مواضيع

الشهيد عبدالكريم فخراوي فخر الشهداء

من هو الشهيد عبدالكريم فخراوي؟

الشهيد عبدالكريم فخراوي هو رجل أعمال بحریني من موالید عام 1962م، عُرِف كناشط سیاسي واجتماعي، وعُرِف في أوساط المجتمع بأعماله الخیریة الكثيرة والكبیرة، وقد انخرط في العمل بالتجارة مع والده منذ صباه. هو متزوج ولدیه ابنتان زهراء وسارة، كما قام الشهيد عبدالكريم فخراوي بتربیة ابني أخیه محمد وعلي أحمد بصفته الوصي علیهما ویعدهما بمثابة ابنیه.

الشهيد عبدالكريم فخراوي هو عضو مؤسس لجمعیة الوفاق، ورئیس مركزها الاستثماري منذ العام 2005م، و حتی استشهاده. كما انه عضو مؤسس لجمعیة سید الشهداء الخیریة الثقافیة، عضو الهیئة الاستشاریة لمشروع «إسعاد الطفل» في صندوق المقابة الخیري، عضو اتحاد الناشرین العرب،وعضو غرفة تجارة وصناعة البحرین.معروف عنه تواضعه الجم وذكاؤه الحاد ودماثة خلقه وابتسامته الدائمة.

 مقاولات فخراوي، هي مقاولات درجة أولی، فقد قامت بإنشاء العدید من المشاریع التجاریة والسّكنیة في مختلف أنحاء البحرین، وفازت بمناقصة مشروع بناء السفارة العراقیة، وكانت من المشاریع المهمة علی مستوى البلد، وللمبنی طابع تراثي أكثر من رائع، كما فاز بمناقصة مشروع بناء السفارة القطریة، والذي تم سحبه فور استشهاده. هو أحد المستثمرین الرئیسیین في صحیفة «الوسط»، وعضو مجلس إدارتها منذ التأسیس في فبرایر 2002م، و حتی استشهاده في أبریل 2011م.

كان الشهید الحاج عبدالكریم فخراوي صاحب مبادرات في العمل الخیري، وقد كان من مؤسّسي عدد من الجمعیات الخیریة وساهم فكریاً ومادياً في تنمیة موارد هذه الجمعیات وتطویر برامجها سعیاً لتحقیق الحیاة الكریمة للمحتاجین في الوطن دون النظر إلی طوائفهم وأعراقهم،وإقتداءاً منه بأهل البیت علیهم السلام لم یكن یردّ أيّ سائل وأصبح مشهوراً بهذه الصفة.

كيف تم اعتقال الشهيد عبدالكريم فخراوي

في مساء السبت بتاریخ 2011/4/2م وعند الساعة 11:30 تم اقتحام منزل الشهید عبدالكريم فخراوي الكائن بكرباباد من قبل قوات الحرس الوطني ولم یكن الشهید عبدالكريم فخراوي حینها بالمنزل إذ بما أنه كان متوقعاً أن یتم اعتقال الشهيد عبدالكريم فخراوي خصوصا في تلك الأوضاع المأساویة التي عاشتها البحرین إذ كان كافیاً أن یذكر اسم شخص ما في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لیتم اعتقاله.

وهنا تجدر الإشارة أن الشهید تم التعرض لشخصه ومكتبته في العدید من تلك الوسائل الإعلامیة المعروفة، وحیث إن المستهدفین كانوا رجالات الوطن المخلصین ومما لا شك فیه أن الشهید كان من أخلص رجالات هذا الوطن وعلیه كان اعتقاله متوقعاً.
وكان الشهید عبدالكريم فخراوي یهدف من مكوثه خارج البیت فقط إبعاد بنتیه زهراء وسارة عن المناظر البشعة بسبب الأسلوب المتبع في الاعتقالات لیس أكثر إذ إنه رحمه الله قد أخبر ابني أخیه محمد وعلي اللذان كان یتقاسم معهما الأفكار والمشاورات لأنهما أقرب الناس إلیه بذلك وقال لهما تصمیمه بتسلیم نفسه إن تم اقتحام منزله لاعتقاله.
وقامت قوات الحرس الوطني بتكسیر محتویات منزله وسرقة العدید من المقتنیات الثمینة من ضمنها عدة ساعات وأجهزة الحاسوب إضافة إلی سرقة حصالات الصدقة التابعة للجمعیات الخیریة.

اعتقال الشهيد عبدالكريم فخراوي

في الصباح ذهب الشهید عبدالكريم فخراوي برفقة أحد الموظفین لدیه إلی مركز شرطة أرض المعارض للإبلاغ عن ما حصل من اقتحام وسرقة لمنزله فأجابه الشرطي : أنت تتهم الشرطة بذلك؟ فرد علیه : أنا لم أتهم أحداً ولكن ذكرت ما حصل وإن كنتم تبحثون عني فأنا هنا موجود فقال له الشرطي أمهلنا نصف الساعة لإجراء الاتصالات وإن شئت أن تنتظر هنا فانتظر أو اذهب وارجع بعد نصف ساعة فاختار الشهید الرجوع إلی المنزل ونقل إلی الأهل ما دار من حدیث بینه وبین الشرطي في المركز وبالرغم من صعوبة الموقف و الوضع آنذاك إلا أنه كان طبیعیاً جداً وذلك لما یتمتع به من الشجاعة.

وبعد نصف ساعة عاود الذهاب إلی المركز المذكور برفقة عامله الباكستاني الذي طلب منه في الطریق حسب قوله بإلحاح لعدم الذهاب إلی مركز الشرطة ویقول العامل الباكستاني كان الشهيد هادئاً جداً ورابط الجأش فوضع یده علی كتفي وقال لي ما بك خائف؟

انظر إليّ إنني لست خائفاً فكن مثلي، سأذهب إلی مركز الشرطة وإن شاء الله لا یكون إلا الخیر. وبعد وصوله هناك انتظر لساعات وفي هذا الوقت كانت له عدة اتصالات من ضمنها مع الأهل وقال إنه مازال ینتظر، واتصال آخر مع الدكتور منصور الجمري حیث أخبره بما جرى وهو الآن في مركز الشرطة ولا یستطیع حضور اجتماع مجلس إدارة صحیفة الوسط ویبدو أن هذا الإتصال هو الأخیر له .

عند الساعة الواحدة ظهراً طرق العامل الباكستاني باب المنزل وعیناه تدمعان لیخبر عن اعتقال الشهید عبدالكريم فخراوي وفیما بعد ذكر للعائلة أنه شاهد بنفسه مجموعة من الملثمین جاءوا إلی مركز شرطة أرض المعارض وبمجرد أن وصلوا وضعوا الشهید في الزاویة وقاموا بضربه.

بعد اعتقال الشهيد فخراوي ،كیف تم تعذیبه بحسب ملف الدعوى؟

منذ اعتقال الشهيد عبدالكريم فخراوي ثم نقله إلی أحدى الزنزانات في سجن الحوض الجاف، بقي معصب الأعین ویدیه مقیدة بالقیود الحدیدیة إلی خلف ظهره، كما هو شأن جمیع الذین كانوا في السجن لأسباب سیاسیة تتصل بالأحداث التي جرت في فبرایر ومارس 2011، إذ كان هؤلاء یجبرون حتی علی النوم وهم بهذه الحالة، وقد كانوا یتعرضون لوجبات من الضرب، ویجبرون علی الوقوف معظم ساعات الیوم في مكانهم ویتعرضون للضرب بمجرد الجلوس، ویمنعون من الكلام مع بعض في الزنزانة ویتعرض المعتقل للضرب بمجرد سماعه یتحدث مع المعتقل الآخر معه في الزنزانة، وبرنامج الضرب والشتم كان برنامج مستمر طوال الیوم، في الفترة التي كان المجني علیه موجوداً فیها في السجن.

بعد فترة قصیرة من اعتقال الشهيد عبدالكريم فخراوي وخضوعه لهذا التعذیب الوحشي والمعاملة القاسیة والمهینة، بدء یظهر علیه أثر الانهیار لذلك كان المجني علیه بمجرد أن یبدأ قلیلاً في الكلام ویرتفع صوته یأتي رجال الأمن المشرفین علی الزنزانة لضربه مما یمكن إثباته بشهادة الشهود.

يقول السيد مرتضى السندي: بعد شهر أثناء وجودي في سجن الحوض الجاف تم اعتقال أحد الأخوة وجلبوه لنا في السجن، وأخبرنا بأن عبدالكريم فخراوي استشهد خلال التعذيب، وأنا احتملت بأن الذي رأيته هو عبدالكريم فخراوي، ومع الأيام تم فتح الزنازين لنا، وقمت بالتحدث مع الأخوة وعرفت بعدها بأن الشخص الذي كانوا يجرونه هو الشهيد عبدالكريم فخراوي، وبعدها عندما قرأت تقرير بسيوني تيقنت بأنه كان الشهيد عبدالكريم فخراوي.

الشهيد عبدالكريم فخراوي السياسي الوحدوي

الشهيد عبدالكريم فخراوي في خارطة الأحزاب السياسية لم يكن يعرف حزباً .. كان يعمل عملا سياسياً قائماً على الوحدة، فكان يرأس دائرة الاستثمارات في جمعية الوفاق إلا أنه أدرك أن وحدته لا تتناقض ووجوده في مكانٍ ما .. كان كريم يملك علاقاتٍ رائعة مع جميع الأحزاب، لا لأنه حزبي، فكان يمقت الحزبية الموجودة ويسعى لإذابتها، فكان يرى نفسه كريم الوطن…

كريم الثورة كريم، كان كريم تلك الروح التي سجلت حضورها الواعي، ففي الثورة كانت روحه تقوده إلى الرفض وإلى الصمود .. إلى إثبات الذات للدين والوطن والعزة وطلب الحقوق، كريم منذ الرابع عشر من فبراير كانت رجله لا تكل عن حضور فعاليةٍ هنا ومسيرةٍ هناك، و حتى وجوده السياسي كان حاضراً، ويشهد على ذلك ميدان الشهداء، فقد كان كريم مشروعاً مهيئاً، و كان أحد أولئك الذين يسددون كل فعل نافع، فكان الباسم في وجه كل الشعب ..

كان الشهيد عبدالكريم فخراوي الغاضب على من قتل الشهيد المشيمع، فقد شارك في تشييعه، والغاضب لقتل الشهيد أبوحميد، والغاضب لمجزرة الخميس الدامي، وكان حاضراً فيها، وكان كريم بروحه الثورية لا يترك مجالاً للثورة في حياته إلا وكان فيه، و لم يقبل الهوان فكانت لحظة العروج، وكان الشهيد فخراوي السياسي الوحدوي.

خاطرة للشهيد محمد الساري حول الشهيد عبدالكريم فخراوي

ما يلح لنا في قضية الشهيد عبدالكريم فخراوي هو التذكير بعظماء التاريخ وعلى رأس العظماء شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام، فالإمام الحسين عليه السلام كان مشروعٌ لأمة، وله أهداف حيث حققها وأنجى هذا الإسلام من التطرف والانحراف، وختم حياته بالشهادة، وكذلك الشهيد فخراوي حيث كان له أهداف ومن ضمن هذه الأهداف وأهمها هو إنجاح هذا الصرح العظيم في كتبه وما تبناه من العلوم.

ومن الجانب الاقتصادي سعى لتطوير الاقتصاد بما يلوح إلى هذا الوطن من الخير والصلاح ..

الشهيد عبدالكريم فخراوي حقق ما يصبو إليه، ولهذا هو في آخر حياته تحدى الموت من أجل أن يبقى هذا الصرح، فنحن سمعنا عن خبر استشهاده ووقتها كنت داخل السجن وكان خبرٌ مفجعٌ لنا نحن كمعتقلين، وسمعنا بأنه كان يتحدى الموت بهتافات التكبير وعدم المبالاة للتعذيب الذي كان يجري عليه، ومن الملاحظ بأن صرح الشهيد قد بقى، وعندما نقرأ أي كتاب في مكتبته أو في مكاتب أخرى يلوح لنا دائماً اسم الشهيد فخراوي.

الشهيد الأب المربي …وصية الشهيد عبدالكريم فخراوي لابنته

كانت شخصیّة الشهيد عبدالكريم فخراوي شفّافة لا مجال للكذب والتملق والنفاق فیها .. روحه الطاهرة تتّسع لاحتواء المحسن والمسيء .. .. كان الإیمان سمته .. ومستعد لتقدیم الغالي والنفیس من أجل إعلاء كلمة الله ورقيّ الوطن والمواطن .. لو التمّ جمع شهداء البحرین لافتخر هؤلاء بوجوده معهم .. لذلك هو ” فخر الشهداء “.

تقول ابنة الشهيد عبدالكريم فخراوي ، عندما سألتني والدتي يوماً : ماذا لو خيروك بأن يرجع والدك ليعيش معنا او ستستمر حياتنا هكذا؟! فاخترت بأن يرجع والدي معنا كما كان، فاستغربت أمي وتساءلت : لم يا ابنتي؟! فأنت تعلمين بأن هذه الكرامة التي نالها أباكِ لا يُعلى عليها، فأجبتها باطمئنان : أنا على يقين إن لم يستشهد والدي، وعاش حياته، وتوفى وفاةً طبيعية لكان مصيره حتماً الجنة؛ لأنه الإنسان المؤمن والوفي لله سبحانه وتعالى.

فكرت بعد عامٍ أن الله يختارُ الشهادة لمن يستحق ذلك، وأشكر المولى الذي أكرم والدي بالشهادة، لأنه كان يستحقها، أكملت عاماً وأنا أفتقد والدي الحنون الذي عمل لراحتي وكثيراً ما أتذكره وهو ينصحني بالخصال الزينبية والالتزام بالحجاب الإسلامي.

الشهيد عبدالكريم فخراوي ليس كجميع الآباء .. نعم فهو أبٌ استثنائي، وكان يعاملني باستثنائية أيضاً، كثيرا ما كان يرغبني في صلاة الفجر أول وقتها، فتعودت عليه بشوش الوجه، حتى في الصباح الباكر، فكان يمازحني دائماً بالرغم من كبر سنه، فالجميع في المنزل يفتقده، تفتقده أمي في جميع نواحي منزلنا، وتفتقده في كل خطواتها، فكانت هي رفيقة دربه التي يعتز بها، فكان خير زوج، وكانت نعم الزوجة التي حملها على كفوف الراحة،

تفتقده أختي فاطمة وتحن إليه، فكان نعم أبٍ، قام بتربيتها وزرع فيها العشق الإلهي، ومحبة أهل البيت للسير على نهجه، فكان يفخر بها بنتاً صالحة، وتفتقده ليداعب ابنها ويمازح زوجها، تفتقده أختي الطفلة الحنونة سارة، تفتقده ليصاحبها إلى المدرسة ويلعب معها، تفتقده حين كان يذهب إليها ويحتضنها ويركض معها على شاطئ البحر، تفتقده وتحضن قميصه ليلاً قبل النوم لتشعر بوجوده.

إقرأ اكثر عن الشهيد عبدالكريم فخراوي في كتاب فخر الشهداء.

ماذا قال الناس عن الشهيد عبدالكريم فخراوي ؟1

بسم الله الرحمن الرحيم

( من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا ).

صدق الله العلي العظيم

إنّ البطل الشهيد عبدالكريم فخراوي من أبرز مصاديق أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد عرفته مذ عرفته مؤمناً صادقاً ثابتاً على الإيمان موالياً لأولياء الله و معادياً لأعداء الله، مضحيّاً في سبيل الله بالمال و النفس فهو من أولئك الذين بشّرهم الله سبحانه بالفوز العظيم إذا قال سبحانه ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله قيُقتلون و يُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم ).

فطوبى للبطل الشهيد عبدالكريم فخراوي الذي حمل وسام الفوز العظيم اقتداءاً بأميره و مولاه العظيم سيد المتقين و إمام الموحدين قائد البررة و قامع الفجرة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل صلوات الله و صلوات المصلين.و السلام عليه يوم وُلد و يوم استشهد و يوم يبعث حياً.

كيف كانت علاقة الشهيد فخراوي بوالدته ؟

كان هناك أخ أكبر لدى الشهيد عبدالكريم فخراوي ، وكان يسكن مع والدته في نفس المنزل، ولكن كان الشهيد يهتم بأمور والدته أيضاً، ففي بعض الأحيان يكون في اجتماع، ويصله خبر بأن والدته مريضة ويجب الذهاب بها إلى المستشفى، فكان يأخذ الإذن من الذين في الاجتماع، ويخرج ليأخذ والدته ويذهب بها إلى المستشفى.

كانت والدة الشهيد دائمة الحضور في المآتم ومصيبة الإمام الحسين ” عليه السلام “، ففي الفترات الأخيرة كان نقلها من المنزل إلى المستشفى صعب جداً، لكن الشهيد كان يحرص بأن ينقلها رغم الصعوبة من المنزل إلى المأتم لكي تحضر ذكرى مصيبة الحسين ” عليه السلام “.

الشهيد عبدالكريم فخراوي مع ابنته

علاقة الشهيد المميزة مع بناته2

بالنسبة لابنتي فاطمة، فمجرد أن يمر يومان ولم يرَ فيه فاطمة كان يقول لها بأنه ” مر يومان ولم أركِ، فأين كنتِ؟ “، أو كان يتصل لها لكي تحضر، وتجتمع العائلة مع بعضها البعض، ففي كل جلسة للعائلة كانت الجلسة عبارة عن عبر وإرشادات ونصح من الشهيد، حتى في آخر مرة اجتمعنا مع بعضنا، و جلس في ذلك اليوم معنا ونصحنا بأن ” الإنسان حين تعرضه للبلاء يجب أن يتوجه إلى رب العالمين “، وأيضاً قال : ” بعد تعرضنا للبلاء يجب أن لا ننسى مولاتنا الزهراء سلام الله عليها فالتجئوا إليها “.

أما بالنسبة لابنتي زهراء، كان الشهيد عبدالكريم فخراوي يحتضنها كثيراً، وكان يوصيني بأن أعامل ابنتي زهراء معاملة خاصة؛ ولأنها كانت قريبة جداً من أبيها، وكونها في سن حساس فكان يحضنها ويقول ” أن زهراء أمي “.

بالنسبة لسارة التي كان عمرها حين استشهاد أبيها 8 سنوات، فقد كانت دائماً تقبل يد أبيها وتقول له : ” تصبح على خير بابا “، ولا زلنا إلى هذا اليوم تضع سارة قميص أبيها على مخدتها وتنام، فما مصير الظالم الذي جعل طفلة عمرها 8 سنوات تدور على قميص أبيها لكي تشعر بالاطمئنان والاستقرار النفسي وتنام، ولابد أن لهذا الظالم يوم.

الشهيد فخراوي

عهد رفيقة العمر بقلم زوجة الشهيد

الشهيد عبدالكريم فخراوي .. أي عبدٍ ذلك الذي أوفى بعبوديته فكان الكريم .. لحظاتي وأنت تمر سريعاً لا أتذكر إلا الكرم وروح العبودية لله وحده فيك .. روحك تُحلِّقُ وتُحلِّقُ .. في يوم رحيلك مر الشريط سريعاً أمامي .. مواقف ومواقف لا تحصى تلك التي مرت، بسمتك وروحك النقية الصادقة .. كانت هي العنوان عذب الكلام وأفضله كان حديثك ..

أتذكر .. أتذكر روحك التي تُحلِّقني، توجهني كجهازٍ يدير العقل فيه التحكم .. أنت رحلت وتركتني أمام أمانة .. تلك الأمانة تحمل زهراتٍ ثلاث كالتي تهديها لنا في عيدنا .. في كل مولدٍ كنت تسبغ كرمك علينا وهكذا هم أبناؤك وهكذا روحك الكريمة وزعت كرماً لا ينتهي .. وزعت كرماً متنوعاً في فاطمة في زهراء في سارة .. نعم في فاطمة، في زهراء، في سارة ..

في ذكرك يُلحظُ الكرم .. اليوم كل البحرين في ذكراك بعد أن كنت لا تريد حتى اسمك .. فهو الخلود، ها هو الخلود أرادك، لا أنت من أردت الخلود .. فكان الكريمُ كريماً بدمه حتى أرادك الوطن وأردته، فكنت ما كنت، أنت الشهيد وكان هو الوطن .. فكنت شهيد الوطنِ كريم ..

عهدي لك يا زوجي بأن أحفظ الأمانة وأكمل المسيرة، فأنت من علمتني الرباط والمرابطة .. نعم فأنت من علمتني الرباط والمرابطة، وروحك التي ألهمتني الصبر هي من تحركني ..

الابن مُدلِّلًا أمَّه ..

كان عمي عمود خيمة عائلة فخرواي، وقد انكسر العمود الآن، ما زالت العائلة غير مستوعبة كسر عمودها، وما زالت غير قادرة على لملمة حزنها. كل علاقات عمي بعائلته خاصّة، لكنّ أخصَّها علاقته بجدّتي : والدته. فقد كان نسخةً منها في كل شيء، في صفاتها، وفي كرمها، وإصرارها، وعزيمتها، وتواضعها، وحنانها، وتقديم المساعدات للمحتاجين دون أن يعرف أحد.

كانت جدتي تقدّم مساعدات لعدد من البيوت والعوائل لم يُعرف عنها ذلك أحد حتى أصبحت عاجزةً عن المشي، واضطرت إلى تكليف عمتي الصغرى بالتوصيل، كذلك كان عمّي كريم.

لقد أسمته جدتي كريم، فكان الاسم والمُسمّى، يُعطي دون أن يُعرف، حتى أقرب الناس إليه لا يعلمون بما يُعطي. له مساهمات كبيرة لعددٍ من الجهات الخيرية، بالإضافة إلى العوائل والفقراء والأيتام، وعددٍ من الجمعيات الخيرية والمآتم الحسينية، وكل إسهاماته يُقدّمها باسم فاعل خير.

أما عن علاقته بجدتي فقد كان مثالياً في تدليلها، حتى أنها تحب أن تفتعل الزعل كي يُراضيها ويُدلّلها أكثر. يأتي إلى زيارتها مرّتين في اليوم، الثامنة صباحًا والرابعة مساءً، بتوقيتٍ مُبرمَج وثابت، مهما كانت أشغاله وانشغالاته، وعندما يكون مسافراً يتّصل بها في هذين التوقيتين. كان مؤمناً أنّ زيارته لوالدته وبرّه بها ووصله إليها هو سرّ تيسير الأمور له، وفي أحلك الظروف التي يمرّ بها يأتي ويطلب من جدتي أن تدعي له.

لم يكن عمي يترك أحداً غيره يأخذ جدتي إلى المستشفى أو أيّ مكان آخر. يقول مادمتُ أنا موجوداً لا أحد يتكفّل بها سواي. جدتي لا تحب ركوب الاسعاف، وبعد أن صارت غير قادرة على المشي، صار يأتي إليها، يركن السيارة عند باب البيت، يحملها فوق ظهره، ويأخذها للسيارة بنفسه. ولفرط عنايته بها وتدليله إليها، تقول إليه أحيانًا يكفي أخجلتني. يقول لها أنت أمي لو رميتِني بحجر وطردتِني من البيت، أعود لك في اليوم الثاني وأُقبّل يدك التي رمتني. لا أحد غيركِ يعتني بي.

أعتقل واستُشهِد الشهيد عبدالكريم فخراوي ولم يُخبرها أحد، لم يجرؤ أحد، ولا يضمن أحدٌ ماذا يمكن أن يحدث لها إن عرفتْ، تجلس صباحًا، تنتظره عند الثامنة كعادته، يطوف الوقت الذي لم يكن يطوف إلا وهو مُقبِّلٌ يدها، تنزل دمعتها باحتراق : متى يأتي حبيبي الذي يُدلّلني؟ لم أعد ( أزعل ) كي لا يراضيني أحد غيره ..

لقاء عائلة فخراوي مع مرآة البحرين

من لقاء علي فخراوي، ابن أخ الشهيد مع مرآة البحرين

لا نذكر شيئًا عن والدي، المرض غيّبه عنّا قبل أن نعي ما يدور حولنا، كان في سفرٍ مستمر لعلاجٍ لم ينته حتى أخذه إلى الموت، وعمي هو رفيق رحلته الشاقة تلك، وقبلها هو رفيقه وصديقه الأقرب إلى قلبه ونفسه، يقول علي، ثم يضيف : ولأن علاقة والدي بعمي عبد الكريم مميزة جدًا، لذلك أوصى بأن يقوم عمّي بتربيتنا بعد وفاته.

عمّي عبد الكريم صار هو والدنا، بل إننا عرفنا أبي من خلال عمي، كان يتكلّم عنه بحبٍّ شديد، ويحرص أن يُذكّرنا دائماً بأنّ كل ما حدث ويحدث في حياته هو بفضل والدي. لا نعرف ما إذا كان ما يقوله عمي صحيحاً تماماً في هذا، فهو دائماً ينسب الفضل إلى الآخرين في كلِّ شيء بسبب تواضعه الشديد، وهي علامة بارزة في شخصيته.

يكمل علي : ” بعد وفاة والدي بقينا نعيش مع والدتنا، لم تنقصنا المادة فحالتنا المادية جيّدة، لكن كنّا بحاجة إلى قوّة الأب، واحتوائه، وتربيته، ورعايته، وحضوره فينا، وهذا ما أعطانا إياه عمّنا الشهيد تحديدًا.

لم يكن متزّوجاً حينها لهذا كان يزورنا بشكلٍ يومي، يأخذنا معه إلى بيت جدّتي حيث الجميع يُدلّلنا بشكلٍ خاص، ثم يأخذنا إلى حديقة الألعاب أو إلى أحد المطاعم، يتابع أمورنا الخاصّة والعامّة، يُصحّح أخطاءنا، ويُراعي مراحل نضجنا وأعمارنا، كان حريصاً أن يتواجد معنا في كل مرحلة، وأن تكون له بصمته في حياتنا، لديه نَفَسٌ طويل جداً معنا.

في بيت جدتي يسكن عمي الشهيد عبدالكريم فخراوي الطابق الثاني، ننام معه ليالي الإجازات، ففي ليلة الجمعة يأخذنا معه إلى المأتم، ثم نعود ونتناول العشاء، ويأخذنا الكلام حتى ننام، ثم نذهب معه لصلاة الجمعة، ونقضي يوم الجمعة في بيت جدتي ونعود إلى البيت ليلاً.

عندما سافرنا، بتشجيعٍ منه، إلى الدراسة في بريطانيا، كان يحرص على أن يزورنا كل عام، وعندما يأتي نذهب لنسكن معه في الفندق نفسه الذي يسكن فيه، وعندما يفارقنا كانت دموعه تغلبه، وهو الذي لا يبكي بسهولةٍ أبداً، ونحن نغادر دون أن نلتفت للوراء، كي لا تفضحنا دموعنا.


  1. بقلم آية الله محسن الآراكي أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية و عضو سابق في مجلس خبراء القيادة بإيران ↩︎
  2. من كلام عائلة الشهيد عبدالكريم فخراوي حوله علاقته ببناته وأخلاقه المميزة معهم … ↩︎

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى