كلمة الشهيد السيد حسن نصرالله خلال احتفال تكريم الجرحى والأسرى المقاومين 06/03/2023
لتحميل الخطاب لتحميل الخطاب بصيغة PDF اضغط هنا
كلمة السيد حسن نصرالله خلال احتفال تكريم الجرحى والأسرى المقاومين 06/03/2023
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين وسيد المرسلين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته،
أرحب بالإخوة والأخوات وبالحفل الكريم الذين نلتقي في خدمتهم هذا اليوم، والمجتمعين في أماكن عديدة في مدينة الهرمل، في مدينة بعلبك، في مدينة النبطية، في مدينة بنت جبيل، في بلدة دير قانون النهر ، وهنا في قاعة شاهد في الضاحية الجنوبية.
أولاً أُبارك لكم جميعاً هذه المناسبات العطرة والجميلة في شهر شعبان الكريم والمبارك، شهر رسول الله (ص)، بين أيدينا العديد من المناسبات، ومنها المناسبة التي نَجتمع من أجلها احتفاءً وتكريماً لجرحانا وأسرانا المحررين. لدينا العديد من المناسبات للحديث عنها، ولدينا العديد من الملفات والموضوعات التي في طبيعة الحال لا يتسع لها خطاب واحد. لذلك، لأن لدي العديد من الخطابات في هذا الأسبوع، سأقوم بتقسيم الموضوعات على اليوم والأيام القليلة القادمة إن شاء الله.
كان من المفترض أن يتم هذا الاحتفال قبل عشرة أيام أو تسعة أيام، ولكن أُجّل لأسباب خاصة. الحمد لله اليوم وُفقنا لأن نلتقي وأن أكون في خدمتكم. يوم الخميس المقبل، ستكون الذكرى الثلاثين لتأسيس مدارس الإمام المهدي (ع)، المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم.
لذلك، سأترك الحديث عن هذا الإمام العظيم إلى تلك المناسبة. أكتفي اليوم فقط بالتذكير حول أهمية ليلة النصف من شعبان، الأهمية الإيمانية والدينية والمعنوية والروحية والعبادية، والتي لها قيمة عالية جداً. وأرجو من إخواني وأخواتي أن يغتنموا ساعات هذه الليلة، أي ليلة النصف من شهر شعبان، ويغتنموها بالعبادة والدعاء والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وكل الأعمال المستحبة الواردة فيها، لأنها فرصة عظيمة للتقرب إليه عز وجل.
أيضًا، لدي التزام خلال كل السنوات الماضية منذ ثلاثين سنة، وكل إخواننا وأخواتنا الذين يتوفاهم الله سبحانه وتعالى، من مسؤولينا وكوادرنا ومجاهدينا وأفرادنا، هم أخوة وأحبة وأعزاء وكرام. طبعًا، أنا لا أستطيع أن أحضر وأن أخطب في مناسباتهم جميعاً، في ذكرى أسابيعهم جميعاً.
الحمد لله، هذه المسيرة كبيرة وفيها عدد كبير. منذ ذاك الوقت، وضعنا معياراً وألزمت نفسي به وتوافقت عليه مع الإخوة، وهو عندما نفقد أحد قادتنا المركزيين، الذين يتولون مسؤوليات مركزية، فأنا مُتعهد بأن أتحدث في ذكرى أسبوعهم ومناسبتهم، سواء قُتلوا أو ماتوا.
ولذلك، نحن أيضًا في الأيام القليلة الماضية فقدنا قائداً عزيزاً مؤمناً مخلصاً هو الأخ الحاج صالح (رضوان الله تعالى عليه). ومن الطبيعي أن نقيم له ذكرى أسبوع في يوم الجمعة، وأنا أيضًا سأتكلم في يوم الجمعة. أي بالحد الأدنى لدي اليوم والخميس والجمعة إذا أبقانا الله سبحانه وتعالى على قيد الحياة.
ولذلك، سأقسم الموضوعات لأنني اليوم سأتحدث ليس عن كافة الموضوعات. قد يقول بعض الإخوة والأخوات إن هذه النقطة لم يتحدث عنها السيد أو تلك لم يتحدث عنها السيد.
الأيام آتية إن شاء الله. لدينا استحقاقات سياسية، لدينا الملف التربوي، الملف المعيشي، والوضع الموجود في البلد. اليوم سأحدثكم عن مناسبة وأهل المناسبة، عن الجرحى والأسرى، عن المقاومة، وعن إشارة لتجربة اجتياح عام 1972 في آذار في مثل هذه الأيام. وسوف أتحدث عن موضوعين بعد ذلك: الحدود البرية والحدود البحرية، وملف رئاسة الجمهورية مع تفصيل زيادة قليلاً في ملف الرئاسة أكثر من أي وقت مضى، لأنه أصبحنا عند نقطة دقيقة ومهمة.
المحور الأول: يوم صناع النصر، الأسرى والجرحى المقاومين
يوم الجريح والأسير، رمزان من كربلاء
عنوان المضحين الذي هو عنوان المقاومة التي صنعت هذه الإنجازات وهذه الانتصارات، اليوم نحن في خدمة فئتين وشريحتين كبيرتين وكريمتين علينا، هما الجرحى من إخوة وأخوات، والأسرى المحررون من إخوة وأخوات، يوم الجريح كما هو معروف، نحن اتخذناه من يوم ولادة أبو الفضل العباس (عليه السلام)، اتخذناه يوماً للجريح.
أبو الفضل العباس، ابن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، العباس القائد المخلص، الشجاع، المطيع، صاحب البصيرة، المضحي، المقاتل في الخط الأمامي، صاحب الإيثار العظيم، العاشق لسيده ومولاه أبي عبد الله الحسين (ع)، الحاضر دائمًا في الميدان، الذي لم يَغتر بعهد أمانٍ من هنا أو بابٍ مفتوحٍ للدنيا من هناك، الذي قُطعت يمينه فواصل القتال، وقُطعت يساره فواصل القتال، ولم يهدأ إلا بعد أن أطفأت عيناه، وتهاوى الجسد على التراب، هو عنوان ورمز جرحانا.
يوم الأسير كما هو معروف أيضًا، نحن اتخذنا من يوم ولادة إمامنا زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يوماً للأسير. ذلك الإمام الشاب الذي أقعده المرض الشديد عن القتال يوم عاشوراء في ساحة كربلاء وأُخذ أسيرًا، لكنه بقي صلبًا، شامخًا في موقعه وفي موقفه.
وبالرغم من مرضه الشديد في تلك الأيام، وبالرغم من عظمة المصائب التي شهدها وشاهدها بأم العين في كربلاء، من فقد أبيه وإخوته وأحبائه وأعزائه، وبالرغم مما يواكبه من آلام السبي لبنات رسول الله (ص)، وبالرغم من مواجهة التهديد بالقتل في كل لحظة من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام، بقي الموقف الصارخ، بقي زين العابدين (ع) الموقف الصارخ، الجريء، الشجاع، الواضح، البين، في وجه الطواغيت في الكوفة في دمشق وفي المدينة وما بينها.
ونقل لنا التاريخ بعض كلماته الخالدة في مجلس ابن زياد وفي محضر يزيد، والتي أصبحت جزءًا من سيرة كربلاء المُلهمة لكل الثوار والمجاهدين والمقاومين وأبَاة الضيم. لذلك، اتخذنا يوم ولادته عنوانًا ورمزًا لأسرانا. كلا الرمزين، العباس وزين العابدين (عليهما السلام)، ينتميان إلى كربلاء، لكل ما في كربلاء من قيم وتعاليم ودروس وعبر وعظة.
الجرحى جهاد مستمر بعد النصر
جرحانا منذ البداية حملوا دماءهم على أكفهم، كانوا في الخطوط الأمامية كالعباس. تحملوا أعباء القتال، واجهوا كل المخاطر كما الشهداء الذين رحلوا وكما المجاهدين الذين بقوا في عافية، كانوا دائمًا في مواقع القتال والجهاد وميادينها يتطلعون إلى إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. شاء الله تعالى لهم وهو الذي بيده الموت والحياة، أن يروا النصر بأعينهم وأبقاهم على قيد الحياة ولكن شهداء أحياء، ليواجهوا امتحانًا من نوع آخر، يتطلب صبرًا وإيمانًا ويقينًا وثباتًا واحتسابًا وكانوا أهلًا لذلك.
كل ساعة في حياتكم، إخواني الجرحى والجريحات، كل ساعة في حياتكم وأنتم تُعانون ألم الجراح، إذا كان هناك من ألم مستمر وتُعانون تبعات الجراح، هناك تبعات مستمرة على الكثيرين منكم، كل ساعة تتحملون فيها هذه الآلام وهذه التبعات هي ساعة جهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وتُكتب لكم جهادًا في سبيل الله سبحانه وتعالى.
ويجب أن تنظروا إلى العمر الذي أعطاكم الله إياه بعد إصابتكم بالجراح، أنه فرصة ونعمة عظيمة منّ الله بها عليكم، لمزيد من الجهاد من موقع الصبر والاحتساب والإيمان والثبات واليقين، لمزيد من الثواب والأجر، لمزيد من علو الدرجات. وهي في نفس الوقت امتحان شديد ومؤلم، كلنا يعرف معاناة الجرحى حتى الذين لم يجرحوا.
أنا فقط أود أن ألفت من قبيل المثال الحسي، أنا أعرف من نفسي ومن شواهد من آخرين عندما يمرض أحدنا، يصيبه أي مرض كريب أو أي مرض آخر مما يقعده لأيام أو لأسابيع، ما هي الضغوط النفسية، المعاناة النفسية التي يعاني منها؟ الجرحى يعيشون هذه المعاناة لسنوات طويلة إلى أن يمنّ الله عليهم بالشفاء. هذه المعاناة هي جهاد في سبيل الله، والصبر على هذه المعاناة هو استمرار لهذا الفعل المقاوم الميداني الذي قمتم به.
هنا يجب أن أقول للشعب اللبناني أيضًا: إن جراح هؤلاء الجرحى الذين ما زالوا يُعانون آلام الجراح وتبعات الجراح يجب أن تكون رسالة واضحة. هو حجة إلهية علينا جميعًا، وهو أيضًا يؤكد أن الإنجازات والانتصارات التي تحققت بفعل التضحيات لن تنتهي تبعات هذه التضحيات. يعني، هذه التبعات لن تنتهي عند إنجاز الانتصار في تحرير 2000 أو في 2006.
الجرحى ما زالوا يعانون الجراح، إذاً هناك دفع ما بعد الإنجاز، هناك عطاء ما بعد الإنجاز، هناك تحمل ما بعد الإنجاز. الجرحى الذين ما زالوا يعانون، الأسرى الذين تركت السجون فيهم أمراضًا وتبعات، عوائل الشهداء الذين ما زالوا يُعانون فقد أحباءهم وأعزاءهم، لا يعتبر أحد أن المقاومة أنجزت وتوقفت تضحياتها عند حد. الإنجاز هو صنع التضحيات السابقة على النصر، وهي صنع التضحيات اللاحقة على النصر.
هنا عادةً عندما أخاطب الجرحى، يستحضرني أيضًا عائلاتهم الكريمة والشريفة، الأمهات، الآباء، الأهل الذين تحملوا مع ابنهم الجريح أو ابنتهم الجريحة خلال سنوات الجراح الصعبة.
الزوجات المجاهدات صبر ووفاء في أصعب الظروف
كذلك يجب أن نخص بالذكر الزوجات اللواتي صبرن وصمدن، وبالأخص من بين الزوجات الأخوات العزيزات الغاليات اللاتي تزوجن جرحى. تارةً هناك أخت متزوجة ولاحقًا صار الأخ جريحًا وهي بقيت معه وصبرت معه، هذا له قيمته الإنسانية والأخلاقية العالية.
ولكن هناك أخوات بملء إرادتهن تزوجن جرحى وهم يعرفون الصعوبات التي يعاني منها هؤلاء الجرحى، وانعكاسات هذه الصعوبات على حياتهم الزوجية. هذه الفئة من الأخوات من الزوجات، كلا هذين النوعين من الزوجات هنّ مجاهدات حقيقيات، مجاهدات في الخط الأمامي في الصف الأول، كريمات وغاليات وعزيزات، ولهن مقام عند الله سبحانه وتعالى، وعليهن أن يحتسبن هذه الحياة وهذه الكرامة عند الله عز وجل لتكون لهن مقامًا ودرجة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى.
نحن اليوم نعرف في حياتنا الاجتماعية بعض النسوة، بعض الزوجات، لمجرد أن العائلة بدأت تواجه بعض الصعوبات في الحياة، بعض الصعوبات نتيجة الوضع المعيشي، نتيجة البطالة، نتيجة الظروف الصعبة القائمة، يُسارعن إلى طلب الطلاق، يُسارعن إلى مغادرة البيت، يُسارعن إلى التهرب من المسؤولية. هنا زوجات الجرحى أثبتن دائمًا أنهن على مستوى عالٍ جدًا من المسؤولية الإنسانية، الأخلاقية، الجهادية، والإيمانية والدينية.
تضحية الأسرى والجرحى في مسيرة المقاومة
عندما نأتي إلى أسرانا، سواءً الذين أُسروا في ميادين القتال، هناك إخوة أسروا في ميادين القتال في ساحات المعارك، في اقتحام المواقع، وهناك إخوة وأخوات اعتقلوا وأسروا بسبب انتمائهم إلى المقاومة أو علاقتهم بالمقاومة، سواءً أثناء الاحتلال أو في الشريط الحدودي أو ما شابه.
الآلاف دخلوا إلى المعتقلات والسجون. كُلنا نذكر والأجيال الجديدة يجب أن تُعرّف ويجب أن تعرف وتطلع على معتقل أنصار، على معتقل الخيام، أن يسمعوا عن معتقل عتليت لأنه لا يمكننا الذهاب حاليًا إلى عتليت إن شاء الله لاحقًا.
السجون في داخل الكيان الصهيوني، السجون سجون العملاء في الجنوب وفي البقاع الغربي، الآلاف دخلوا إلى هذه السجون والآلاف قضوا سنوات طويلة في هذه السجون من حزب الله، من حركة أمل، من بقية القوى الإسلامية والوطنية، من كل شريك في هذه المقاومة أو مُتهم بالانتماء إلى خيار المقاومة.
في يوم الأسرى يجب أن نتذكر عذابات هؤلاء الأسرى، لأن هذه لم تكن معتقلات طبيعية وعادية، ليس أن شخصًا مسجونًا فقط ومحجوزة حريته، كلا. يجب أن نتذكر أشكال وأنواع وألوان التعذيب الوحشي الذي تعرض له الأسرى من الرجال والنساء المعتقلين والمعتقلات في هذه السجون وفي هذه المعتقلات على يد الصهاينة وعلى يد عملائهم اللحديين.
يجب أن نتذكر الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب وتحت الصياط، يجب أيضًا أن نتذكر صبر هؤلاء الأسرى الذين لم يتزعزعوا ولم يتزلزلوا ولم يخونوا ولم يتراجعوا، وعندما خرجوا من أسرهم عادوا إلى ساحات المقاومة، لم يندموا على ما قدموا وعلى ما عانوا، ازدادوا إيمانًا بخيارهم وبطريقهم. كثير من الأخوة الأسرى عادوا إلى ساحات الجهاد، والعديد منهم قضى شهداء بعد أن عادوا إلى ساحات الجهاد.
كنت اليوم أراجع، طلبت من الإخوة لائحة، فوجدت أن اللائحة طويلة، كنت أود أن أقرأ بعض الأسماء، فوجدت لائحة طويلة من الذين عانوا في السجون وفي الأسر، وعندما أطلق سراحهم عادوا إلى ساحات القتال وحصلوا على وسام الشهادة، ولكن اكتفيت بذكر اسمين من القادة الذين استشهدوا: القائد الشهيد سمير القنطار والقائد الشهيد فوزي أيوب رضوان الله عليهما وعلى كل الشهداء.
تمامًا كالجرحى، البعض منهم عندما كان يحصل ولو على بعض العافية، كان يعود إلى جبهات القتال، وكثير منهم ممن عادوا إلى جبهات القتال قضوا شهداء. أنا في بعض المعارك التي كنت قريبًا منها، أشهد على جرحى أعرفهم بالأسماء وبالأشخاص، كانوا يُصابون بالجراح، يدخلون إلى غرفة العمليات، تجري لهم العملية ويخرجون مباشرة إلى ميدان القتال في بعض الأيام الصعبة.
هؤلاء كانوا جرحانا، هؤلاء هم أسرانا، لا الجرحى غادروا ساحة العمل ولا الأسرى غادروا ساحة العمل، طبعًا كُلٌ حاضر بما يتناسب مع إمكانياته الجسدية وعمره وسنه، كما هو حالنا جميعًا.
يجب هنا أيضًا أن نستحضر معاناة عائلات الأسرى، الأمهات، الآباء، الأهل، الزوجات، الأبناء، البنات الذين كانوا ينت
ظرون عودة أحبائهم، والذين عاشوا معاناة طويلة لسنوات طويلة، وأحيانًا بدون أي معلومات، بدون أي أخبار. وهذه من مظالم المظالم التي لحقت بالأسرى في السجون، وخصوصًا في معتقل الخيام. كانت تمضي سنوات لا نعلم شيئًا عن هؤلاء المعتقلين، هل هم أحياء؟ هل هم أموات؟ هذا شكل من أشكال الظلم.
أيضًا، نستحضر في يوم الأسرى الذين منحهم الله ومنّ الله عليهم بالحرية، نستحضر صدقية المقاومة، التي كانت تقول: نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون، ولن نترك أسرانا في السجون.
نعم، نحن لدينا عدد يصح أن ينطبق عليهم بدقة “مفقودو الأثر”، سواء في الجنوب اللبناني مع العدو الإسرائيلي، أو في جبهتنا في مواجهة الجماعات الإرهابية في سوريا. لدينا عدد من الإخوة مفقودو الأثر، إما أجسادهم أو هم أنفسهم لم يُحسم مصيرهم بعد. وهؤلاء، نحن لم نتخلَّ عنهم ولن نتخلى عنهم على الإطلاق.
تضامن مع الأسرى الفلسطينيين
هنا في نقطة الأسرى، اسمحوا لي أن أتوجه إلى شعبنا الفلسطيني العزيز لأقول لهم، وخصوصًا للأسرى ولعائلات الأسرى: نحن الشعب اللبناني من بين أكثر الشعوب التي تدرك معاناتكم وآلامكم وما تواجهون، سواء الأسرى في السجون أو عائلات الأسرى الذين يعيشون حالة قلق وترقب وانتظار وشوق دائم لأحبائهم وأعزائهم. وهذه من تبعات المقاومة.
طبعًا، كل شعوب منطقتنا وكل أمتنا مدعوّة للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مقاومته وانتفاضته، وأيضًا إلى جانب قضية الأسرى الذين يواجهون الكثير من المظالم، وخصوصًا في هذه المرحلة، مع وجود هذه الجماعة المتوحشة المتطرفة أو الأكثر تطرفًا وتوحشًا في حكومة العدو.
هذا العدو هو عدو أحمق كما نكرر دائمًا. عندما يذهبون باتجاه إقرار قانون إعدام الأسرى، فهذا اتجاه أحمق. أنا أعتبر أن كل ما يجري هو مؤشرات النهاية لهذا الكيان. هذا من مؤشرات النهاية لهذا الكيان. هو يظن هذا الجاهل أنه عندما يهدد الذين ينفذون العمليات الجهادية في فلسطين المحتلة بأنهم إذا وقعوا في الأسر سيتم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم، أنه يردعهم عن العمليات وعن الجهاد. هو مشتبه.
سيزيدهم إقدامًا، لأن بعض المجاهدين قد يترددون أحيانًا في القيام ببعض العمليات خشية الوقوع في الأسر، لكنهم لا يخافون الموت. وأنا أعرف من تجربتنا في لبنان أن هناك مجاهدين يخشون الوقوع في الأسر، لكن إذا كان لديهم يقين بالشهادة، فلا مشكلة لديهم. يقتحمون الموت بكل جرأة وبكل شجاعة.
هذا القانون، أيها الصهاينة الحمقى، سيزيد من إيمان وشجاعة وإقدام المجاهدين الفلسطينيين على تنفيذ العمليات الجهادية. لن يردعهم على الإطلاق، لأنه في الحقيقة أنت تهددهم بماذا؟ كما كان يقول الحاج قاسم سليماني، وهو تلميذ مدرسة الجهاد والشهادة، عندما كان يُقال له: هؤلاء يريدون أن يقتلوك، قال: أين هم؟ أنا أريد أن أفتش عنهم، أنا أبحث في الليل والنهار عن قاتلي. هذا له علاقة بالجانب الروحي، بالارتباط بالله، بالشوق إلى لقاء الله سبحانه وتعالى.
هذا الإجراء هو إجراء أحمق، طبعًا هو إجراء غير إنساني، لأننا نتحدث هنا عن مقاومين أصحاب حق، أصحاب قضية هي قضية فلسطين وقضية شعب فلسطين. نحن جميعًا يجب في كل المناسبات أن نعبّر عن تضامننا ووقوفنا، وأيضًا أن نبحث عن مسؤوليتنا في قضية الأسرى الفلسطينيين.
أيضًا، أقول للشعب الفلسطيني قبل أن أتحدث عن اجتياح 1978، لأننا عشنا هذه المعاناة، ما تعيشونه اليوم في الضفة الغربية، في قطاع غزة، في كل أراضي فلسطين المحتلة، في بلدة حوارة وغيرها من البلدات، في نابلس، في جنين، في القدس الشرقية وأحيائها المقاومة الصامدة، نحن أيضًا نفهم هذه المعاناة وندركها، لأننا عشنا في قرانا وبلداتنا ومدننا سنوات الاحتلال وسنوات المقاومة وسنوات المواجهة.
طبعًا، نحن لا نحتاج إلى دليل أو شاهد جديد على وحشية الصهاينة. عندما نتحدث عن ما جرى في بلدة حوارة من حصار واعتداء وقتل وحرق للمنازل والسيارات، وما يعانيه الشعب الفلسطيني خصوصًا هذه الأيام في الضفة.
ولكن للعالم الذي ما زال يبحث عن دليل أو عن حقيقة أو عن صورة أو عن مشهد، نقول له: هذه هي حقيقة المستوطنين، هذه هي حقيقة الصهاينة. من أهمية هؤلاء أنهم يقدمون الصورة بوضوح بدون نفاق، وهذه نقطة مهمة جدًا أيضًا.
بنتيجة هذه التضحيات: تضحيات الجرحى، تضحيات الأسرى، تضحيات الشهداء، عائلاتهم الشريفة، تضحيات المجاهدين وتضحيات الناس الذين صمدوا وصبروا واحتضنوا ودعموا، وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، وهو أن لدينا قوة رادعة.
المحور الثاني: الحدود البحرية والنفط والغاز للبنان
لبنان يواجه التحديات بفضل معادلة الردع
هنا، أدخل إلى الحدود البحرية، ومنها أذكر بعملية الليطاني. ما يجري اليوم على الحدود البرية منذ أيام، بل منذ أسابيع، هناك محاولات إسرائيلية للتمدد مترًا ومترين وعشرة أمتار، وإذا تركتهم 50 مترًا أو مئة متر، والأمتار هنا ليست فقط أمتارًا، بل لها قيمة من حيث الموقعية، لأن طبيعة الأرض التي يحاولون التمدد إليها خارج الخط الأزرق.
رأينا على الشاشات مشاهد، أولًا، الناس، شبابًا ونساءً، يقفون في وجه الجنود الإسرائيليين والدبابات الإسرائيلية. الجنود مدججون بالسلاح، خوذة ودرع، وما شاء الله، والناس عزل بثيابهم، بقبضاتهم العزلاء، يقفون دون خوف، دون أي تردد، دون أي خشية، بجرأة وشجاعة وصوت مرتفع وأحيانًا أيدي مرتفعة.
إلى أن تصل القوة المطلوبة من الجيش اللبناني، فيقف ضباط وجنود الجيش اللبناني على مسافة قصيرة جدًا، ويشهرون السلاح في وجه جنود العدو. جنود الجيش اللبناني معهم تجهيزاتهم وسلاحهم، ودباباتهم تقف خلفهم، ولكن لا يتردد أحد. يقوم ضباط وجنود الجيش اللبناني بمسؤولياتهم بكل جرأة وشجاعة وقوة، ويضطر الإسرائيلي بعد وصول اليونيفيل والاتصالات أن يعود من حيث أتى، ولا يُسمح له بالتمدد واحتلال هذه المساحات الجديدة من الأرض اللبنانية.
لنقرأ هذا قليلاً، ليتأمل الشعب اللبناني ويقرأ ما هي هذه؟ هذا المشهد الذي يتكرر تقريبًا يوميًا. هل كان يمكن أن يحصل ذلك لولا وجود معادلة ردع حقيقية في لبنان؟ هذا الإسرائيلي الذي عودنا من 1948 إلى 1978 التي سأتطرق إليها بعد قليل، إلى 1982 إلى عام 2000، عودنا أنه يقتل ويجرح ويخطف ويأسر ويقصف ويفعل ما يشاء دون خوف أو رادع.
كيف اليوم، وعلى مسافة قصيرة متر أو مترين أو أقل؟ يُواجه مدنيين وجنودًا من الجيش اللبناني، ويصرخون في وجهه بقوة وبشدة، ويهددونه بالانسحاب، ويشهرون عليه السلاح، ويضطر للانسحاب، ولا يجرؤ على إطلاق النار. لماذا؟ لأن هناك معادلة رادعة.
من أين جاءت هذه المعادلة الرادعة؟ ترونها اليوم على الحدود، الشعب، المدنيون الذين يقفون على الخط الأزرق، الجيش الذي يأتي لمؤازرة المدنيين ويتحمل مسؤولياته، والمقاومة التي تقف خلفهم، والتي يعرف العدو جيدًا أنها بالمرصاد، وأنها على درجة عالية من الجهوزية.
هذه المعادلة التي أوجدت حالة الردع، هي التي تحمي اليوم حدودنا، وتحمي اليوم أرضنا، وتحمي اليوم بحرنا، وتحمي اليوم بلدنا، وستحمي آبار النفط والغاز إن شاء الله بعدما تُستخرج.
من الذي صنع هذه المعادلة؟ هؤلاء الجرحى، هؤلاء الأسرى، هؤلاء الشهداء، هؤلاء المقاومون. وبدعم من مَن؟ أكيد ليس من الولايات المتحدة الأمريكية التي تهتم بإسرائيل وتدعمها وتقف إلى جانبها بالمطلق.
نرى في هذه الأيام، قبل عدة أيام، وزير خارجية أمريكا في الكيان المؤقت، وسبقه مستشار الأمن القومي، وبعده رئيس هيئة الأركان، قبل بضعة أيام، ورئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية. هذه إسرائيل وهذه ما الذي تعنيه إسرائيل لأمريكا؟ لنعرف ما الذي يهم أمريكا في المنطقة عندما نذهب لصنع معادلات.
إذاً، هذه القوة الرادعة صنعها أهلنا، شعبنا، رجالنا، نساؤنا، أطفالنا، جرحانا، أسرانا، شهداؤنا، مجاهدونا. ولم تحظَ بالدعم الخارجي إلا من الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا. وهذا ما لا يجوز أن ننساه أبدًا. يجب أن نتذكر دائمًا أن هذه القوة الرادعة الموجودة اليوم في لبنان لم يقف معها أحد في موقع الدعم الحقيقي والفعلي في هذا العالم إلا إيران وسوريا. ولذلك تُناصب هاتان الدولتان العداء من قبل أمريكا، وإسرائيل، وكل حلفاء أمريكا وإسرائيل.
معادلة الردع اللبنانية بين التحديات والإنجازات الوطنية
انظروا هذا المشهد، عندما نعود سريعًا وقليلاً إلى سنة 1978، بعضهم يقول 25,000 جندي، والبعض يقول 30,000 ضابط وجندي اجتاحوا جنوب الليطاني، وصلوا إلى مشارف مدينة صور. آخر شيء أذكره، وصلوا إلى البازورية والعباسية، وأخذوا قرارًا بالسيطرة على جنوب الليطاني. خلال سبعة أيام، أخذوا جنوب الليطاني. سبعة أيام من سنة 1978، كم؟ 25,000 ضابط وجندي وقيل 30,000 ضابط وجندي.
هذا مثل، ولكن في حرب تموز، 33 يومًا، مع العلم أن الذين كانوا في الميدان، في الميدان المباشر، بين 10,000 و20,000 على الحدود داخل أرضنا نتقاتل معهم، وخلفهم جاهز للدخول ما بين 80,000 و100,000 ضابط وجندي. هذا الذي كانوا يُجهزونه. لو نجحت العملية البرية، لو كان هناك أفق لتدفق إلى جنوب لبنان في حرب تموز عام 2006، ما بين 80,000 إلى 100,000 ضابط وجندي.
ولكن 33 يومًا مع القصف والتدمير والتهجير التي من المفترض أن تطال إرادة الناس وعزمها، لم يستطيعوا أن يدخلوا إلى بنت جبيل ولا إلى عيتا الشعب ولا إلى الكثير من قرانا الأمامية. هذا تطور هائل في قدرة المقاومة، وهذا الذي يفسر لنا ما يجري اليوم على الحدود البرية.
في موضوع الحدود البحرية، أنا في الخطاب الأخير تحدثت مجددًا عن موضوع كاريش وموضوع استخراج النفط والغاز. لأذكر بالمعادلة. مناسبة حديثي كانت أن الإسرائيليين في ذلك اليوم بدأوا فعلاً باستخراج النفط والغاز. فأردت أن أذكر، لأننا يجب أن لا نثق بالعدو، وأحيانًا تتوفر لدينا معلومات عن مساعي أميركية وإسرائيلية للتسويف في لبنان، فأردت أن أذكر بالمعادلة، لا أن أصنع معادلة جديدة في كاريش.
لأنه عندما أُعلن الاتفاق في ذلك الوقت، قلت: إذا جاء يوم وبدأوا هم بالاستخراج ووجدنا أن هناك تسويفًا أو منعًا للبنان من استخراج النفط والغاز أو بيع النفط والغاز، لن نسمح لهم. المعادلة سوف تبقى قائمة. هذا أكدت عليه في ذكرى القادة الشهداء.
بعد ذلك، شاهدت مقابلات وقرأت مقالات وأحاديث تقول إن هذا الخطاب من السيد هو تعبير عن ندم أو خيبة أمل أو تعبير عن الإحساس بالخديعة. هذا غير صحيح، أبدًا. هذه التحليلات كلها غير صحيحة. نحن بالنسبة لنا هذه التحليلات قائمة على ما يظنه آخرون.
سوف أشير إليهم. بالنسبة لنا، موضوع الحدود البحرية والنفط والغاز حدوده تقف عند هذا الحد. هناك ترسيم للحدود البحرية، وهناك حق لبناني في استخراج النفط والغاز. وما تريده الدولة اللبنانية حصلت عليه. بالنسبة لنا، هذه هي حدود الموضوع.
ولذلك قلت وأعود وأقول: هذا الاتفاق لا يوجد فيه تطبيع ولا ضمانات أمنية ولا التزامات أمنية. حتى الإسرائيليون صرحوا بهذا الموضوع. لو كان هناك شيء إسمه تطبيع أو ضمانات أمنية أو التزامات أمنية أو اعتراف بالعدو، لحملها لابيد رئيس حكومة العدو آنذاك، وجال بها في كل وسائل الإعلام في العالم.
وهم نفوا. ولكن يوجد أناس في لبنان مصرون على أن هذه القصة ليست هكذا، وهي هكذا. ويوجد أناس يفترضون أن حزب الله ضمنًا عندما أيّد موقف الدولة اللبنانية في القبول بهذا الاتفاق كان يبحث عن رضا أميركي أو اعتراف أميركي لدور سياسي له في لبنان.
نحن لم نكن نبحث عن ذلك، ولا نبحث عن ذلك. نحن أصلاً لا نبحث لا في ثقافتنا ولا وجداننا ولا بصيرتنا ولا وعينا السياسي عن شيء اسمه رضا أميركي أبدًا. أقول لكم بكل صراحة: في أي موقف نتخذه في أي عمل نقدمه، عندما نشعر أن فيه رضا أميركي، نشكك في أنفسنا، ونشكك في مقاومتنا، وفي صحة موقفنا.
لذلك، الذين حللوا عن ندم وخديعة وخيبة أمل، كلا. بالنسبة إلينا للمقاومة، وإذا كانت هناك جهة أخرى في لبنان ويوجد شيء آخر غير الذي نعرفه جميعًا عن اتفاق الحدود البحرية وموضوع النفط والغاز، أصبح هذا شأنهم. لكن فيما يعنينا نحن، كلا. لا نشعر لا بخديعة ولا بخيبة أمل ولا بندم. وما قلناه نعود ونقوله: هذا إنجاز كبير وإنجاز عظيم وإنجاز تاريخي. ولكن قلنا إن هذا يحتاج إلى مواكبة.
أنا أعرف أن حكومة تصريف الأعمال تواكب هذا الملف، وأن وزارة الطاقة أيضًا تواكب هذا الملف، لأن الخطوات التي يُقام بها حتى الآن جدية، لا أشكك فيها وليس لدي أي معطى للتشكيك. ولكن يجب دائمًا أن نذكر بهذه المعادلة، لأن هذه المعادلة هي التي ستبقي هذه الجدية وهي التي ستوصل إلى النتيجة.
التزام لبنان الكامل في الدفاع عن حدوده البرية والبحرية
اليوم سواءً في موضوع ملف الحدود البحرية أو في ملف الحدود البرية، في ملف الحدود البرية، لبنان لن يتسامح، والمقاومة لن تتسامح بأي شبر من الأرض. طبعًا، هنا نتكلم عن حدود معترف بها دوليًا قبل قيام الكيان الإسرائيلي. نحن نتكلم عن حدود رُسمت في العشرينيات من القرن الماضي ووافقت عليها الدولة اللبنانية.
لن نتخلى لا عن شبر ولا عن متر ولا عن حبة رمل في أرضنا، لا على الحدود ولا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، التي يجب العمل من أجل تحريرها بكل الوسائل وبكل الأساليب.
ولن نتخلى كما قلت، لا عن حبة تراب من أرضنا ولا عن نقطة ماء من بحرنا، وهذا التزام قاطع وجازم. الأمل على ماذا معقود؟ على المعادلة، معادلة القوة. ولذلك، كل الذين تهمهم إسرائيل وأمن إسرائيل وإمتيازات إسرائيل وتفوقها، وفي مقدمهم الأميركيون، هم يريدون أن ينتزعوا معادلة القوة من الشعب اللبناني، حتى لا يبقى لنا شيء ندافع به عن مياهنا ولا عن أرضنا ولا عن ترابنا ولا عن نفط وغاز لبنان، ولا عن أمن لبنان، ولا عن سيادة لبنان.
وهم سعوا خلال أربعين عامًا لذلك، سعوا دائمًا لإحباط مقاومة الاحتلال، ولطالما قتلوا من رجال ونساء وأطفال وارتكبوا المجازر في قرانا وفي بلداتنا. في هذه الأيام، ذكرى مجزرة بلدة معركة الحسينية، التي قضى فيها الشهداء، وبينهم القائدان العزيزان الشهيدان محمد سعد وخليل جرادي. هذه أرضنا مليئة بالمجازر والدماء والتضحيات والشهداء والآلام والبيوت المدمرة.
اليوم، هم يريدون أن يسلبونا هذه القوة وهذه القدرة بالاغتيال والقتل والحصار، بتشويه السمعة وبتقليب الرأي العام العالمي علينا، بالتجويع وبخلق الأزمات المعيشية وبالدفع نحو الفوضى. ونحن لم نستسلم في يوم من الأيام وبالتأكيد اليوم لن نستسلم.
ونحن لدينا خياراتنا التي تحدثت عنها في الخطاب الأخير. صحيح كنت أتحدث بحماسة وبإنفعال، ولكن بقلب هادئ، أنا أعرف نفسي ماذا أقول، وأعرف أنا وإخواني ما هي المعادلة التي نرسمها. وهذه معادلة أود أن أؤكد عليها أيضًا. هذا حقنا الطبيعي، عندما نجد أن هناك من يريد أن يأخذ لبنان إلى الفوضى وإلى الخراب والدمار، لن نسمح له بذلك. لن نسمح له بذلك.
إقرأ أيضاً كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة
ولذلك، شعبنا وأهلنا وناسنا، تمسكوا دائمًا بهذه المقاومة، رغم كل التضحيات. ما حصل في حرب تموز لم يكن شيئًا بسيطًا، كان شيئًا كبيرًا وهائلًا، والناس لم يتخلوا عن هذه المقاومة أبدًا، واليوم في ظل الأزمات المعيشية الصعبة، الناس لن تتخلى.
أنا أقول لهم من آخر الخط، رهاناتكم خاسرة، خياراتكم فاشلة. هذا شعب وهناك شعوب في المنطقة أصبح لديها من الوعي ومن البصيرة ما تُدرك فيه وتعرف فيه عناصر قوتها التي تحتفظ على عزتها وسيادتها وكرامتها، ولذلك هي لن تتخلى عن عناصر القوة هذه.
المحور الثالث: الفراغ الرئاسي للدولة
حزب الله والتمسك بانتخاب رئيس للدولة
في الملف الرئاسي، فلنتكلم قليلًا، سأمشي نقطة نقطة من أجل الاختصار، من دون أن أقول أولاً وثانيًا وثالثًا لأن النقاط أكثر من ذلك. أريد أن أتكلم منذ البداية: نحن نريد انتخاب رئيس بشكل قاطع وأكيد، لأنه عادة ما يحصل نقاش بالنوايا، أنه هناك ناس يريدون الفراغ الرئاسي وسعداء بالفراغ الرئاسي ويستهدفون الموقع المسيحي الأول والموقع الماروني الأول، ويُبنى عليها تحليلات طويلة عريضة. نحن نريد جدياً انتخاب رئيس للجمهورية، ولا نريد الفراغ.
هذه إرادتنا الجدية، وهذه المصلحة الوطنية الأكيدة، لأنه عندما ننتخب رئيسًا يصبح لدينا بعد ذلك حكومة كاملة الأوصاف، لا يوجد نقاش في الموضوع الميثاقي والدستوري والشرعي، والمجلس النيابي يمشي من دون تعللات وتستقيم الأمور. يعني إعادة تكوين السلطة مدخله ومفتاحه هو انتخاب الرئيس.
نحن ملتزمون بنصاب الثلثين في انتخاب الرئيس. لماذا أقول هذا؟ تعرفون في لبنان، يوجد أناس عندما يلحظون أنهم قادرون أن يجمعوا 65 صوتًا للمرشح الذي يدعمونه أو 70 صوتًا أو أكثر، يبدأون بالنداء بأن نصاب الدورة الثانية هو 65 صوتًا.
نحن نقول نصاب الدورة الأولى الثلثين، والدورة الثانية من الانتخاب نصابها الثلثين، لكن الفرق أن بالدورة الأولى علينا أن ننتخب بأغلبية الثلثين، وفي الدورة الثانية يكفي أن ننتخب بـ 65 صوتًا. فكل مدة يخرج أحد ليقول إن هناك من يضغط على رئيس الجلسة وعلى هيئة رئاسة الجلسة وأن الدستور والقانون يقول في الدورة الثانية النصاب 65 وليس الثلثين. بالنسبة لنا، نحن ملتزمون بنصاب الثلثين في الدورة الأولى وفي الدورة الثانية.
والمرشح الذي ندعمه عندما نحصل له 65 صوتًا أو سبعين صوتًا أو ثمانين صوتًا، سوف نبقى ملتزمين بنصاب الثلثين. لن نقول مثلًا أن المخرج من المأزق في البلد هو بتعديل القانون ليصبح عبر الانتخاب نصف زائد واحد، الدستور يبقى دستورًا، ولا يكون له في كل يوم شكل آخر.
رفض الهيمنة الخارجية للاستحقاق الرئاسي وتمسكنا بالقرار الوطني المستقل
لا نقبل أن يفرض الخارج على لبنان رئيسًا، ليس على حزب الله فقط، بل على لبنان وعلى الشعب اللبناني. لا نقبل ذلك، والغريب أن هناك قوى تسمي نفسها سيادية تلجأ إلى الخارج وتطلب منه أن يفرض على الشعب اللبناني رئيسًا، وتطلب منه أيضًا أن يستخدم سلاح العقوبات على من لا يوافق على رئيس مفروض. هذه تسمي نفسها قوى سيادية، ولا نقبل فيتو خارجي على أي مرشح في لبنان، لا على من ندعمه ولا على من يرشحه غيرنا.
وهذا أيضًا يتنافى مع السيادة. والجميل في لبنان أن بعض الدول التي يُقال إن لها فيتو على المرشح الفلاني أو الفلاني، طبعًا نحن لم نسمع مباشرة وعلانيًا منها ذلك، ولكن الذي ينقل لنا ذلك هي القوى التي تسمي نفسها سيادية، وتستند إلى فيتو هذه الدول لتقول إن المرشح الفلاني ليس له حظ. لا نقبل أن يُفرض رئيس من الخارج على الشعب اللبناني ولا نقبل فيتو خارجيًا على أي مرشح، أيًا كان هذا المرشح، سواءً كنا ندعمه أو نرفضه.
نحن كلبنانيين أو كجهة لبنانية، نعم نقبل المساعدة لتقريب وجهات النظر، لا يوجد مشكلة. يوجد دول في الخارج، صديقة أو غير صديقة، نحن مختلفون اللبنانيون على تصنيف الدول الصديقة وغير الصديقة.
إذا كان هناك من يريد المساعدة فليساعد، لا مشكلة في ذلك، ولكن لا يفرض، بل يساعد ويقرب وجهات النظر. بالنسبة لأصدقائنا في الإقليم وهم ليسوا كثرة على كل حال، إيران وسوريا، أنا أقول لكم بصراحة، لم تتدخلا ولا تتدخلان أصلاً في هذا الاستحقاق، لم يتدخلوا في الترشيح عندما نحن الحلفاء جلسنا لنتكلم ونتشاور مع بعضنا لنختار مرشحًا، ولم يضعوا فيتو على أي أحد، ولا طلبوا منا أي أحد أصلا.
وأيضا في عملية الانتخاب وعملية الاستحقاق، كل من يتحدث مع طهران أو دمشق يُقال لهم، راجعوا حلفاءنا في لبنان. هذا شأن لبناني، اذهبوا إلى حلفائنا في لبنان واسألوهم هذا السؤال. إذا من جهتنا نحن، هذا الموضوع منتهي. يبقى من جهة بقية القوى السياسية ماذا؟ هل سيبقون ينتظرون السعودية وقطر وأميركا وفرنسا ولا أعرف من؟ نحن في فريقنا السياسي لا ننتظر أي أحد لا في الإقليم ولا في العالم. ولم يتدخل معنا أحد ولم يطلب منا أحد شيئًا ولم يضع أحد فيتو على أحد.
قرارنا بالكامل بأيدينا، نُرشح من نُريد ونَختار من نُريد ونُناقش من نُريد ونُحاور كما نُريد. لا ننتظر الخارج ودائمًا دعونا اللبنانيين إلى عدم انتظار الخارج، لا نراهن على أوضاع إقليمية، لأن البعض ينتظر متغيرات إقليمية وأحداث إقليمية، وتطورات إقليمية ودولية وتسويات قد تحصل في المنطقة. نحن لا ننتظر شيئًا، نحن نعمل في الليل وفي النهار ليكون الانتخاب غدًا إذا أمكن، ولا نُراهن على أي تطورات ولا على أي تسويات.
وأيضا لا ننتظر تسويات، وأقول للبنانيين، لا تنتظروا التسويات، لأننا لا زلنا نقرأ أن البعض ينتظر تسوية إيرانية أميركية. قرأت في اليومين الماضيين الكثير عن هذا الموضوع، وأن الملف النووي الإيراني يوجد فيه إيجابيات ويفتح آفاقًا وزيارة رئيس وكالة الطاقة الدولية إلى طهران، ويربطونها بالرئاسة في لبنان. ما هي علاقة هذا بذاك؟ للمرة ليس الألف بل للمرة المئة ألف، لا علاقة للملف النووي الإيراني بأي شيء آخر في المنطقة، وليس فقط في لبنان أو في ملف انتخاب الرئاسة في لبنان.
من ينتظر تسوية إيرانية أميركية يعني ذلك أنه عليه أن ينتظر 100 عام. ومن ينتظر تسوية إيرانية سعودية أيضًا سينتظر طويلا، لأن المشكل هنا ليس مشكل العلاقات الثنائية. موضوع العلاقات الثنائية، عندما اجتمعوا في بغداد حلوه في أول جلسة وثاني جلسة. المشكل له علاقة بالوضع الإقليمي، والمشكل له علاقة بوضع اليمن، واليمن حله ليس عند إيران، ولا في لبنان ولا عند حزب الله .
حل موضوع اليمن عند اليمنيين، حل موضوع اليمن في صنعاء، عند القيادة اليمنية التي تصدت وتتصدى وتتحمل كامل المسؤولية التاريخية في مواجهة العدوان، في مواجهة الاحتلال الجديد، القواعد الأميركية التي يُراد إنشاؤها في جنوب اليمن كتلك القواعد الأميركية التي أنشأوها في شرق الفرات في سوريا. الموضوع في اليمن ليس في إيران ولا في لبنان. ولذلك عليكم أن تنتظروا طويلًا.
نحن من جهتنا لا نراهن ولا ننتظر أي تطورات وأي تسويات إقليمية، ونقول: تعالوا لنُعطي هذا الاستحقاق كاملاً البعد الداخلي والوطني.
تعطيل النصاب الرئاسي من الحرام إلى الواجب
في نقطة تعطيل النصاب، سمعنا في الآونة الأخيرة، نحن في الانتخاب السابق، أُتهمنا عندما كنا نُعطل النصاب، فلنسمي الأمور كما هي.
صحيح، نحن في الانتخاب السابق عندما بقينا سنتين وسنتين ونصف حتى تم انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، نحن ككتلة الوفاء للمقاومة وكتلة التيار الوطني الحر وآخرون من الأصدقاء والحلفاء، وبالمناسبة كان معنا أيضًا الوزير سليمان فرنجية ونوابه، نعم كنا نُعطل النصاب، وكنا نقول: أن هذا حقنا الطبيعي، وكنا نُتهم بالتعطيل وجلدونا وشتمونا وناقشونا دستوريًا وإلى آخره… وفي الآونة الأخيرة ذات الشيء.
اليوم نسمع بشكل واضح وصريح من قادة أحزاب سياسية وكتل نيابية أنهم يقولون: اطمئنوا، نحن إذا ذهبنا إلى الجلسة وكان هناك 65 صوتًا أو أكثر من 65 صوتًا، فإنهم سيختارون المرشح المدعوم من فريقنا السياسي. هم قالوا علنًا أنهم سيعطلون النصاب.
واستعملوا تعابير مختلفة، شيء قال إذا كان مرشحًا من الممانعة، من محور الممانعة. طبعًا بين هلالين، هناك أناس يتصورون أنه عندما يقولون كلمة الممانعة أن هذا يؤذينا. بالعكس، هذه كلمة تشرفنا، نحن ممانعون، ممانعون للذل، ممانعون للهوان، ممانعون للاستسلام، ممانعون للتخلي عن الأرض، عن المياه، عن النفط، عن الغاز، عن المقدسات الإسلامية والمسيحية. نعم نحن ممانعون ونحن مقاومون، هذا شرف عظيم لنا.
أنه إذا من محور الممانعة، نحن سنعطل النصاب. أناس قالوا إذا كان مرشحًا لحزب الله، أناس قالوا إذا كان صديقًا لحزب الله، أناس قالوا إذا كان قريبًا من حزب الله، أناس قالوا إذا كان أحدًا من 8 آذار، أناس قالوا إذا كان مرشح الثنائي الشيعي. كل شخص يستخدم عبارات متنوعة، ولكن المضمون واحد. التعابير مختلفة، أن المرشح الذين هم يعتبرونه قريبًا من هذا التكتل السياسي الكبير يريدون تعطيل النصاب.
جيد، أنا سأعلق على هذا الموضوع. أولًا، أنا أقول لهم هذا حقكم الطبيعي، حقكم، ليس عيبًا. هل هناك أكثر من ذلك؟ هذا حق قانوني وحق دستوري، ونحن منذ زمن كنا نقول إن النواب من حقهم أن يحضروا، ومن حقهم أن يغيبوا، ومن حقهم أن يقاطعوا، ومن حقهم أن ينتخبوا، وبالتالي نحن ليس لدينا مشكلة بهذا الموضوع.
ثانيًا، هو هذا التساؤل، يعني ما عدا عما بدا، أنه ما كان حرامًا في الماضي أصبح حلالًا في الحاضر بل أصبح واجبًا، يعني انتقال من الحرام إلى الواجب، يعني طفرة غير مفهومة، لكن ليس هناك مشكلة، أنه الذي كان حرامًا علينا ونُدان به ونُتهم به ويُهجم علينا به اليوم أصبح إجراءً طبيعيًا وهم يفتخرون بأنهم يريدون أن يقدموا على خطوة من هذا النوع. ليس هناك مشكلة.
خيارات اللبنانيين في ظل تعطيل النصاب
بهذه الحالة، سيكون اللبنانيون أمام خيارين: إما أن يستمروا في الذهاب إلى مجلس النواب حتى لو كان أحدهم يمتلك 65 صوتًا لمرشحه، فيأتي الآخرون ويعطلون النصاب، ونحن نستطيع تعطيل النصاب، ليس عيبًا، وأنتم تستطيعون تعطيل النصاب، وليس عيبًا.
معنى ذلك أنه إذا لم يكن هناك نصاب، فلا يوجد انتخاب رئيس، وهذه الحالة يمكن أن تستمر شهرًا، شهرين، ثلاثة، سنة، سنتين، ثلاثة، وأربعة إذا بقينا واقفين مكاننا، حتى نكون شفافين وواضحين مع بعضنا.
حسنًا، الخيار الثاني الذي أمام اللبنانيين هو أننا وصلنا إلى نقطة أن كل شخص يجب أن يحدد مرشحه الجدي والحقيقي. كل شخص يجب أن يقول من هو مرشحه أو من هو المرشح الذي يدعمه، من أجل ألا يبقى أحد يختبئ أو يختفي أو يناور. يُعلن المرشحون ونذهب إلى مجلس النواب، إذا تأمّن النصاب ننتخب، وإذا لم يتأمّن النصاب وحتى لا نقع في الخيار الأول، نجدّد الدعوة إلى الحوار، ولكن هنا الحوار ليس بالمطلق، أصبح مفهومًا.
هناك مجموعة كبيرة من النواب تدعم المرشح الفلاني، مجموعة تدعم المرشح الفلاني، مجموعة تدعم المرشح الفلاني، هناك ثلاثة، هناك أربعة، نضع مندوبين لهذه القوى السياسية ليجلسوا ويتحاوروا. ليس هناك خيار آخر إلا أن يجلسوا ويتحدثوا مع بعضهم، ممكن أن نصل إلى تسوية، ممكن أن نصل إلى حل، ممكن أن نصل إلى علاج، هذا الحل الوحيد، ليس هناك حل آخر.
حزب الله ومرشحو الرئاسة
بالنسبة لحزب الله، ليس لدينا شيء اسمه “مرشح حزب الله”. لنكن دقيقين، ليس لدينا شيء اسمه “مرشح حزب الله”. طبعًا هناك أناس يصرون على أن يقولوا إن زيدًا أو عمرًا أو بكرًا مرشح حزب الله لأهداف لها علاقة بالمعركة، لأنه بالنهاية لدينا أعداء وخصوم في الإقليم ولدينا أعداء في الوضع الدولي.
فيأتي ويقولون إن هذا مرشح حزب الله من أجل أن يحرقه، من أجل أن يُكثر من أعدائه. ما لدينا نحن هو مرشح يدعمه حزب الله، هناك فرق بين الاثنين.
مرة تقول لي هذا مرشح حزب الله، ومرة تقول لا، هناك مرشح يدعمه حزب الله. هذا النوعين موجودان، هناك مرشح طبيعي، الآن في لبنان هناك مرشحون طبيعيون، فلان وفلان وفلان، أربعة، خمسة، ستة، معروفون. هؤلاء مرشحون طبيعيون، فنحن ندعم أحد المرشحين الطبيعيين، أو لا. هناك شخص أعلن ترشيحه رسميًا سواء كان مرشحًا طبيعيًا أو لم يكن مرشحًا طبيعيًا، فتأتي أنت وتدعمه.
فنحن لدينا مرشح ندعمه وليس مرشحًا لنا. على كل حال، نفس هذه المعركة استخدمت في الانتخابات الماضية ضد العماد ميشال عون، مع العلم أن العماد ميشال عون كان مرشح تياره ومرشح كتلته النيابية ومرشح ناسه، ونحن بعد مدة من الزمن وبسبب ضغط كوادر التيار الوطني الحر وقتها أعلنا دعمنا لترشيح العماد عون.
منذ تلك اللحظة، أخذوا على الرجل أنه مرشح حزب الله، فقاتلوه في السعودية وفي أميركا وفي الغرب وفي دول الخليج الثانية لأنه مرشح حزب الله، هو لم يكن مرشح حزب الله بل هو مرشح طبيعي. من بين الخيارات المطروحة اختار حزب الله أن يدعم هذا المرشح الطبيعي، واليوم نفس الشيء سأقوله بعد قليل، سنتحدث وننتهي اليوم.
مواقف حزب الله من الترشيحات الرئاسية
نحن منذ البداية أردنا أن ندخل في حوار داخلي ونقاش داخلي مع أصدقائنا وحلفائنا، وهذا طبيعي عندما نريد أن نذهب لدعم خيار معين. بدأنا حوارًا مع حلفائنا، مع الحليف وحليف الحليف وبقية الحلفاء، وصلنا إلى استنتاج داخلي. وأنا جلست مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير والصديق جبران باسيل، جلسنا جلسة طويلة حتى منتصف الليل، حتى الثانية ليلًا، وسأقول مقطعًا لأنه كما قلت اليوم، هذا الموضوع يجب أن ننتقل فيه إلى مرحلة جديدة.
قلت للوزير باسيل: “بالنسبة لنا نحن حزب الله، هذه المواصفات التي نريدها بالرئيس – التي نتحدث عنها في الإعلام – ويهمنا أن يكون هناك رئيس لا يطعن ظهر المقاومة، لا نريد رئيسًا يدافع عن المقاومة ولا يحميها ولا يحملها على ظهره، ولا نريد أن نضع عليه أي عبء، فقط نريد رئيسًا نطمئن أنه رجل شجاع وثابت ولا يطعن ظهر المقاومة ولا يبيع، وهناك تجارب سابقة: الجنرال عون، الجنرال لحود إلى آخره”.
طبعًا، بقية المواصفات مطلوبة، أن يستطيع التحدث مع الجميع، أن ينفتح على الجميع، أن يستطيع أن يدير بمستوى معين الإدارة، وإلا بالنهاية المطلوب منه رؤية ومطلوب منه خطة ومطلوب منه إنقاذ ومطلوب منه إخراج البلد مما هو فيه، هي السلطة التنفيذية مجتمعة، مجلس الوزراء، حتى لا يُحمّل أحد رئيس الجمهورية ما لا يدخل في صلاحياته.
وهنا يجب أن نرجع لننبّه لهذا الخطأ. انظروا، أحد الأخطاء التي وقع فيها بعض أصدقائنا وإخواننا في التيار الوطني الحر أنه في الست سنوات التي مضت أطلقوا وعودًا وحملوا فخامة الرئيس ما لا يحمله دستوريًا، وهذا كان ظلمًا للرئيس ميشال عون.
حسنًا، فقلت له: “من بين الناس الذين نعرفهم، كبار القوم، هناك جنابك وهناك الوزير سليمان فرنجية. أنت تقول لا أريد – كان يقول لا أريد الترشح – وأيضًا أنت تقول إنه ليس لديك الآن فرصة، وهذا صحيح، نتحدث واقعيات وليس عواطف، فعندما يكون لدينا خيارين وأنت لا تريد وليس لديك فرصة، فمن الطبيعي خيارنا هو الوزير فرنجية. بدليل ومنطق واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، كان نقاشنا هادئًا جدًا ومحترمًا جدًا ودائمًا نقاشاتنا هكذا كانت”.
طبعًا، الوزير باسيل عقّب وقال رأيه واستدل على رأيه وتناقشنا، أخذنا وأعطينا. طبعًا سألني: “هل لديكم خطة “ب”؟”، قلت له: “نحن تعلمنا من فخامة الرئيس ميشال عون ألا نضع خطة “ب”، وهذا طبيعي. حتى الآن عندما نجلس ونفاوض على اسم أنه من أول يوم تأتي وتقول أنا أدعم الترشيح الفلاني والخطة “ب” عندي كذا، يعني “تخبز بالأفراح”، يعني أنك تخليت عن مرشحك.
لا أحد يعمل بهذه الطريقة، وحتى المتمسك بمرشحه عادة يبقى جاهزًا لأن يناقش خيارات أخرى”. بكل الأحوال، انتهينا إلى أن البحث صلة. يعني اتفقنا أنه أصبحت الساعة الثانية ليلًا أنه خلص، نكمل النقاش لاحقًا. أنت فكر ونحن نفكر، أنت تحدث مع إخوانك ونحن نتحدث مع إخواننا، نرى ونكمل النقاش.
إذًا، نحن ذهبنا إلى النقاش بالحقيقة، الآن لاحقًا نُقل الموضوع في وسائل الإعلام وأن حزب الله طرح الوزير سليمان فرنجية وفتحت معركة لها أول وليس لها آخر. هذا على كل حال نتحدث به لاحقًا.
لكن نحن الذين دعونا إلى حوار وإلى نقاش، نحن كنا بدأنا النقاش وكنا نريد إكمال النقاش وقلنا للبحث صلة. في آخر لقاء، حصل وفد قيادي من حزب الله عند قيادة التيار، أيضًا عرضنا أنه ليس لدينا مشكلة أن نعود ونناقش بالأسماء، ونعمل لائحة ويكون من ضمنها الوزير سليمان فرنجية، وهذا طبيعي بالنقاش. بالنقاش كل شخص يضع الأسماء التي يريدها، لكن إذا أنا أريد أن أناقش ومسبقًا أقول إن هذا الاسم غير قابل للنقاش وهذا الاسم غير قابل للنقاش، يعني أصبح النقاش بشروط. هذا يُعطل الحوار.
المطلوب حوار بلا شروط، ما المشكلة؟ نضع الأسماء التي نريدها وتضع الأسماء التي تريدها وكل الكتل النيابية تضع الأسماء التي تريدها ونجلس ونناقش، حتى لو اسم مرفوض بالمطلق عندك أو عندي، ولكن هذا لا يمنع أن نضعه باللائحة التي هي موضع نقاش.
إذًا نحن كنا نحب أن نذهب على كثير من النقاش الداخلي، وهذا أحد أسباب أننا ذهبنا في الاقتراع إلى الورقة البيضاء لأننا كنا نعطي وقتًا للنقاش الداخلي والحوار الداخلي وإمكانية التوافق الداخلي. وأيضًا احترامًا، هذه أيضًا سبب آخر، احترامًا للخيار الذي ندعمه. لأنه نحن عندما نسمي يا إخوان، يعني عندما نخرج من الورقة البيضاء، نحن ليس لدينا هذه الطريقة أن نضع اسمًا للتجربة، أو نضع اسمًا للحرق، أو نضع اسمًا للمناورة، أو نضع اسمًا للمقايضة لاحقًا باسم آخر.
أبدًا، نحن وجميعكم تعرفونا وكل لبنان جربنا على مدى سنتين ونصف في الانتخابات الماضية. سنتين ونصف يُقال “عطلنا البلد” و”عطلنا المجلس” و”عطلنا وعطلنا”، عندما أخذنا القرار وكتبنا الاسم، يعني كتبنا الاسم. عندما نكتب الاسم على الورقة، يعني التزام قاطع وجدي. لا نناور ولا نمزح ولا نلعب ولا نحرق أوراقًا ولا نُقطّع مراحل. هذا سبب ذهابنا إلى الورقة البيضاء، ليس خوفًا من أي شيء ولا خجلًا من أي شيء ولا ترددًا في أي شيء.
حسنًا، بعد كل النقاشات التي حصلت والمواقف التي أُطلقت والخيارات المطروحة والغير مطروحة، لأن هناك أناسًا خياراتهم أصبحت واضحة وهناك أناس خياراتهم ما زالت غير واضحة، يعني بعد لم يرشحوا أو لم يعلنوا عن دعم ترشيح. هناك أناس ما زال عندهم نقاش داخلي مثل التيار الوطني الحر، وهناك أناس ما زالوا ينتظرون الرضا الخارجي، الفيتوات الخارجية، هذا يؤثر على مسار تصويتهم. وهناك أناس حسموا خياراتهم وأعلنوا ترشيحاتهم.
طالما وصلنا إلى هذه النقطة، من المفيد أن أقول: أصبح الأمر واضحًا، كل ما هنالك أنه ينتظر أن نقول، وبالتالي نضم صوتنا إلى صوت دولة الرئيس نبيه بري، المرشح الذي ندعمه – لأكن دقيقًا – ليس مرشح حزب الله حتى تذهبوا وتقاتلوه، المرشح الطبيعي الذي ندعمه في الانتخابات الرئاسية ونعتبر أن المواصفات التي نأخذها بعين الاعتبار تنطبق عليه هو الوزير سليمان فرنجية، وضوح. وعلى هذا الأساس تفضلوا أن نناقش ونحاور ونجادل ونرى إلى أين سنصل.
كلمة للأخوة في التيار الوطني الحر
كلمة أخيرة سأتوجه بها لإخواننا وأصدقائنا في التيار الوطني الحر، لأن هذه لحظة حساسة. عندما أُعلن رسميًا أن حزب الله يدعم هذا الترشيح، ترشيح الوزير سليمان فرنجية، أحب أن أقول هذا الكلام التالي باختصار:
منذ توقيع التفاهم في 6 شباط 2006، كنا دائمًا حريصين على هذا التفاهم وما زلنا حريصين على هذا التفاهم، وأنا شخصيًا كنت من أحرص الناس عليه وما زلت أحرص الناس عليه. صحيح نقول إنه في وضع حرج ولكن هذا لا يعني أننا لسنا حريصين عليه.
التفاهم، هناك يجب أن نصححه بأذهاننا كلنا، يعني بأذهان كوادر وقواعد حزب الله وكوادر وقواعد التيار الوطني الحر والرأي العام اللبناني. التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر لم يُحولنا إلى حزب واحد، بقينا حزبين، ولم يجعل أحدًا تابعًا للآخر، يعني خارج ورقة التفاهم إذا بأي مسألة من المسائل أو نقطة من النقاط اتفقنا عليها جيد، إذا اختلفنا فيها أين المشكلة؟ لا نحن تابعين للتيار ولا التيار تابع لنا – أعود لاحقًا لبنود التفاهم – ليس في التفاهم ما يلزم أحدنا بأن يقبل مع الآخر بشخص رئيس الجمهورية.
هذه ورقة التفاهم موجودة، لا يوجد في التفاهم شيء اسمه أنه يجب أن نتفق سويًا على رئيس الجمهورية وإلا كل شخص يقول للآخر في أمان الله. لا يوجد هكذا شيء في التفاهم، ولا يوجد شيء في التفاهم يقول أننا نتفق على رئيس المجلس، ولا شيء في التفاهم يقول أننا نتفق على رئيس الحكومة، ولذلك في رئيس المجلس نحن اختلفنا، نحن اختلفنا.
نحن صوّتنا لرئيس المجلس وهم لم يصوّتوا، ولم نقل لهم إنّ هذا طعن، أو خيانة، أو تخلّف، أو غدر، أبدًا، فهذا حقّهم الطبيعي، لأنّ تحالفنا، تفاهمنا، لا يُلزمهم بأن ينتخبوا رئيس مجلس النواب الذي نريده، ولا يُلزمنا أن ننتخب رئيس الجمهورية الذي يريدونه أو الذي نريده نحن، ولا يُلزمنا ويُلزمهم أن نُسمّي نفس رئيس الحكومة الذي يريدونه أو نريده نحن، هذا ليس له علاقة بالتفاهم، أي لا نُحمّل كل شيء على التفاهم.
نحن في الانتخابات الماضية، عندما دعمنا ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لم يكن ذلك على أساس أن التفاهم فيه بندٌ يقول بذلك، ولا لأنّ التفاهم يُلزمنا. أنا أحب أن أقول للبنانيين: أصلًا، العماد ميشال عون لم يطلب منا أن ندعمه في الانتخابات الرئاسية، لم يطلب عندما التقينا.
نحن بادرنا وقلنا للعماد ميشال عون: نحن في الانتخابات القادمة، ضمن المواصفات، ضمن الواقع القائم، ضمن الرؤية، نحن في حزب الله اتخذنا قرارًا بأن ندعم ترشيحك يا جنرال. قال: “ممنونين، مشكورين.” لم نعقد اتفاقًا، ولا صفقة، ولم نطلب منه شيئًا، ولم نضع عليه شروطًا، ولم يضع علينا شروطًا. الشهود ما زالوا أحياء من الطرفين، لأننا لم نكن جالسين أنا والجنرال عون وحدنا، كان هناك أناس، إخوان أعزاء كرام من الجهتين موجودين.
إذًا، دعمنا للعماد ميشال عون في الانتخابات الماضية لم يكن من لوازم التفاهم، بل هو موضوع سياسي مختلف، موضوع آخر، لا علاقة له بالتفاهم. التفاهم بنوده واضحة. ولذلك، اليوم عندما نأتي وندعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية، فهذا لا يعني أننا خرجنا من التفاهم، لأنّه في التفاهم لا يوجد ما يُلزمنا بأن نختار رئيسًا للجمهورية من التيار الوطني أو من يقبل به التيار الوطني.
لا يوجد شيء في التفاهم من هذا القبيل. أنتم أحرار أن تختاروا رئيس الجمهورية الذي تريدونه وتدعمون من تريدون، ونحن أحرار أن ندعم من نريد، ولا أنت تطعنني، ولا أنا أطعنك، لا أنت تخونني، ولا أنا أخونك. هذه الأمور هكذا، ببساطة ووضوح.
خلال الفترة الماضية، كان يحصل أحيانًا اختلاف في وجهات النظر في بعض الموضوعات. وكان أصدقاؤنا، إخواننا في التيار، بعض الرموز، بعض الشخصيات، يهاجمون حزب الله في وسائل الإعلام، في التلفزيون، في الصحف، في مواقع التواصل، لكن دائمًا كنا نصمت. نحن أيضًا كانت لدينا ملاحظات على أداء التيار، لكننا قلنا نطرحها في الجلسات الداخلية، ولا نزال حتى الآن نقولها في الجلسات الداخلية.
عندما يحصل مشكل أو خلاف، مثل الخلاف الأخير، الذي هو خلاف بدقة على الترشيحات لرئاسة الجمهورية، بدقة، وليس على شيء آخر، نجد أنّه، عادة، عندما يحصل أي خلاف، يستحضر أصدقاؤنا في التيار نقطتين ويتحدثون بهما كأنّ هذا إشكال على حزب الله.
ما هاتان النقطتان؟ الأولى: بناء الدولة، إذ يقولون إنّ الحزب وقّع معنا تفاهمًا بموضوع بناء الدولة ولم يساعدنا. والثانية: موضوع مكافحة الفساد. وكل فترة يُعاد فتح هذا الملف. مع العلم أنّني ناقشت هذا الموضوع داخليًا، وفي جلسات متعددة، مع الوزير جبران باسيل، ونوابنا ناقشوه مع عدد من إخواننا النواب في التيار الوطني الحر.
طبعًا، الآن لن أناقشه، لكن لا أحد يظن أنّ عدم ردّنا يعني أننا نُسلّم بما يُقال من اتهامات بشأن بناء الدولة أو بشأن موقفنا من مكافحة الفساد. لا، نحن لدينا كلام طويل عريض، ولدينا رؤية، وملاحظات، وتقييم لأدائنا ولأدائكم. لكن هذا نناقشه في الجلسات الداخلية.
أنا لست مستعدًا لأن أتحدث الآن، ولا لاحقًا، ولا أعرف إنْ كان سيأتي يوم نفعل فيه، طالما نحن حريصون على العلاقة. لأنه عندما نفتح هذه الموضوعات في الإعلام، يعني أننا سندخل في سجال، وسنفتح الباب لكل من يصطاد في الماء العكر، وسنفتح الباب لكل من يريد أن تنتهي هذه العلاقة.
ولذلك، لا يا إخوان، أنا لا أوافق على الإطلاق، وأنا معروف في حزب الله، إذا فتّشتم في حزب الله — ونحن حزب كبير ولدينا آراء متنوعة — لكننا جميعًا نلتزم بقرار واحد، لتجدنّ أحرص الناس على هذه العلاقة وعلى هذا التفاهم هو شخصي الكريم.
أنا لا أوافق على أي تقييم يقول إنّ حزب الله عقد تحالفًا، أو تفاهمًا، وغدر أو خان أو طعن أو لم ينفّذ بنود التفاهم. أبدًا. ونحن حاضرون، إنْ اضطررنا يومًا أن نتحدث في الإعلام، أن نقول: في بناء الدولة، ماذا فعلنا وماذا فعلتم، وماذا فعلنا سويًا؟ وفي مكافحة الفساد، ماذا فعلنا وماذا فعلتم، وماذا فعلنا سويًا؟
لكن ليس من الصحيح أن يبقى هذان العنوانان محمولين في كل لحظة خلاف حول موضوع لا علاقة له بالتفاهم، ويُعاد فتح هذا النقاش من جديد.
أنا أحب أن أقول: نحن حريصون على التفاهم، وإن اختلفنا في بعض المواقف السياسية، وإن كانت أساسية، مثل رئاسة الجمهورية، نبقى حريصين على التفاهم، ونبقى حريصين أيضًا على الصداقة، ونبقى حريصين على العلاقة. لبنان أحوج ما يكون إلى توسيع الصداقات وتوسيع العلاقات الإيجابية، وليس كما يأخذه بعض الناس إلى عداوات، وأحقاد، وضغائن، لا تُبقي في هذا البلد حجرًا على حجر.
نكون في خلاف سياسي، وبعد قليل نستخدم كل العبارات التي فيها إساءة للموضوع الديني، أو العقائدي، أو المذهبي، وما شاكل. لا، هذا البلد يحتاج إلى التهدئة، إلى العقول الهادئة والباردة، إلى الحوار، إلى التواصل، وإلا يجب أن نتعايش مع الفراغ الرئاسي، فلا يوجد لدينا حل آخر.
في كل الأحوال، كالعادة، أطلنا عليكم، وإن كنّا قد أجّلنا موضوعات كثيرة إلى اللقاءات القادمة.
نحن مع جرحانا ومع أسرانا، مع إخواننا وأخواتنا، مع كل المضحين في مسيرتنا، سوف نبقى حريصين على بلدنا، على أمنه، على كرامته، على سيادته، على منعته، على قوته، وعلى أن نأخذه سويًا إلى موقع الازدهار، وأن نُخرجه سويًا من حالة الفوضى، أو الانهيار، أو القاع السحيق الذي يُراد دفعه إليه.
نحن، إن شاء الله، بحضورنا، وباستعدادنا للتضحية، واستعدادنا لتحدي المخاطر والتهديدات والمؤامرات، وبالتعاون، نستطيع أن ننجز كل هذا، طالما بيننا المضحون المخلصون الصادقون.
للجرحى والأسرى، كل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.