خطابات

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في عيد المقاومة والتحرير 25-5-2023



الفهرس

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في عيد المقاومة والتحرير

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم “وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” صدق الله العلي العظيم.

شكر وتقدير لشعب المقاومة وشهداء المقاومة وتضحياتها

أولاً، أبارك لكم جميعاً هذه الذكرى وهذه المناسبة الجميلة والعظيمة والعزيزة على قلوبنا جميعاً، مناسبة عيد المقاومة والتحرير في الخامس والعشرين من أيار من كل عام، استذكاراً للانتصار الإلهي الكبير والعظيم الذي تحقق في لبنان عام 2000 في مثل هذا اليوم.

طبعاً في البداية، دائماً في هذه المناسبة وفي بداية الكلمة، أنا أقول لدينا مقطع أخلاقي وإن كان متكرراً ولكنه من الواجبات.

أولاً: الشكر لله سبحانه وتعالى، بفضله ولطفه ورحمته وبركاته ونصره وإعانته ومساندته وحمايته وإيصاله هذه المعركة إلى تلك الخاتمة العظيمة، خاتمة الانتصار والتحرير، فله أولاً ودائماً وأبداً وسرمدياً الشكر والحمد.

وأيضاً الشكر لكل الذين صنعوا هذا النصر، ساهموا بصنع هذا النصر، لكل المضحين بالدرجة الأولى، للشهداء الأعزاء الذين قدموا أرواحهم ودماءهم الزكية وتركوا كل شيء وراءهم وذهبوا إلى الأمام، لعائلات الشهداء الذين ما زالوا كما قلت في السابق لا تنتهي معاناتهم في الأسبوع أو الأربعين أو الذكرى السنوية وإنما تستمر هذه المعاناة، هذا الصبر، هذا التحمل، هذه المشاعر المُضحية، على سبيل المثال اليوم، عندما فقدت عائلة شهيدٍ عزيزة ابنتها، والتي لقيت تعاطفاً كبيراً لأنها هي في الحقيقة تمس العواطف في صميم القلوب، الفتاة خديجة ابنة الشهيد حسن إبراهيم إسماعيل.

عوائل الشهداء، الجرحى، الشكر لهم ولعائلات الجرحى الذين يصبرون ويتحملون ويصمدون مع الجرحى.

الأسرى الذين منّ الله تعالى عليهم بالحرية وتحملوا سواءً في أنصار أو عتليت أو الخيام أو معتقلات لبنان أو السجون داخل الكيان، بعضهم أمضى سنوات طويلة من آلام الأسر والسجن، معاناته وتعذيبه، وعائلاتهم التي عانت في زمن الأسر وفي زمن الغربة.

المجاهدون المقاتلون الذين عملوا في الليل وفي النهار وسهروا وقاتلوا وحضروا في كل المعارك والعمليات والساحات وكانوا دائماً في الخطوط الأمامية، وكانوا دائماً في معرض الشهادة أو الجرح أو الأسر، وعائلاتهم أيضاً التي تحملت معهم طوال تلك السنوات هذا العبء الكبير.

العاملون في جميع المواقع التي كانت جزءاً أساسياً في حركة المقاومة سواء كانت أطر تنظيمية، إعلامية، ثقافية، اجتماعية، خدماتية، من قضى نحبه منهم ومن ينتظر، خصوصاً أن أغلبهم صاروا في الستين والسبعين، خصوصاً الجيل الأول، رحمة الله على من رحل منهم وحفظ الله الأحياء والباقين وأمد في أعمارهم.

الشكر للناس الذين صمدوا في الشريط الحدودي المحتل وخلال مرحلة الاحتلال وأيضاً في محيط قرى التماس مع الشريط الحدودي المحتل، الناس الشكر لكل الناس الذين احتضنوا هذه المقاومة ودعموها وساندوها وقدموا لها فلذات أكبادهم ودافعوا عنها وحموها في كل المناطق اللبنانية وخصوصاً في البقاع والجنوب.

الشكر للجيش اللبناني والقوى الأمنية الذين تكاملوا في هذه المعركة وفي هذه المهمة، الشكر للجيش السوري في عام 1982 إلى التحرير الذي تحمل وقدم الشهداء والتضحيات، الشكر للفصائل الفلسطينية التي شاركتنا العمليات أيضاً قبل عام 2000 وإلى عام 2000 وقدمت الشهداء والجرحى، هنا نتحدث عن الناس في الميدان.

الشكر لكل الرؤساء الذين واكبوا تلك المرحلة وخصوصاً عام 2000، الشكر لكل العلماء وأيضاً للمراجع الدينية وخصوصاً لمراجعنا الكبار الذين حموا هذه المقاومة وأفتوا بشرعيتها وقدموا لها كل أشكال الدعم المعنوي والمادي.

الشكر لكل القوى السياسية التي آمنت بهذا الطريق، لكل من دعم وساند بالكلمة، بالإعلام، بالموقف، بالأدب، بالشعر، بالفن، بالمال، بالدعاء، في لبنان وفي خارج لبنان وفي العالمين العربي والإسلامي.

طبعاً وهنا وأنا أتوجه بالشكر للشهداء وعوائل الشهداء، والجرحى وعوائل الجرحى، والأسرى والمقاتلين، المناضلين، المجاهدين، الناس، أنا لا أتحدث فقط عن شهداء وأسرى وجرحى ومقاتلي حزب الله، بل أتحدث عن جميع قوى المقاومة التي ساهمت في صنع هذا الانتصار عام 2000 في حزب الله، في حركة أمل، في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، في الأحزاب الوطنية، في القوى الإسلامية اللبنانية.

أيضاً يجب أن نتوجه بالشكر إلى الدولتين اللتين دعمتا بقوة وبكل ما تستطيعان هذه المقاومة حتى حققت الانتصار عام 2000، أعني الجمهورية الإسلامية في إيران والجمهورية العربية السورية، واللتين ما زالتا في نفس الموقع، موقع المساندة والدعم والثبات.

طبعاً يجب أن نخص بالشكر هنا قادتنا الشهداء الذين تحملوا أعباء كبيرة، سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب، القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية، القدوة الجهاديين الكبار السيد مصطفى بدر الدين، الحاج حسان اللقيس، وعدد كبير من القادة الشهداء.

وأيضاً القادة الشهداء في بقية حركات المقاومة اللبنانية الذين أيضاً كان منهم الكبار الذين قدموا دماءهم حتى كان هذا الانتصار.

لا بد أيضاً أن نُجدد الذكر أن هذه المقاومة في لبنان التي ننتمي إليها والتي تأسست حتى قبل 1982، امتدت بعد 82 وكان مؤسسها الميداني الفعلي الأول هو سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر أعاده الله ورفيقيه بخير إن شاء الله.

هذه في المقدمة الأخلاقية التي إن شاء الله لا نكون قد نسينا أحداً.

عيد المقاومة والتحرير

أهمية إحياء ذكرى التحرير

عندما نأتي للذكرى اليوم وندعو دائماً إلى إحياء هذه المناسبة بقوة لعدة أسباب في الحقيقة:

تجربة المقاومة مليئة بالعبر والدروس

أحد هذه الأسباب أن هذه التجربة هي تجربة عظيمة ومهمة ومنتصرة ومظفرة، يعني ما حصل في لبنان بالحد الأدنى منذ عام 82 وحتى عام 2000 والآن لا نتحدث عن ما بعد الـ2000.

الإضاءة على الأحداث التي حصلت، التطورات، المواجهات، العمليات، المقاومة، الإنجازات، المعادلات التي صنعتها المقاومة في لبنان، هذا أمر مهم جداً لأن هذه التجربة مليئة بالعبر، مليئة بالدروس، مليئة ومهمة جداً ليس لاستذكار الماضي فقط ولكن للحاضر وللمستقبل، لأن لبنان ما زال هو جزء من هذه المنطقة التي تعاني من وجود هذا الكيان الغاصب.

ومن يفترض أن المعركة مع الاحتلال ومع الكيان قد انتهت فهو مشتبه، لأن هذا الكيان، هذا العدو ما زال يُمارس عدوانه وتهديده كل يوم وطمعه، وهناك جزء من أرضنا ما زال تحت الاحتلال، وبالتالي هذه التجربة يجب أن نستفيد أولاً منها وأن نقدمها لكل شعوب المنطقة وشعوب العالم ليستفيدوا منها.

ضرورة تعريف الأجيال الجديدة بتضحيات الماضي

للأجيال الحاضرة، للشباب والشابات، مثلاً إذا تحدثنا عن تحرير الـ2000 الذين وُلدوا عام 2000، الآن أعمارهم 23 سنة ومن كانوا ما زالوا أطفالاً 3 أو 4 أو 5 سنوات، الآن أعمارهم 28 سنة أو 29 سنة، هؤلاء لم يعيشوا ولم يواكبوا مرحلة الاحتلال، لا احتلال الـ78 ولا احتلال الـ1982، وما عانه الشعب اللبناني والمقيمون في لبنان من اعتداءات، ومن قصف، ومن تهجير، ومن قتل، ومن مجازر، ومن آلام، ومن إذلال، ومن سجون، ومن معتقلات، ومن حواجز، ومن أذى معنوي وجسدي.

ولم يشهدوا أيضاً تجربة المقاومة وتجربة ثباتها وإرادتها وصلابتها وتضحياتها وغربتها ومظلوميتها، وما قدمته من دماء وما أنجزته من إنجازات وإبداعات، هم لم يعيشوا كل هذه الظروف، وهذه تجربة يجب أن يطلعوا عليها، ومن مسؤولية المسؤولين والإعلاميين والعلماء والمثقفين والمفكرين والمؤرخين والفنانين، كلٌ بحسب ما يتوفر لديه من واجبهم جميعاً ومن واجبنا جميعاً أن نضيء على هذه المرحلة، لأن اليوم هذه الأجيال الشابة هي صاحبة الحاضر وهي صانعة المستقبل، يجب أن تتعرف على هذا الماضي.

التذكير بأن الانتصار لم يأتِ مجاناً

وأيضاً من أجل أن نُذكر الأجيال الحاضرة والشعب اللبناني كله أن هذا الانتصار لم يأتِ بالمجان، ولم يأتِ نتيجة مظاهرتين هنا أو اعتصامين هناك أو تدخل دولي هنا أو لا أدري ماذا، وإنما جاء حصيلة سنوات طوال.

كما قُلنا، من التضحيات والشهادة والصبر والتحمل والتهجير وغيرها. إذاً، الأثمان التي قُدمت لصنع هذا الانتصار كانت أثماناً عالية وغالية جداً، ودائماً نحن نقول: “أغلى ما عندنا، أعز ما عندنا، أجمل ما عندنا” قدمناه في هذه المقاومة حتى تحقق هذا الانتصار، عندما يعرف شعبنا وأجيالنا الشابة أن هذا الانتصار، وهذا التحرير، وهذا الإنجاز التاريخي الذي يُعد من أهم انتصارات لبنان في تاريخه، كان نتيجة هذه التضحيات الجسام، حينئذٍ يجب عليهم أن يُحافظوا عليه، وأن يتمسكوا به، وأن يُدافعوا عنه، وأن يصونه.

وليس كما يسعى البعض إلى التفريط فيه أو وضعه في دائرة النسيان، لأنه يُبنى عليه، يبنى عليه. هذه التجربة يجب أن تُبنى عليها للحاضر وللمستقبل.

التحولات الكبرى في الصراع مع العدو الإسرائيلي

نأتي إلى المناسبة، اليوم نحن في 25 أيار، لدينا ذكرى 25 أيار، عيد التحرير، الذي تم فيه تحرير الأرض اللبنانية باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر. وقبلها أيضاً بأيام، إذا عدنا قليلاً، لدينا مناسبة 17 أيار، الذي يذكرنا هذا اليوم باتفاقية الذل التي وقعها لبنان الرسمي في ذلك الوقت مع العدو الإسرائيلي في عام 1983، وواجهتها القوى الوطنية ومختلف فصائل المقاومة.

وكان من رموز الشهادة في مواجهتها الشهيد محمد نجدي. إذاً، لدينا 17 أيار للتذكير بالخيارات الخاطئة، ولدينا أيضاً قبلها 15 أيار، وهي ذكرى النكبة عام 1948، الذي يعني اليوم مرور 75 سنة على احتلال فلسطين وقيام الكيان الغاصب. طبعاً، 75 سنة هي مرحلة مهمة جداً يجب أن نتوقف عندها. إذاً، لدينا من النكبة إلى الخيارات الخاطئة، إلى الخيارات الصحيحة، إلى التحرير عام 2000.

اليوم أود أن أقف قليلاً عند التحولات الكبرى التي حصلت خلال المرحلة الأخيرة لنقول: نحن اليوم أين في هذا الصراع؟ البعض قد يعتقد أنني أتحدث فقط عن وضع المنطقة والوضع الإقليمي، فيسأل: “ما علاقة ذلك بلبنان؟”

بعض اللبنانيين الذين يعتبرون لبنانيتهم زائدة عن غيرهم، لا، هذا أول من يعنيه هو لبنان، كما يعنيه فلسطين، ومثلما يعنيه سوريا، وكما يعنيه كل شعوب ودول المنطقة، لأنه كما ذكرت في البداية، هذا الصراع مع العدو الإسرائيلي لم ينتهِ. ما زال لدينا أرض محتلة، وهناك تهديد ووعيد وأطماع.

وبالتالي، وضعية هذا الكيان، دفاعية أو هجومية، قوته أو ضعفه، على ضوء الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية وتحولات المنطقة، لها تأثير مباشر على سلامة لبنان، على أمنه وأمانه، على حاضره، على مستقبله، وعلى اقتصاده. وبالتالي، لبنان هو جزء أساسي من هذه الوضعية ومن هذه المعادلة ومن هذا المصير، ومن هذا الحاضر والمستقبل الذي نتحدث عنه ونتطلع إليه.

طبعاً، نتيجة أنني لا أريد الحديث لأكثر من ساعة، هناك بعض العناوين التي تكفي فيها الإشارة، لأننا تحدثنا عنها في السابق، وهناك بعض العناوين التي قد أُفصل فيها قليلاً، لأنه يُمكن أن نُؤكد على بعض التفاصيل فيها.

تراجع مشروع إسرائيل الكبرى

عندما نتحدث عن هذه التحولات، يجب أن نرى اليوم هذا الكيان الذي طردته المقاومة في لبنان عام 2000. هذا الكيان اليوم، الذي كان يُخطط له ويفترض أن يكون كياناً قوياً جباراً، ممتداً من النيل إلى الفرات، قوة عظمى في الإقليم، مهيمنة مسيطرة مطمئنة، تفرض إرادتها على حكومات وشعوب المنطقة. عندما جاءوا بإسرائيل وصنعها الإنجليز ولاحقاً الأمريكان والغرب عموماً، كان هذا هو الهدف.

اليوم أين صرنا بهذه التحولات؟ ما هو الواقع الحالي؟ الذي سنرى أن المستقبل القريب والبعيد سيُبنى عليه. وعندما نتحدث عن هذه التحولات، فإنها لم تحصل بالصدفة، وإنما هي نتيجة صراع طويل بدأ قبل المقاومة في لبنان، بدأ منذ 75 سنة من الشعب الفلسطيني، من إرادته، من مقاوميه، من شهداءه، من غربته، من تهجيره وتشريده، إلى لبنان في عام 1948، وبعد عام 1948 للسبعينات ولـ 78 ولـ 82، ثم إلى 2000 و2006، وإلى اليوم، كذلك سوريا ودول وشعوب المنطقة.

إذاً، إذا أتينا إلى خلاصة في الوضع الحالي، لأننا نقوم بتقدير الوضع على ضوءه، نستطيع أن نبني ونفهم الأمور التي تحصل، وخصوصاً النقطة الأساسية في خطاب اليوم التي تتعلق بالتهديدات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، والتي أوجدت أجواءً من القلق في المنطقة.

حسناً، نحاول أن نرسم الصورة والمشهد بعبارات مختصرة. لن أقول واحد واثنان وثلاثة كي لا نخطئ في العد، اليوم لا إسرائيل كبرى، وطبعاً كل هذا أتى نتيجة، كما أُعيد وأقول، جهاد المقاومين وشعوب المقاومة في المنطقة. اليوم، لا إسرائيل كبرى من النيل إلى الفرات. بعد الانسحاب من لبنان في 25 أيار 2000، وبعدها الانسحاب من قطاع غزة، انتهى مشروع إسرائيل الكبرى. لا إسرائيل عظمى. هذه إسرائيل العظمى انتهت في 2006 مع لبنان، وفي 2008 مع غزة، وكل يوم هي تنتهي. إسرائيل اليوم تختبئ خلف الجدران والحديد والنار.

تغير النظام العالمي وتراجع الهيمنة الأمريكية

أيضاً من التحولات المهمة في الوضع الدولي: عندما كان هناك هيمنة أميركية على النظام العالمي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، كانت هي الفرصة الذهبية لتثبيت إسرائيل في المنطقة من خلال فرض التسويات على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، بعد أن فُرضت على المصريين والأردنيين.

والتسويات التي كان يُراد فرضها خصوصاً على الفلسطينيين كانت تسويات مذلة رفضها الفلسطينيون. اليوم هذا الأمر انتهى، يعني هم عجزوا حتى في ظل هيمنة أميركا على العالم، وانهيار القوى الكبرى الأخرى وغيابها، وأميركا تعتبر أنها قادرة على فعل ما تريد. ومع ذلك، صمد الشعب الفلسطيني، صمد لبنان، صمدت سوريا، صمدت إيران، صمد محور المقاومة بالمصطلح الجديد، ولم يخضع لتلك التسويات.

لا المفاوضات ولا الحروب التي شُنّت على هذه الشعوب وهذه الدول استطاعت أن تفرض تسوية من هذا النوع، ولا أيضاً لاحقاً في ما سُمّي “الربيع العربي”، لأنهم راهنوا كثيراً أن الربيع العربي قد يُفرز أنظمة صنعتها من جديد، موّلتها من جديد أميركا، وبالتالي يذهبون فيها إلى تسويات مذلة.

وكلنا كنا نسمع في السنة الأولى في سوريا الكثير من أصوات المعارضة السورية التي كانت تتحدث عن الصلح مع إسرائيل وإعطائهم الجولان وتأجيرهم الجولان، إلخ. هذا كله انتهى، وسقط أيضاً معه “صفقة القرن”.

اليوم، عندما يتغير هذا النظام العالمي الجديد، لم يعد هناك هيمنة أميركية على كل العالم، العالم يسير في اتجاه نظام متعدد الأقطاب.

وهذا بالتأكيد يُقلق إسرائيل. عندما لم يكن من مصلحة إسرائيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، من مصلحتها نظام عالمي تحكمه أميركا. هذا إذا تحوّل استراتيجي مهم جداً. التراجع الأميركي في المنطقة اليوم، نحن لا نتحدث عن أماني، كلا. اليوم في واشنطن وأميركا هناك نقاشات.

منذ أيام قرأت مقالاً لـ “إليوت إبرامز”، وهو من كبار المحافظين الجدد الذين كانوا مع جورج بوش الابن، وكان شريكاً في كل الحروب التي شُنّت على المنطقة من أفغانستان إلى العراق إلى… إلى… إلى. إحدى الأمور التي كان يقولها، كان ينتقد التراجع الأميركي في المنطقة، الانسحابات الأميركية في المنطقة، وأن هذه أعطت رسالة عدم اطمئنان للحلفاء الذين أخذوا خيارات ثانية، وأصبحوا مضطرين أن يذهبوا إلى الصين أو روسيا ويتفاهموا مع إيران. هذا انعكس على إسرائيل. هذا يُعبّر عن القلق الموجود لدى العدو، عندما يرى أن الحامية الأساسية له، وهي أميركا، تنكفئ عن المنطقة تدريجياً، سيخاف.

وينقل هو (أي إليوت) ويقول: هذه ليست قصة إدارة بايدن وإدارة ترامب، النقاش هذا موجود عند الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. عند الجهتين هناك نقاش يقول: “حسناً، نحن نريد أن نذهب ونفتعل حروباً في المنطقة ونرسل جيوشنا للمنطقة. دفعنا خسائر هائلة في الأرواح والأموال. تكلفة معنوية هائلة”. هو (أي إبرامز) يتحدث عن ذلك، في تجربة أفغانستان، في تجربة العراق. إذاً ما هي الجدوى؟

كما تعلمون، أميركا لا تعمل خادمة عند أحد. إسرائيل خادمة في المشروع الأميركي، وليست أميركا خادمة في المشروع الإسرائيلي. ليس هناك شيء اسمه “مشروع إسرائيلي” غير أداء الوظيفة المحددة له أميركياً، وقبل ذلك بريطانياً. حسناً، إسرائيل كيان وظيفي مطلوب منه أداء مهمة في المنطقة. عندما الذين يوظفونه يريدون أن يناقشوا الجدوى من وجودهم، من أساطيلهم، من جيوشهم، من حروبهم، هذا أيضاً تحوّل هائل جداً وكبير جداً. الأمور سارية.

أيضاً عندما تأتي الأولويات الأميركية، موضوع روسيا وأوكرانيا، موضوع الصين، هذا تفصيل وقد تحدثنا عنه وهو معروف لكم. ولكنني أريد أن أؤكد على العناوين.

إذاً، التراجع الأميركي، الفشل الأميركي، النقاش الأميركي في الجدوى، الأولويات الأميركية، النظام العالمي الجديد، كل هذه الأمور تدعو قادة الصهاينة إلى القلق. هذا الخوف وهذا القلق وهذه التحولات، في آخر الأمر، سنقول ما هي ثمراتها.

تماسك محور المقاومة

أيضاً من النقاط المهمة في الوضعية الحالية هو الانقسامات الداخلية في الكيان، الحادة الصعبة التي نواكبها وتكلمنا عنها.

في المقابل، تماسك محور المقاومة، ثبات محور المقاومة، عدم تراجع محور المقاومة. الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية الإسلامية في إيران سماحة السيد رئيسي إلى سوريا، والكلمات التي أُلقيت من السيد رئيسي ومن الرئيس الدكتور بشار الأسد، والبيان الختامي والتأكيد على التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، بعد 12 سنة من الحرب الكونية على سوريا التي كان من جملة أهدافها إخراج سوريا من هذا الموقع، موقع المقاومة والصمود والتصدي ورفض الاستسلام، هذا يؤكد على ما أقول: تماسك وثبات محور المقاومة.

دور الإنسان المؤمن في صنع النصر

من جملة العناوين المهمة المستجدة في هذا الصراع، أريد أن أتحدث عن القدرة البشرية، عن الإنسان. طبعاً، منذ 75 سنة، عمدت المقاومة في فلسطين وفي لبنان وفي المنطقة بعد الثقة والتوكل على الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وليس على الإمكانات المالية والعسكرية والدعم الدولي.

في الأصل، لم يكن هناك في يوم من الأيام توازن مع العدو، أبداً. هذا الإنسان الذي لديه إيمان بربه، إيمان بقضيته، إيمان بشعبه، إيمان بحقه، هذا الإنسان الذي لديه شهامة وشجاعة وجرأة وإقدام، هذا الإنسان الذي لديه استعداد للتضحية إلى حد الشهادة، هذا الإنسان هو نقطة القوة الأساسية.

عندما نتكلم عن 25 أيار 2000، أول شيء يجب أن ننظر إليه هو الإنسان، الإنسان الذي صنع هذا الانتصار بعون الله وبفضل الله سبحانه وتعالى، الإنسان الذي هو المقاتل والشهيد والجريح والأسير، والذي هو العائلات، والذي هو الناس والبيئة الحاضنة، وكل الذين تكلمنا عنهم في المقدمة.

تفوق نوعية شباب المقاومة مقارنة بالشباب الإسرائيلي

اليوم بيننا، عندما أقول “نحن”، قلت إنه ليس المقصود أنني أتكلم فقط عن حزب الله، كلا، إنما أتكلم عن كل حركات وتيارات المقاومة في المنطقة، وهناك أناس مصرّون على الممانعة، والممانعة هي تيار المقاومة والممانعة… أنا أتكلم عنهم جميعًا.

اليوم في الموضوع البشري والقوى البشرية، هناك مستجد مهم جدًا، لم يكن في يوم من الأيام خلال 75 سنة، أن هذه القدرة البشرية المتاحة لمحور المقاومة، أولًا من الناحية النوعيّة، هي شيء ممتاز. يعني لدينا أجيال من الرجال والنساء أو فلنتكلم عن المقاتلين، أجيال من المؤمنين، المجاهدين، المضحين، المستعدين للشهادة، الواثقين، ليسوا فقط متحمسين وحسب، بل هم فعل حقيقي وجدي ويثبتون في الإمتحانات وقد ثبتوا في الامتحانات.

حسنًا، اليوم هذه نوعية الشباب الذين يقاتلون في الضفة، الذين يقاتلون في غزة، الذين يصمدون في القدس، هذه نوعية الشباب والشابات الذين يرابطون في المسجد الأقصى، هذه نوعية الشباب في لبنان وفي العراق وسوريا وإيران واليمن… إلخ.

حسنًا، في المقابل، حتى نتنياهو، وليس الآن، بل قبل أكثر من 10 سنوات، قال إن الصهيونية انتهت عند الشباب الإسرائيلي، لم يعد هناك عقيدة، لم يعد هناك قضية. اليوم، هذه الأجيال من الشباب تُقبل على الجهاد، تُقبل على الشهادة، تُعلن الاستعداد للتضحية، تحضر في ميادين الخطر، والشباب الإسرائيلي يهرب اليوم. الجيش يتكلم عن مأزق العنصر البشري والشبابي في الجيش الإسرائيلي، وخصوصًا في القوات المقاتلة. وإلى أين يذهب هؤلاء؟

يذهبون إلى القوات غير المقاتلة، ليست التي تقاتل في الميدان وفي معرض الخطر، وأيضًا حتى الذي يريد أن يأتي إلى الميدان، ليقنعوه، يجب أن يؤمّنوا له الدبابة والمدفع والإسناد الناري والتغطية النارية والتغطية الجوية، ويمشي فوقه المسيّرات والهليكوبتر الحربية لكي يتقدم. هذه نوعية شبابهم وهذه نوعية شباب هذا المحور.

هذا من حيث النوع، وهذا الفرق سيكبر مع الوقت، مع الوقت هذا سوف يكبر وسوف يزداد. وأيضًا من ناحية الكمّ، هنا لا نتحدث عن متحمسين، نتكلم أيضًا عن أصحاب تجربة، في كل هذه البلدان وفي كل هذه المناطق، إذا لم أكن أريد أن أتحدث عن ملايين، أتحدث عن مئات الآلاف.

يعني أريد أن أنبّه الإسرائيلي الذي هدّد في اليومين أو الثلاثة الماضية وكلّما يقول: “الحرب الكبرى”، الحرب… على مهلك، نحن نتكلم عن الحرب الكبرى، وهو بدأ يهدّد بالحرب الكبرى. هذه الحرب الكبرى إذا أنت تخمّنها أنّها مع الفلسطينيين فقط أو مع اللبنانيين فقط، فأنت مُشتبه.

هذه الحرب الكبرى، بمعزل عن المواقف الرسمية، ستضيق ساحاتها وميادينها بالمقاتلين. لا أريد أن أتحدث عن ملايين المقاتلين، بل عن مئات آلاف المقاتلين الذين هم من هذه النوعية التي تكلمت عنها.

لا أتحدث فقط عن الكمّ، بل عن كمّ من هذه النوعية. هنا، أنا أدّعي وجود تفوق هائل وتفوق كبير في البعد الإنساني والبشري والنوعي والكمّي في الصراع مع هذا العدو، خصوصًا أنه إذا كان يريد القيام بحرب كبرى، فإن كل هذه الحدود ستُفتح، ليس مثل الأيام القديمة.

إذاً هذا تحول أيضًا كبير لمصلحة محور المقاومة وليس لمصلحة العدو على حساب العدو. أكثر من ذلك أحب أن أقول لكم، الذي حدث في أحداث المنطقة في سوريا، في العراق، في اليمن، في الحصار على إيران، وأيضًا في دول أخرى مثل البحرين وما شابه…

هدفه كان إنهاء كل ما يُمِتّ إلى المقاومة وفكر المقاومة وثقافة المقاومة بصلة، من أجل هيمنة الأمريكي وتثبيت الإسرائيلي في المنطقة. هذا التهديد تحوّل إلى فرصة، اليوم أصبح هناك قوى مقاومة، قوى مسلحة، قوى قادرة، قوى لديها خبرة وتجربة، ولديها إنجازات ولديها انتصارات.

هذا ينطبق على سوريا، ينطبق على العراق، ينطبق على اليمن، والقدرة العظيمة التي بات يملكها الشعب اليمني، كل هذا جزء من التحول. هذا لم يكن موجودًا قبل 10 سنوات أو 12 سنة قبل هذا التآمر. إذاً هذا أيضًا من التحولات الاستراتيجية المهمة والكبيرة جدًا.

الردع وفشل العدو في تحقيق أهدافه

من جملة التحولات أيضًا التي ثبتت خلال الفترة الماضية ونُسلط الضوء عليها الآن هو الاحتضان الشعبي والقدرة على التحمل. ليس الاحتضان الشعبي بمعنى أن شخصًا جالسًا في آخر الدنيا وتحت المكيف وهو يؤيد المقاومة، مشكور وجيد، هذا أيضًا جيد.

لكننا نتكلم عن الاحتضان الشعبي تحت النار، الناس الذين كانوا يُهجرون، الناس الذين كانت تُقصف بيوتهم، الناس الذين كانوا يُجرحون، الناس الذين كانوا يُنكبون، الناس الذين كانت تُصاب أرزاقهم وحقولهم، ولم يتخلوا يوماً عن المقاومة. الاحتضان الشعبي إذا أردنا صورة جديدة له فيتمثل قبل أيام في غزة في معركة “ثأر الأحرار”، عندما لم يجد الإسرائيلي أحدًا في قطاع غزة يخرج ليقول للمقاومة “توقفوا، استسلموا، اخضعوا، تراجعوا”، بل كنا نسمع التكبيرات والمناشدات والإشادات. هذا يعني الاحتضان.

اليوم، هنا أين نقطة القوة؟ نقطة القوة تعني الاختلال في التوازن هو عندما نذهب إلى الجبهة الداخلية عند العدو. لم تعد كما كانت في بدايات تشكيل الكيان، لأن هذا الذي نتحدث عنه من التراجع العقائدي ليس فقط عند الشباب بل هو عند كل مجتمعهم. بالتالي هناك مجتمع غير مُستعد لتقديم التضحيات ولتحمل التضحيات.

مجرد أن يسقط بعض القتلى أو الجرحى تجدهم جميعًا بدأوا بالعويل والصراخ. أكثر الانهيارات عندهم عندما يقول لك “جرحى”، انهيارات نفسية وعصبية. في مجتمع الكيان، رغم القبة الحديدية ومقلاع داوود، ولا أعرف ماذا، تجد العالم ذهبت إلى الملاجئ. في قطاع غزة، تصعد إلى السطوح وتنزل على الميادين. هذا الفرق. لبنان كان هكذا، وهذا شاهدناه في تجارب متعددة ومتنوعة.

إذًا جبهته الداخلية جبهة ضعيفة، واهنة، قلقة، مضطربة، مستعدة دائمًا أن تحزم الحقيبة وترحل، ولذلك شاهدنا في السنوات الأخيرة إقبالًا على جوازات السفر، وعلى الجنسيات الأخرى، وعلى… هذا أيضًا مؤشر مهم جدًا بالتحولات.

فشل الأمل بالبقاء والمستقبل

من جملة التحولات المهمة هي المرتبطة بالثقة والأمل، الأمل بالبقاء والأمل في المستقبل. اليوم في مجتمع كيان العدو، أكثر من أي زمن مضى، هناك قلق وجودي، قلق على المستقبل. أصبح لدينا 75 سنة، هل سنكمل إلى 80؟ إذا أكملنا إلى 80 سنصل إلى 100؟

يعني السقف الذي يتحدثون به 5 سنوات، 10 سنوات، 25 سنة. حتى للـ 100 سنة عندهم نقاش هل يبقون للـ 100 سنة أو لا يبقون؟

وكثر يخططون للبدائل، جواز سفر بديل، جنسية أخرى ويكون جاهزًا للرحيل. في المقابل، بالثقة وروح الأمل، أكثر من أي وقت مضى، جديًا وبدون شعارات، وبناءً على وقائع ومعطيات واقعية وميدانية وحقيقية وواحد زائد واحد يساوي اثنين، اليوم الأمل أكبر من أي وقت مضى بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، بالصلاة في المسجد الأقصى. في الحد الأدنى، محور المقاومة، قادته، مجاهدوه، بيئته، يؤمنون بهذا، لديهم يقين بهذا.

هذا طبعًا له تأثير كبير على المعركة. واحد عنده يقين أنه منتصر إن شاء الله وسيصلي في القدس، وواحد عنده شكوك كبيرة أنه سيستطيع البقاء ومتى سيحزم حقيبته ويرحل، هذا له تأثير كبير على صراعنا مع العدو.

فقدان القيادات التاريخية في كيان العدو

من جملة التحولات، فقدان القيادات التاريخية في كيان العدو، بل فقدان القيادات المؤثرة ذات المصداقية. اليوم، رئيس حكومة العدو معروف عند أناسه أنه من أفسد الفاسدين. غياب القيادات سواءً في الزعامة السياسية، في الجنرالات، وفقدان الثقة بمؤسسات الكيان. في المقابل، الثقة العارمة لدى شعوب وحركات وقوى محور المقاومة بالمحور، بحركاته، بحكوماته، بدوله، بقادته، بحيث أن هؤلاء حاضرون أن يقدموا فلذات أكبادهم في هذا الطريق وبين يدي هؤلاء القادة.

من التحولات المهمة أيضًا، القوة المادية في محور المقاومة إسرائيل دائمًا كانت قوية، أقوى جيش في المنطقة – هكذا كانوا يقولون – أقوى سلاح جو في المنطقة. التحول هو التحول في قوى المقاومة، في دول المقاومة، التحول في القدرات المادية، العسكرية، الصواريخ، المسيرات، الأسلحة المتنوعة، الذخائر إلى آخره… كمًا ونوعًا وهي أيضًا إن شاء الله في تطور، مثال على ذلك ما عندنا في لبنان.

فشل التطبيع مع الشعوب العربية

من جملة التطورات المهمة، خلال 75 عامًا فشل العدو الإسرائيلي ومعه أميركا في إيجاد اختراق حقيقي في المنطقة، في بيئة المنطقة الاجتماعية، الثقافية، السياسية، الشعبية، من خلال عنوان التطبيع. أجرى صلحًا مع مصر ولكن لم يستطع أن يجري تطبيعًا مع الشعب المصري، وظلت العلاقة رسمية. أجرى صلحًا مع الأردن ولكن ظلّت العلاقة رسمية، ولم يستطع أن يُجري تطبيعًا مع الشعب الأردني.

كل الذي حُكي خلال السنوات القليلة الماضية عن تطبيع مع بعض الدول العربية وضخموه في وسائل الإعلام العربي هو أكاذيب، هو شيء شكلي له علاقة بالحدود الرسمية وليس له علاقة بالناس. وهذه الحكومات التي هي غير قادرة لا على إقناع الناس والشعوب بالتطبيع مع العدو، وغير قادرة على أن تفرض على الشعوب التطبيع، لا تقدر أن تفرض عليهم التطبيع. النظام يستطيع أن يُجري تطبيعًا رسميًا، ولكن لا يستطيع أن ينقله إلى التطبيع الشعبي، لا بالإقناع لأن هذا باطل وظالم، ولا بالقوة.

اليوم مثلًا في يوم الجمعة الماضية، خطيب الجمعة في البحرين، سماحة الشيخ محمد صنقور، في خطاب هادئ ينتقد التغييرات في المناهج التعليمية وبعض خطوات التطبيع في البحرين مع العدو الإسرائيلي. في خطبة الجمعة انتقد، يعني لم يحمل السلاح ولم يطلق النار ولم يقم بعصيان مدني، فقط وقف في خطبة الجمعة وانتقد. حكومة البحرين لم تتحمل واستدعته وزجّت بسماحة الشيخ في السجن.

وهذه ليست مسألة داخلية بحرينية حتى يقول أحد إننا نتدخل في الشأن الداخلي البحريني. هذا جزء من معركة الأمة، موضوع المقاومة والتطبيع والاحتلال ومواجهة المشروع الصهيوني.

إذًا أيضًا هنا هناك فشل، اليوم الحصانة في الأمة، الرفض للكيان الصهيوني، رفض التطبيع، رفض الاعتراف على مستوى شعوب المنطقة. كلنا شاهدنا ماذا حصل في مونديال قطر، كلنا لاحقًا قرأنا استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات أميركية، لا أتحدث عن دولة عربية مطبعة تجري استطلاع رأي كاذب بشعبها، فلنشاهد الأجانب وغير الأجانب الذين يبحثون عن حقيقة معينة ليبنوا عليها حتى لا يعيشوا على الأوهام.

كل استطلاعات الرأي قالت إنه لا يوجد تطبيع شعبي، حتى في الدول الخليجية، فوق 80 و85% يرفضون أي شكل من أشكال الاعتراف بإسرائيل أو التطبيع مع إسرائيل.

تنامي ثقافة المقاومة في المنطقة

من التحولات المهمة، تنامي ثقافة المقاومة في المنطقة والثقة بالمقاومة والثقة بانتصار المقاومة، والثقة بقدرة المقاومة على تغيير المعادلات وصنع الانتصارات، مقابل ثقافة الاستسلام والتسليم والخضوع والتسويات التي 75 سنة يُعمل عليها ولكن لم تصل إلى نتيجة.

نقاط قوة محور المقاومة وخطأ التصنيف الإسرائيلي

من جملة النقاط المهمة، هناك نقاط القوة في هذا الصراع القائم، وهي في الحقيقة نقطة ضعف عند العدو، سأعود لها من زاوية أخرى. وأريد أن أقول إن الأميركي والإسرائيلي يخطئون عندما يقاربونها بهذه الطريقة. مثلًا، قبل أيام في معركة غزة، الخطاب الإسرائيلي ماذا يقول؟

يقول: “إننا نخوض معركة مع حركة الجهاد الإسلامي، الوكيلة الإيرانية، وكيلة إيران، أو تابعة لإيران، أو تمثل إيران، أو ما شابه”. في حروب سابقة مع غزة، كانوا يقولون نفس الشيء عن حماس. في لبنان يتحدثون نفس الشيء عن حزب الله، وهكذا. في العدوان على اليمن كان يُقال: “نحن نحارب أنصار الله الذين هم وكلاء إيران وأدوات إيران وعملاء إيران”.

دائمًا هناك محاولة لتصوير حركات المقاومة في المنطقة على أنهم وكلاء أو أدوات أو عملاء أو مرتزقة. هذا خطأ قاتل عندهم، لأنك عندما تُقاتل الآخر بفهم أنه عميل أو أداة أو وكيل أو مرتزق أو يُقاتل من أجل مبلغ من المال، فطبعًا حسابات المعركة عندك تختلف. وأنت قد تستهين به لأنك لا تقاتل أُصلاء بل تقاتل أدوات أو مرتزقة.

أهم نقطة قوة في محور المقاومة هي أن هؤلاء أُصلاء. الشعب الفلسطيني هو صاحب الأرض، هو صاحب الحق، هو أهل الأرض، هو صاحب القضية.

إيران تدعمه، وسوريا تدعمه، لكن هو ليس وكيلًا لإيران ولا أداة لإيران ولا مرتزقًا لإيران ولا عميلًا لإيران. هو صاحب القضية، الأرض أرضه، القدس قدسه، مصيره، مستقبله، بيوته، حقوله، مستقبل أطفاله. اللبنانيون نفس الشيء، الذين قاتلوا وما زالوا يحملون لواء المقاومة، هؤلاء أهل الأرض.

يُدافعون عن أرضهم، عن أعراضهم، عن كيانهم، عن بلدهم، عن خيراتهم، عن خيرات بلدهم، ماء ونفط وغاز وحدود، وإلى آخره. هؤلاء ليسوا مرتزقة، ليسوا وكلاء، ليسوا أدوات. نعم، الجمهورية الإسلامية في إيران لأنها تُناصر الحق والمظلومين والمستضعفين، هي تدعمهم وتناصرهم وتقويهم، ولكنهم أصحاب المعركة وهم أصحاب القرار.

هم الذين يطلقون النار أو يوقفون إطلاق النار، هم الذين يثبتون القواعد أو يرفضون القواعد، قواعد الاشتباك أو قواعد الردع، وهكذا بالنسبة لسوريا.

هذا خطأ قاتل ما زالوا يرتكبونه. معركتكم ليست مع مرتزقة جُيء بهم من كل أنحاء الأرض، أنتم الذين جُيء بكم من كل أنحاء الأرض، أنتم لستم أصلاء، أنتم الوكلاء، أنتم الأدوات، أنتم العملاء، أنتم المرتزقة الذين جاء بكم الإنجليز إلى هذه المنطقة وتبنتكم أميركا في هذه المنطقة، أنتم الكيان الوظيفي. أما محور المقاومة فهو المحور، شعبه، حركاته، حكوماته، جيوشه، هم الأصلاء في هذه المنطقة وبالتالي هم أهل الحق. هذا مؤثر جدًا في المعركة.

اقرأ ايضاً: كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى التحرير الثاني

تحول الردع في المنطقة

النقطة الأخيرة في هذا العرض، قبل الوصول إلى الخاتمة، هي موضوع الردع. هذه من أهم التحولات التي حصلت في المنطقة. في الماضي، كانت إسرائيل تستبيح وتقصّف وتضرب حيثما تشاء، لكن الآن هذا الأمر اختلف وكل شيء أصبح له حساب: مع غزة له حساب، مع القدس له حساب، مع لبنان له حساب، مع سوريا له حساب، مع العراق، مع إيران له حساب، مع إيران له حساب كبير. فكل شيء أصبح له حساب، وبالتالي الإسرائيلي لا. هذا تحول هائل حصل في العقدين الماضيين.

طبعًا، بالنسبة لحركات المقاومة، في الحقيقة بدأ الردع من عام 1992 بعد شهادة مولانا السيد عباس الموسوي والسيدة أم ياسر وطفلهما حسين، وبدء المقاومة باستهداف المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة. منذ ذلك الحين بدأ الردع. وجاء بعدها تفاهم تموز 1993، تفاهم نيسان 1996 إلى اليوم.

لأن هناك أصبح مكان يُوجع الإسرائيلي. أصبح بعدها كل العمليات التي سيقوم بها الإسرائيلي على الشريط الحدودي أو خارج الشريط الحدودي بحاجة إلى أن يجري ألف حساب للمقاومة التي ستقصف بالكاتيوشا – وقتها كانت كل العمليات بالكاتيوشا – المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة. هو لديه مستعمرات مليئة بالناس، وهناك مصانع، وهناك سياحة.

يعني بالنسبة للبنانيين الذين يتحدثون اليوم عن السياحة، هناك سياحة في شمال فلسطين أكثر من لبنان في السنوات الأخيرة. وهم خائفون على السياحة لديهم أكثر مما أنتم خائفون على السياحة. السياحة لديهم مؤكدة، بينما في لبنان السياحة محتملة، نحتمل مجيء مليون أو مليون ونصف سائح.

أما هم فمؤكد أن لديهم هذه الأعداد من السائحين. ما الذي يحمي في لبنان؟ هو معادلة الردع، وهذا أنجز، وهذه من الإنجازات، من التحولات.

وقبل ثأر الأحرار، قبل عملية غزة، كان جميع الإسرائيليين، نتنياهو، وزير الحرب، رؤساء الأركان الحاليين والسابقين، المعارضة، الموالاة، كلهم متفقون على تآكل الردع الإسرائيلي. هذا تحول استراتيجي مهم جدًا. جاءت معركة غزة ليقولوا أنهم يريدون إعادة ترميم صورة الردع، وفشلوا.

لم يستطيعوا أن يُعيدوا ترميم صورة الردع. هو قتل الشهداء. عندما رد الجهاد الإسلامي من أول ساعة كان يبحث عن وقف لإطلاق النار، والذي كان يفرض شروط وقف إطلاق النار هي المقاومة في فلسطين، غرفة العمليات المشتركة وقيادة الجهاد الإسلامي.

لم يستطع أن يُجري ترميمًا للردع الذي يتحدث عنه. ليس من المهم أن يقتنع هو أنه أجرى ترميمًا، المهم أن حركات المقاومة رُدعت أو لم تُردع. بالعكس، تقييم جميع قوى المقاومة هو أن الإسرائيلي فشل في ترميم الردع. الإسرائيلي تلقى درسًا واضحًا: النيل من أي قائد من قادة المقاومة أو الاعتداء على الناس، حتى على المدنيين، سيكون له رد وسيدفع ثمنًا، وهذا يعني أنه ليس هناك ردع.

اليوم، هذا الإنجاز هو إنجاز كبير ومهم جدًا في موضوع الردع. والمطلوب هو تعزيز هذا الردع، تثبيته، وتقويته حتى لا يجرؤ العدو على الاعتداء في أي نقطة من النقاط.

التهديدات الإسرائيلية الأخيرة وردود الفعل

التصعيد الكلامي الإسرائيلي وأسباب تراجعه

هنا أصل إلى التهديدات الإسرائيلية الأخيرة، خصوصًا بعد معركة ثأر الأحرار. في الحقيقة، رأوا أن معركة ثأر الأحرار لم تُغير شيئًا في المعادلة، فذهبوا إلى التصعيد الكلامي والتهويل والتهديد. وهم كانوا متفقين، لأنه في وقت واحد، تحدثوا جميعهم، لم يسربوا عبر مصادر إعلامية أو صحافية أو ما شابه، لا. نتنياهو، وزير الحرب، رئيس الأركان، رئيس الاستخبارات، وكلهم تعاقبوا وعملوا جوًا، هددوا غزة، هددوا الفلسطينيين، هددوا لبنان، هددوا سوريا، هددوا إيران. وفي إيران، زادوا التهديدات.

طبعًا، الإيرانيون ردوا عليهم بما هو أقوى من التهديد الإسرائيلي، هذا أدى إلى قلق في المنطقة ويستدعي أن نقف عنده بكلمتين. لكن الذي يهون الخطب أنني قرأت اليوم تصريحًا وطلبت من الإخوان أن يتأكدوا منه، نُقل عن مصدر رسمي، رئيس أركان الجيش أو أحد آخر، كلام إسرائيلي يقول إنه ليس هنالك نية لشن حرب على إيران ولا شن حرب على لبنان، ولا الذهاب إلى مواجهة، وإنما نحن ننبه ونؤكد جاهزيتنا واستعدادنا ونتحدث عن قوتنا.

فالإسرائيليون اليوم سحبوا كل روح التهديدات التي كانت في الأيام الماضية. لماذا سحبوا هذه التهديدات؟ لأقل لكم لماذا. أولًا، هذا الموضوع أدى إلى قلق كبير لدى المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة. وطبعًا جاءت المناورة الأخيرة للمقاومة التي تعبر عن جهوزيتها وقوتها وحضورها وشبابها، وما شاء الله عليهم، أصبحت هناك حالة خوف ورعب في المستوطنات وبدأ هذا ينعكس على موسم السياحة في شمال فلسطين المحتلة، وهذا نقله إلى حكومة العدو.

أيضًا هناك شيء آخر، في الأسابيع الأخيرة، ارتفع سعر الدولار مقابل الشيكل، وقاموا بإجراءات في البنك المركزي لتقليص المسافة. بعد التهديدات الإسرائيلية، عاد الدولار وارتفع.

هؤلاء الإسرائيليون، موضوع المال بالنسبة لهم مهم. حسنًا، قلق في الشمال، قلق على السياحة، الدولار بدأ يرتفع، الناس خافت. هل خاف أحد عندنا؟ أعتقد عندنا لم يخف أحد إلا من يخاف، لكن الخوف عندهم، التهديد عندهم، والخوف عندهم. ولذلك، هم عادوا ولمّوا هذا الموضوع.

رسالة للعدو: “لا أحد يخاف منكم”

مع ذلك، أنا أُحب أن أعلق بكلمتين لأقول إن صورة الردع لم تُرمم، وعلى الإسرائيلي أن يعلم أنه لا أحد من حركات وقوى ودول المقاومة يخاف منه. الحسابات هي نفسها، هو الذي يجب أن يخاف. وقد ذهب إلى التصعيد الكلامي لأنه ليس لديه شيء آخر يفعله.

هنا أُريد أن أُعقب بنقطة أنه في الآونة الأخيرة، في كل التصريحات التي صدرت من عدد منهم وليس فقط واحد، قال أحدهم: “فلان يعني تحدثوا عني أنا بالاسم”، أن فلان يقترب من ارتكاب خطأ قد يؤدي إلى حرب كبرى ويهددون. طبعًا أولاً، الذي يجب أن يخشى الحرب الكبرى هو الإسرائيلي نتيجة كل التحولات التي تحدثت عنها قبل قليل، هو الذي يجب أن يخشى من الحرب الكبرى.

ثانيًا: أريد أن أرد عليهم بنفس المنطق. أقول لرئيس حكومة العدو ووزير حرب العدو، ورئيس أركان جيش العدو، وقادة العدو، عليكم أن تنتبهوا وأن لا تخطئوا في التقدير. ليس أنتم تخبروننا بأن لا نُخطئ في التقدير، عليكم أنتم ألا تخطئوا أيضًا في التقدير. وأُكرر ما قلته في يوم القدس: “إنه يمكن أن تخطئوا في التقدير فترتكبوا خطأ ما في غزة أو في الضفة أو في فلسطين أو في لبنان أو في سورية أو في إيران وقد يؤدي إلى تفجير كل المنطقة.”

قد يكون خطأكم في التقدير هو الذي يؤدي إلى الحرب الكبرى في المنطقة، والحرب الكبرى في المنطقة هي التي ستودي بكم إلى الهاوية إن لم تودي بكم إلى الزوال. لذلك عليكم أن تتراجعوا، وهم تراجعوا على كل حال عن تهديداتهم، وأن يتخلوا عن عنجهيتهم وأن يعرفوا أن الزمان هو غير الزمان.

الوضع اللبناني

أهمية الأمن والأمان للبنان

في ظل هذه الأوضاع، وهنا أختم لبنانيًا. عندما نقول كل هذه التحولات، طبعًا أين يستفيد لبنان من كل هذه التحولات؟ لبنان يستفيد أنه كلما تراجعت قدرة العدو، كلما ضعف هذا العدو، وكلما أصبحت إجراءاته وعدوانه وميدانه محدودًا وضيقًا، هذا يعطي مساحة أكبر من الأمن والأمان للبنان والشعب اللبناني.

لأن في ظل الأمان والأمن، أيها الشعب اللبناني العزيز، نستطيع أن نكمل ونمضي في خطوات جدية في موضوع النفط والغاز واستخراج النفط والغاز. في ظل الأمن والأمان، يأتون السياح إلى لبنان وتنتعش السياحة في لبنان. الأمن والأمان شرط أساسي لأي معالجة اقتصادية في المستقبل. من دون أمن وأمان لا توجد سياحة، ومن دون أمن وأمان لا يوجد اقتصاد، ومن دون أمن وأمان حتى الحياة السياسية تصبح مرتبكة أكثر مما هي مرتبكة.

كلما ازدادت ضعف الإسرائيلي، لبنان يرتاح ويأخذ مساحة أوسع. أنظروا منذ العام 2000 إلى اليوم، إذا استثنينا فقط الـ 33 يومًا التي هي حرب، من 2000 إلى 2023، كيف ينعم جنوب لبنان والبقاع الغربي والمنطقة الحدودية بالأمن والأمان والازدهار… إلخ.

الدولة يجب أن تتحمل المسؤولية، لكن في الأمن والأمان هذا كله بفضل المعادلة: الجيش والشعب والمقاومة. لذلك اليوم، في ذكرى التحرير في 25 أيار، دعوة إلى كل اللبنانيين أن يضعوا النكد والخلاف جانبًا. اليوم يوجد مظلة حماية حقيقية وواقعية وليست وهمية ولا إدعاءات ولا شعارات.

مظلة حماية حقيقية للبنان، تجسدها هذه المعادلة: الجيش والشعب والمقاومة. يحسب لها العدو الإسرائيلي ألف حساب، وتحسب لها الإدارة الأميركية في مقاربتها للأحداث عندنا ألف حساب. لا تفرطوا فيها، حافظوا عليها، أخرجوها من دائرة الجدال البيزنطي الذي لن يؤدي إلى نتيجة، بل اعملوا على تعزيز هذه القوة وعلى تعزيز هذه القدرة.

في ظل هذا الأمن والأمان، الذي تؤمنه هذه المعادلة في مواجهة العدو الإسرائيلي، ويؤمنه الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية في الداخل اللبناني وتعاون القوى السياسية، نستمر إن شاء الله ويستمر بلدنا بالسلم الأهلي. ورغم كل الصراخ والحساسيات وبعض الشتائم والأصوات المرتفعة، على كل حال ليس هناك مجال أمام اللبنانيين سوى أن يعودوا إلى الحوار وأن يتعاونوا وأن يتلاقوا لمعالجة أزماتهم.

الدعوة إلى الحوار في الملف الرئاسي

في الملف الرئاسي، المطلوب المزيد من النشاط والمزيد من الاتصالات والمزيد من الحوار. نحن لسنا في قطيعة مع أحد في هذا الملف.

نحن دائمًا نقول لكل الأصدقاء وحتى غير الأصدقاء: تعالوا لنتناقش في الخيارات الرئاسية ولكن بلا شروط مسبقة. فلنضع لائحة عليها كل الأسماء ونتناقش، وليس بشرط مسبق لإلغاء أحد دون آخر. المعطيات الإقليمية وما يجري في المنطقة يدعو إلى التفاؤل كما قلنا في الأيام الأخيرة. ننتظر أيضًا في الأيام القليلة المقبلة. قد تكون هناك ما يدعو إلى التفاؤل وإلى المزيد من التواصل لإنجاز هذا الملف.

ملف حاكم مصرف لبنان

هذا أولًا، ثانيًا: في ملف حاكم مصرف لبنان وبعد الإلتباسات والاتهامات والدعاوى القضائية وما شاكل، أعتقد ونعتقد في حزب الله أن هناك خيارين: الخيار الأول هو أن يتنحى الحاكم من تلقاء نفسه ويستقيل، ويقول بعد كل هذا: “أنا لا أستطيع أن أكمل في هذه المسؤولية.”

أو أن يتحمل القضاء مسؤوليته، لأننا في ظل حكومة تصريف أعمال لا تملك صلاحية التعيين والعزل دستوريًا. وأيضًا المطلوب التفاهم على الوضع البديل فيما لو أقدم الحاكم على التنحي أو أقدم القضاء اللبناني على موقف حقيقي ومسؤول.

ملف النازحين

وفي ملف النازحين، نُجدد الدعوة وإن كان البلد أصبح على مواقع التواصل الاجتماعي والسياسيين. لا أعرف أين يوجد “كبسة زر” فتهيج العالم كلها وفجأة تهدأ، بعيدًا عن الأجواء الإعلامية والتحريض الإعلامي. يصعد وينزل، ثم ينسون ويتذكرون.

هذا ملف حقيقي وجدي، وقُلنا أن الجدية، خصوصًا اليوم بعد القمة العربية في مدينة جدة، والتواصل الذي حصل مع عدد من الدول العربية وبين لبنان وسوريا على أكثر من مستوى، أعود وأقول بأن الحل الحقيقي هو في قرار حكومي ووفد حكومي على المستوى العالي، يذهب إلى سوريا ويعيد العلاقات الطبيعية مع سوريا، ويدخل في نقاش حقيقي وجدي.

هل يوجد ملاحظات وإشكالات وأسئلة ومعضلات؟ بالتأكيد، قد لا يكون لبنان وسوريا قادرين على حلها بأجمعها، ولكن أكيد هم يستطيعون حل جزء كبير منها، وبالتالي تأمين عودة معقولة وكريمة لعدد كبير من هؤلاء النازحين.

الختام

قلت أنني لا أُريد أن أطيل أكثر من ساعة. انتهى الوقت. بكل الأحوال، مجددًا في عيد الانتصار وعيد التحرير وعيد المقاومة، أهنئكم جميعًا وأبارك لكم جميعًا.

ونحن من بنت جبيل في يوم 25 أيار 2000 قلنا أن هذا انتصار اللبنانيين وهذا عيد اللبنانيين وهذا مستقبل اللبنانيين وهذا انتصار كل شعوب منطقتنا. ونحن ما زلنا على هذه القناعة، ونُقدّر كل التضحيات والجهود من كل الأحزاب والقوى والفصائل والناس على اختلاف انتماءاتهم وتياراتهم الذين توحدوا في معركة المقاومة وصنعوا هذا الانتصار.

اليوم، هؤلاء ما زالوا في نفس الموقع في لبنان، ما زالوا في نفس الموقع. هذه القوى الوطنية الشريفة المقاومة، عندما تحدثت عن العدد أيضًا، هؤلاء مأخوذون بعين الاعتبار بقوة، لبنانياً وغير لبنانياً.

كل عام وأنتم بخير وإن شاء الله إلى المزيد من الانتصارات والإنجازات، وطالما أن هناك من يتحمل المسؤولية، من هو مستعد للتضحية، ما دام هناك شرف وكرامة ودماء تجري في العروق وأباؤة للضيم ورافضون للذل والهوان، “إسرائيل” إلى مزيد من السقوط والسقوط والسقوط، وستتحقق جملة ونبوءة ومقولة شهيدنا القائد الأمين العام السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه): “إسرائيل سقطت.” هو لم يتحدث فقط عن سقوطها، وكان يرى سقوطها الآتي، كما نراه جميعًا إن شاء الله. “إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا.”

كل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى