خطابات

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة 16-12-2023



الفهرس

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.

أُرحب بالحضور الكريم والعزيز، سواء هنا في الضاحية الجنوبية، أو في بلدة النبي شيت، أو في بلدة جبشيت، أو في بلدة طير دبا، ولكل الذين يُشاركوننا مناسبتنا العزيزة والكريمة هذه.

المحور الأول: المباركات والتعازي في المناسبات الوطنية والدينية والسياسية

المباركات والتعازي لشهداء المقاومة وعائلاتهم

أُجدد لعائلات القادة الشهداء: لعائلة شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب، لعائلة سيد شهدائنا الشهيد السيد عباس الموسوي، والشهيدة السيدة أم ياسر، ونجلهما الشهيد حسين، لعائلة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، أُجدد لهم جميعًا تبريكنا بالوسام الإلهي الرفيع الذي ناله قادتنا الشهداء هؤلاء ومن معهم .

وأيضًا نُجدد تعازينا ومواساتنا لفراق هؤلاء الأحبة .الذين لن يخلو ولن يغادر ألم فراقهم قلوبنا وأرواحنا، لما لهم من مكانة ومحبة وموقع وجداني وعاطفي وروحي خاص عندنا جميعًا، وبالأخص عند أولئك الذين عاصروهم ورافقوهم وعايشوهم، وعملوا معهم في الليل والنهار، وفي تلك المراحل القاسية.

في البداية أتعرض لبعض المناسبات بشكل سريع، ثم أعود إلى مناسبتنا الأساسية وملفات هذا اليوم. نحن في شهر شباط، وعلى مدى أربعين عامًا لدينا شهداء. أيضًا أتوجه إلى عوائل كل شهدائنا في شهر شباط. عادةً تلفزيون المنار يعرض شهداء كل شهر، صورهم الكريمة، أسماؤهم المباركة، وجوههم النورانية.

لكل هؤلاء العائلات الكريمة والشريفة أيضًا نُبارك ونُعزي، يجب أن أخص بالذكر من بين الشهداء في مثل هذه الأيام، الشهيد القائد الحاج رضا الشاعر، الذي استشهد أيضًا في مثل هذه الأيام من شهر شباط، والذي كان مسؤولنا العسكري في منطقة البقاع، وكان يُقاتل في الخطوط الأمامية في البقاع الغربي، واستشهد أثناء المواجهات مع المواقع العسكرية للاحتلال الإسرائيلي في جبهة البقاع الغربي (رضوان الله تعالى عليه).

يجب أيضًا أن أذكر، أو نذكر بالخير، الشهيد القائد العميد حسن شاطري، المعروف عندنا في لبنان باسم الشهيد حسام خوش نويس، والذي ترأس الهيئة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان بعد حرب تموز. في مثل هذه الأيام أيضًا الذكرى العاشرة لاستشهاده، وهو الذي عمل مع هيئته، وبالتعاون مع الوزارات اللبنانية، والقوى السياسية اللبنانية، على إعادة إعمار المدارس، والمستشفيات، والمساجد، والكنائس، والحسينيات، والجسور، والطرقات، وكانت له، كممثل للجمهورية الإسلامية، أيادٍ بيضاء في تلك الأيام، وستبقى ذكراه العطرة وأياديه البيضاء حاضرة إن شاء الله.

كما هي العادة، بين خطابين أو مناسبتين، أيضًا من نفقدهم من أحبة خلال أسابيع أو أيام، أتوجه إلى كل هذه العائلات، مع الاعتذار. هم يُحبون ذكر أسمائهم، ولكن عادةً أنا أكتفي بذكر أسماء السادة العلماء. فقدنا خلال الأسابيع الماضية عالمين جليلين، طيبين، مُبلّغين، من العاملين في سبيل الله سبحانه وتعالى: سماحة الشيخ حسين بيضون من بلدة الشهابية، وسماحة الشيخ سعد الله خليل من بلدة راميا، أيضًا أتوجه إلى عائلاتهم الكريمة بأحر التعازي والمواساة، في المناسبات الدينية.

في مثل هذه الأيام، أيضًا لدينا مناسبة يوم المبعث النبوي الشريف، اليوم الذي بدأت فيه الرسالة الخاتمة، وكان محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ابتداءً من هذا اليوم، خاتم النبيين، وهذا اليوم من أعظم الأيام الإلهية في تاريخ البشر. لدينا يوم الإسراء والمعراج، الذي يُعبّر عن المعجزة الإلهية النبوية الخالدة.

لدينا في المناسبات الدينية ذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام)، الأسير السجين، الشهيد بالسم في سجون الطاغية، والقدوة لكل أسيرٍ، مجاهدٍ، مقاومٍ، صابرٍ، وثابتٍ، أيضًا لدينا في يوم 28 رجب، ونحن في أيام رجب، خروج الحسين (عليه السلام) من المدينة المنورة إلى مكة، ومنها إلى كربلاء، في مثل هذه الأيام، عندما رفض البيعة لذلك الطاغية، وأعلن ثورته الخالدة من أجل الإسلام ومن أجل الأمة.

ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتأكيد صمود الشعب الإيراني

في المناسبات السياسية، وبحسب التسلسل الزمني، لدينا ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران في شباط 1979. طبعًا نُبارك للشعب الإيراني العزيز، لسماحة السيد القائد (دام ظله)، لجميع المسؤولين، لمراجعنا الكرام، ولكل أفراد الشعب الإيراني فردًا فردًا، بهذه المناسبة العظيمة والجليلة، وهذا الانتصار الإلهي التاريخي الذي تحقق على يدي سماحة الإمام الخميني (قدس سره الشريف).

هنا فقط كلمة: لاحظتم ولاحظ الجميع أنه في 11 شباط خرجت مسيرات مليونية في مدينة طهران وفي مختلف المدن الإيرانية، الملايين من الإيرانيين تظاهروا، من الرجال والنساء، والصغار والكبار، وفئات الشعب المختلفة، تظاهروا في مختلف المدن الإيرانية، في أجواء البرد والصقيع والشتاء، وفي بعض المناطق الثلج، وعبّروا عن التزامهم بهذه الثورة الإسلامية، بهذا النظام الإسلامي، بهذه القيادة الإسلامية، بهذا الخيار، بهذا الخط، بهذا النهج.

وسائل الإعلام في العالم العربي والأجنبي والغربي، الأغلبية الساحقة إلا الأصدقاء طبعًا، بلعت ألسنتها، انتهى الموضوع، وكأنّه لا توجد مسيرات مليونية في إيران، عندما يخرج بعض الأشخاص، عشرات أو مئات أو ألف أو ألفين مثلًا، في ميدان معيّن أو ساحة معيّنة، يقطعون بعض الطرقات، ويمارسون بعض الشغب، نجد أن كل وسائل الإعلام في العالم، وعلى مدار الساعة، تعتبره خبرًا أول وخبرًا عاجلًا، وتبدأ ببناء تحليلات استراتيجية على هذا الجهد البسيط. ولكن عندما يتظاهر الملايين، عشرات الملايين، وبعد 44 سنة من انتصار الثورة وقيام النظام الإسلامي، هذا الأمر يتجاهله العالم.

عندما تنكشف إرادة الشعب الحقيقية، يصمت العالم، ويسكت، ويتجاهلن ولكنه غدًا، عندما يحصل اجتماع هنا أو مظاهرة متواضعة هناك، أو أعمال شغب في أي مكان، سيعود العالم إلى الخبر الأول، والضجيج الإعلامي، والقراءات الاستراتيجية، والتحليلات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

فقط بهذه المناسبة كلمة، لأنه خلال الثلاثة أو الأربعة الأشهر الماضية في لبنان، نجد الكثير من الناس الذين كتبوا وحللوا، وهناك قوى سياسية راهنت، وفي المنطقة هناك دول وقوى إقليمية راهنت، وفي الكيان المؤقت، الكيان الصهيوني المؤقت، أيضًا حللوا وراهنوا، والكثير تحدثوا عن أن إيران على طريق الانهيار، على طريق السقوط، المسألة هي مسألة أيام أو أسابيع أو شهور، هذا الأمر انتهى، انتهى من خلال إرادة الشعب الإيراني الحقيقية والجادة.

لكل الذين راهنوا في السابق أو اليوم أو في المستقبل أقول لهم: حساباتكم خاطئة، ورهاناتكم سراب وأوهام، وإذا بنيتم خططكم ومشاريعكم وآمالكم وتحليلاتكم على هذا الخطأ الجسيم، ستصلون إلى نتائج خاطئة جدًا وسلبية جدًا.

طبعًا، هنا أهمية إيران أنها في قلب محور المقاومة، في قلب أحداث المنطقة. عندما يُراهنون على إيران، هذا سيترك أثره على العراق، على سوريا، على لبنان، على فلسطين، على اليمن، على أفغانستان، على كل المنطقة، وبالتالي يبنون عليها الحسابات، هذه الجمهورية الإسلامية، هذا النظام الإسلامي الواثق بالله، المتوكل على الله سبحانه وتعالى، وخصوصًا في الأحداث الأخيرة، فعلوا كل ما يستطيعون أن يفعلوه، وخابت حساباتهم وظنونهم، إذًا، لا يعمل أحد حسابًا على هذا الأساس.

طبعًا، في لبنان أنا قرأت كثيرًا وسمعت كثيرًا أنهم بدأوا يتنبأون، حتى البعض يتحدث عن نهايات محور المقاومة، ونهايات المقاومة في لبنان، لأن إيران مقبلة على الانهيار وعلى السقوط. مظاهرات الأيام القليلة الماضية هي أقوى جواب لكل أولئك الذين يُراهنون على السراب.

ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري

في المناسبات السياسية أيضًا، لدينا ذكرى استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في شباط 2005، أيضًا نُجدد تعزيتنا لعائلته الكريمة، لتياره السياسي، لكل أنصاره ومحبيه، ولكل اللبنانيين بهذه الذكرى.

لدينا في المناسبات السياسية أيضًا، في سنة 2006، ذكرى تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي صمد كل هذه السنين بالرغم من الصعوبات. الآن، نتيجة الاستحقاقات والتطورات المهمة في البلد، هذا التفاهم في موضع حرج. نأمل أن نتمكن، كلا الطرفين، من الحفاظ عليه من أجل المصلحة الوطنية بالدرجة الأولى.

ذكرى انتفاضة شعب البحرين وتضحياته في مواجهة القمع والتطبيع

لدينا في المناسبات السياسية أيضًا ذكرى انتفاضة شعب البحرين المظلوم والشريف، الذي تخلى عنه كل العالم، وقضى كثيرٌ منهم ما بين سجين، فالسجون مملوءة بالعلماء والقيادات والرموز، وبين شهيد وجريح وطريد ومهجر. ولكن هذا الشعب لم يتخلَّ لا عن قضيته الوطنية في الإصلاح والتغيير في البحرين، ولا عن قضية الأمة في القدس وفلسطين ومواجهة التطبيع.

المحور الثاني: الذكرى السنوية للقادة الشهداء

فيما يتعلق بمناسبتنا الحالية، أود أن أتكلم إن شاء الله بالاختصار الممكن بأربعة عناوين: كلمة بالمناسبة، كلمة حول الزلزال لأنه أهم حدث حصل خلال الأسبوعين الماضيين، كلمة حول العدو وفلسطين، وكلمة حول الوضع الداخلي عندنا في لبنان سواء في الشق السياسي أو الاقتصادي والمعيشي والمالي، خصوصًا الآن والدولار يرتفع، وأعتقد أننا قد نكون أمام أحداث مهمة يجب أن نتوقف عندها قليلًا.

وفاء وتذكير بتضحيات قادة المقاومة ودروسهم

نحن نستحضرهم في كل عام أولًا وفاءً، وفاءً لهم، للشيخ راغب، للسيد عباس، للحاج عماد، وكذلك عندما نحيي ذكرى الشهداء، وفاءً لتضحياتهم، لجهادهم، لدمائهم، لعطاءاتهم، لهؤلاء الرجال العظام، لتلك السيدة الجليلة، السيدة أم ياسر.

وأيضًا نحيي ذكراهم تعريفًا بهم من جديد، وتذكيرًا بهم من جديد، لأن الكثير من الأجيال الحاضرة، عندنا جيل وجيلان قد لا يعرفون منذ أربعين سنة ما الذي جرى، منذ ثلاثين سنة ما الذي جرى، وفي جيل الشباب الحالي بعضهم حتى منذ عشرين سنة لا يعرف ما الذي جرى، هو لا يعرف، لأنهم غارقون في الحاضر.

أهمية ما حصل عندنا في لبنان، خصوصًا منذ سنة 1982، هو على درجة عالية جدًا من الأهمية، له علاقة بالتجربة، له علاقة بالوعي السياسي، له علاقة بالبصيرة، له علاقة بفهم الحاضر، له علاقة بتحديات المستقبل، له علاقة بالخيارات. إذًا، أيضًا نستحضرهم تعريفًا، ونستحضرهم تعلُّمًا، نجلس في محضرهم، نتتلمذ عليهم، نصغي إلى كلماتهم، نستعيد مواقفهم ونتعلم منهم دروس الإخلاص، والصدق، والطهارة، والوفاء، والثبات، والصلابة، والشجاعة، والثقة بالله، وعشق الشهادة، والتوكل على الله، والزهد في الدنيا… إلى آخره.

وأيضًا استلهامًا، نستلهم من ذكراهم، ومن مواقفهم، ومن مدرستهم ما نستطيع أن نواجه به تحديات الحاضر واستحقاقات المستقبل، ولذلك نحن نحيي ذكراهم، كما كنت أقول سابقًا، من أجلنا لا من أجلهم، وهم في عليائهم ليسوا بحاجة إلى كل هذا الإطراء، وإلى كل هذا المديح، وإلى كل هذا الشكر.

في مثل هذه الأيام، ونحن نواجه ظروفًا صعبة وتحديات كبرى، نعود إليهم، وهم الذين تحركوا في ظروف صعبة وواجهوا تحديات كبرى. عندما نعود إلى سنة 1982 ونتذكر الاجتياح الإسرائيلي وما فعله بلبنان، ونتذكر أكثر من مئة ألف ضابط وجندي إسرائيلي يحتلون أرضنا اللبنانية، وما يقارب نصف لبنان والعاصمة، ونتذكر وجود قوات متعددة الجنسيات، والاقتتال الداخلي، وتهجير المقاومة الفلسطينية كمقدمة لتصفية القضية الفلسطينية، وضياع الأمن، ولا سلم أهلي بل حرب أهلية، وانقسامات حادة.

عندما نتذكر كيف كان عليه لبنان، وماذا كان يُخطَّط للمنطقة من خلال أحداث لبنان واجتياح لبنان، ونعرف كل تلك الظروف القاسية والصعبة، الكلمة كانت تعني القتل، وهكذا استشهد الشيخ راغب، وخيار المقاومة كان يعني أيضًا القتل، وهكذا استشهد السيد عباس، وبعده الحاج عماد.

في تلك الظروف الصعبة، وقف قادتنا الشهداء، كما الكثير من القادة الشهداء في بقية حركات المقاومة، والقوى الإسلامية والوطنية في لبنان، كما وقف الكثيرون، قالوا كلمتهم بصدق وقوة وشجاعة وجرأة وصراحة. لم ييأسوا، بالرغم من كل الآفاق المسدودة أمامهم، كانت تلك الخيارات توصف بالجنون، لم يملّوا، ولم يكلّوا، ولم يتعبوا، ولم يهنوا، ولم يضعفوا، بالرغم من كل الصعوبات، وخذلان الخاذل، وقلة الناصر، وكثرة العدو، نتعلم منهم الثبات في الموقف مهما كانت الأثمان، نتعلم منهم مواصلة الطريق، نتعلم منهم الثقة بالله، والثقة بالناس، والثقة بالمجاهدين.

هذا الذي كنا نسمعه منهم دائمًا، ما نُشر قبل أيام من كلمات للحاج عماد مغنية يُعبّر من موقع العارف بالمقاتلين والمجاهدين، عن تقييمه لهؤلاء المجاهدين، في كل المهمات، وفي كل الجبهات، وفي كل الظروف الصعبة، وفي كل الساحات، وفي كل الميادين، هذا يجب أن نستعيده لمواجهة التحديات القائمة.

إنجازات الشهداء وحماية الانتصارات من الهيمنة الأمريكية

من دماء شهدائنا القادة، من دماء كل الشهداء في لبنان، في المقاومة الإسلامية، في كل حركات المقاومة، دماء وشهداء وجرحى وتضحيات الشعب اللبناني، والجيش اللبناني، وفصائل المقاومة الفلسطينية التي شاركتنا في تلك المواجهات وبعدها، والجيش العربي السوري الذي أيضًا شارك في تلك المواجهات وفي تلك التضحيات، تحققت إنجازات، إنجازات كبرى:

تحرير لبنان على مراحل، وهذه الأيام أيضًا مناسبة خروج قوات الاحتلال من مدينة صيدا في مثل هذه الأيام، تحرير لبنان باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، تحرير الأسرى، استعادة الدولة في لبنان، استعادة السلم الأهلي، السلم والاستقرار، وفي الأشهر الماضية تحرير المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية وقطاع النفط والغاز عند المنطقة الحدودية باستثناء 2.5 كيلومتر مربع من مياهنا الإقليمية، هذه كلها إنجازات، إضعاف العدو الإسرائيلي، وإسقاط المشاريع الإسرائيلية التي تكلمنا دائمًا عنها: إسرائيل الكبرى، إسرائيل العظمى، إسرائيل الكبرى في 2000، إسرائيل العظمى في 2006.

هذه إنجازات تحققت، بعث الأمل والروح عام 2000 من جديد في المقاومة الفلسطينية، وانطلاقة الانتفاضة الثانية التي أسست لكل ما يجري اليوم في فلسطين، هذه من الإنجازات التي تحققت بدماء هؤلاء الشهداء، وفي مقدمهم السيد عباس، والشيخ راغب، والحاج عماد، وبقية الشهداء، هذه الإنجازات اليوم هي مسؤولية الجميع أن يحافظ عليها، يجب أن نحافظ عليها، وهي المعركة التي تُخاض الآن.

من أهم عناوين المعركة التي تُخاض الآن، وخصوصًا في السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد تشرين 2019، هو الحفاظ على هذه الإنجازات والانتصارات العظيمة والكبرى التي تحققت على مدى أربعين عامًا. كانت انتصارات للبنان، كانت انتصارات لفلسطين، لأمتنا، ولكل شعوب وحكومات المنطقة التي تبحث عن سيادتها وعن حريتها وكرامتها.

الآن، من هنا إن شاء الله سندخل في العناوين. هذا البلد، منذ 2019، دخل في استهداف جديد، استهداف جديد لإسقاط تلك الإنجازات والانتصارات، ولإعادة لبنان إلى السلطة والهيمنة الأميركية التي تريد أن تفرض شروطها الداخلية، وشروطها في العلاقة مع العدو، كل الفكرة الآن التي يعمل عليها الأميركي، والتي يعمل عليها عندنا في لبنان منذ ثلاث أو أربع سنوات، ويعمل عليها في أكثر من بلد عربي وإسلامي.

وأيضًا يعمل عليها في البلدان التي يُصنّفها معادية مثل إيران وسوريا، أو مخاصمة، أو حتى في بلدان صديقة وحليفة، عندما يريد أن يفرض عليها المزيد من الشروط، أو يمنعها من هوامش الحرية والاستقلال، مثلًا عندما تحاول تركيا أن تأخذ خيارًا معينًا، وعندما تحاول باكستان أن تأخذ خيارًا معينًا، يُعيد الضغط عليها، ويُحرّك فيها كل هذه اللعبة.

إذًا، نحن أمام هذه المعركة، وأمام هذا التحدي، والذي تأتي فيه أدوات إعلامية وسياسية واقتصادية، وفي مقدمتها سعر الدولار، الذي يتأثر به كل شيء: أسعار البضائع، الأسواق، التجارة، الزراعة، الصناعة، الوضع المعنوي والنفسي في البلد، هذا كله جزء من اللعبة، طبعًا يُساعد الأميركي في مؤامرته وفي خطته هذه،

في أي بلد، وجود فساد وفاسدين، وخلل، ومشاكل داخلية حقيقية، ووجود أخطاء في الإدارة، ووجود قصور وتقصير في تحمل المسؤوليات، هذه كلها يتم استغلالها. ولكن العامل الأصلي الذي سيقلب البلد رأسًا على عقب، والذي سيأخذه بمسار مختلف، ويأخذه بالكامل عند الأميركيين وعند مشروع الأميركيين في المنطقة، هو إفساد عقول الناس.

في آخر هذه النقطة، عندما نعود إلى السيد عباس وعزمه وإرادته، إلى الشيخ راغب وموقفه الثابت الذي يعتبره سلاحاً، إلى الحاج عماد مغنية، الروح التي تقاتل، القلب الذي لا تجد فيه مكاناً للخوف ولا لليأس، عندما نعود إلى قادتنا الشهداء، وإلى كل هذه التجربة الطويلة.

نقول أيضاً في مواجهة هذا التحدي: يجب أن نتحمّل المسؤولية، ويجب أن نبادر ونُخطط ونُفكر ونتعاون، ويجب أن نُسقط مشروع الفوضى، ونُسقط مشروع الهيمنة، ومشروع العبث بعقول شعبنا وشعوب المنطقة، للسيطرة على هذه العقول، وعلى هذه البلدان، وعلى خيراتها، هذه معركتنا الحالية، التي ما زلنا نخوضها بشجاعة، حتى منذ عام 2019، بالرغم من كل الاتهامات، وسأعود إلى هذا في الخاتمة عندما أعود وأتكلم عن الوضع الداخلي.

المحور الثالث: الزلزال وتبعاته في سوريا وتركيا

الزلزال اختبار لضمير العالم

أهم حدث في منطقتنا في هذين الأسبوعين هو الزلزال الذي حصل في جنوب تركيا وشمال سوريا. نُجدد اليوم، نحن الحاضرون هنا جميعاً، تعازينا للقيادتين السورية والتركية وللحكومتين وللشعبين العزيزين، الشعب السوري والشعب التركي، ولكل عائلات الضحايا المفجوعة.

ونسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة لهم جميعاً، أن يرحمهم وأن يشملهم بحنانه وعطفه، وأن يُعوضهم في دارهم. ونسأل الله سبحانه وتعالى الشفاء لجميع المصابين والجرحى، للمصابين جسدياً والمصابين نفسياً، والفرج لكل الذين أُخرجوا من ديارهم، وأصبحوا في الشوارع والطرقات، نحن أمام مأساة إنسانية عظيمة نعيشها في منطقتنا وعن قرب.

وما حصل هو اختبار لإنسانية كل شخص، وكل جهة ودولة ومؤسسة وجمعية أمام هذه المشاهد المؤلمة والمحزنة. الناس الطبيعيون يتصرفون بإنسانية، ويضعون الصراعات والخصومات السياسية جانباً، ويؤجلون حتى معاركهم مهما كانت مهمة ومصيرية. تُصبح الأولوية بالمنطق الإنساني والأخلاقي، تصبح الأولوية هي المُسارعة إلى إنقاذ من هم تحت الأنقاض، عسى أن تتمكن فرق الإنقاذ من إخراجهم أحياء، كما حصل، تم إنقاذ الآلاف من تحت الأنقاض في البلدين.

الأولوية هي لمعالجة الجرحى قبل أن تتفاعل جراحهم ويفقدوا حياتهم، الأولوية لإحتضان الناجين وإيوائهم، الأولوية هي لإخراج أجساد الضحايا من تحت الأنقاض وإعادتها إلى عائلاتهم وأعزائهم وأحبائهم، هذا كله نعرفه بالمنطق الإنساني. لاحقاً هناك مسؤوليات إعادة الإعمار وحل دائم لهؤلاء الذين تضرروا وهم بمئات الآلاف أو الملايين. كل من تابع وشاهد ولم يتألم ولم يعتصر قلبه يجب أن يُراجع إنسانيته بينه وبين نفسه، كائناً من كان. هذا اختبار وفحص دم لإنسانية كل واحد منا. يجب أن يُراجع مستواه الأخلاقي وضميره.

في هذا الامتحان، أيها الأخوة والأخوات، سقطت الإدارة الأميركية مجدداً، كشفت مجدداً عن وجهها وحقيقتها الإجرامية والمتوحشة، وكذلك من هم مثلها في هذا العالم. 8 أو 9 أيام صبرت الحكومة الأميركية لتقول بعدها إن تقديم المساعدات لسوريا لا يتنافى مع قانون قيصر. بعضهم قال ذلك، وبعضهم قالوا: سمحنا وعملنا استثناء لمدة، مثلاً، 3 أشهر.

حسناً، خلال 9 أيام، من يخرج حياً من الأنقاض إلا ما هو بمثابة المعجزة؟ اليوم العالم يتعاطى مع الذين تم إنقاذهم في اليوم السابع والثامن والتاسع واليوم على أنها معجزة إلهية وكرامة إلهية، رحمة إلهية واسعة. هم تركوا الناس تموت 8 و9 أيام، ويمكن نتيجة التنديد والصراخ الذي حصل في العالم شعروا قليلاً بالحرج وأقدموا على هذه الخطوة المؤقتة.

خلال هذه الأيام، فقد الكثيرون حياتهم بسبب ضعف قدرات الإنقاذ وضعف المستشفيات بسبب الحصار في سوريا وفي قانون قيصر، هنا أتحدث بالتحديد عن سوريا. في هذا الامتحان الإنساني أيضاً شاهدنا التمييز والازدواجية بين التعاطي العالمي مع تركيا والتعاطي العالمي مع سوريا.

بالتأكيد نحن نتمنى أن يتعاطى العالم بما هو أفضل مع تركيا، لكن ما كنا نتطلع إليه هو أن يتعاطى العالم بمساواة وبعدالة أيضاً مع سوريا، مع أن المصابين الذين هم جرحى أو الذين هم تحت الأنقاض أو الذين خسروا كل شيء في حياتهم على طرفي الحدود هم من بني آدم، وهم من بني البشر، وهم إنسان.

لكن شاهدنا بوضوح وما زلنا نشهده اليوم بوضوح كيف تصرف المجتمع الدولي والكثير من دول العالم والكثير من الإعلام في العالم تجاه الضحايا على الأراضي التركية وتجاه الضحايا على الأراضي السورية. هذا أيضاً سقوط إنساني مروع في هذا الامتحان الكبير.

ليس غريباً على الحكومات الأميركية المتعاقبة، التي هي بالحد الأدنى في هذه الثلاثين سنة، شنت حروباً. يوجد دراسات ومواقع التواصل وتنقل عن مراكز دراسات ووسائل إعلام، يوجد من يتكلم عن 5 ملايين و6 ملايين إنسان هم ضحايا الحروب الأميركية من زمن بوش الأب وبوش الابن وكلينتون وأوباما وترامب إلى الوضع الحالي. 6 أو 7 ملايين هنا في منطقتنا.

أنا لا أتكلم عن ما قبل ثلاثين سنة، ولا أتكلم عن حروب عالمية ولا عن ما حصل في أماكن أخرى، نحن هنا في منطقتنا، من أفغانستان إلى هنا. هنا نتكلم عن المسؤولية الأميركية المباشرة، السلاح الأميركي والجيش الأميركي بالمباشر. لا نتكلم عن غير المباشر في فلسطين أو اليمن أو غيرها. ومع ذلك هم دعاة الإنسانية وهم دعاة الديمقراطية وهم المدافعون عن حقوق البشر وحقوق الإنسان. وأما المقاومون الشرفاء في كل بلدان العالم، هم الإرهابيون، الذين يجب وضع استراتيجيات وعقد تحالفات وائتلافات من أجل القضاء عليهم.

الزلزال عبرة وذكرى عن هشاشة الحياة والمصير

نحن هنا مجددًا نُعبّر عن حزننا وألمنا لما أصاب إخواننا وأخواتنا السوريين والأتراك، وأيضًا بسبب تواجد من جنسيات أخرى، هناك أعزاء فلسطينيون فُقدوا، وأعزاء لبنانيون فُقدوا، وأتباع جنسيات متعددة، نحن ندعو المصابين إلى الصبر والاحتساب والتوكل على الله وعدم اليأس، ليكون لهم أجرهم، وليكون الله تعالى في عونهم، ندعو الجميع إلى مساعدتهم، وعدم الاكتفاء في المرحلة الحالية، بل من أجل العودة إلى حياتهم الطبيعية.

وهذا هو الاستحقاق الأصعب والأخطر الذي سيواجه الحكومتين التركية والسورية، وخصوصًا السورية المتروكة بسبب الازدواجية الإنسانية في العالم. يجب أن نتوجه بالشكر إلى كل الدول العربية والإسلامية والصديقة التي مدّت يد العون لسوريا، في لبنان، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة والحياتية الصعبة، جهات وعائلات وعشائر وجمعيات وأحزاب وحركات، حتى المخيمات الفلسطينية التي تعيش أوضاعًا أصعب من بقية المدن والقرى اللبنانية، أيضًا كان لها مساهمتها.

أشكر كل الذين لبّوا دعوة حزب الله وتبرعوا بمختلف الإمكانات والتي كانت إمكانيات جيدة، القافلة الأولى ذهبت قبل أيام إلى اللاذقية، القافلة الثانية ستمشي خلال يومين إن شاء الله إلى حلب، وقافلة ثالثة إلى حماه، وسنرى فيما بعد كيف يجب أن نُواصل العمل.

هذا ملف، في نهاية المطاف، خصوصًا فيما يعني سوريا والوقوف إلى جانبها ومساعدتها، يوجد شيء يتعلق بالحكومة اللبنانية أعود إليه بعد قليل، يجب أن يبقى ملفًا حيًا ومتواصلًا، لأن الاستحقاق والتحدي كبير جدًا، أمام السوريين وأمام الشعب السوري والقيادة والحكومة في سوريا، لكن أريد أن أتكلم قليلًا عن الجانب اللبناني، أما هول الزلزال الذي رأيناه، والهزة التي شعرنا بها جميعًا، كل الشعب اللبناني وكل المقيمين على الأراضي اللبنانية من فلسطينيين وسوريين وغيرهم، الهزة التي حصلت وهزّت بنا في كل الأبنية.

هنا أود أن أشير إلى بعض النقاط، أولًا، في تلك الثواني القليلة عندما اهتزّت بنا البنايات والمنازل، شعر كل واحد منا بضعفه وعجزه، أذكر ذلك لنأخذ العبرة، ماذا يستطيع أن يفعل؟ لا شيء، إما أن يحتمي أو أن يهرب، كنا جميعًا بين يدي رحمة الله سبحانه وتعالى، يفعل بنا ما يشاء، وهو الذي يفعل ما يشاء دائمًا، في تلك اللحظة الجميع تساوى، الغني والفقير والكبير والصغير والقوي والضعيف، الزعيم والمزعوم، هذا يجب أن يُنبهنا إلى حقيقتنا وأن يعيدنا إلى أنفسنا فلا نغتر، ولا نتكبر، ولا نشعر بالاستغناء عن الله وعونه وفضله ورحمته وحراسته وحمايته ودفعه للبلاء.

كل واحد شعر منا، أنا هنا أتكلم مع اللبنانيين والمقيمين في لبنان لأن الهزة، ولكن طبعًا كل الذين عاشوا الزلزال، هذا يجب أن يكون لديهم حاضرًا أكثر، كل واحد منا شعر أن بينه وبين الموت لحظات، فقط أن تشتد الهزة قليلًا، أن أخونا ريختر يصعد قليلًا، فقط، أليس كذلك؟ هل هناك شيء آخر؟

هذا يجب أن يذكرنا دائمًا بأننا معرضون دائمًا للموت في أي لحظة، الموت الذي يأتي فجأة وبلا مقدمات، كالهزة عندنا في لبنان والزلزال في تركيا وفي سوريا، يجب أن يذكرنا دائمًا أن دنيانا فانية، وعندما نخرج منها سنخرج كما وُلدنا، لا شيء، لا مال ولا ألقاب ولا نجوم على الأكتاف ولا مكاسب دنيوية، نحن وإيماننا وعملنا الصالح، كل هذا الرعب والخوف لدى كل شعوب منطقتنا وعندنا أيضًا في لبنان أمام زلزالٍ محدود في منطقة محدودة من الكرة الأرضية، يجب أن يُذكرنا بيوم القيامة، يجب أن يذكرنا بزلزلة الساعة الآتية في يوم القيامة.

الله سبحانه وتعالى يُحذرنا من ذلك اليوم ويقول بسم الله الرحمن الرحيم “يا أيها الناس اتقوا ربكم”، هذا خطاب لنا جميعًا، في كل لحظة وفي كل ساعة، “يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم”، هذه الهزة وهذا الزلزال لا شيء،

هذا أمر بسيط جدًا ومتواضع جدًا أمام تلك الزلزلة، “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى”، نحن رأينا شيئًا منه، يضيج العالم ويضيعون ويفقدون وعيهم وصوابهم ولا يعرفون ما يفعلون، نحن نتكلم عن هزة بسيطة، “وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ”، يجب أن نعرف، كل الأحياء الموجودين الآن، يجب أن نعرف أننا أُعطينا عمرًا جديدًا، فكيف نتصرف بهذا العمر الجديد لآخرتنا ودنيانا.

استعداد لبنان لمواجهة احتمالات الزلزال

في جهة العمل، يُؤسفني أن أقول إنه يوجد تحدي جديد حصل أمام لبنان، دولةً وشعباً. تحدي جديد، في الحد الأدنى نحن خلال الستين سنة الماضية لم نكن كلبنانيين نشعر أنه لدينا هذا التحدي وهذا الملف وهذا الاستحقاق، الذي اسمه احتمال الزلزال. فلا يخرج أي أحد غداً ويقول إن السيد يقول سيحدث زلزال في لبنان.

أنا لم أقل شيئاً، لكن الاحتمال لا ينفيه عاقل. طبعاً كل العلم والعلماء والخبراء يقولون إنه لا يستطيع أحد أن يقول نعم أو لا، ولا يستطيع أحد أن يُوقت، لا زمن الزلزال ولا مكان الزلزال، ولا حجمه، وكل ما يُحكى هو تنبؤات وتوقعات وتحليلات وتخيلات، لكن هذا احتمال قائم، في المنطقة بناءً على كل ما يتكلم به العلماء والخبراء عن الفوالق والصدوع. نحن هنا نتعلم أموراً جديدة، نحن أمام احتمال يجب أن نحتاط له. إن شاء الله لا يحصل، لا سمح الله يجب أن نعمل حتى لا يحصل.

هل يوجد شيء يمكننا أن نفعله حتى لا يحصل؟ نعم يوجد ما يمكننا أن نفعله، الدعاء، الصدقة، إغاثة الملهوف، الإحسان إلى الأيتام، أعمال الخير. أكيد، تدفع البلاء أو تخفف البلاء، وآخر الخط تُعين على البلاء. يوجد ما يمكننا أن نفعله، ولكن يوجد شيء يجب أن نقوم به نتيجة هذا الاحتمال.

الدولة مسؤولة، القوى السياسية، المؤسسات، الجمعيات الأهلية، الناس جميعاً، نحن معنيون جميعاً أنه، أجل، في لبنان لأول مرة الناس تجتمع لتضع خطة، وهذه من أهم مسؤوليات الحكومات ولو كانت حكومة تصريف أعمال، لأنه إذا كنا نريد أن نتكلم بالأمور الضرورية والفورية، هذه تأتي على رأسها.

لا سمح الله لو كانت الهزة أعنف، لا سمح الله لو جاء في الأيام القادمة زلزال في لبنان، ماذا؟ هل الدولة ومؤسسات الدولة ووزارات الدولة مؤهلة؟ أو سيقضي كثير من الناس تحت الأنقاض؟ هل هي مؤهلة لإنقاذ الناس تحت الأنقاض؟ هل هي مؤهلة لشفاء الجرحى؟ هل هي مؤهلة لإيواء الذين أُخرجوا من بيوتهم وديارهم؟ هل هي مؤهلة؟ هل الناس مؤهلين ومثقفين على كيفية التعاطي مع تحدي من هذا النوع؟

بكل بساطة، للأسف، كلا، لأن هذا لم يكن من ابتلاءات الشعب اللبناني. نعم، في تركيا يوجد زلازل، وفي إيران يوجد زلازل، وفي اليابان يوجد زلازل، وفي إندونيسيا أيضاً، في لبنان مرّت علينا هزة منذ عدة عقود، لكن بالحد الأدنى نحن الآن الجيل الحالي والأجيال الحالية بوعينا لا يوجد زلازل، لكن أصبحنا أمام هذا الاحتمال. نعم، أمام هذا الاحتمال. أنا أدعو الدولة اللبنانية، وحتى حكومة تصريف الأعمال، أن تضع خطة لمواجهة كارثة من هذا النوع وتحضر، رغم كل الصعوبات الموجودة في البلد.

إمكانيات متواضعة أفضل من لا شيء، يجب أن نضع خطة، أن تضع الدولة خطة، القوى السياسية والمؤسسات. يوجد شيء كبير له علاقة بموضوع الأبنية والبناء. اليوم في الدول التي يحصل فيها زلازل، اليوم مثلاً الملف المفتوح في تركيا، هو الفساد في أعمال شركات المقاولات والبناء. كثير من الأبنية الجديدة التي هدمت، يتكلمون عن نوع الحديد والتراب وبمخالفات قوانين البناء وشروط السلامة وضعف المراقبة، وبدأوا بالاعتقالات وأصبح الموضوع سجالاً سياسياً اليوم.

يستطيع لبنان بالرغم من الإمكانيات المتواضعة، أي بلد يستطيع أن يضع خطة ليقلل الخسائر البشرية والمادية، قطعاً يمكن من خلال خطة واعية وجهوزية حقيقية التقليل من الخسائر البشرية، خطة توعية للناس، كيف يتصرفون؟ هناك أسئلة كثيرة تُطرح حتى في مواقع التواصل، إذا كنا في السيارة وحصل زلزال أو هزة ماذا نفعل؟ إذا كنا في البيت؟ إذا نحن في الطابق التاسع أو العاشر ماذا نفعل؟ هذا كله يحتاج إلى عمل، إلى توعية، يحتاج إلى جهد يومي، المدارس، وسائل الإعلام، المساجد، الكنائس، أهل الفكر، أطباء، جماعة الدفاع المدني.

على كل حال، أدعو إلى خطة كاملة وشاملة – لن أضع خطة في الخطاب – لكن أنا أعتقد أن هناك شيء مستعجل يجب أن تُبادر الدولة والبلديات عليه وهو الأبنية المتصدّعة. إذا تصدّعت نتيجة الهزة أو نتيجة ظروف سابقة، أنا لا أخفي عليكم، وليس من باب المجاملة، عندما توقفت الهزة أول شيء خطر ببالي وحضر بذهني طرابلس – لم نكن نعرف لا تركيا ولا سوريا، كنت أظن أنه فقط في لبنان – لأنه مسبوق في ذهني أن هناك أبنية وقعت. فأول شيء أنا اتصلت بالإخوان وقلت لهم استعلموا عن طرابلس إن حصل هناك شيء أو أبنية وقعت حتى نرى إن كنا نستطيع مساعدتهم بشيء.

إذن، في ملف الأبنية المتصدّعة، لا أتحدث عن كل الأبنية، أن هذه الأبنية مناسبة للزلازل. لا أعتقد أنه في لبنان هناك أبنية مناسبة للزلازل، قليل. وطبعاً هذا بحاجة إلى إعادة نظر حتى في القوانين التي لها علاقة بالبناء والتي لها علاقة بالتشدد في تطبيق القوانين من البلديات ومن الوزارات المعنية.

لكن بالحد الأدنى، الأبنية المتصدّعة التي فيها عشرات العائلات، آلاف العائلات، يمكن أن لا نحتاج إلى زلزال، هزة أقوى بقليل فتقع هذه الأبنية ونخسر أعداداً كبيرة من العائلات، مسؤولية الدولة، نحن كلنا يجب أن نساعد، القوى السياسية يجب أن تساعد، الناس يجب أن يساعدوا. كلفة المعالجة الآن أقل من كلفة المعالجة بعد حصول المصيبة. كلفة المعالجة الآن مالية، أما الكلفة بعد ذلك هي في البشر، في الإنسان، في الأرواح، وهذا أغلى شيء يجب أن يكون عندنا.

دور لبنان في دعم سوريا وتحديات الحصار الأمريكي

ما قامت به الحكومة اللبنانية تجاه سوريا من إرسال وفد رسمي هو أمر ممتاز جدًا، فتح المطار والمرافئ، التواصل مع الوزارات، إرسال بعثات المساعدة في رفع الأنقاض، هذا أمر مهم جدًا والدولة والحكومة مشكورة عليه. البعض للأسف الشديد قال، يعني بعض القوى السياسية وبعض وسائل الإعلام، قالوا إن الحكومة فعلت ذلك بضغط من حزب الله، عادة هم يقولون في كل شيء الثنائي الشيعي إلا في هذه قالوا الضغط من حزب الله، نحن نحب أن تكون حركة أمل معنا.

قالوا صار هناك ضغط من حزب الله على الحكومة، هذا كلام فارغ، الكل تصرف بمسؤولية، لم يضغط أحد على أحد، رئيس الحكومة، الوزراء، الجهات المعنية في الوزارات، القوى السياسية، الدفاع المدني، الكشاف، الجيش، كل الناس تصرفت بمسؤولية ولم يضغط أحد على أحد في هذا الموضوع.

المطلوب أن يستمر لبنان في هذا الموقف، يجب أن يستمر لبنان ليكون جزءًا من الجهد العربي والإسلامي، الرسمي والشعبي، لكسر الحصار الظالم على سوريا، وبكسر الحصار على سوريا تستفيد، والمستفيد الأول بعد سوريا هو لبنان، بلا نقاش، بلا تردد، مثلما يقول إخواننا السوريون قولًا واحدًا، المستفيد الأول بعد سوريا من كسر الحصار وإسقاط قيصر هو لبنان، الدولة والشعب في لبنان. الآن كل حجتهم في موضوع الغاز المصري والكهرباء الأردنية ماذا؟ قيصر، هذه حجتهم، وإن كان هذا كذبًا، لأنه تبين أن البنك الدولي لم يضعه في البرنامج ولم يضعه في الموازنة ويمكن لم يتحدث أحد معه في الموضوع والله العالم.

المحور الرابع: الوضع الفلسطيني

في موضوع كيان العدو وفلسطين والمقاومة الصاعدة في فلسطين نتحدث بكلمتين، لأن هذا له صلة عميقة بالسيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد وطبيعة مناسبتنا.

التحديات الداخلية في كيان العدو واحتمالات الانفجار

الوضع في كيان العدو – بكلمة مختصرة – هو غير مسبوق، على المستوى الداخلي وفي البيئة الاستراتيجية، غير مسبوق والحكومة الحمقاء الحالية تدفع الأمور في اتجاه صدامين كبيرين، الصدام الأول داخلي إسرائيلي، والصدام الثاني فلسطيني وقد يمتد في المنطقة.

في الصدام الأول، ولأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني منذ قيامه المشؤوم نسمع الحديث من رئيس الكيان، رؤساء وزراء سابقين، لابيد، بنيت، أولمرت، إيهود باراك… ووزراء دفاع سابقين، يعني وزراء حرب، رؤساء أركان سابقين، جنرالات كبار سابقين، مئة مؤرخ صهيوني، نخبة أناس هذا الكيان، ما هي الأدبيات التي يتحدثون بها اليوم؟ حديث عن قرب الحرب الأهلية، كانوا قبل عدة أشهر يتحدثون عن احتمال حرب أهلية، الآن يقولون قريبًا. يتحدثون عن سفك الدماء وأنه ليس هنالك حلًّا للتحديات الجديدة من قبل حكومة نتنياهو إلا بسفك الدماء، منذ عدة أيام قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق هدد بقتل نتنياهو، الآن وضعوه في السجن. حديث عن قرب الانفجار، من يقول ذلك؟

رئيس الكيان وليس صحافيًا إسرائيليًا ليقول لي أحد أنت يا سيد تستشهد بصحفي إسرائيلي، رئيس الكيان، الآن أقرأ لكم النص وأكتفي به، حديث عن انفجار كبير وقريب. لأول مرة في تاريخ الكيان بدأت تتشكل منظمات للمغادرة، لنغادر معًا، لنعود إلى الأماكن التي جئنا منها وخصوصًا البعض يدفع باتجاه الهجرة المعاكسة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

الكل اليوم يتحدث عن عقدة الثمانين عامًا، وأنه بتاريخهم كان لديهم دولتين لم يُكملوا الثمانين سنة وهم قلقون أن لا تكمل هذه الدولة الثمانين سنة. الحديث عن صعوبة الحوار الداخلي، عن عدم إمكانية التفاهم الداخلي، عندنا هنا ما زال الناس يتحدثون قليلًا مع بعضهم، هناك مُقفلة نهائيًا.

أكتفي فقط بنص واحد، وأنا أدعو الجميع إلى الاهتمام بهذا الملف، بهذه القضية. يقول رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، يقول: “كلنا قلقون على دولة إسرائيل، نحن جميعًا ملتزمون اتجاهها، غياب الحوار يُمزّقنا من الداخل، وأقول لكم بوضوح إن برميل المتفجرات هذا على وشك الانفجار، هذا وقت طارئ والمسؤولية تقع على عاتقنا، أرى أمام عيني الانقسامات في داخلنا والتي تزداد عمقًا، ولا يسعني إلا أن أتذكر أنه مرتين في التاريخ خلال عهدي مملكة بيت داوود والحشمونيين نشأت دولة يهودية في أرض إسرائيل وانهارت مرتين قبل أن تبلغ الثمانين من عمرها”، طبعًا هذه الأدبيات كثر يتحدثون بها، وهذا ورد أيضًا كما قلت في رسالة مفتوحة لمئة مؤرخ إسرائيلي وجهوها لنتنياهو.

إذًا هذا بالملف الداخلي، ولا يوم الكيان كان في داخله بهذا المستوى، الثقة بالجيش، الثقة بالقيادة السياسية، الثقة بالقضاء، الهروب من الجيش، الهروب من القوات المقاتلة، إلى آخره… هذا الذي أسميناه في خطابات سابقة “قلق الوجود”، هذا مهم جدًا، هذا الذئب الذي يجلس على حدودنا ورابض على أرض فلسطين وأكبر تهديد في المنطقة، أكبر سبب لاختلال الأمن والسلم والاستقرار في منطقتنا، إن شاء الله لا يُكمل الثمانين سنة.

كيان العدو يصعد المواجهة مع الشعب الفلسطيني

التصعيد في مواجهة الشعب الفلسطيني الذي يرد بقوة والذي يجب أن نقف له جميعًا بإجلال وباحترام وخصوصًا أمام هذا الجيل الشاب، كنا نتحدث بعمر العشرين والتسعة عشر والثمانية عشر، الآن يجب أن نتحدث بعمر الثلاثة عشر والأربعة عشر، الذي يطلق النار ويضرب السكين ويواجه بصدر مفتوح في القدس وفي الضفة الغربية، والمقاومة الصامدة والمتربصة في قطاع غزة، والشعب الفلسطيني الذي سوف يكشف أكثر وأكثر من يوم سيف القدس بأراضي 48.

اليوم نحن أمام مقاومة فلسطينية حقيقية، أمام انتفاضة فلسطينية حقيقية، وأمام عمليات يعترف كل قادة العدو، السياسيون والعسكريون والأمنيون أنهم في مأزق، رغم أنه نتحدث عن عمليات فردية، ولكن أهمية هذه العمليات الفردية أنها محتضنة من قبل الشعب الفلسطيني، كل استطلاعات الرأي العام، كل المظاهرات وتشييع الشهداء، كل المواقف المعلنة، تُعبّر عن مستوى التأييد الشعبي والجماهير العالية جدًا لهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم وخرجوا إلى الله مقاتلين، مجاهدين، استشهاديين، يذلون العدو، يسيئون وجهه ويصنعون البسمة على وجوه عوائل الشهداء.

كما شاهدنا أمهات شهداء جنين عندما استشهدوا التسعة بعد تنفيذ العملية في مستوطنة النبي يعقوب في القدس، شاهدنا – وهم قبل يوم قد شيعوا أولادهم – البشر والبسمة والضحكة في وجوههم، من يصنعها؟

هؤلاء الأبطال، هؤلاء الاستشهاديون. هذه الحكومة الغبية والحمقاء لا تدفع الأمور فقط باتجاه التصعيد داخل فلسطين، قد تدفع بحماقتها باتجاه التصعيد في كل المنطقة، هذا احتمال قوي واحتمال وارد، وخصوصًا إذا ما تمّ المس بالمسجد الأقصى، هذا ملف يجب أن يُتابع من موقع المسؤولية والتبني والدعم والحضور والوقوف بكل الإمكانات المتاحة إلى جانب شعبنا الفلسطيني.

المحور الخامس: الوضع الداخلي اللبناني

الملف الرئاسي والحاجة للتفاهم الداخلي

الملف الأخير ملفنا الداخلي، في الموضوع الرئاسي لا جديد في الملف الرئاسي، الكل انتظر اللقاء الخماسي في باريس، كلكم عشتم صورة النتائج، وأنهم لم يُصدروا بيانًا لأن نقاشاتهم ما زالت مفتوحة، وجاءوا وحمّلوا اللبنانيين المسؤولية، وهذا صحيح، لأن اللبنانيين هم الذين يتحملون المسؤولية، ومن أول يوم إلى اليوم وسنبقى ننادي أن هذا استحقاق داخلي والدنيا لا تستطيع أن تفرض رئيسًا على الشعب اللبناني ولا على القوى السياسية اللبنانية.

الخيار الحقيقي هو التفاهم الداخلي واستمرار الجهد، يعني مرة نقول إن الأفق مسدود والأمور صعبة ولا أحد لديه 65 وكل شخص يذهب إلى بيته، هذا خطأ، يجب أن يستمر الجهد والبحث عن حلول وآفاق وتفاهم واتفاق، ويجب أن يستمر الجهد ليكون للبنان رئيسًا للجمهورية في أسرع وقت ممكن.

أسباب الوضع الاقتصادي

الهمّ الطاغي على اللبنانيين جميعًا وأظن على كل المقيمين في لبنان هو الهم الاقتصادي والمعيشي، زاد الأمر سوءًا في الآونة الأخيرة والأسابيع الأخيرة الارتفاع المتفلت لسعر الدولار وما لحقه من ارتفاع في كل الأسعار واضطراب في الأسواق، في كل الأسواق، المحروقات، الدواء، الطعام، الشرب، المواد الغذائية، كل شيء.

ملف الإضرابات، التي هي إضرابات مُحقّة، مطالب الأساتذة والمعلمين والنقابيين والموظفين في القطاع العام، كُلنا نُدرك أنه نعم المعاش اليوم مليون ومليونين وثلاثة مليون وأربعة مليون وخمسة مليون ماذا يفعلون؟! وبالتالي هم يعبرون عن وجعهم وآلامهم. هذا الوضع كله لا يوجد شك أنه يشغل باب اللبنانيين جميعًا.

مرة نجلس ونقرأ تعزية، ومرة نجلس ونُوصّف فقط، يعني كما يقولون نُلقي شعر رثاءٍ، أن الوضع هكذا للأسف ونذرف الدموع وكذا… ومرة لا نبحث عن الحلول والعلاج. اسمحوا لي أن أعيد كلامًا ليس جديدًا على أسماعكم ولكن أُطالب به بجدية أعلى.

هذا الذي يحصل عندنا في لبنان صحيح للفساد علاقة والوضع السياسي والوضع الداخلي والخصومات والنكد السياسي، الصراعات الطائفية، الحسابات الطائفية، الحسابات الشخصية، هذا كله له علاقة، جشع التجار، هذا كله له علاقة، لكن هذه عوامل مساعدة الآن، كل هذا كان موجودًا قبل عام 2019 وكان البلد مستقرًا نسبيًا، لماذا بعد عام 2019 هذا كله ذهب باتجاه الانهيار؟ لأن هناك أحدًا أخذ قرارًا باستراتيجيته الجديدة (القائمة على إفساد عقول الناس).

لبنان يعيش اليوم تحت ضغوط أميركية كبيرة، طبعًا هم لم يفرضوا قانون قيصر من أجل لبنان، لا يحتاجون أصلًا لفرض قانون قيصر، مثلما تحدثنا سابقًا يكفي أن يقولوا لبعض الدول التي لديها ودائع في لبنان فلتسحب ودائعها، يا عمي ليس ودائع الدول، ودائع اللبنانيين سحبوها، أهذا كان عشوائيًا؟ أكان بالصدفة؟ كل الذين أخرجوا أموالهم وودائعهم أو البنوك لم يكن له مدير، مدبر ومخطط وموجه؟

حسنًا، سحب الودائع من لبنان، منع المساعدات عن لبنان، منع الاستثمار في لبنان، لم يعد هناك اقتصاد، ونحن بالأصل عندنا القطاع الصناعي والقطاع الزراعي في الأرض، انتهى الموضوع، أصبح لعبة مثل موضوع الدولار والليرة يأكل الشخص من لحمه، لا يوجد شيء. ويأتي وقت وكنّا دائمًا نُحذر وغيرنا يُحذر أنه سيأتي وقت يمكن الاحتياط في البنك المركزي ينفذ، الآن يقولون إن الليرة اللبنانية فقدت 95% من قيمتها، يمكن أن يأتي وقت لا تعد لها قيمة. ماذا نفعل؟ أنبقى ننتظر الأميركي؟ الأميركي لن يرضى.

أنا دائمًا كنت أتساءل مثلًا الآن في الملف النووي – من عدة أيام كان نائب وزير الخارجية الإيراني الأخ باقري هنا وجلس مع كثير من اللبنانيين وإن شاء الله يكونوا اقتنعوا بأن الملف النووي الإيراني ليس له علاقة بأي شيء آخر، لأنه هو الذي يفاوض – على كلٍ، واحدة من الأسباب أن الأميركي أرسلوا ألف رسالة للإيرانيين، فلنجلس وجهًا لوجه ونتفاهم، لا نحتاج للأوروبيين ولا للخمسة زائد واحد ولا للعماني ولا للقطري، لا نحتاج للوسطاء، إيران لم تقبل الجلوس وجهًا لوجه، دائمًا كنت أتساءل عن الحكمة، أتعرفون ما الحكمة؟

أنه إذا جلسنا وجهًا لوجه الضغط سيكون أكبر والمطالب ستزداد، سماحة القائد عنده تعبير يقول “حدٌ يقفون عنده” ليس للأميركيين حدٌ يقفون عنده بالمطالب، عندما تقول ألف سيستمرون بالمطالب باء، تاء، جيم، حاء… وبعد ذلك تُحصّل شيئًا أو لا تُحصّل شيئًا!! شاهدوا الدول الصديقة والتي استسلمت. إذا كنتم تنتظرون الأميركي طبعًا البلد سيذهب إلى الانهيار وإلى أوضاع صعبة وإلى أوضاع قاسية وسأعلق عليها بكلمتين لاحقًا.

الحل الاقتصادي استثمارات بديلة وإحياء القطاعات الحيوية

سيقول أحد: “هذا كلام ثوري، هذا كلام انقلابي”، لكن هذا هو الواقع، مثلما عندما يكون هناك مرض عُضال وهذا دوائه، يُوجع، يُؤلم، لا يعجبك. بحث آخر، ما الحل؟ الحل أن تقوّي اقتصادك، وهذا لا يحتاج إلى عشرات السنين. كم سيعطيك صندوق النقد الدولي؟ 3 مليارات على أربع سنوات.

نحن السنة الماضية والتي قبلها قلنا لكم: “يا جماعة الخير، هذا الصيني حاضر أن يستثمر في لبنان بـ 12 مليار دولار وغير مطلوب منكم أن تدفعوا أي أموال. هو يستردها على مدى عشرين سنة أو ثلاثين سنة”. هذا الروسي حاضر أن يعمل مشاريع لها علاقة بمصافي النفط والمشتقات النفطية والبنزين والمازوت والفيول ويضع مليارين ونصف مليار أو ثلاث مليارات. هذه 15 مليار دولار، إذا دخل هذا المبلغ إلى البلد في سنة، ألا ينهض الاقتصاد؟

إذا تعاونا نحن كل اللبنانيين، حكومة وشعبًا، وأحيينا القطاع الزراعي، عندما تحدثت عن القطاع الزراعي بدأ الناس بالاستهزاء، مثلما استهزأوا من السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد وقيادات أمل وقيادات الأحزاب الوطنية عندما قالوا: “سنقاتل إسرائيل في العام 1982″، وأن العين تُقاوم المخرز؟! ما هذا الكلام الفارغ؟ أنتم ستقاتلون إسرائيل؟!

اليوم عندما تقرأ في وسائل التواصل، لا أعرف إن كان في السوق هكذا أو لا، لكن على التلفاز قالوا ذلك أيضًا: “أن كيلو البصل بـ 80 ألفًا”، يعني البصل أصبح شيئًا مهمًا. ألا نستطيع أن نزرع بصلًا؟ ألا نستطيع أن نزرع بطاطا؟ ألا نستطيع أن نزرع الذي نأكله؟ لأن هناك دولة كبرى تريد أن تموت شعبنا من الجوع.

إحياء القطاع الزراعي، إحياء القطاع الصناعي، أن نذهب بشكل جدي إلى موضوع النفط والغاز، وأن لا نقبل أي تسويف من قبل الشركات. أنا قرأت في هذين اليومين أن الإسرائيلي بدأ تصدير الغاز من كاريش.

إذا كان أحد يظن أنه إذا حصل تسويف في موضوع استخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية، ونكتشف حقيقةً أن هناك تسويفًا ولعبًا على اللبنانيين وأن هناك ضحكًا على اللحى، هل سنسمح بأن يستمر باستخراج النفط والغاز من كاريش؟ أنا أقول لكم أبدًا. هذا معناه: “إذا تريد أن تجوّعني، سأقتلك”. هناك أناس أخذوها أنه كلام انفعالي، لا، أنا فكرت جيدًا في الكلمة، هذا معناه: “إذا تريد تجويعنا، سنقتلك. نقتلك، لم يتغير شيء في منطقنا”.

ضرورة القرارات الحاسمة لحل أزمة النفط والغاز

في موضوع النفط والغاز، شدوا همّتكم. ثلاث سنوات، أربع سنوات، حسنًا، أصبح لنا ثلاث أو أربع سنوات في الدوامة من تشرين 2019. هذا باب فرج كبير. قرأت بعض التقارير أن بعض أجهزة المخابرات تقول: “إذا لم يحصل حل سياسي في لبنان وإصلاح، هذا النفط لا أدري ماذا سيحصل به، والغاز لا أدري من سيأخذه، وإلى آخره…” يعني هناك نوايا مسبقة للتسويف. أنا أحذر من التسويف، أحذر من التسويف.

هذا ماذا يحتاج؟ يحتاج إلى قرار جريء من الحكومة الحالية، من الحكومة الآتية. نقول للأميركي: “اعمل معروفًا، حل عنّا قليلًا”. وإذا كان لبنان له جرأة فليأتِ بالصيني وبالروسي، وليقبل بالمساعدات الإيرانية. الأميركي براغماتي، سيلف وسيعود، وسيجلس ويتحدث معك بالشروط، وسيخفف اندفاعك. لكن إذا بقينا مستسلمين، نحن في لبنان لم نحتاج إلى قانون قيصر ولا إلى قانون عقوبات للأسف الشديد.

الأمر المحزن جدًا يكفي أن ترفع السفيرة الأميركية الحالية أو الآتية حاجبيها بالرفض حتى ينتهي الأمر. هذا ما علاقته بالسيادة والقرار المستقل وبالوطنية وبالإنسانية وبالشخصية وبالرجولة وبالشهامة؟ أنا أقول أن المطلوب هو هذا الحل، وإلا سنعود إلى نفس الدوامة. اسحبوا من أموال البنك المركزي وأموال المودعين وضعوها في السوق لتنزل الليرة. هذه اللعبة ستنتهي، عاجلًا أم آجلًا ستنتهي. هل نقبل أن نذهب إلى الانهيار؟

اقرأ ايضاً : خطاب السيد حسن نصرالله بعد حادثة تفجير البيجر

التحذير من الفوضى والمخططات الأميركية في لبنان

كلمة أخيرة: إذا كان البعض يخطّط للفوضى، إذا كان الأميركي يخطّط للفوضى، إذا كان جماعة أميركا في لبنان يخططون للفوضى ولإنهيار البلد، أنا أقول لهم من الآن: أنتم ستخسرون، ستخسرون كل شيء في لبنان. وأنتم خططتم لشيء مشابه في الماضي وخسرتم، والآن ستخسرون. أقول بكل صدق وبكل صراحة: البيئة التي تريدون استهدافها من خلال الفوضى ومن خلال التشويه، صحيح هي بيئة تتألم، كلنا نتألم من هذا الواقع، لا أحد يستطيع أن يقول إنه لا يوجد ألم. البيئة تتألم نعم، وتعاني، وكل الشعب اللبناني يعاني.

ولكن من يراهن أن المعاناة والألم يمكن أن يدفع هذه البيئة إلى أن تتخلى عن خيارها، عن موقفها الذي هو سلاح، أن تصافح مصافحة اعتراف، أن تتخلى عن الوصية الأساس أمانة السيد عباس، أن تتخلى عن إنجازات دماء الحاج عماد مغنية، يعني أن تتخلى عن مقوّم أمنها وحمايتها وبقائها ووجودها وشرفها وسيادتها وكرامتها وصون عرضها ومالها وخيرات بلادها، هم واهمون.

إذا دفعتم لبنان إلى الفوضى، ستخسرون في لبنان وعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة. عندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي تؤلمنا، وهي ناسنا، سنمد أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم، وهي ربيبتكم إسرائيل. من يتصور أننا سنجلس ونتفرج على انهيار وفوضى ومنع الحلول دون أن نحرك ساكنًا، هو واهم.

انظروا، نحن في موضوع الحدود البحرية والنفط والغاز كنا جاهزين جديًا، والعدو أدرك هذا بجدية أن نذهب إلى خيار الحرب. واليوم أقول في ذكرى قادتنا الشهداء الذين نتعلم من إيمانهم وثقتهم وتوكلهم وعزمهم وإخلاصهم وشجاعتهم وثباتهم: من يريد أن يدفع لبنان إلى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منا ما لا يخطر له في بال أو وهم. وإن غدًا لناظره قريب.

الرحمة وعلوّ الدرجات لكل الشهداء وللقادة الشهداء، والشكر لكم جميعًا على حضوركم، والشكر لكل هذا الجمهور وهذه البيئة المخلصة والصادقة والصابرة والصامدة والمنتصرة، والتي ستبقى منتصرة إن شاء الله في مسيرة انتصار الدم على السيف. عظم الله أجركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى