مُجبر على التراجع وعلى التخبط، وهذا التخبط واضح.
اليوم نتنياهو كل يوم يقول قبل الظهر يتحدث بشيء وبعد الظهر يتحدث بشيء آخر، عندما يجتمع مع رؤساء المستوطنين في غلاف غزة يقول لهم شيئًا وعندما يعقد مؤتمرًا صحفيًا يقول شيئًا آخر، لهم يقول سنحتل قطاع غزة ونبقى في غزة، وفي المؤتمر الصحفي بعد الظهر يقول لا نريد الاحتلال ولا نريد البقاء، هذا تخبط وضياع، وليس أن هناك فارق أيام بل بنفس اليوم، بفارق ساعات فقط. وزير الدفاع كل ساعة يتحدث بشيء، هذا تخبط.
الوقت لا يلعب لمصلحة العدو، الفشل العسكري الميداني، الفشل في إخضاع شعب غزة بالرغم من المجازر المهولة التي تعرض لها شعب غزة حتى الآن، التحول كما قلنا في الرأي العام العالمي،
في الرأي العام الدولي، في موقف الدول، الفشل العسكري الميداني، الخشية من انفتاح الجبهات باتجاه أوسع، هذه كلها عوامل، ضغط المهجرين في الداخل، هؤلاء ليسوا مثلنا يذهبون إلى الخيم والمدارس، هؤلاء يجلسون في الفنادق وإذا لم يجلسوا في الفنادق يغضبون ويتظاهرون.
ضغط الوضع الاقتصادي، الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة على هذا الكيان، يتحدثون عن عشرات مليارات الدولارات، يعني 14 مليار دولار أمريكي لا تحل له مشكلته، كل هذه العوامل ستؤدي في نهاية المطاف… وضغط أيضًا عوائل الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى المقاومة في غزة، كل هذه العوامل ستجعل الوقت ضيقًا وستضغط على هذا العدو.
ولذلك هذه العوامل يجب أن تستمر، هذا الضغط يجب أن يتواصل، هذا الصبر والصمود يجب أن يتواصل، يجب أن نتحمل جميعًا وأعظمنا تحملًا هو أهل غزة وقطاع غزة وشعب غزة والمقاومة في غزة، ولذلك نحن نتطلع إلى أفق تنتصر فيه المقاومة والقطاع وفلسطين، إلى أفق يفشل فيه هذا العدو من تحقيق أي من أهدافه بالرغم من كل الجراح والمجازر الكبرى التي ارتكبها حتى الآن.
“إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ”، نحن اليوم نرجو من الله سبحانه وتعالى، إلى جانب القتال والمقاومة والشهداء والدماء أنا أدعوكم أيضًا إلى الدعاء، الدعاء، لا تستخفوا بالدعاء، الدعاء بالنصر، الدعاء بتعجيل النصر، الدعاء لإخوانكم وأخواتكم وأهاليكم وأحبائكم في غزة، في الضفة، في كل الجبهات، بأن ينزل الله سبحانه وتعالى النصر عليهم، وهو يرى صدقهم وإخلاصهم وجهادهم وتضحياتهم.
اقرأ ايضاً : كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في احتفال شهداء على طريق القدس
العهد مع الشهداء والخاتمة
أيها الإخوة والأخوات في يوم الشهيد، أنا وأنتم نعاهد شهداءنا، كل شهدائنا الأبرار، الأعزاء، الأحباء، السيد عباس، الشيخ راغب، الحاج عماد، السيد مصطفى، الحاج حسان، الجميع، نعاهدهم جميعًا بأن نمضي في هذا الطريق كمقاومة وبيئة وشعب وعوائل ومضحين، نحفظ أهدافهم، نصون أهدافهم، نراكم إنجازاتهم لنصل إلى النصر والنصر النهائي آتٍ آتٍ آتٍ إن شاء الله.
أجيالنا هذه هي التي ستشهد تحرير فلسطين وتحرير القدس، هي التي ستصلي إن شاء الله في المسجد الأقصى، الصهاينة مهما فعلوا ومهما ارتكبوا بعد سبعة تشرين الأول، إسرائيل هي غير إسرائيل، بالمعنى الوجودي، بالمعنى الاستراتيجي، بالمعنى التاريخي، بالمعنى الأمني.
هذه الحقيقة المذهلة ستثبتها الأيام والأسابيع والشهور والسنوات المقبلة، ما علينا سوى أن نكون في موقع المسؤولية، في موقف المسؤولية نمضي حتى نهاية الطريق ونلحق بالشهداء.
بارك الله فيكم وتقبل الله شهداءكم وتضحياتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.