خطابات

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله خلال جائزة الشهيد سليماني العالمية للأدب المقاوم




كلمة الشهید السيد حسن نصرالله خلال جائزة الشهيد سليماني العالمية للأدب المقاوم

كلمة الشهید السيد حسن نصرالله خلال جائزة الشهيد سليماني


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.

في كلمتي قسمان، قسم يتعلق بالمناسبة، والقسم الآخر قد لا يلتقي مع المناسبة كثيرًا، ولكن لا بد من التوقف عند نقطتين لبنانيتين تتعلقان بالوضع اللبناني، في مسألة انتخابات الرئاسة، وفي مسألة الكهرباء وجلسة الحكومة يوم غد، طبعًا أنا لن أطيل لأن طبيعة المناسبة لا تتحمل مطولات، وأنا عادة عندما أخطب أطيل، أختصر قدر الإمكان إن شاء الله.

المحور الأول: الشهيد الملهم قاسم سليماني

تكريم الشهداء في الإسلام من شهداء بدر إلى القادة الشهداء

ما نعرفه أن عادة الشعوب والأمم تحترم شهداءها وتنظر إلى شهدائها بعين التقدير، هذا الأمر نجده بدرجة أعلى في الأديان السماوية، ولكننا نجده بشكل مميز أكثر في الإسلام.

عندما نعود إلى آيات القرآن الكريم، إلى أحاديث رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته، إلى بدايات الحركة النبوية وبدايات الإسلام، سوف نجد الكثير من الشواهد على هذا المعنى. عندما نقارب موقع الشهيد في الآخرة، سنجد تكريمًا عظيمًا لهؤلاء الشهداء يوم القيامة، يعني في الحياة الحقيقية الأبدية الأزلية السرمدية.

مقامهم عند الله، درجتهم عند الله، حياتهم العظيمة عند الله سبحانه وتعالى: “والشهداء لهم أجرهم ونورهم”، أيضًا في التعاطي الدنيوي، يعني في مقاربة موقع الشهيد والشهداء والشهادة في الدنيا، وهذا لا يرتبط بالشهداء الذين هم في عليائهم بقدر ما يرتبط بالأمة، بالناس، بالتاريخ، بالأحداث، بصنع التحولات، بالحاضر، بالمستقبل.

في تاريخنا الإسلامي مثلًا، نرى ذاك التقدير والتعظيم لأول شهيد في الإسلام، التي هي السيدة سمية أم عمار، وزوجها ياسر، هذان الشهيدان لم يكونا في معركة عسكرية، في حرب، في قتال، وإنما رفضا الخضوع تحت التعذيب لإملاءات طغاة قريش، ورفضا العودة إلى عبادة الأوثان، والتخلي عن دين التوحيد، والإساءة إلى نبيهم ورسولهم صلى الله عليه وآله وسلم.

في أول معركة للدفاع عن الإسلام، وعن الوجود الذي كان يُستهدف بالكامل، كان يُستهدف الإسلام كدين، والجماعة المسلمة كوجود بشري خارجي، كانت معركة بدر التي خلدها الله سبحانه وتعالى في القرآن، وكان فيها شهداء.

من جملة تكريم هؤلاء الشهداء أنهم أصبحوا عنوانًا طوال التاريخ، عندنا عنوان اسمه شهداء بدر، صاروا عنوانًا، معيارًا، مقياسًا، كيف الآن عندما نود أن نقيس أي أمر بمقاييس مادية أو معنوية، مقياسًا معنويًا، وعندما نتحدث عن شهداء آخرين نقول: هؤلاء كشهداء بدر، هذا موجود في الروايات عند الشيعة والسنة، أو في الكثير من الأعمال العبادية أو المستحبات أو الأدعية. عندما يتحدثون في الروايات عن أجر هذه الأعمال، يقولون: أجرهم كشهداء بدر، أو كمائة شهيد من شهداء بدر، أو ما شاكل، صار معيار شهداء بدر.

وأيضًا لاحقًا صار شهداء بدر وأحد، في معركة أحد كذلك كان الشهداء، في كثير من المعارك كان الشهداء، ولكن بقي لبدر وأحد، ولشهداء بدر وأحد هذه المعيارية، هذا الميزان الخاص. لكن هناك بعض المعارك سقط فيها قادة شهداء، وهنا يأتي عنوان جديد، في أحد كان الشهيد القائد، القائد الأكبر في تلك المعركة، كشهيد من بين الشهداء، كان حمزة بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأُطلق عليه منذ ذلك الحين لقب سيد الشهداء.

أيضًا في مؤتة، القادة الثلاثة الذين تناوبوا على قيادة الجيش الإسلامي في مواجهة الروم واستشهدوا تباعًا، زيد بن حارثة، جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، بمعزل عن النقاش التاريخي في الترتيب بين الأول والثاني، هؤلاء القادة تناوبوا على حمل الراية وقاتلوا حتى استشهدوا.

أمام هذا النموذج الذي نسميه الشهداء القادة، أو القادة الشهداء، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصرّف بشكل متميز ومختلف، وأعطى مساحة واسعة لهؤلاء القادة الشهداء، وكرّس هذا الأمر في ثقافة ووجدان الناس، والأجيال، والأمة إلى قيام الساعة.

مثلًا، في قضية حمزة رضوان الله تعالى عليه، سلام الله عليه، يُقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما صلى على جسده الطاهر، كبّر سبعين تكبيرة، مع العلم أن في صلاة الجنازة، وعلى الاختلاف القائم بين المذاهب الإسلامية، هناك من يقول بأربع تكبيرات، وهناك من يقول بخمس تكبيرات، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى على هذا القائد الشهيد سبعين تكبيرة.

عندما جاء نبأ استشهاد القادة الثلاثة من مؤتة، تصرّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشكل عاطفي كبير، وكانت له كلماته الخالدة. أيضًا في موضوع حمزة، كان طلب رسول الله صلى الله عليه وآله من كل عوائل الشهداء، شهداء أحد، أن يُذكر حمزة مع كل شهيد، وأن يُندب مع كل شهيد، ولذلك كانت عوائل شهداء أحد، وكانوا كُثُر، عندما يندبون شهيدهم ويذكرون شهيدهم، يذكرون حمزة بن عبد المطلب. في كل الأحوال، هذا المعنى واضح ومكرّس، لماذا؟

يمكن أن يكون له أسباب عديدة، منها قدرة وميزة هؤلاء القادة الشهداء، مكانتهم في بيئتهم، في شعبهم، في أمتهم، ومنها أيضًا القدرة على الإلهام، القدرة على الإلهام.

سليماني شهيدٌ للزمان والمكان وأيقونة للمقاومة العالمية

نحن نعرف أن الشهداء، مجموع الشهداء في أي معركة، عندما نتحدث عن بدر، مجموع الشهداء أوجدوا هذا النصر وهذا التحول، عندما نتحدث عن أحد، عندما نتحدث عن كل معركة من المعارك، أيضًا في واقعنا المعاصر، مجموع شهداء المقاومة في لبنان هم الذين أعطوا لبنان هذا الانتصار.

مجموع الشهداء في غزة هم الذين أسهموا في تحرير غزة، والآن مجموع الشهداء هم الذين يُعيدون فلسطين على سكة التحرير، مجموع الشهداء في العراق هم الذين أخرجوا الاحتلال الأميركي عام 2011، ومجموع الشهداء في العراق هم الذين هزموا داعش بعد الـ2014، مجموع الشهداء في سوريا، مجموع الشهداء في اليمن، وهكذا…

نحن هنا لا نُريد أن نُميز بين الشهداء، مجموع الشهداء يصنعون هذه الإنجازات، لكن يبقى للشهداء القادة ميزات خاصة في الإلهام، هناك شهداء لهم تأثير في بيئتهم الخاصة في حدود معينة، هناك شهداء يتجاوزون الزمان في تأثيرهم وإلهامهم، يتجاوزون المكان، هناك شهداء يُؤثرون في جيل، في أجيال، هناك شهداء يؤثرون في البشرية إلى قيام الساعة.

نحن نعرف كثيرًا من الشهداء والتحولات التي أوجدوها في عائلاتهم، كنا نعرف هذه العائلات قبل استشهاد عزيزهم وبعد استشهاد عزيزهم، أو في جيرانهم أو في قريتهم أو في مدينتهم أو في محيط تلك القرية أو المدينة، هناك شهداء أثروا في أوطانهم أو ما أبعد من أوطانهم، ولكن هناك شهداء أثروا على مستوى مساحة الأمة ومساحة العالم.

في التاريخ، هناك شهداء طبعًا أسسوا ويبقى تأثيرهم إلى يوم القيامة، شهداء بدر، شهداء أحد الذين تحدثت عنهم، كربلاء والإمام الحسين عليه السلام، الإمام الشهيد زيد بن علي عليهما السلام، الذي كان مُلهِمًا لكثير من الثوار في التاريخ وما زال وسيبقى إلى قيام الساعة، وهكذا…،

اليوم عندما نَقترب من الحاج قاسم سليماني، نرى أنه شهيدٌ يتجاوز المكان، هو ليس شهيدًا لإيران فقط، هو ليس شهيدًا للعراق الذي استشهد على أرضه فقط، هو ليس شهيدًا لسوريا، أو للبنان، أو لفلسطين، أو لليمن، أو حتى لأفغانستان، أو للبحرين، أو لكل مظلوم ناصره الحاج قاسم سليماني، وإنما هو شهيد بمستوى الأمة، بل هو شهيد بمستوى العالم، يتجاوز المكان، وأيضًا يتجاوز الزمان، نحن نعتقد أن إلهام وتأثير الحاج قاسم سليماني كشهيد، قائد كبير وعظيم، سوف يبقى لأجيال، بالحد الأدنى، سوف يبقى لأجيال، بحسب القراءة الموضوعية.

طبعًا، هذا الأمر يعود أيضًا إلى مجموعة أسباب، منها شخصية هذا الشهيد وعطاءاته، منها شخصيته وعطاءاته، إنجازاته، ما قام به، هذا أمر مؤثر جدًا، وهذا جزء من قدرة الشخصية على الإلهام، على إلهام الأجيال والمقاومين والمقاتلين والمظلومين.

أنا تحدثت في الذكرى السنوية وقلت، وهنا فقط بجملتين أُريد التذكير: الحاج قاسم سليماني كان قائدًا كبيرًا وعظيمًا وأساسيا في المعركة خلال عقدين، من 2000 إلى 2010 – 2011، المعركة التي منعت الأميركيين من احتلال دول منطقتنا.

طبعًا كانوا الجماعة مجانين، جديًا كانوا يفكرون باحتلال كل هذه الدول، وعندما وجدوا أن احتلال أفغانستان كان سهلًا، واحتلال العراق كان سهلًا، هذا زاد من قناعتهم بمشروعهم وخطتهم في احتلال بقية الدول، لكن الجبهة التي تشكّلت، وبدايات المقاومة التي انطلقت في العراق، والمحور الذي بدأ يتشكل في المنطقة، أدى إلى إلحاق الهزيمة وإسقاط هذا المشروع.

في النسخة الثانية، نسخة داعش وأخوات داعش، ومن وضعوا خريطة دولة الخلافة، وكلنا نتذكر اللون الأسود، والمدى الذي كانت تريد أن تصل إليه داعش، لتشمل سوريا والعراق ولبنان ودول الخليج وشمال إفريقيا، وتمتد وتمتد وتمتد، وكان مشروعًا خطيرًا جدًا، أيضًا المحور الذي قاتل هذا المشروع، وكان فيه الحاج قاسم سليماني قائدًا كبيرًا وأساسيا، والذي يُشكّل سلسلة الاتصال والروح الجامعة في قلب هذا المحور، هذه إنجازات عظيمة جدًا.

دور الحاج قاسم سليماني في إفشال المشروع الإسرائيلي في المنطقة

الحاج قاسم سليماني أيضًا كان قائدًا كبيرًا وعظيمًا وأساسياً في إلحاق الهزيمة بمشروع “إسرائيل الكبرى”، وفي إلحاق الهزيمة بمشروع “إسرائيل العظمى”، وفي نُصرة مشروع المقاومة، الذي دفع العدو الإسرائيلي إلى أن يختبئ اليوم خلف الجدران والمزيد من الجدران، وخلف الأسلاك الشائكة والمزيد من الأسلاك الشائكة، ويغرق في أزماته، وفي خوفه، وفي وهنه، وفي ضعفه، وفي ارتباكه، وفي تخبطه.

لكن الأهم في الحاج قاسم سليماني، في موقعه القيادي في هذا المحور، وفي هذه المعارك التاريخية الكبرى، ليس فقط الدعم اللوجستي الذي قدمته الجمهورية الإسلامية، لا، بل الأهم هو القوة المعنوية التي بَعثها الحاج قاسم سليماني في كل الذين معه، الروح الشجاعة المنقطعة النظير، كأنه لم يكن هناك مكان للخوف في قلب قاسم سليماني على الإطلاق.

هذا شهدناه في كل التجارب وفي كل الأحداث، كيف كان يَقتحم على الموت، كيف كان يذهب إلى الخطوط الأمامية، كيف كان يُخاطر ويُغامر ويَمشي بين الرصاص والقذائف والصواريخ والعبوات الناسفة.

الروح، القوة المعنوية، الشجاعة، روح التضحية، الفداء، الإخلاص، الصدق، وأيضًا العقل الاستراتيجي، والتخطيط الاستراتيجي، والخروج من يوميات الصراع إلى الصراع بمستواه الاستراتيجي، الأفق الأوسع، الآمال الكبرى والآمال العظيمة، هذه جزء من مدرسة وعطاءات الحاج قاسم سليماني (رضوان الله تعالى عليه).

لذلك طبعًا من جملة أسباب وخصوصية هذا الشهيد القائد، هو كيف قُتل، ومن قتله، مع رفيقه وعزيزه وحبيبه القائد الشهيد أبو مهدي المهندس (الحاج جمال)، والأرض التي قُتل عليها، ولماذا قُتل؟ هذا كله له علاقة بعظمة هذا المقام، وقدرته على الإلهام والاستنهاض في الأمة لأجيال.

واجبنا إحياء ذكرى القادة الشهداء وتعزيز إرثهم في الأمة

نحن من واجبنا إحياء ذكر وأمر وشخصية هؤلاء القادة الشهداء، نُحيي أسمائهم، نتحدث عن سيرتهم، عن أعمالهم، نذكر أقوالهم ومواقفهم، نتحدث عن إنجازاتهم وانتصاراتهم، وما قدموا لهذه الأمة، لنشعر دائمًا بفضلهم، ولنقدم القدوة والملهم في كل جيل، في كل بلد. نحن نحتاج إلى هذه النوعية من القادة الشهداء، ولذلك هناك مسؤوليات وطنية.

نحن لدينا في لبنان قادة شهداء لديهم قدرة عالية على الاستنهاض والتأثير، في فلسطين قادة شهداء، في سوريا قادة شهداء، في العراق قادة شهداء، في إيران، في اليمن، في الكثير من الساحات، قادة شهداء، على المستوى الوطني يجب إحياؤهم، إحياء أسمائهم، إحياء سيرتهم، ترداد أقوالهم، ليحفظها أبناؤنا وأحفادنا وأطفالنا، وكل الأجيال الآتية.

لأنها تُعبر عن كل هذا الجهاد، وكل هذه المقاومة، وكل هذه التضحيات، وكل هذه الإنجازات، وتشكل ثروة فكرية وثقافية وروحية ومعنوية ضخمة جدًا، لا يجوز أن نستهين بها أو أن نُضيعها، وعندما نفعل ذلك، نفعله من أجلنا، وليس من أجل الشهداء.

سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) يقول ويُردد في أكثر من مناسبة، يقول: “اليوم الشهيد قاسم سليماني يُخيف الأعداء أكثر من اللواء قاسم سليماني”. القائد الشهيد، عندما نَشرح ونُوضح ونُقدم شخصيته وأفعاله وسيرته للأجيال، وللأمة، وللعالم، لم يكن هذا معروفًا قبل شهادته. الشهيد قاسم سليماني أصبح معروفًا في السنوات الأخيرة، ولكنه أمضى عقودًا من الجهاد والمقاومة، وبذل التضحيات بعيدًا عن الإعلام، وعن المعرفة.

اليوم، عندما نُقدّمه، وعندما نُعرّفه، نحن نُقدّم هذا النموذج الرائع الراقي، المُلهِم الحقيقي، لا نخترع لا أساطير ولا شخصيات وهمية.

طبعًا، هذا الإحياء يتم بأشكال مختلفة، بالتركيز دائمًا على أسماء هؤلاء الشهداء، وهنا، عندما نتحدث عن الحاج قاسم، اسم الحاج قاسم سليماني، الصورة، وبعض الناس يُزعجهم أن تُرفع صور الحاج قاسم في العديد من العواصم والمدن العربية والإسلامية والعالم، لأنهم يعرفون دلالة أن تُرفع هذه الصور.

الموضوع ليس موضوعًا شكليًا، من خلال التعبير وتوضيح، كما قلت، سيرتهم، وأعمالهم، القصة، الرواية، القصيدة، النشيد، السيناريو، الذي يُترجم لاحقًا في مسرحية، في فيلم مختصر، في فيلم سينمائي، في مسلسل تلفزيوني، الرسم، حتى الموسيقى، بكل الأشكال، بالمحاضرة، بالخطاب، بالاحتفال، بالمواكب، بإقامة المناسبات، كلها هذه أشكال حديثة ومعاصرة، ويجب الاستفادة من كل أشكال الإحياء، لتبقى أسماء شهدائنا القادة، وكل الشهداء، لتبقى أسماؤهم وذكراهم وصورهم وتضحياتهم حاضرة في الأذهان، وعميقة في الوجدان، ومؤثرة في بعث روح الانطلاقة والقيام في الأمة.

هنا أتوجه إلى الأخوة الأعزاء، القيمين على جمعية أسفار، التي تقوم بجزء من هذا الإحياء، من خلال الجائزة العالمية فيما يتعلق بمجال القصة والرواية والقصيدة – الشعر – والسيناريو، وأشكرهم على جهودهم، على تعبهم، على حرصهم، على إخلاصهم في هذا الإحياء.

الشكر أيضًا لكل الذين يُمولون دون إعلان، وطلبًا لرضا الله سبحانه وتعالى، هذا الجهد المبارك، الشكر أيضًا لكل الإخوة والأخوات الذين يشاركون في هذه المسابقة، بمعزل عن الفوز أو عدم الفوز، كل الذين شاركوا، من السادة والسيدات، من شعراء وكُتاب، إن شاء الله لهم أجرهم ونورهم مع الشهداء، وأيضًا الشكر للذين بذلوا، للهيئة المشرفة على تحقيق النتائج، والتبريك والتهنئة للفائزين في كل المجالات في هذه المناسبة. لا شك، هذا عمل قيّم، وعلى درجة عالية من الأهمية، ونتوجه إليه بالاحترام.

أهمية نموذج الحاج قاسم سليماني في مواجهة التحديات

نحن اليوم نحتاج إلى التأكيد على هذا المعنى، ونحتاج إلى التأكيد على النموذج: القائد، الملهم، الدؤوب، المجاهد، المخلص، المضحي، المفكر، كالحاج قاسم سليماني، لأن أمتنا وشعوب منطقتنا ما زالت تواجه الكثير من التحديات، ما زلنا في قلب المعركة.

أنا تحدثت في ذكرى الحاج قاسم عن نسختين للمشروع الأميركي، النسخة الثالثة قائمة منذ سنوات، والتي تُركّز، إضافةً إلى الضغط العسكري والأمني، على الضغط الاقتصادي والمعيشي والإعلامي.

هذا ما سأتحدث عنه إن شاء الله يوم الخميس، في مناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، ولكن كعنونة فقط، المشروع الأميركي ما زال حاضرًا وفاعلًا ومقاتلًا، وعلى جبهات عديدة، في مواجهة إيران، وسوريا، ولبنان أيضًا، والآن بدأ في العراق، الضغط الاقتصادي، والضغط في المسألة المعيشية، هذا لوحده حديث طويل، من أجل الإخضاع السياسي، الحصار على اليمن، الحصار على الشعب الفلسطيني سواء في غزة، أو في الضفة، أو حتى في الخارج، من خلال الضغوط على المؤسسات الدولية الداعمة للمخيمات، وللشعب الفلسطيني في الشتات.

المعركة في فلسطين اليوم تحتدم أكثر، في كل يوم اعتداءات إسرائيلية، شهداء مظلومون، وفي كل يوم أيضًا عمليات بطولية، وشهداء مجاهدون، الوضع في اليمن ما زال مفتوحًا على كل الاحتمالات. لبنان، التدخل الأميركي في كل شيء، ومنعه من النهوض ومن التعافي، هذه التحديات قائمة وموجودة في منطقتنا.

في مواجهة كل هذه التحديات، نحن نحتاج إلى روح، وعزم، وإرادة، وعقل، وفكر، وحضور الحاج الشهيد القائد قاسم سليماني، وأمثاله من القادة الكبار الذين رافقوه في كل تلك العصور من المعركة، وطبعًا، أمتنا، التي دائمًا كانت تُقدم الشهداء، تُقدم أجيالًا، تُقدم قادة.

هي قادرة إن شاء الله على أن تَملأ فراغ هؤلاء القادة الذين طبعًا نفتقدهم، نفتقدهم عاطفةً، وقلبًا، وروحًا، وحبًا، وعشقًا، وعقلًا، وميدانًا، وعملًا، ولكن هذه الأمة، الثرية في إنسانها، الأمة الحية، الأمة التي لا يُمكن أن تضعف أو تهن أو تتراجع، هي سوف تَحمل هذه الروح، وهذه النماذج العظيمة المُلهِمة، وتُواصل الطريق.

المحور الثاني: الداخل اللبناني

انتخاب رئيس الجمهورية وتحقيق التوازن الوطني وتجنب التحريض الطائفي

اسمحوا لي باختصار شديد أن أعلّق على نقطتين اللتين قلت إنني أريد أن أعلّق عليهما، في موضوع انتخابات الرئاسة. نحن نتفهّم حرص بعض المرجعيات الدينية على انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ووضع حد للشغور الرئاسي بأسرع وقت ممكن.

هذه الخلفية طيبة وجيدة ونتفهّمها، ونتفهّم أيضًا أن تقوم بعض المرجعيات الدينية بالضغط المعنوي والسياسي والإعلامي على النواب، على الكتل النيابية، على القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي من أجل الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، لكن يجب الإلفات إلى تجنّب أي لغة أو خطاب يؤديان إلى التحريض الطائفي، سواءً كان مقصودًا أو غير مقصود، لكن النتيجة تؤدي إلى التحريض الطائفي.

عندما يُقال مثلًا إن هناك نية في لبنان أو هناك من يُخطط لتغييب الموقع المسيحي الأول، أو لتغييب الموقع الماروني الأول، يعني كلا الأدبيتين مستخدمة، هذا غير صحيح. يعني هذا كأنه يُقال ويوجّه الاتهام فيه للمسلمين، من القوى من المسلمين الذين لديهم نواب في المجلس النيابي، كأنه يُقال لهم أنتم تُريدون تغييب وتقصدون وتعمدون إلى تغييب هذا الموقع المسيحي الأول، أو عندما نتحدث عن موقع ماروني تُصبح يمكن التهمة أوسع للمسلمين وللمسيحيين من غير الموارنة.

اقرأ ايضاً : كلمة الشهید السيد حسن نصرالله في الليلة العاشرة من المحرم

أنا أُريد أن أُؤكد أنه لا نية لأحد، ليس فقط عن حزب الله، نحن نعرف بعضنا جيدًا في لبنان، حتى لا الحلفاء ولا الخصوم، أنا أجزم أنه لا يوجد أيّ قوة سياسية اليوم في لبنان أو أيّ كتلة نيابية في لبنان اليوم تتعمّد – لأنّ الاتهام هو هنا، التعمّد – تتعمّد تغييب الموقع المسيحي الأول أو الموقع الماروني الأول، هذا غير صحيح على الإطلاق.

الكل يريد انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن حقًا وصدقًا، والكل يُريد إنهاء هذا الفراغ، والكل يُريد العودة إلى الوضع الطبيعي، لأنه على ضوء انتخاب رئيس للجمهورية ستتشكّل حكومة وتعود مؤسسات الدولة إلى مسارها الطبيعي، لكن الحقيقة في التوصيف، هي أن المجلس النيابي الحالي – وهذا هو نظامنا، دستور لبنان هكذا – يقول إنه يجب أن يكون النصاب كذا، ويجب أن يحصل رئيس الجمهورية المُرشّح على هذا العدد من الأصوات في الدورة الأولى، وهذا العدد من الأصوات في الدورة الثانية.

حقيقة الأمر، يعني التوصيف الحقيقي اليوم في البلد، وأنا أتمنى أن لا يأخذه أحد أبعد من ذلك، أن هناك كتلًا نيابية متعددة، كانت هذه نتيجة الانتخابات النيابية، اليوم لا أحد في المجلس النيابي لديه أغلبية الثلثين ليضمن النصاب ويضمن التصويت من الدورة الأولى، وليس هناك أحد لديه فعلًا، حتى هذه اللحظة، 65 صوتًا لمرشحه المعلن أو الضمني، والكل من حقه الطبيعي أن يبحث ويعمل لإيصال الشخصية التي يراها مناسبة للبلد ولمصلحة لبنان وللمصالح التي يتطلع إليها، وهذا حق طبيعي لا يجب أن يُناقش به.

وأنا أقول من حقنا الطبيعي مثلًا عندما نقول نريد رئيسًا لا يطعن ظهر المقاومة، وإن كان البعض ما زال مُصرًا، حتى بعد خطابي الأخير عاد وقال إن السيد يقول نريد رئيسًا يحمي ظهر المقاومة. هناك أناس يكتبون مقالات وأيضًا يُشكّلونها، ضمّة وسكون وفتحة وكسرة، ولكن يبدو أنهم لا يقرأون ولا يسمعون.

في كل الأحوال، ليست هناك مشكلة، من الحق الطبيعي لأيّ كتلة نيابية أن تقول نحن لا نريد رئيسًا قريبًا من حزب الله، ليست هناك مشكلة، هذا حق طبيعي ونحن لا نناقش في هذه الحقوق. من الطبيعي أيضًا أن تسعى هذه الكتل النيابية وتتشاور وتتواصل مع كتل أخرى ومع نواب آخرين لضمان الـ65 صوتًا للذهاب إلى انتخاب رئيس.

هذه هي الحقيقة، لا يجوز إعطاء الموضوع أبعد من ذلك لأنه سيثير حساسيات طائفية في البلد، والبلد لا ينقصه حساسيات حتى في الموضوع الطائفي، كذلك عندما يُقال بأن هناك تخطيطًا، شاهدوا العبارة، أن هناك تخطيطًا لإيجاد فراغ في المواقع المارونية الأولى في الدولة، أنا أريد أيضًا أن أؤكد أنه لا يوجد تخطيط عند أحد، وعلى ذمتي، أنا هنا لا أتحدث فقط عن حزب الله، على ذمتي لا يوجد تخطيط عند أحد أنه نريد أن يستمر الفراغ الرئاسي من أجل أن تفرغ بعض المواقع الأولى المارونية في الدولة، لأن هذا الفراغ إذا استمر سوف تفرغ أيضًا المواقع الإدارية الأولى لبقية الطوائف، وبعضها فَرِغ، أليس كذلك؟

فإذًا، فراغ المواقع الإدارية هو نتيجة طبيعية غير مقصودة وغير متعمّدة وغير مخطّط لها من أحد، هي نتيجة أنه ليس عندنا رئيس جمهورية، وعندنا حكومة تصريف أعمال لا تستطيع أن تعيّن البدائل، هذه هي الحقيقة. أكثر من هكذا ليس صحيحًا أن نأخذ الأمور، لا أن نتهم المسلمين ولا أن نتهم المسيحيين من غير الموارنة.

اليوم أحد تجليات المشكل الأساسي في انتخاب الرئيس هو عند الموارنة، وعند الكتل النيابية المارونية، وعند القوى السياسية المارونية، وليس عند طائفة دون طائفة أو جهة دون جهة، إذًا في هذه النقطة أريد أن أكرر وأعود وأقول نحن حريصون، وكلنا حريصون، لا أحد سعيد بهذا الفراغ القائم في البلد، ولا بالإشكاليات القائمة، ولا بالنزاعات القائمة حول دستورية هذا العمل أو ذاك العمل، ولا بهذا التعطيل القائم والموجود.

أمام كل الأزمات التي يواجهها البلد يجب العمل بجد، وقلنا سابقًا ونُعيد، والحمد لله اليوم نسمع كُثر يقولون نفس الكلام وهذا جيد، وحتى ليس فقط من أصدقائنا وحلفائنا، بل حتى من خصومنا، الذين يقولون إن العالم في الخارج مشغول بنفسه، مشغول بأوكرانيا والحرب الروسية، مشغول بالطاقة، مشغول بمصائب كثيرة، ولا أحد “فاضي” لنا، ولا أحد عنده الكثير من الوقت ليهتم بلبنان، فعلى اللبنانيين أن يهتموا بأنفسهم.

حلول أزمة الكهرباء

التعاون الإيراني والدور اللبناني لحل أزمة الكهرباء

موضوع الكهرباء، كلّنا يعيش هذه المشكلة الضاغطة على كل اللبنانيين بلا استثناء، يعني هذه مشكلة عابرة للطوائف والمناطق. من الممكن أن بعض الزعماء لا يشعرون بها كثيرًا لأنه ليلًا نهارًا عندهم كهرباء، يمكن ألا يشعروا بها ولا يعيشوا هذه المعاناة أو لا تُنقل لهم هذه المعاناة، لكن هذه المعاناة حقيقية وتترك أثرها على كل شيء في البلد، على الاقتصاد، على الصحة، على التربية، على العمل، على النشاط، على الحياة العادية الطبيعية للناس.

قبل أشهر، قيل لنا – يعني لــ حزب الله – قيل لنا إن هناك مشكلة في الفيول، فإذا تستطيعون أن تحصلوا لنا على مساعدة من الجمهورية الإسلامية في إيران لكمية معينة من الفيول ولو لمدة ستة أشهر تؤمن عددًا من الساعات (6 ساعات، 7 ساعات، 8 ساعات).

هذا طبعًا سيُوجد تحوّلًا كبيرًا في وضع الكهرباء خلال ستة أشهر، وليس فقط هذا، بل سيضع قطاع الكهرباء على سكّة الحل، لأنه خلال ستة أشهر، عندما نبدأ بإنتاج هذه الساعات وسيتم رفع سعر التعرفة – تمّ رفعها من دون زيادة الساعات – والكلفة وما شابه، يصبح هناك جباية ويصبح هناك تمويل يمكن أن نبني عليه ونستمر في تأمين الفيول وتأمين الساعات.

إذًا، المساعدة التي كنّا نطلبها من الجمهورية الإسلامية هي ليست لحل مشكلة لبنان لستة أشهر، وإنما تُساعد لبنان لستة أشهر وتضعه على سكّة الحل على طول الخط.

جيّد، نحن بذلنا جهدنا، اتصلنا بالإخوان المسؤولين في إيران، هذا الطلب أو هذا التمني أو هذا الرجاء وصل إلى سماحة الإمام الخامنئي (دام ظلّه الشريف)، إلى سيادة رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله السيد رئيسي، إلى مسمع المسؤولين، تابعوا الأمر ووافقوا.

وذهب وفد لبناني رسمي من وزارة الطاقة والتقى مع المسؤولين الإيرانيين، وصار هناك اتفاق على الكمية وعلى التفاصيل، وأُعدّت مسودات فقط كانت تنتظر التوقيع – أعود لاحقًا لهذه النقطة.

قبل أيام، عندما زار لبنان معالي وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الدكتور أمير عبد اللهيان، تحدّث أيضًا عن هذا الأمر في الإجابة على أسئلة الصحافيين، وقال نحن حاضرون ومستعدون وما زال العرض قائمًا.

سمعنا خلال الأيام الماضية، أمس، وأيضًا قرأت بعض المقالات التي تُشكّك في هذا الأمر وفي النوايا، وحتى تذهب بالأمر إلى حدّ السخرية. أنا لا أُريد أن أدخل في سخرية مع أحد، ولا أريد أن أُناقش المغالطات التي تُذكر عندما يُقترب من هذا الموضوع، لأن هناك أناسًا لا يعرفون أن يُميّزوا بين الفيول والغاز، مع العلم أن في إيران هناك فيول وهناك غاز، ليس هناك مشكلة طاقة في إيران، ليس هناك نقص بالطاقة.

نعم، المشكلة الأخيرة في موضوع الغاز لها علاقة بحجم الاستهلاك والتوزيع، لأنه يُقال إن في إيران هناك حجم استهلاك غاز هائل، البعض يقيسه بعدة دول، هذا يُعالجوه، لا توجد مشكلة نقص طاقة في إيران.

على كل حال، هناك أناس معلوماتهم لا تكون دقيقة، هناك نائب من نفس هذه الكتلة التي كان رئيسها يتحدث هكذا – فقط لألطّف الجو لأنه من بداية الخطاب وأنا أتحدث بجدية – أنا منذ مدة، من عدة أشهر، شاهدت نائبًا من هذه الكتلة في مقابلة تلفزيونية أو فيديو على مواقع التواصل، يقول إن هناك جماعة في لبنان يقولون إن إيران ستساعدنا، إيران بماذا يمكن أن تساعدنا؟ ليس لديها شيء لتساعدنا به؟!

أنا معلوماتي – هذا النائب العظيم يقول – أنا معلوماتي أنه في إيران إذا كُسرت مرآة سيارة السائق لا يجدون بديلًا لها حتى يستوردوها من الخارج! تصوروا، هذا نائب في البرلمان اللبناني يُشرّع ويضع قوانين ويبني دولة، هكذا هي معلوماته، مع العلم أن من أبده البديهيات أن إيران تُصنّع سيارات وتُصنّع طائرات وتُصنّع دبابات وتُصنّع مسيّرات، وأطلقت أقمارًا إلى الفضاء، ومشكلة العالم معها أنها تملك تكنولوجيا نووية إلى ما شاء الله.

لكن هذا النائب “الجهبذ” عندنا في لبنان، معلوماته تقف عند حدود أن إيران دولة فقيرة ومسكينة وعاجزة إلى حدّ أنه إذا كُسرت مرآة السيارة الأمامية لا تستطيع أن تُنتج مرآة وتنتظر الاستيراد من الخارج. على كلٍ، شاهدوا المستوى الموجود عندنا في البلد.

أزمة الكهرباء بين العرض الإيراني والتهديد الأمريكي

للذي يُشكّك في النوايا أو ما شابه، ولا أريد أن أناقش مغالطات، ولكن فلأذهب إلى أصل المسألة، بأصل المسألة أنا أقول لكم مجددًا كما قال معالي وزير الخارجية: العرض ما زال قائمًا، عرض الفيول الإيراني ما زال قائمًا لستة أشهر وبالكمية التي طلبتها وزارة الطاقة اللبنانية.

الذي يحول دون تنفيذ هذا الأمر هم الأميركيون، نحن لا نريد أن نفتح مشكلة مع الحكومة، الأميركيون هم الذين منعوا هذا الأمر وأبلغوا المسؤولين المعنيين الرسميين أن هذا ممنوع، وهذا خطّ أحمر، ويمكن أنهم هددوا أيضًا.

حسنًا، أنا أريد أن أُذكّر بشيء كنا نقوله في السابق. كنا نقول إنه في لبنان هناك أناس هم أصدقاء لإيران ولسوريا وللعراق ولدول موجودة في المنطقة، وهناك أناس هم أصدقاء لأميركا والسعودية وبعض دول الخليج. هذا الانقسام في الصداقات يمكن أن يكون تهديدًا.

طرحت سابقًا وقلت: فلنحوّل التهديد إلى فرصة، فلنستفد نحن من صداقاتنا لمصلحة لبنان، واستفيدوا أنتم من صداقاتكم لمصلحة لبنان، جيّد؟ عندنا مشكلة كهرباء في البلد – وسنأتي إلى البواخر التي في البحر – عندنا فرصة أن نحضر الفيول ويُحل لنا المشكلة لمدة ستة أشهر وما بعد الستة أشهر. نحن مشينا نصف المشوار أو ثلاثة أرباعه، استفدنا من صداقتنا مع الجمهورية الإسلامية في إيران وقبلت معنا بهذه المساهمة.

أنتم أصدقاء أميركا، حلفاء أميركا، لن نقول أكثر من ذلك. هذه السفارة الأميركية موجودة في عوكر، والسفيرة الأميركية موجودة، ولقاؤكم معها سهل، والوفود الأميركية ذهابًا وإيابًا، عظيم؟ استفيدوا من صداقتكم مع أميركا للحصول على استثناء رسمي للحكومة اللبنانية لتقبل بمساعدة الفيول الإيراني.

كلام منطقي أم لا؟ كلام هادئ أم لا؟ نحن استفدنا من صداقتنا، وهذا الفيول جاهز، أنتم استفيدوا من صداقتكم واحصلوا على استثناء. وهذا الاستثناء ليس بدعة، في العراق هناك هكذا استثناء، في أفغانستان في زمن حكومة غني السابقة، هناك هكذا استثناءات، وكانوا يأخذون غازًا من إيران وكانوا يأخذون بنزين ونفطًا من إيران، ليس هناك مشكلة، تفضلوا، إذا أنتم حقًا قلبكم يحرقكم على الشعب اللبناني وتريدون أن تقدموا مساعدة، نصف علينا ونصف عليكم: الفيول علينا، والاستثناء الأميركي للحكومة اللبنانية عليكم.

أنا دائمًا كنت أقول وأعود وأقول: نحن سادة عند الولي الفقيه، وكل يوم تثبت هذه المقولة. أنتم ماذا؟ أنتم ماذا عند أميركا؟ وماذا عند السعودية؟ وماذا عند الخارج؟ هل أنتم سادة؟ أم عبيد؟ أم أدوات؟ أم ماذا؟ هذا اليوم تحدٍّ كبير، فتفضلوا، احصلوا على استثناء، وأنا ضامن لكم – هذا إثبات صورة وصوت – أنا ضامن لكم أن سفن الفيول الإيراني ستتحرك إلى لبنان، ونخرج من هذه المشكلة الكبيرة التي يُعاني منها كل الشعب اللبناني.

مسؤولية التعامل مع القضايا والحفاظ على الشراكة الوطنية

في موضوع جلسة الحكومة أيضًا، هناك نقاش في البلد حول ما إذا كانت حكومة تصريف الأعمال يجوز لها أن تجتمع أم لا. هذا النقاش له علاقة بالموضوع الدستوري.

بعد ذلك، إذا كان مسموحًا لها بالاجتماع، فهناك النقاش الميثاقي. طبعًا، بدأ هذا النقاش في الحقيقة قبل الفراغ الرئاسي وقبل مغادرة فخامة الرئيس ميشال عون لقصر بعبدا. كان السؤال حول ما إذا كانت حكومة تصريف الأعمال، إذا حصل الفراغ الرئاسي، يمكنها أن تجتمع أم لا؟

وقد أدلى الخبراء الدستوريون بآرائهم ومطالعاتهم ونقاشاتهم، طبعًا الكل يتذكر أنه، خصوصًا نحن، وأقصد هنا حزب الله بالتحديد، بذلنا جهودًا كبيرة في الأسابيع التي سبقت الفراغ من أجل تشكيل حكومة. وأنا لا أريد أن أتحمل المسؤوليات، نحن بذلنا جهدًا ليلًا ونهارًا، وبذلنا ماء وجه أيضًا، ولكن النتيجة كانت عدم تشكيل حكومة.

وقلت إنه لدينا وضوح في المسؤوليات، ولكن الآن لا أريد أن أُحمّل المسؤوليات، فقد يأتي الوقت الذي نتحدث فيه بهذا الموضوع، وصلنا إلى الفراغ الرئاسي وحصل هذا النقاش الدستوري. عدد كبير من الخبراء الدستوريين، من مسلمين ومسيحيين، لكي لا يتحول الموضوع إلى مسلم-مسيحي، قالوا بدستورية الجلسة، بينما آخرون قالوا بعدم دستوريتها.

لا، يوجد خبراء مسلمين ومسيحيين يقولون بدستوريتها، وخبراء آخرون من نفس الطائفتين يقولون بعدم دستوريتها. الغالبية أو عدد كبير من الخبراء يقولون إنها دستورية في حدود القضايا الملحة والضرورية والمهمة.

نحن أيضًا في حزب الله، لأن هذه نقطة خلاف مع بعض حلفائنا وأصدقائنا، بيننا وبين أنفسنا نعتقد بهذا. من خلال مراجعتنا للخبراء الدستوريين ومن خلال قراءة إخواننا أيضًا الخبراء، حتى علمائنا، كما تعلمون، في النهاية، الخبراء الدستوريون يناقشون النص الدستوري ويحللون ويفسرون ويفككون، بينما علماء الدين لدينا يدرسون الفقه.

هذه وظيفتهم أصلًا، قانون، ولكن يُسمى فقهًا، قناعتنا الدستورية بيننا وبين أنفسنا وبيننا وبين الله، وهذه لا يوجد فيها مجاملة لهذا الفريق أو خصومة مع ذاك الفريق. قناعتنا تقول نعم، يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تجتمع في حدود القضايا الضرورية والملحة وغير القابلة للتأجيل. هذه قناعتنا. التحالف والصداقة لا يفرضان قناعات. لا أنا أفرض قناعتي على صديقي وحليفي، ولا هو يستطيع أن يفرض قناعته عليّ. رغم أن هذه هي قناعتنا.

نحن حاولنا خلال الأشهر الماضية أن نتجنب ما أمكن عقد جلسة حكومية حتى لا يحصل توتر سياسي في البلد. ولكن عندما أصبحنا أمام واقع، هنا أتحدث عن الجلسة الأولى، ومنها أتحدث عن الجلسة الثانية، أصبحنا أمام واقع يقول إنه يوجد قضايا ملحة، مثل موضوع المستشفيات الخاصة، وأدوية السرطان، والطرقات والثلوج، موضوع النفايات، وما إلى ذلك. يمكن الطعن في واحدة من بنود جدول الجلسة الماضية والنقاش حول ما إذا كانت هذه القضايا ملحة أم لا.

أوافق على ذلك، ولكن جوهر الموضوع الذي أخذنا إلى الجلسة هو المستشفيات الخاصة، التي كانت تصرخ كلها من المعاناة الهائلة في البلد، موضوع أدوية السرطان، ومسائل أخرى.

ذهبنا وشاركنا في الجلسة الأولى، وحصلت تداعيات لهذه المشاركة، وكُتبت الكثير من التحليلات. هذا يقول لي “أذرع”، وهذا يقول “رسالة سياسية”، وهذا يقول… بعد ذلك وزعنا بيانًا وقلنا فيه إن هذا كله غير صحيح. حقيقةً، نحن مضغوطون بوضع الناس وحاجاتهم وقضاياهم وهمومهم. هذه هي الحقيقة، لا يوجد شيء آخر، لا يوجد أي رسالة سياسية أخرى.

أولًا، الموضوع بالنسبة لنا هو موضوع له علاقة بالقناعة وضميرنا، وإحساسنا بالمسؤولية، وحاجات الناس. كلنا نعلم أنه سيكون له تداعيات، ولكن قبلنا هذه التداعيات. طبعًا، يوجد شيء ثانوي، وهو ليس أساسًا في القرار، ولكن هذا أيضًا من باب المؤكدات.

تعرفون، لو يومها لم نشارك في الحكومة ولم تحصل جلسة مجلس وزراء، كانت كل الجوقة الإعلامية المحلية والإقليمية والخليجية، وكل وسائل الإعلام والكتبة المأجورين والجيوش الإلكترونية ستعمل لأسابيع على أن حزب الله عطل أدوية السرطان، وحزب الله عطل غسل الكلى، وحزب الله عطل المستشفيات، وحزب الله يتحمل مسؤولية قطع الطرقات بالثلوج، وحزب الله يتحمل مسؤولية امتلاء المدن والقرى بالنفايات.

لن يقولوا شيئًا آخر. لن يقولوا “التيار الوطني الحر” ولن يقولوا أي أحد آخر يتحمل المسؤولية. ستتوجه كل الحملة الإعلامية والسياسية على من؟ على حزب الله، ونحن سنكون مظلومين وفي غنى عن هذا الأمر. قلت هذا من باب المؤكدات، لكن الدافع الحقيقي هو الحاجة الفعلية.

اليوم أيضًا أمام مشكلة الكهرباء. أولًا، لدينا مشكلة كهرباء، وثانيًا لدينا مشكلة أن الاتفاق مع العراق انتهى زمانه ويحتاج إلى تجديد أو تمديد.

والمشكلة الثالثة هي أن هناك بواخر في البحر وكل يوم تسجل على الخزينة اللبنانية، على جيبة الشعب اللبناني، على كل لبناني، تسجل غرامات. قد تكون قد أصبحت مليون دولار أو قطع المليون دولار.

سمعنا خلال الأيام القليلة الماضية سجالات بين رئاسة الحكومة ووزارة الطاقة وبعض القوى السياسية. هؤلاء اتهموا هؤلاء، وهؤلاء قالوا “ماذا قالوا”، “اتصل بي ولم يرد علي”، “أرسلت له، وجاوبني”، ولكن هذا كله لا يأتي بالكهرباء ولا يطعم خبزًا ولا يوقف الغرامات. لو كان المسؤولون سيدفعون المليون دولار من جيبهم، فليأخذوا وقتهم في بت الموضوع. لكن المليون دولار وما زاد ستدفع من الخزينة اللبنانية، أي من أموال الشعب اللبناني.

حسنًا، هنا لدينا مشكلة: سلفة الخزينة، رئيس الحكومة يقول إنه لا يستطيع، ولا يوجد هناك سابقة أن 62 مليون دولار تؤخذ سلفة بالتوقيع بهذه الطريقة التي تُذكر. بكل الأحوال، اليوم نحن أمام واقع اسمه “الحل الممكن المتاح بعيدًا عن الاجتهادات”.

قد تكون هناك حلول، لكن بعض الناس لا يقبلونها. الممكن، العملي، هو أن تجتمع حكومة تصريف الأعمال لتحسم. هي لن تحل مشكلة الكهرباء، لكنها ستقوم بمعالجات. ستجدد اتفاق النفط مع العراق، ستوافق على سلفة الخزينة من أجل شراء الفيول.

مع أن الفيول موجود، ولكنه يحتاج إلى القليل من الشجاعة والقرار. ستُحسن ساعات الإنتاج. هذا هو الموضوع. لم يقل أحد إن الجلسة غدًا ستشيل الزير من البئر، لكنها ستعالج جزءًا من المشكلة التي نحن محتاجون إليها في أي جزء، في الوقت الذي يمنع فيه الأمريكي المساعدة الإيرانية ويمنع المساعدة الروسية ويمنع مصر من بيعنا الغاز، ويمنعنا من شراء الغاز من مصر، ويمنع الأردن من مدنا بالكهرباء، حسنًا، ما هو الحل؟ نريد حلاً.

ولو كان هذا الحل مؤقتًا وناقصًا، لكنه أفضل من الوضع القائم. نحن تمنينا على رئيس الحكومة، الذي من حقه أن يعد الجدول الذي يريده، ويمكن أنه قد انزعج عندما قال وزراؤنا: نحن بالتحديد ذاهبون إلى مناقشة موضوع الكهرباء. أنا أقول لكم بصدق، نحن لا نناقش ما إذا كانت بقية جدول الأعمال هي قضايا ملحة وضرورية أم لا.

يمكن أن تكون جميعها ملحة وضرورية، لكن نحن تمنينا أن تقتصر الجلسة على الموضوع الأكثر إلحاحًا وضغطًا، وهو موضوع الكهرباء، وأن لا نتجاوز هذا البحث توفيرًا للمزيد من التوتر السياسي في البلد.

يعني، عندما نقول إننا نريد فقط أن نناقش، نحن هذا رأينا. موضوع الكهرباء ليس لأن بقية النقاط غير ملحة وغير ضرورية، بل هو شيء له علاقة بالترقيات وشيء له علاقة بالصحة وشيء له علاقة بالتربية، ويمكن لهذا أن يأتي وقته لكي يُعالج. لكن دعونا نذهب إلى الأكثر إلحاحًا لتجنب التوتر السياسي في البلد.

وهذا يعبر عن حرصنا أننا لسنا ذاهبين لا إلى خصومة ولا إلى معركة ولا إلى تغييب أحد. هناك ضرورة ملحة وحقيقية موجودة اليوم في البلد. نأمل، ولذلك بلّغنا هذا الشيء، قلت إنني أتفهم، ونحن نتفهم أنه كرئيس جمهورية من صلاحياته أن يضع جدولًا. أكثر من هذه النقاط، على كل حال، غدًا مجلس الوزراء سيد نفسه.

نحن بالنسبة لنا التزمنا بالحضور في مجلس الوزراء لمعالجة موضوع الكهرباء، وليس في هذا تحدٍ لأحد. لا عندما نحضر نتحدى أحدًا، ولا عندما تنتهي هذه النقطة، وإذا قرر مجلس الوزراء والوزراء ورئيس الوزراء أن يكملوا بالنقاط الأخرى، وإن انسحبنا نحن، نكون بذلك نتحدى رئيس الحكومة أو نتحدى أي أحد آخر. نحن نعمل في هذا الموضوع وفقًا لقناعاتنا ونحاول أن نعالج ونكون شركاء في معالجة هموم الناس وقضايا الناس مع أقل قدر ممكن من التوتر السياسي.

أنا أتمنى أن يُقارب الجميع هذا الملف وهذا الأمر بهذا المستوى من المسؤولية، مع التأكيد على الحرص. طبعًا، حتى مناقشة الميثاقية، عندما يكون هناك وزراء مسيحيون في الحكومة ويشاركون في الجلسة، وعندما تكون هناك مرجعيات دينية وسياسية وقوى سياسية مسيحية توافق لرئيس الحكومة على عقد الجلسة ولكنها تناقش في ضرورة هذا الأمر من عدمه، لكنها تُجمع على أن موضوع الكهرباء هو موضوع ضروري وملح. لا يعود هناك مكان للنقاش في الميثاقية.

نحن لا نريد أن نطعن بالنظام ولا أن نطعن بالدستور ولا أن نطعن بالميثاقية ولا أن نطعن بالشراكة. نحن ذاهبون إلى معالجة قضية وملف ملح جدًا ومؤثر جدًا في حياة اللبنانيين.

وهذا هو المتاح. نأمل أن نتعاطى جميعًا إن شاء الله بروح المسؤولية بعيدًا عن الاتهامات، لأن التخندق خلف الاتهامات وافتراض النوايا السيئة لن نذهب إلى اصطفاف، ولن نغادر اصطفافًا أبدًا. نحن هنا لا نجامل، لا نجامل رئيس الحكومة ولا بقية القوى المؤيدة لتشكيل جلسة الحكومة. نحن نقوم بمسؤوليتنا الأخلاقية أمام الناس، ومسؤوليتنا الإنسانية أمام الناس من خلال هذه المشاركة.

ختامًا وعودًا على بدء، أشكر لكم جميعًا حضوركم، الذي هو في الحقيقة مساهمة من كل الحاضرين والحاضرات الأعزاء في إحياء أمر وذكر هذا القائد الكبير والعظيم، الذي سوف نبقى نحتاج دائمًا إلى روحه وفكره وعطائه ودافعيته وحافزيته وحضوره الكبير في ضمائرنا وأرواحنا وعقولنا وإرادتنا. مشكورين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى