خطابات

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى المولد النبوي




كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى المولد النبوي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

وأبارك لكم جميعاً هذه المناسبات العظيمة والعزيزة والجميلة: مناسبة ولادة رسول الله الأعظم سيد الرسل وخاتم النبيين أبي القاسم محمد ابن عبد الله (ص)، ومناسبة ولادة حفيده الإمام جعفر الصادق (ع)، ومناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد عليكم هذه المناسبات في كل عام بكل خير وعافية ونصر.

الإشادة بالإحياء اليمني وإدانة الهجمات الإرهابية في باكستان

يجب أن أبدأ بالإشادة في موضع، وبالإدانة في موضع آخر، فيما يتعلق بهذه المناسبة.

الإشادة بالإحياء اليمني الكبير والعظيم والجميل في العديد من المحافظات، وفي الكثير من المدن، الساحات الممتلئة بالملايين أو بالحد الأدنى بمئات الآلاف، وبالرغم من الظروف الحياتية والمعيشية والاقتصادية والأمنية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، إلا أنهم يعبرون بهذا الشكل الملفت والمدهش عن مدى محبتهم وتعلقهم وإيمانهم برسول الإسلام، رسول الله الأعظم محمد (ص). طبعاً لهم كل التحية وكل الشكر، ويجب أن يُقدم النموذج اليمني في إحياء مولد رسول الله (ص) كقدوة لجميع مسلمي العالم.

أما الإدانة، فهي إدانة أولئك القتلة المجرمين التكفيريين، الذين فجروا المساجد في باكستان بالمسلمين، والذين هم من أهل السنة، فقط لأن جريمتهم الوحيدة هي أنهم يحتفلون بمولد رسول الله (ص) ويقيمون المراسم في إحياء هذه الذكرى. هذا الوجه الكالح الأسود المظلم، هذا السرطان الذي للأسف الشديد عاود انتشاره في عالمنا الإسلامي، بين من يواجهون كل الصعوبات ليعبروا عن حبهم لرسول الله، وبين من يقتلون من يعبر عن حبه لرسول الله (ص).

أهمية الاحتفال بالمولد النبوي

المولد النبوي كجزء من الهوية الثقافية

أيها الإخوة والأخوات، في التكوين الثقافي والحضاري لأي شعب، لأي أمة، توجد معالم، توجد مظاهر، توجد أركان. من جملة معالم هذا التكوين أو أجزاء هذا التكوين الثقافي والحضاري، أن الشعوب والأمم طوال التاريخ، سواء أكانوا أتباع ديانات سماوية أو حضارات وثنية، أيًا يكن هذا الاتجاه الفكري، حتى في عصرنا الحاضر في ظل الأيديولوجيات المتعددة، يتخذون أيامًا للفرح يسمونها أعياداً، وغالباً ما يتخذون أياماً للحزن.

عندما يختارون أياماً للفرح أو أياماً للحزن، إنما يفعلون ذلك بناءً على أحداث تاريخية مفصلية تستحق الاهتمام والتقدير والتعظيم والتعلق العاطفي. مثلاً: ولادة شخصية عظيمة في تاريخ هذا الشعب، مثلاً: انتصار عظيم في تاريخ هذه الأمة، هذه تكون عادةً مناسبات وأيام للفرح، أو فقدان شخص عظيم أو حادثة أليمة تكون مناسبة للحزن، أو تأسيس كيان أو تأسيس دولة، كما في الأعياد الوطنية المتعارف عليها في عصرنا الحاضر.

هذا جزء من تكوين أي شعب، من تكوينه الثقافي والحضاري. نحن أيضاً كأمة إسلامية، كمسلمين، هذا أيضاً كان جزءاً من تكويننا الثقافي والديني والفكري، فيما يجمع عليه المسلمون من أيام فرح؛ لدينا عيد الفطر ونسميه “عيد الفطر السعيد”، و”عيد الأضحى المبارك”. عيد الفطر السعيد يشعر به جميع المسلمين بالفرح لأنه عيد يختم شهراً من الصيام والقيام والجوع والعطش والعبادة والعمل.

في كل الأحوال، نحن أيضاً في تاريخنا أيام عظيمة ومجيدة نجمع كمسلمين على الافتخار والاعتزاز بها. لن أذهب إلى الأعياد التي نتفاوت فيها مذهبياً، من الأيام المجمع عليها ونظراً لعظمتها يومان: الأول: يوم ولادة رسول الله (ص)، والثاني: يوم البعثة النبوية الشريفة، نسميهم أيام أو نسميهم أعياد، لا مشاحة في الاصطلاح.

هناك من يحتج عندما نقول عيد المولد ولكنه لا يحتج على عيد الاستقلال وعلى عيد التأسيس وعلى العيد الوطني وما شاكل.

هذه مصطلحات على كل حال، يوم الولادة لأنه يوم ولادة النور المحمدي، يوم ولادة محمد ابن عبد الله (ص). هذا النور الذي بدأ يتلألأ في مكة وينتشر رويداً صدقاً وأمانةً وقيماً وأخلاقاً وطهراً وإنسانية وشرفاً، حتى أضحى محمد ابن عبد الله عند أهل مكة وعند كل من يعرف مكة وأهلها الصادق، الأمين، الشريف، الإنسان الكامل العظيم، الذي لا ثغرة ولا عيب ولا طريق للطعن عليه أو الانتقاص منه.

وبعد أربعين عاماً من الولادة، انبعاث النور في يوم المبعث النبوي الشريف، انبعاث النور وانتشاره من مكة إلى المدينة إلى شبه الجزيرة العربية إلى كل المنطقة إلى كل العالم من ذاك الزمان إلى قيام الساعة. الإمام الخميني (رض) كان يعتبر أن يوم البعثة النبوية هو أعظم يوم في الوجود على الإطلاق، وهذا له تحليله. الولادة يعني الوجود في هذا العالم المادي الأرضي، هذا الوجود الذي يمتد وامتد بمحمد (ص) حتى كانت النبوة والرسالة وكان ما كان من أمة ومن تحولات عظيمة في هذا العالم.

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى المولد النبوي

الدعوة إلى تعزيز احتفال المولد النبوي

ألا يحق لنا كأمة أن نفرح بهذه الولادة العظيمة، هذه الولادة التي تأسست عليها النبوة الخاتمة والرسالة النهائية، ونزول القرآن الكريم على قلب هذا الرسول العظيم، وتأسيس هذه الأمة ونجاة البشرية إلى يوم القيامة، ألا يحق لنا أن نفرح؟ ألا يحق لنا أن نحول هذا اليوم إلى يوم فرح لدى المسلمين في العالم؟

ليس فقط ألا يحق، بل ألا يجب أن نفعل ذلك من أجل أولادنا وأحفادنا وأجيالنا، ومن أجل التعبير عن شكرنا الكبير لهذه النعمة الإلهية العظيمة التي هي أعظم نعمة في الوجود؟

يجب أن نفعل ذلك أيها الإخوة والأخوات، طبعاً أولئك الذين يحرمون هذا الإحياء وهذه المناسبة لا يستندون إلى أي سند فقهي أو شرعي حقيقي يصمد أمام الدليل وأمام النقاش العلمي، علماء الشيعة يجمعون على حلية هذا الأمر، وأغلبية وكبار وعظماء فقهاء أهل السنة يجمعون على هذا أيضاً.

لا أريد أن أدخل في نقاش علمي أو فقهي لا يتناسب مع طبيعة احتفالنا، قيل الكثير وكُتب الكثير في هذا الأمر، نحن مدعوون إلى الاهتمام بهذا اليوم أيها الإخوة، بهذين اليومين لكن بالحد الأدنى بهذا اليوم، وأدعو في لبنان جميع إخواني وأخواتي – طبعاً يتحسن الاحتفال بهذه المناسبة سنة بعد سنة – لنكون صريحين مع بعضنا، نحن حاضرون بقوة في أيام الحزن، نعرف الحزن، نعرف البكاء، نعرف الرثاء، حتى بات جزءاً من شخصيتنا الثقافية والتاريخية والدينية، وهذا أمر طبيعي وجيد وممدوح، لكن يجب أيضاً أن تكون لنا أيام فرح وأيام سعادة وأيام احتفاء وتكريم، وأعظم يوم يمكن أن يكون يوم فرح بالنسبة لنا هو يوم ولادة هذا النبي الذي كان أعظم نعمة في تاريخ الإنسانية.

لذلك يجب دائماً أن نحتفل في السنوات المقبلة إن شاء الله من قبل جميع الإخوة والأخوات وجميع المعنيين، أن نتعاون وأن نخطط لتكون لهذه المناسبة مساحتها الواسعة والكبيرة والاهتمام العالي والتعابير المختلفة، ولدينا أسبوع.

الإمام الخميني (رضوان الله عليه) تعرفون أن هناك نقاشاً أن النبي وُلد (ص) في 12 ربيع أو في 17 ربيع، عموماً كثير من المسلمين يعتقدون بـ 12 ربيع، وكثير من المسلمين يعتقدون بـ 17 ربيع، فتم عمل أسبوع وحدة، يعني حَوّل نقطة خلاف إلى نقطة تلاقٍ واتحاد، نحن لدينا أسبوع تقريباً، أسبوع من 12 ربيع إلى 17 ربيع، يجب أن نخطط للأعوام المقبلة إن شاء الله، كيف تكون هذه الأيام أيام عيد، أيام فرح، أيام سعادة. هذه نقطة أحببت أن أدخل من هنا.

في الأعوام الماضية، أنا عادةً أراجع ما أقوله في المناسبات المتشابهة، في الأعوام الماضية تحدثنا وكان من شعار الاحتفال عنوان الرحمة، نبي الرحمة، الرحمة للعالمين، تحدثنا عن هذا الموضوع وتجليات الرحمة ومصاديق الرحمة، وكيف أن رسول الله محمد (ص) كان رحمة للعالمين.

نور الله في القرآن الكريم

تفسير آيات النور

قبل ذلك أيضاً تحدثنا عن التحولات العقائدية والفكرية والثقافية والاجتماعية والقيمية والأخلاقية والسياسية والعسكرية التي حدثت بعد بعثة النبي (ص) وببركة وجوده الشريف وجهاده المتواصل في شبه الجزيرة العربية وفي العالم، أنا لا أريد أن أعيد، وإنما في النقطة الثانية أقف باختصار أمام عنوان احتفالنا في هذا العام.

“وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ”، بالاستفادة من الآيات الكريمة “بسم الله الرحمن الرحيم” هذا المعنى ورد في سورتين من القرآن الكريم: في سورة التوبة وفي سورة الصف.

وفي سورة التوبة، يقول الله تعالى: “يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)”.

نفس المضمون مع تعديل بسيط في العبارات في سورة الصف “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ”، في كتب التفسير بين أن “يُطفئوا” و”ليطفئوا” ذكروا حكايات جميلة وجيدة، من أحب أن يرجع إليها.

“يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”، أيضاً هناك فرق بين “إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ”، الوعد والقرار، والثانية “وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ”، واقع حاصل “وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”، “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”، يعني نفس الآية مكررة “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ” في التوبة وفي الصف، وهذا له معنى وله دلالة.

انطلاقاً من الآيات الكريمة والشريفة، من مصاديق نور الله، ماذا يعني نور الله من مصاديقه؟

النور الذي يُستضاء به في الظلمات، ظلمات الجهل والجهالة والحيرة والضلالة والفتنة والتيه والضياع والانحراف، النور الذي يهدي ويُرشد إلى الخير والكمال والسعادة، لذلك قالوا أن الأنبياء هم نور الله، الأنبياء نور الله وخاتمهم محمد (ص).

الأولياء نور الله، الكتب السماوية المُنزلة على قلوب الأنبياء والصحف هي نور الله وخاتمها القرآن المجيد، الرسالات السماوية بما فيها من عقائد وتعاليم وأحكام وتوجيهات وإرشادات هي نور الله وخاتمها الإسلام، الإسلام المحمدي الأصيل، نور الله يعني دينه، يعني كتابه، ويعني أنبياء وأولياء الله.

ولذلك في الزيارة عندما نتوجه إلى زيارة النبي (ص) نقول له: السلام عليك يا نور الله في الأرضين، أو يا نور الله في الأرض، أو يا نور الله في السماوات والأرض، السلام عليك أيها النور الذي يُستضاء به، هذا نور الله، القرآن يوصف بأنه نور، التوراة نور، الإنجيل نور، نور من الله سبحانه وتعالى، وهذا النور يُنسب إلى الله عز وجل.

 حفظ الله لنوره

وقد تعهد الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وفي غيرها من الآيات، تعهد أن يُتم نوره، وضمنًا أن يحفظ نوره، وأن يحفظ انتشار هذا النور وأن يُتمه، وفي هذا وعد إلهي، وفي هذا إخبار غيبي مُعجز منذ أكثر من 1400 سنة، إخبار غيبي مُعجز يُضاف إلى معجزات القرآن ومعجزات رسول الله محمد (ص)، لأنه يتحدث عن المستقبل بشكل حاسم.

عندما نعود أيها الإخوة والأخوات قليلاً إلى الآيات، الله تعالى في الموضعين يقول: يريدون ليطفئوا أو أن يُطفئوا، “يريدون” تدل على الاستمرار كما حصل مع الأنبياء السابقين، كل الذين وقفوا في وجه الأنبياء السابقين كانوا يريدون ليطفئوا نور الله، والذين وقفوا في وجه محمد (ص)، وهذه الإرادة مستمرة لدى أتباع الشيطان، لدى أعداء الله عز وجل، لدى المضلين والمنحرفين إلى قيام الساعة.

“يريدون” هذا التعبير يدل على استمرار هذا التحدي وهذا التهديد وهذه المواجهة، هم يريدون أن يطفئوا نور الله ليضلوا الناس ويغرقوهم في الظلام، في الضلال، في التيه، لينحرفوا بهم عن طريق الإنسانية، عن طريق الفطرة البشرية الطبيعية، عن مقام وكرمنا بني آدم، لينحطوا إلى مستوى الحيوانات، أليس هذا ما يحصل الآن وحصل كثيراً في التاريخ؟

ولكن اليوم في ظل الحضارة الحديثة في أميركا، في الغرب، عندما تُحمل الرايات لترويج الشذوذ الجنسي ويُفرض لترويج الشذوذ الجنسي، وعندما تبدأ ظاهرة الكلاب البشرية، الأبقار البشرية، الخنازير البشرية، الله والأنبياء أرادوا للإنسان أن يكون في أعلى عليين، في مقام شامخ، في مقام الكرامة الإلهية، وهؤلاء يريدون للإنسان أن يصبح كلباً أو بقرةً أو خنزيراً، أن ينحطوا بالإنسان إلى أسفل السافلين، أليست هذه هي الحرب على نور الله عز وجل؟

طيب، بماذا يُطفئون نور الله؟ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، هنا تفسيران: تفسير مشهور ومعروف وخصوصاً بين القدماء من المفسرين، يقولون أن الله سبحانه وتعالى شبّه هذا بمن يحاول أن يطفئ السراج مثلاً، لأنه كانوا يضيئون بالزيت أو القنديل فيُنفخ عليه حتى يُطفئه، فهؤلاء يتصورون أنهم بالنفخ يستطيعون أن يطفئوا نور الله، أو بالنفخ يحاولون أن يطفئوا نور الشمس، وهل يمكن بالنفخ أن تُطفئوا نور الشمس؟

وإنما استخدم الله تعالى هذا التعبير من أجل الاستهزاء بهؤلاء الذين يريدون ليطفئوا نور الله، هذا تفسير شائع وقديم. هناك تفسير آخر منسجم أكثر مع روح العصر والتحولات الفكرية والعلمية وثورة الاتصالات وما شاكل، وهو الذي يقول:

يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم يعني بالحرب الإعلامية، يعني بكل وسائل الحرب الإعلامية، يعني بما نسميه ونصطلح عليه في الزمن الحاضر بالحرب الناعمة، ويقول هؤلاء المفسرون:

أن الحرب الناعمة والحرب الإعلامية أخطر وأشد فتكاً من القتال والحروب العسكرية، وهذا صحيح وهذا ما نشهده الآن، هناك أمم وشعوب صمدت في مواجهة الحروب العسكرية، في مواجهة الاحتلال، في مواجهة الغزو العسكري، ولكنها أمام الحروب الناعمة والحروب الإعلامية ضاعت وضعفت ووهنت وتمزقت وتفتت، وما عجز المستكبرون عن تحقيقه بالحرب وبالغزو وبالعدوان المسلح استطاعوا أن يحققوه من خلال الحرب الإعلامية والحرب الناعمة.

على كلٍ، إذا كان هذا التفسير هو المراد الحقيقي لهذه الآيات الشريفة، فهذا أيضاً شاهد جديد على أن القرآن له أعماق وله معاني، دائماً تظهر مع تطور عقل الإنسان ومقدرات الإنسان الثقافية والعلمية والفكرية، وكل جيل يكتشف معنى من المعاني لم يكتشفه أو لم يلتفت إليه، لم تلتفت إليه الأجيال التي مضت.

الحرب الناعمة ومواجهتها

أيها الإخوة والأخوات، حقاً في مواجهة رسول الله (ص)، هؤلاء من البداية خاضوا حرباً إعلامية شرسة وحرباً ناعمة خطيرة على رسول الله وعلى دعوته ورسالته ودينه وكلماته، طبعاً لأنه كان يعوزهم المنطق، كانوا يذهبون مباشرة إلى ما يفعلونه الآن، إلى الشتائم، إلى الاتهام، إلى التشويه، من أجل إبعاد الناس عن هذا الرسول، عن كلماته، عن خطابه، عن دينه، عن رسالته، فقالوا عنه ساحر.

وقالوا عنه كذاب – و40 سنة لم يُحصوا عليه كذبة واحدة – وقالوا عنه مجنون، وقالوا عنه أنه يسرق الكلمات من بعض علماء أهل الكتاب، وقالوا عنه أنه تلبسه الجن ويُوحى إليه من الجن، وقالوا أنه يسعى من أجل السلطة ويسعى من أجل جمع المال، ولذلك اخطأوا عندما عرضوا عليه أن يجعلوه ملكاً عليهم أو يجعلوه أغناهم، وأكملوا بهذا الطريق، بطبيعة الحال عندما يشار إلى الحرب الإعلامية والحرب الناعمة، هذا لا يعني أن تقف الحروب الأخرى، لا، وإنما إشارة الآية إلى الحرب الأخطر، إلى الوسيلة الأخطر، وإلا القتل والتهجير والتشريد، وفرض الحروب، كما حصل على المسلمين الأوائل، على رسول الله وصحابة رسول الله وأهل بيت رسول الله على مدى 23 سنة من البعثة النبوية الشريفة.

لكن لا شك أن حرب اللسان، أن الحرب الإعلامية، حرب الأفواه، كانت أشد وأقسى وآلم، وهذا استمر إلى الآن ومستمر إلى الآن، الاتهام، التشويه، الاتهام بالنوايا، الاتهام بالسلوك، الاتهام بالنظرة إلى الأهداف، تعرفون هذا لا نريد أن نستهلك الوقت في هذه التفاصيل.

التضحيات لحفظ نور الله

ويأبى الله إلا أن يتم نوره، والله متم نوره، بالآيتين، الله تعالى يتم نوره بوسيلتين، بوسائل أهمها وسيلتين:

الوسيلة الأولى: العناية الإلهية المباشرة، الله تعهد أن يحفظ نوره وأن ينشره وأن يُتمه، وهو قادر على ذلك ويداه مبسوطتان، يده ليست مغلولة، هو في هذا الوجود يفعل ما يشاء، وقت يشاء، كيف يشاء، ومن أشكال العناية الإلهية أنه يحفظ ويصون ويحمي ويدافع ويثبت وينصر ويسدد ويؤيد ويُظهر دينه على الدين كله.

والعامل الثاني: أنبياء وأولياء الله، عباده الصالحون. حتى لا نقول إن المسألة غيبية بالكامل، فإن تضحيات هؤلاء الأنبياء طوال التاريخ، وتضحيات الأولياء، ورسول الله (ص) وأهل بيته وصحابته (رضوان الله عليهم أجمعين) خلال 23 عاماً، كانت تضحيات جسيمة. صبرٌ، تهجيرٌ، قتلٌ، مصادرة أموالٍ، تعذيبٌ، حروب مفروضة، شهداء، جرحى، أسرى، حصارٌ، وجوعٌ.

في الخندق شدّ رسول الله حجر الجوع على بطنه كما فعل بقية المسلمين. وكانت الخاتمة هي الانتصار. تضحيات جسيمة في زمن النبي وتضحيات جسيمة بعد النبي إلى اليوم: الأئمة، الأولياء، العلماء، المجاهدون، الشهداء والمضحون طوال التاريخ، هنا بين هلالين – باعتبار أحد عناوين المناسبة ولادة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) – من الأئمة العظام الذين حفظوا هذا الدين وحفظوا هذا النور ونشروه هو الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، الذي حوّل المدينة المنورة ومسجد جده رسول الله (ص) إلى جامعة إسلامية كبرى تستقطب العلماء من كل العالم الإسلامي ومن مختلف الاتجاهات الفكرية والفقهية والسياسية.

حتى كان من تلامذته أربعة آلاف من الشيعة والسنة ومن مختلف الاتجاهات. وبعض أئمة المذاهب المعروفين وتلامذتهم – سواء المذاهب الباقية أو التي انتهت في التاريخ – كانوا يفتخرون بأنهم من تلامذة هذا الإمام العظيم الذي نشر علمه والذي هو يقيناً وتحقيقاً علم رسول الله (ص).

على كل حال، بفضل هذه التضحيات الجسيمة إلى اليوم حُفظ هذا الدين وحُفظ هذا النور، في هذه الآيات أيضاً إخبار غيبي معجز أتوقف عنده قبل الدخول في الملفات السياسية.

هذه الآيات نزلت في سورة التوبة وسورة الصف؛ وهما سور مدنية نزلت في المدينة. وفي المدينة كانت هناك دولة جديدة وفتية ومجتمع جديد. كثير من الناس الذين دخلوا في الإسلام كانوا حديثي عهد بالإسلام، خصوصاً بعد فتح مكة. هناك تيار يُعتد به وخطر اسمه المنافقون. وهناك تيار يتهيأ للارتداد بعد وفاة النبي (ص).

إذن تهديدات داخلية! وهناك أيضاً إمبراطورية قيصر وإمبراطورية كسرى اللتان تنظران إلى الدولة الإسلامية الفتية الناشئة في شبه الجزيرة العربية على أنها تهديد. فكانت دولة النبي بين فكي كماشة، في تلك الأجواء التي تتعاظم فيها التهديدات الداخلية والخارجية جاءت هذه الآيات لتقول للمسلمين إن الله سيتم نوره وإن الله سبحانه وتعالى – لأن بعض آيات النور تقول: “يُريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم” – جاءت الآية مرتين: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”. يعني إلى قيام الساعة، هذا إخبار غيبي معجز أيها الإخوة والأخوات!

رغم كل التهديدات والمخاطر التي تواجه أي رسالة وأي دين وأي مجتمع جديد وأي دولة فتية – والتي يمكن أن تنهار أو تفنى أو تتناثر – فإن القرآن الكريم يشهد على أنه من الله عز وجل ويتحدث عن هذا المستقبل بشكل قاطع وجازم؛ وأنه مستقبل إظهار الدين. وقد أظهره الله سبحانه وتعالى بعد رسول الله وإلى اليوم، هذا الامتداد الواسع في جغرافيا العالم الإسلامي جزءٌ من إظهار الدين. اليوم لدينا مليار ونصف مليار مسلم. البعض يقول ملياري مسلم.

هذا جزءٌ من إظهار الدين. أولئك الذين كانوا يظنون أن هذا الدين سيتم محاصرته وخنقه في مكة والمدينة والقضاء عليه بعد مدة إذا به ينتشر ويتسع وسيبقى كذلك إلى قيام الساعة، الله سبحانه وتعالى تعهد بهذا الحفظ ورسول الله (ص) أيضاً أبلغ هذا المعنى. وهذا جزءٌ من معجزات محمد (ص). ففي القرآن الكريم: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”.

أيها الإخوة والأخوات، هذا القرآن هو كتاب الله عز وجل، الذي نزل على قلب محمد (ص) قبل أكثر من 1400 سنة، وهو محفوظٌ حتى اليوم بكلماته وآياته وسوره. مع العلم أنه طوال التاريخ كانت هناك الكثير من الصراعات في العالم الإسلامي: الفكرية والعقائدية والثقافية والسياسية والمذهبية والفقهية.

وهناك الكثير من الدوافع والحوافز للتحريف والتزوير والتغيير في الكلمات والآيات. ففي حياة النبي، وُضِعت أحاديث مكذوبة عن النبي (ص)، وبعد وفاته، وخصوصًا في زمن بني أمية وبني العباس، وُضِعت أحاديث مكذوبة عن رسول الله (ص)، ودُفع ثمنها بالأموال. ومن الكتب المعروفة عند السنة والشيعة، كتبٌ متخصصة بالأحاديث المكذوبة والموضوعة عن رسول الله (ص)، حتى كَثُر الوضّاعون، لوجود حوافز ودوافع لوضع الحديث عن النبي. ولكن لم يستطع أحد طوال 1400 سنة، لا من داخل المسلمين ولا من خارجهم، أن يُحرف في هذا القرآن وفي هذا الكتاب.

أليست هذه معجزة إلهية؟ أليس هذا أمرًا خارجًا عن طاقة البشر؟ أليس هذا حفظٌ للوعد الإلهي؟ وللقرار الإلهي؟ وهذا أيضًا تجسد في وصية رسول الله (ص): “إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض”. في هذه الجمل القليلة من رسول الله (ص)، ثلاث إخبارات غيبية، وهي قائمة واليوم متحققة، وسوف تتحقق إلى يوم القيامة.

الإخبار الأول: أن كتاب الله باقٍ إلى يوم القيامة، وإلا كيف يدعو محمد (ص) كل الأجيال في وصيته إلى التمسك بكتاب الله، إن كان هذا الكتاب سيزول ويُحرف ويُمزق ويُهجر ويُنسى؟ والمعجزة الثانية في الإخبار الغيبي النبوي هي العترة. فكثير من كتاب المسلمين سنة وشيعة، عندما يتحدثون عما حصل لأهل بيت رسول الله يقولون: هذه موجودة في الأدبيات، لم يتعرض أهل بيت في التاريخ كما تعرضت عترة النبي (ص) إلى القتل والسجن والتشريد. اليوم ترون على امتداد العالم الإسلامي قبورًا لهؤلاء الذرية، أولاد الأئمة، أحفاد الأئمة، أحفاد النبي.

فمثلاً الإخوان في إيران يقولون له “إمام زاده”، وتصل إلى باكستان والهند وأفريقيا، شُرّد بهم، ولكن حفظهم الله. وما زالت ذرية رسول الله وعترة رسول الله باقية إلى اليوم، وستبقى إلى قيام الساعة.

والإخبار الثالث هو “أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض”، حيث هناك كتاب الله وهناك عترة رسول الله (ص)، والله تعهد بأن يتم نوره، ونحن نعتقد أن الله سيتم نوره الكامل والمطلق في آخر الزمان تطبيقًا وتحقيقًا عندما تمتلئ الأرض قسطًا وعدلًا وتوحيدًا وعبادةً لله وحده، على يدي حفيد محمد (ص) من وُلد فاطمة المهدي المنتظر (عليه السلام) والسيد المسيح عيسى ابن مريم (عليهما السلام).

هذا وعدٌ إلهي سيتحقق، ولذلك نحن المؤمنين بكلمات الله وأحاديث وإخبارات رسول الله (ص)، ننظر إلى المستقبل بأمل بل بما هو أعلى من الأمل، باليقين، يقين مستقبل البشرية، وكل ما تعانيه البشرية اليوم هي مراحل لا بد منها في هذا الصراع حتى تُصبح لائقةً ومؤهلةً ومناسبةً لذلك الوعد الإلهي عندما يتم الله سبحانه وتعالى نوره.

الوحدة الإسلامية وأهميتها

أيها الإخوة والأخوات، من جملة الحرب الناعمة ومن جملة وسائل الأفواه الذين يريدون أن يطفئوا بها نور الله هي الفتنة، الفتنة بين الناس، الفتنة بين المسلمين.

ولذلك هذه مناسبة الوحدة الإسلامية، لا نحتاج إلى أن نستدل على أهمية الوحدة، ولا نقصد دائمًا، نُعبّر بهذا، لا نقصد بالوحدة أن يُصبح كل المسلمين سنة أو كل المسلمين شيعة أو كل المسلمين أتباع مذهب فقهي معين، كلا، نقصد الأخوة الإسلامية والتآخي الإسلامي، والتعاون الإسلامي، والعمل الموحد من أجل خدمة الأهداف المشتركة والواحدة التي لا نختلف عليها أساسًا.

لا نحتاج إلى الاستدلال، لكن من هنا أدخل إلى الملفات السياسية. انظروا في مثل هذه الأيام كانت حرب تشرين 1973، عندما اتحدت مصر وسوريا، والجيشان العربيان المصري والسوري وساندهم العديد من الدول العربية، اختنقت “إسرائيل”، اختنقت بكل ما للكلمة من معنى. قبل مدة نشروا وثيقة تقول إن رئيس حكومة العدو في ذلك الحين أخذ قرارًا باستخدام السلاح النووي، لأنهم شعروا بأن هذه الحرب ستدمرهم وتنهي كيانهم.

هذه الوحدة في حرب تشرين كادت أن تصنع نصرًا تاريخيًا حاسمًا، وكان نصرًا تاريخيًا، ولكن لم يُسمح له بأن يُصبح حاسمًا، في المقابل تفرد الرئيس أنور السادات بوقف إطلاق النار وبقاء الجبهة السورية وحيدة هو الذي ضَيّع هذه الفرصة التاريخية. هذا مثال للوحدة وللتفرق وللتفرد، فدائمًا عندما نجمع عناصر القوة وتتحد عناصر القوة نستطيع أن نصنع الانتصارات والإنجازات.

القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى

اليوم الأمة الإسلامية كلها معنية بأن تتحمل مسؤولية تجاه ما يجري في فلسطين، على الشعب الفلسطيني الذي يقاتل في كل يوم ويضحي في كل يوم، ويقدم الشهداء في كل يوم، ويُعتقل منه العشرات في كل يوم، وتُهدم منازله في كل يوم، ويُحاصر تجويعًا وعلى مدى سنوات طويلة. الأمة يجب أن تتحمل المسؤولية، مهما كانت انشغالاتها، فلا يجوز ترك الشعب الفلسطيني وحيدًا.

وأيضًا ما يجري على المسجد الأقصى، خصوصًا في مثل هذه الأيام، يجب أن يتحمل المسلمون في العالم، علماؤهم، سياسيوهم، زعماؤهم، حكوماتهم، لا يجوز أن يُترك هذا الأمر ويُهمل، لأنه قد تكون خطة الصهاينة أن يصبح ما يجري في هذه الأيام أمرًا عاديًا روتينيًا تقليديًا، وبالتالي في غفلة من الزمن يتم تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا أو يتم السيطرة على المسجد الأقصى وتحويله إلى كنيس يهودي، أو يتم في لحظة مفاجئة تدمير المسجد الأقصى لأي حجة أو عبارة، والعالم الإسلامي ساكت ومُحنط.

هذه مسؤولية كبيرة لا يجوز أن تُترك ويجب أن يسمع الصهاينة صوت العالم الإسلامي فيما يتعلق بقبلة المسلمين الأولى. للأسف الشديد بدل أن يسمع الصهاينة هذا الصوت القوي من العالم الإسلامي، نجد المزيد من اتجاه بعض الدول للتطبيع، وهنا أُريد أن أقول لكم اليوم، أيًا تكن الدولة التي تتجه إلى التطبيع، عندما تُوقع اتفاق تطبيع يجب أن تُدان ويجب أن يُستنكر عملها، هذا أمر خارج عن العلاقات السياسية وعن المجاملات السياسية، لأنه على درجة خطيرة جدًا لأنه طعنٌ للشعب الفلسطيني وللمسجد الأقصى وللمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتَخلٍ عن فلسطين، وتقوية للعدو، ولا يجوز التسامح معه على الإطلاق.

الملف اللبناني

الحدود البرية والبحرية

في بقية الوقت المتاح اسمحوا لي أن أتعرض لبعض الملفات اللبنانية، بعضها بإيجاز، ولكن أُريد أن أتكلم بالتفصيل في ملف النزوح السوري….

في الملفات اللبنانية، أولًا: من خلال هذه الأيام والأسابيع سمعنا الكثير من الخطابات والأصوات العالية والاتهامات، أنا لن أرد على كل ما ذُكر وما ورد، لأننا لا نريد أن نكون جزءًا من هذا الصراخ ومن هذا التوتر السياسي، فعندما لا نرد على الاتهامات وعلى الأصوات العالية وعلى التهديدات، هذا لا يعني أننا نوافق على هذه الاتهامات أو على مضمونها، هذه مجموعة كبيرة من السخافات والتفاهات والأكاذيب، وعلى كل حال هذا الصراخ وهذا التوتر السياسي وهذا السجال السياسي، خصوصًا عندما يتناول بالأسلوب والشكل والمضمون، هو لا يؤدي إلا إلى مزيد من الضجيج والتوتر في البلد، نحن نريد أن نصرف وقتنا وأعصابنا على ما هو مفيد لبلدنا.

العنوان الثاني: ملف الحدود البرية، يُقال إنه خلال أيام قد تكون هناك وساطة جديدة حول هذا الموضوع، ويُقال الكثير ويُكتب الكثير حول موقف المقاومة وموقف حزب الله بالتحديد، ورؤيته ومسؤوليته، أنا أُريد أن أقول: أنتم تعرفون جيدًا أنه فيما يتعلق بالحدود قُلنا سابقًا: أصلًا استخدام كلمة ترسيم الحدود هو استخدام خاطئ، فالحدود البرية مُرسمة. يوجد ثلاث عناوين في الحدود البرية:

أولاً: يوجد النقاط التي يحتلها الإسرائيلي، ولبنان يقول يجب أن تخرج منها، هي نقاط حدودية معينة، معروفة 13 نقطة، اتفقوا على بعض النقاط واختلفوا على الباقي، والتي أهمها نقطة الـb1 في الناقورة.

العنوان الثاني: هو شمال الغجر وبعض الفلوات الموجودة هناك والتابعة لبلدة الماري.

والعنوان الثالث: هو مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

بالنسبة لنا هذا الموضوع هو مسؤولية الدولة اللبنانية، فإذا كانت الدولة تَقبل الوساطات، وإذا كانت تُفاوض، فهذا شأنها، نحن لسنا معنيين لا قبولًا ولا ردًا، يعني لسنا معنيين أن نقول: نحن نَقبل هذه الوساطة أو نَرفض هذه الوساطة، نحن نَعتبر أننا خارج هذا الشأن، فالدولة ومسؤولو الدولة هم المعنيون في هذا الأمر، وأعتقد أن الوساطة الآتية إن أتت ستركز أكثر على موضوع منطقة شمال الغجر، لأنهم يريدون أن يَحلوا مسألة الخيمتين.

على كل الأحوال، المسؤولية مسؤولية الدولة، ولا يصح لدى البعض أن يربط بين الوساطات حول الحدود البرية والملف الرئاسي، وهو يتحدث عنا في هذا الأمر، وهذا غير صحيح، بأنه يعني نحن نريد أن نُقدم تنازلات في الحدود البرية، ونتخلى عن أرض من أجل أن نحصل على تأييد معين، كتأييد أميركي أو تأييد غربي للمرشح الذي ندعمه وما زلنا ندعمه والمعروف وهو الوزير السابق سليمان فرنجية.

فهذا أمر غير وارد على الإطلاق، وهذا الربط هو ربط لا مكان له على الإطلاق، فالحدود البرية شيء والملف الرئاسي شيء آخر.

أيضًا للأسف الشديد يربط البعض بين الحدود البرية ومجددًا التفاوض الإيراني الأميركي، أو الملف النووي الإيراني، يا أخي هؤلاء اللبنانيين لا يتعبون من السخافات ولا يتعبون من التفاهات، ألم يقل هؤلاء ذلك أثناء التفاوض على الحدود البحرية وعلى حقول النفط والغاز؟

وقالوا هذا جزء من صفقة إيرانية – أميركية، ولم يظهر شيء من هذه الصفقة، فأصلًا لم تحصل مفاوضات أميركية – إيرانية لها صلة بهذا الموضوع، ولم يُطرح هذا الموضوع في يومٍ من الأيام على طاولة مفاوضات أميركية – إيرانية غير مباشرة. يا أخي، توقفوا عن التسخيف، توقفوا عن تعب القلب وهذه التحليلات الباهتة والتي لا أساس لها من الصحة.

موضوع الحدود البرية هو موضوع حدود برية، وحق لبنان الطبيعي وحقنا في المياه نأخذه كاملًا، وحقنا في الأرض نأخذه كاملًا، ولا نُساوم عليه في أي ملفات أخرى ولا في أي عناوين أخرى، وفي كل الأحوال، إذا حصلت وساطة من هذا النوع، فكما كان هناك تكامل وتضامن وتعاون بين المقاومة والدولة، فأي خطوة تساعد على تحرير الأرض ستلقى أيضًا التضامن والتعاون بين المقاومة وبين الدولة في المرحلة المقبلة إن شاء الله.

بالمناسبة طالما تحدثنا عن الحدود البحرية، تعرفون أنه في لبنان أغلبية اللبنانيين يراهنون على أن يُستكشف شيء في الحفر والتنقيب بالبلوك 9، وطبعًا هناك أناس للأسف الشديد يراهنون على أن لا يُستكشف شيء، لهذه الدرجة هم أعداء لشعبهم وأعداء لبلدهم فقط حتى لا يُسجّل انتصار لجهة معينة ولجهة أخرى، مع العلم أن هذا انتصار للبنان وإنجاز عظيم للبنان وللشعب اللبناني.

على كل حال، معلوماتنا الأولية تفيد، وبالنسبة للإعلان الرسمي فإنه من المفترض أن تُعلن وزارة الطاقة حول ذلك لاحقاً، أن كل المؤشرات إيجابية في البلوك 9، وأيضًا من شواهد المؤشرات الإيجابية في البلوك 9 هو أنه اليوم في موضوع الشركات التي تقدم التراخيص أنّ نفس الائتلاف النفطي للشركات التي تعمل في البلوك 9 قدّم طلبًا لتتولى البلوك 8 والبلوك 10، والخبراء يقولون لو أنّ هذه الشركات تعتقد أن البلوك 9 ليس فيه شيئًا مهمًا لما تقدّمت لتتحمل المسؤولية في بلوكين آخرين.

هذا على كل حال متروك للأيام، وإن شاء الله يكون لاحقًا أخبار سعيدة ومفيدة للبنانيين.

المشهد الرئاسي يزداد تعقيدًا

في الملف الرئاسي، وهو ملف ما قبل الأخير، كانت هناك فرصة، وهي فرصة الحوار الذي دعا إليه دولة الرئيس نبيه بري. كان ممكنًا للجميع أن يأتوا إلى الحوار، ونتناقش، ونطرح مرشحنا، ويطرحوا مرشحهم، ونتحدث بالضمانات، ونتحدث بالمستقبل، ونتحدث بكل شيء. المبادرة تقول إنه إذا اتفقنا على اسم نذهب وننتخبه، وإذا اختلفنا على اسمين نذهب ونصوّت. لكن هذه الفرصة ضُيّعت فقط بالنكد والمكابرة. فماذا يؤثر إذا جلسنا يومًا ويومين وثلاثة، وجلسة وجلستين وثلاثًا؟ هل هذا تضييع للوقت؟

“طيب صرنا أشهر وهلق حيصيرنا سنة”، على كل حال، يجب أن نستطلع أين أصبحت المبادرة الفرنسية، الوفد القطري ما زال يبذل جهودًا يومية للوصول إلى نتيجة ما، والحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر ما زال قائمًا، ولا يوجد وضوح في القريب العاجل. ليس لدي جديد لأُخبركم به أو أُبشركم به، وعلينا أن ننتظر لنرى المزيد من الجهود التي تُبذل والمزيد من المبادرات لنرى أين ستصل.

اقرأ ايضاً : كلمة الشهيد السيد حسن نصرالله في احتفال يوم الشهيد

 أزمة النزوح السوري

الملف الأهم برأيي في هذه الأيام والذي يشغل اللبنانيين عمومًا وجميعًا هو ملف النزوح السوري. في هذا الملف لنتحدث كلمتين بهدوء، اليوم يوجد إجماع لبناني عند كل اللبنانيين والقوى اللبنانية على أن ملف النزوح يُشكّل تهديدًا، تهديدًا اقتصاديًا، وتهديدًا اجتماعيًا، وتهديدًا ماليًا، وتهديدًا أمنيًا. والبعض يرى فيه تهديدًا وجوديًا للبنان ولبقاء لبنان ولتركيبة لبنان ولديموغرافيا لبنان. حسنًا، هناك إجماع على أن هذا الملف هو تهديد، إجماع وطني. فماذا يفعل هؤلاء المُجمعون في مواجهة هذا التهديد؟

عندما تقول إن هناك تهديدًا فيجب أن تتحمّل المسؤولية وتباشر بهذه المسؤولية، الآن كل شخص يرمي اقتراحًا للآخر ويحمّله المسؤولية، “أنتم يجب أن تفعلوا هكذا ولم تفعلوا هكذا”، إذًا هذا الملف مستمر، وهذا لن يوصل إلى نتيجة. التراشق حول الماضي يمكن أن يكون مفيدًا فقط ليذكّر الناس بالمواقف والأخطاء وأخذ العبر من الأخطاء السابقة.

أنا أدعو اليوم إلى خطة وطنية، أو إلى استراتيجية وطنية، أو إلى برنامج وطني موحّد، سمّوه ما شئتم، خطة أو إستراتيجية أو برنامج، يتفق عليه اللبنانيون ويحملونها إلى العالم في خارج لبنان، إلى الأصدقاء، كل واحد من موقع صداقته، ويضغطون بها على حكومة تصريف الأعمال، ويضغطون بها على مؤسسات الدولة، ويضغطون بها أيضًا على الجيش اللبناني وعلى القوى الأمنية وعلى الجميع وعلى البلديات وعلى المجتمع.

ولكن يجب أن تكون خطة مدروسة ومحسوبة ومتفق عليها، لأنه إذا ذهبنا وعملنا بخطة مُجمع عليها وطنيًا فهذا يمكن أن يوصلنا إلى نتيجة. وسوف أضرب بعض الأمثلة، فنحن اليوم نحتاج إلى إحصاءات، فالدولة اللبنانية حتى الآن لم تحصل على إحصاءات، ولا نعرف عدد النازحين السوريين في لبنان. فمن يعرف؟ لا أحد يعرف، الله سبحانه وتعالى يعرف ومفوضية الأمم المتحدة، لكن في لبنان من يعرف؟

كل شخص يضع رقمًا، أحد يقول مليونين وأحد يقول مليون ونصف وأحد يقول 3 ملايين. طيب بالحد الأدنى يجب أن يكون هناك إحصاء دقيق حتى يعرف اللبناني ماذا سيواجه، وأيضًا هذا الإحصاء يجب أن يُعرف فيه، لأن هناك فرق بين العائلات والأفراد.

فمرة يكون هناك شباب نازحون على لبنان وعائلاتهم باقية في سوريا، ومرة تكون هناك عائلات بأكملها قادمة إلى لبنان، ويجب في هذا الإحصاء أيضًا التمييز بين اليد العاملة وبين النازحين، من أجل أن لا نخلط الأمور ببعضها. فدائمًا لبنان فيه 100 ألف عامل سوري، أو 200 ألف، أو 300 ألف، وفي مرحلة من المراحل وصل إلى 400 ألف، لأنه تعلمون، ومن غير شر، نحن اللبنانيين هناك كثير من الأعمال لا نقبل أن نعمل بها أو نقوم بها لأسباب عديدة.

وبالتالي، حتى في بعض المناطق عندما تقوم البلديات ببعض الإجراءات، هناك محلات لبنانية ودكاكين ومصانع ومزارع تحتج لأنها بحاجة إلى اليد العاملة السورية. وهذا الخلط بين اليد العاملة والنازحين هو خلط خاطئ، والإحصاء والدراسة يجب أن تُوضّح هذا الموضوع للناس الذين سيضعون الخطة حتى نعرف حجم الموضوع وكيفية مواجهته.

أمريكا وقانون “قيصر” السبب الحقيقي لأزمة النزوح السوري

الموضوع الأهم في المعالجة هو معالجة الأسباب أيها اللبنانيون الذين تشعرون بالخطر، فأنتم تذهبون إلى معالجة النتائج ولكن لا تُعالجون الأسباب ولا تُساعدون في معالجة الأسباب. وأهم سبب اليوم، فاللبنانيون يقولون إن النزوح له عنوانان: النزوح الأول هو النزوح الأمني الذي سببه كان الحرب في سوريا، النزوح الأمني.

فمن الذي شنّ الحرب على سوريا؟ أميركا وجماعتها، وهذا معروف، والذي كان يُدير الحرب في سوريا هو السفير الأميركي المنتدب بدمشق والذي كان يجلس في تركيا وغرف العمليات التي كان فيها جنرالات أميركيون وعرب. فالنزوح الأمني عندما تحصل حرب في أي بلد فإنه من الطبيعي أن يحدث هناك نزوح، فهل يعرف الشعب اللبناني أن المسؤول الأول عن النزوح الأمني إلى لبنان هو من أشعل الحرب في سوريا، وهي الإدارة الأميركية؟

حسنًا، الآن فشلت الحرب، وجاء النزوح الثاني الذي يقول عنه اللبنانيون إنه النزوح الاقتصادي، فمن هو المسؤول عن النزوح الاقتصادي في سوريا؟ الولايات المتحدة الأميركية أيها اللبنانيون، أيها اللبنانيون جميعًا، لماذا؟ لأنه عندما وضعت الحرب أوزارها في سوريا وتهافتت الشركات العالمية للاستثمار في سوريا، كان يمكن لسوريا أن تنهض ويبقى شعبها فيها ومن هاجر منها ونزح عنها أن يعود إليها، لماذا؟

لأنه يوجد إعمار ويوجد كهرباء ويوجد مياه ويوجد فرص عمل ويوجد اقتصاد يُعاد بناؤه من جديد. فجاءت الولايات المتحدة الأميركية وفرضت قانون قيصر، فلماذا بعض اللبنانيين يتجاهلون هذه الحقائق؟ ويأتي ويُحمّل المسؤولية للنظام في سوريا أو لأصدقاء سوريا في لبنان، وهذا ظلم.

فلماذا لا تُحمّلون المسؤولية لمن أخذ قرار قيصر وحاصر سوريا وفرض عقوبات على كل الشركات التي كانت ستأتي إلى سوريا والدول التي كانت جاهزة أن تستثمر في سوريا؟ ولذلك سوريا تُعاني اقتصاديًا ومعيشيًا وحياتيًا، ولذلك أدى هذا إلى نزوح اقتصادي. فاللبنانيون الذين يشعرون بأن النزوح السوري يهدد وجود لبنان، والمرجعيات الدينية والسياسية والتي لها علاقات متينة وقوية مع أميركا ومع فرنسا ومع الغرب يجب أن تعرف أن المسؤولية الأولى واقعة على عاتقها بأن تذهب إلى هناك وتقول لهم: حتى يبقى لبنان يجب إلغاء قانون قيصر. فهل فعلتم شيئًا من هذا؟

فأميركا وأوروبا ليسوا أصدقاءنا لنذهب إليهم ونتكلم معهم، فهم أصدقاؤكم، ولكن هذا جزء من الخطة، لأنه هذا هو السبب الحقيقي. أنا أقول لكم الآن، إذا يُرفع قانون قيصر عن سوريا وتبدأ الشركات والإعمار في سوريا وحينئذٍ الروسي الذي ما زال قدم إلى الأمام وقدم إلى الوراء والصيني، ولا أعرف إذا سيتزحزح أو لا، وبقية الشركات العربية والدول العربية، إذا جاءوا إلى سوريا، هذه المئات الآلاف من السوريين سيعودون إلى بلدهم، وسيكون إعادتهم إلى بلدهم أمرًا سهلًا ومتيسرًا، ولكن هناك استسلام أمام الإرادة الأميركية.

أين الدولة من مافيات التهريب ومفوضية اللاجئين الأونروا

عنوان آخر في المعالجة: مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة تفعل ما تشاء، فأين هي السيادة اللبنانية؟ ففي الآونة الأخيرة سمعنا أن المفوضية أصبحت تعطي بطاقات إقامة في لبنان، فأين أهل السيادة وأصحاب السيادة؟ فضبط الحدود صحيح، وهذا أحد الأشكال، ولكن فتّشوا عن مافيات التهريب وحاسبوها وعاقبوها أيًا تكن، الذين يتقاضون الأموال لتهريب أعداد كبيرة من النازحين السوريين إلى لبنان، وهذا أيضًا شكل من أشكال المعالجة.

كيف نعالج أزمة النزوح؟ بين خطر الهجرة والظلم الاجتماعي

بكل الأحوال، أحببت أن أقول إنه إذا كانت هناك إمكانية لإنشاء لجنة من قوى سياسية، أو لجنة من كتل نيابية ومن نواب، أو لجنة وزارية، ولكن لها طابع شمولي، يعني تشمل كل القوى بمعزل عن عداواتنا وخصوماتنا وصراخنا والتوتر والاتهامات القائمة، ألا تقولون إن هذا تهديد وجودي؟

تفضلوا إذًا لنتَرفّع عن كل شيء ولا نربطه لا بالملف الرئاسي ولا بأي ملف آخر، ونأتي ونقول نحن كلبنانيين أمام خطر تهديد وجودي، فماذا علينا أن نفعل للمعالجة؟ مثلًا نحن نسمع بعض القوى السياسية وبعض الإعلاميين وبعض من يكتبون في شبكات التواصل الاجتماعي، نسمع فكرة، ولا أقول إننا نحن الآن نتبناها أو لا نتبناها ولكن نقول إنها قابلة للدرس، تقول هذه الفكرة: “لماذا تمنعون النازحين السوريين من مغادرة لبنان في البحر إلى أوروبا؟ وعندما تمنعونهم ويذهبون تهريبًا، فيضطرون إلى أن يركبوا هذه المراكب المطاطية وكل يوم أو يومين أو ثلاثة عندنا مصيبة وغرق في البحر. فلماذا يا جناب الحكومة اللبنانية ويا جناب الجيش اللبناني؟”.

هذه فكرة مطروحة في البلد، وهي أنه اتركوا الموضوع ودعوهم يصعدون بالسفن وليس فقط بالمراكب المطاطية، وليس كما يقول أصحاب الفكرة إنه إجمعوهم وأرسلوهم في البحر، وإنما يمكن تخفيفها إنسانيًا والقول لمن يرغب من النازحين السوريين بأن يُتاح لهم الفرصة دون الحاجة إلى الهروب ليلًا وبقوارب مطاطية، وأن يركبوا السفن وأن يتجهوا إلى أوروبا. وهذه الفكرة، يقول من يتبناها، إنها ستؤدي إلى نتيجة حتمية وهي أن الدول الأوروبية سوف تأتي خاضعةً إلى بيروت، إلى السراي الحكومي، لتقول للبنانيين: “ماذا تريدون لتوقفوا هذه الهجرة للنازحين اتجاه أوروبا؟”، وهكذا فعلت تركيا ودول أخرى.

على كلٍ، هذه الفكرة قابلة للنقاش، وحتى نحن في حزب الله يمكن أن نجلس ونناقش هذه الفكرة، هل نتبناها؟ وهل نعمل عليها؟ فالمقصود وضع الخطة، والدولة تقوم بإجراءاتها. وبانتظار وضع الخطة يجب أن ألفت إلى أمر مهم يحصل الآن في لبنان، وهو أننا شعبان: شعب لبناني وشعب سوري، ونعيش في جوار بعضنا، وسنبقى في جوار بعضنا بحكم الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والمستقبل.

فإذا كان عندنا مليون ونصف أو مليونين سوري في لبنان وهم من مناطق مختلفة من سوريا، يجب أن لا يتحول الجو القائم إلى جو عداء مع هؤلاء الناس، مع الرجال ومع النساء ومع الأطفال. ويجب ألا يتجاوز أحد حدود القانون في معالجة ما هو مخالف للقانون، ويجب ألا يتجاوز أحد حدود الأخلاق، ويجب ألا يرتكب أحد ظلمًا، يعني لا يجوز أن يتصرف البعض هنا في لبنان كأن النازحين السوريين أصبحوا مباحي الدم ومباحي العرض ومباحي الاعتداء عليهم ومباحي المال ومصادرة أموالهم، فأموالهم هي أموال محترمة ولا يجوز مصادرتها ويجب إعادتها إليهم.

وهذا أمر لا يُعالج بالشتائم وبالضرب وبالعدوان وبالإيذاء، وهذا أمر خطير جدًا، فلا الدين ولا الشرع ولا القانون يسمح بذلك. وغدًا يخرج من يقول إن السيد يدافع عن النازحين السوريين، لا، أنا أدعو إلى عدم الظلم، فالظلم لا يُعالج نتيجة. فنحن لدينا قانون في لبنان ويمكن العمل طبقًا للقانون، ولدينا جميعًا كلبنانيين أخلاق وأعراف وتقاليد ودين ويجب أن نتصرف على هذا الأساس.

النازح السوري ليس العدو بل الأمريكي الذي يمنع عودته

في نهاية المطاف نحن ندعو إلى هذا، وطبعًا البعض يقول: “سوريا أصحابكم وأنتم حلفاء فلماذا لا تذهبوا إلى سوريا وتعالجوا الموضوع؟”، وهذا كلام يقوله بعض العباقرة من السياسيين في لبنان، وهو تضليل وغفلة. فنحن لسنا دولة، وهذا يحتاج لكلام من دولة لدولة.

وأصلًا أهم دليل على أكذوبة أن حزب الله يسيطر على قرار الدولة، هو أنه لو كان حزب الله يسيطر على قرار الدولة في لبنان لما ذهب فقط وفد وزاري بل كان قد ذهب رئيس الحكومة اللبنانية إلى سوريا. ولكن على كل حال، هذا من الشواهد الكثيرة التي تؤكد أكذوبة سيطرة حزب الله على القرار، فحتى الآن لا نستطيع أن نفرض على هذه الحكومة أن تُرسل لجنة وزارية “مثل الخلق” لتناقش مع المسؤولين السوريين كيف سنعالج أو نخفف، مع العلم أن العلاج ليس فقط مع السوريين، فكما ذكرت في البداية، العلاج يجب أن يبدأ من مكان آخر.

فاليوم الذي يُهدّد الوضع الديموغرافي في لبنان أيها اللبنانيون، والذي يُهدد هذا الوطن بالإلغاء لمن يؤمن بأن التهديد يصل لهذا المستوى، ليست سوريا، ولا النظام في سوريا، ولا القيادة في سوريا، ولا الشعب السوري، ولا النازحون السوريون، فالذي يُهدد الديموغرافيا والوجود والكيان والوطن هي السياسات الأميركية المستكبرة والقبيحة والوقحة.

ولا أُريد أن أدخل في الأسماء، فأنا أعرف أن السفيرة الأميركية هنا عندما تعلم بأن جهازًا أمنيًا أو عسكريًا أو وزارةً معينة قامت بإعادة بعض السوريين إلى سوريا لسببٍ قانوني، فهي شخصيًا تذهب إليهم وتجتمع معهم وتجري معهم تحقيقًا، تحقيق مثل التحقيق القضائي والأمني: “من فعل هكذا؟ ومن أخذ هذا القرار؟ ومن نفذ هذا القرار؟ وكيف هذا الموضوع شُغل؟”، واللبنانيين عليهم أن يُجيبوا، لماذا؟ لأن هناك سيف العقوبات على الأشخاص مُسلّط على رقاب اللبنانيين.

فاللبنانيون ماذا حصلوا من الأميركي؟ مديح، أليس كذلك؟ فشخص من وزارة الخارجية الأميركية عندما إلتقى ببعض من المسؤوليين اللبنانيين شكرهم على كرم الأخلاق في استضافة النازحين السوريين، حسنًا، وغير كرم الأخلاق ماذا؟ لا شيء.

فهذا هو الطريق للمعالجة، وغير ذلك من تحميل المسؤوليات ورمي المسؤوليات والخطاب السياسي، هذا لن يوصل إلى نتيجة. فلم تُحرّر أرضًا عندما كان الاحتلال العسكري تهديدًا، الاحتلال الإسرائيلي، ولم يُبعد شبح التهديد عندما جاء التكفيريون إلى السلسلة الشرقية وأرسلوا السيارات المفخخة. فاليوم أي ظاهرة تُشكّل تهديدًا يجب أن تُواجه بالعمل وليس بالاتهام ولا بالشتائم.

تجديد البيعة لرسول الله(ص)

أيها الإخوة والأخوات في هذا اليوم، يوم المولد النبوي الشريف الذي نعتبره يوم أفراحنا وأعيادنا وافتخارنا واعتزازنا، نجدّد بيعتنا لرسول الله (ص)، وبيعتنا لرسالته وقرآنه، وبيعتنا لطريقه ونهجه، وأن نبقى من أهل هذا النور، ونَحمله، ونُحافظ عليه، وننشره في كل العالم، متحدين ومتماسكين حتى نُحقق لشعبنا ولوطننا ولأمتنا كل ما يطمحون إليه من عدالةٍ ونصرٍ وعزّةٍ وكرامةٍ وسعادةٍ واستقرارٍ إن شاء الله.

وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى