المحاضرة الخامسة
قوله تعالى: <أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ 14 مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ>[1].
مقارنة بين فريق الحق وفريق الباطل
لا زالت الآيات الشريفة في هذه السورة المباركة تُقارن بين فريقين؛ هما: فريق الحقّ، وفريق الباطل، وفريق الإيمان وفريق الكفر، لكنّ المقارنة هذه المرّة من ناحية امتلاك الأدلّة والعلم والبراهين والرؤية والمشروع؛ فجبهة الحقّ تمتلك مشروعًا متكاملًا ورؤيةً واضحةً قائمةً على أساس الحقّ المطلق <الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ>[2]، ًاو<الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ>[3]، و<وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ>[4]. لكنّ الجبهة المقابلة جبهة الباطل والكفر لم يكن عندهم برهان، وأدلّة، ومشروع؛ بل إمّا أنّهم على باطل مطلق، وإمّا أنّهم خلطوا الحقّ والباطل، وإمّا أنّهم جاؤوا بحججٍ واهية وأوهام اختلقوها تحت عنوان أدلّة مصطنعة ومفبركة مثلما يقولون الآن، فليس عندهم أدلّة صحيحة، بل هي أدلّة مفبركة؛ حيث يقومون بتزيين الأعمال والتسويل وصناعة الصور الإعلامية المنمّقة والتي يحاولون من خلالها أن يبرّروا أسلوبهم وخداعهم ومكرهم وظلمهم وأمثال ذلك، فحتى الظالم الذي في وضح النهار هو ظالم بشكل مطلق، لا يقول أنا ظالم؛ بل يقول: أنا عادل، ويحاول أن يشرح ويبيّن معنى العدل، أو مثلًا الآن في عصرنا الحاضر، نرى أنّ أمريكا وإسرائيل والدول الاستكبارية ومن تبعهم في المنطقة، يتحدّثون عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والعدالة وخدمة المواطن كذبًا وزورًا، وبالواقع هو ازدواجية وتناقض بين الكلام والعمل، وربّما هم على قناعة بأنّ الذي يتحدّثون فيه ليس صحيحًا، لكنّ أهواءهم تسبّب بأن يزيّنوا سوء عملهم على هذا النحو، فالآية الشريفة تبيّن هذا أنه <أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ>[5]؛ أي أنّ جبهة الحقّ وجبهة الإيمان لديهم رؤية واضحة وبيّنة، وعندهم دليل واضح وعلم ومشروع حقّ وبراهين وقوّة إقناع للطرف المقابل ، قال تعالى: <لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ>[6]، و<لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ>[7]، و<كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ>[8]، فهل يتساوى هذا مع من تبع جبهة الباطل الذي لم يكن على بيّنة وبرهان واضح عقلي أو مشروع، وإنما تبع هواه! هذه مقارنة؛ ففريق يعيش في الأوهام نتيجة التزيين والاغترار بعمله وتبعيّته للأهواء، وفريق يعيش برؤية واضحة وأدلّة قاطعة، فقد قال الله تعالى في هذا الصدد: <قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا>[9]، يظنون في الظاهر أنّهم أفضل الناس، ولكنّهم حسب الحقّ <الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا>. لماذا؟ لأنّهم <أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا>[10]. هذه هي البيّنة والدليل الواضح في الآية الشريفة من القرآن، وكذلك السنّة المطهرة والأدلة العقلية والمشروع المتكامل والحجّة، وينطلق أتباع الحقّ من الحجّة ومن الوظيفة، وهذا يعني امتثالهم للشرع المقدّس.
تزيين سوء العمل
<أَفَمَنْ كَانَ> استفهام إنكاريٌّ، والتزيين هو طبيعة الإنسان، والتزيين يعني التبرير، واصطناع أدلّة وهميّة، دائمًا وأبدًا؛ فعادة ما يقوم هؤلاء الفاسقون والظالمون والفاجرون، وكذلك المسلمون المتراخون الذين لا يهتمون بتربية أنقسهم وتربية أسرتهم ومجتمعهم وأداء واجباتهم، بتبرير أعمالهم هذه، فإذا قيل لأحدهم: لماذا أنت على هذه الحال؟ فإنّه يقول: إنّ الظروف المحيطة بي لم تساعدني، فأنا فقير، أو الوالد والوالدة والبيئة الاجتماعية لم يعينوني؛ أي أنّه دائمًا يلقي اللّوم والتقصير إمّا على الأسرة، أو على الاقتصاد، أو المجتمع، أو يلوم الحكومة والحكم، وأمثال ذلك حتى يبرّر ما يقوم به وما هو عليه، والحال أنه طالما لم يكن الإنسان مسلوب الإرادة فهو مسؤولٌ عن عمله وباستطاعته أن يتغيّر.
عوامل التزيين في القرآن
ومن المهم أن نتحدث عن عوامل التزيين في القرآن، فعوامل التزيين ثلاثة:
أولًا: في سورة النمل، يُنسب هذا التزيين لسوء العمل، إلى الله تبارك وتعالى في الآية الرابعة منها؛ حيث يقول الله تعالى: <إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ>[11]؛ يعني أنّ الله يزيّن لهم سوء الأعمال حتى يبرروا.
ثانيًا: وفي وسورة العنكبوت إلى الشيطان: <وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ>[12] الشيطان يزيّن الأعمال.
ثالثًا: الآية الأخرى التي تتحدّث عن التزيين هي نفس هذه الآية محل البحث؛ حيث تقول: <وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ>[13]، التزيين ناشئ من هوى النفس.
فما هو الصحيح؟ كيف يمكن الجمع بنين هذه الآيات؟ فالله يزيّن سوء العمل، والشيطان يزيّن سوء العمل، وهوى النفس يزيّن سوء العمل، فمن هو المقصر؟ عندما تنسب الآية تزيين سوء العمل إلى الله، فهذا يعني أنّ الله تبارك وتعالى يعطي القدرة للإنسان في التصرف، ووزان هذه الآية عندما تقول: <زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ> هو الآية التي تقول: <إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا>[14]، أو قوله تعالى: <فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا>[15]؛ أي أنّ الله يعطيه القدرة ويعطيه الأسباب والمسبّبات، لكنّ الخيار له وبعهدته. والشيطان يُنسب له تزيين الأعمال وسوء الأعمال؛ لأنّه يوسوس في صدور الناس.
إذًا؛ الباعث الأساس والمفتاح لتزيين الأعمال الهوى والرغبة، فقد روى أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص): «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ [اثْنَتَانِ] اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الآْخِرَة»[16]. الشاهد هنا أنّ اتّباع الهوى يصدّ عن الحقّ ويمنععنه ، وأحد أساليب المنع عن الحقّ هو التزيين، تزيين سوء العمل وتبرير الأعمال الباطلة، أو كما يقول أمير المؤمنين (ع) أيضًا: «كمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِيرٍ تَحْتَ هَوَى أَمِيرٍ»[17]. والتكليف هو أن تجاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم. ثلاثة أمور ينبغي للإنسان أن يواظب عليها: هوى النفس، وحبّ الدنيا، والشيطان. فبماذا يتعلّق حبُّ الدنيا؟ إنّه يتعلّق بالإغراءات، والثروة، والشهوة، والمنصب، والشهرة، والفرصة، فالإنسان يستفيد منها حتى يتقدّم في الدنيا، والشيطان من الخارج يحرّك الإنسان، فيقول له: لا تضيّع هذه الفرصة ولو كان المال من حرام، ولو كانت القضايا غير صحيحة ولا شرعية. لكن بالنهاية متى يكون الخيار؟ إنّه تابع لهوى النفس، كما قلنا: «مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ إِذَا رَغِبَ، وَإِذَا رَهِبَ، وَإِذَا اشْتَهَى، وإِذَا غَضِبَ، وَإِذَا رَضِيَ، حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّار»؛ يعني أنّه ينبغي للإنسان أن يمتلك هوى النفس. إذًا؛ الآية تقول: <أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُم>[18] بمعنى هل يستوون؟ كلا؛ فهذا على حقٍّ واضح، وذاك يزيّن سوء الأعمال.
مقايسة المصير في الجنة والنار
ثمّ إنّ الآية تنتقل إلى مقايسة ومقارنة أخرى؛ هي مقارنة في نهاية المصير في الجنة والنار، فيقول الله تبارك وتعالى: <مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ>[19]، فخالدٌ في النّار: يعني أصحاب النار، فكيف تتمُّ المقايسة؟ مقايسة الجنة ومقارنتها مع أصحاب النار، والمفترض أن تكون المقارنة مثل أهل الجنة مثل الأتقياء، فلماذا قال الله تبارك وتعالى هنا: <مَثَلُ الْجَنَّةِ>؟ الجواب: الجنة هي تجسيد لأعمالنا، والنار أيضًا تجسيد لأعمالنا <وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ>[20]، فما هي حقيقة عملنا؟ إنّ هذا العمل يتحوّل إلى جنّة أو نار؛ أمّا القاسطون <فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا>[21]، فهم يصيرون حطب جهنم، أو <وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ>[22].
أمّا بالنسبة للجنة، فهكذا أيضًا تتحدّث الآية الشريفة: <مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ>[23]، وهذه الأنهار هي عبارة عن المعارف الإلهيّة الحقّة التي يتلقّاها الإنسان في الدنيا ويعمل بها، فهي تتحوّل إلى أنهار الجنة، فالمقايسة من هذه الناحية. وهذه النقطة الأولى.
النقطة الأخرى: بيان مفردات هذه الآية الشريفة، فبالنسبة للمفردات تقول الآية الشريفة: <مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ> بامتثال أوامره واجتناب نواهيه سبحانه، فالمتّقون يأتمرون بأوامر الله وينتهون بنواهيه، ووعدهم أن يدخلهم فيها، تلك الجنة التي فيها أنهار وعيون. وهنا يتحدّث عن أربعة أنهار:
أولًا: أنهار من ماء غير آسن، والماء غير الآسن هو الماء الذي لم يتغيّر طعمه ولا لونه ولا رائحته ولا يتحوّل إلى ماءٍ نتن، فهذا الماء لا يتحوّل ولا يتغيّر بسبب طول المكث.
ثانيًا: فيها أنهارٌ من لبن، هذا اللبن أيضًا لم يتغيّر طعمه.
ثالثًا: وفيها أنهار أيضًا من عسلٍ مصفّى من الشوائب. ولهم فيها أيضًا من كلّ الثمرات.
رابعًا: ومن هذه الأنهار أيضًا، أنهار من خمر لذيذة للشاربين.
هناك ثلاث صفات سلبية للأنهار التي ذكرت، وهي:
الوصف السلبيّ الأول: أنهار من ماء غير آسن؛ أي لم يتغيّر طعمه ولونه ورائحته.
الوصف السلبيّ الثاني: أنهارٌ من لبن لم يتغيّر طعمه.
الوصف السلبيّ الثالث: أنهارٌ من عسل مُصفّى؛ أي ليس فيه شوائب العسل، فيكون نهرًا جاريًا صافيًا.
وهناك وصف إيجابي واحد وهو: لذّة للشاربين.
ثمّ بعد أن ذكرنا هذه الصفات الأربع لأنهار الجنّة الأربعة التي سنتحدّث عنها أكثر فيما يأتي، نشير إلى أنّ الحديث لم ينتهِ بهذه الأنهار الأربعة لأهل الجنة؛ بل وفيها من كلّ أنواع الثمرات <وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ>[24]، وهذه نِعَمٌ مادّية، والنّعم المعنوية هي <وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ>[25]، الله تبارك وتعالى يمنحهم غفرانًا وعفوًا ومحوًا لذنوبهم، فلا يؤاخذهم بالذنوب. والآن هل يستوي المتّقي الذي يتّصف بهذه المواصفات مع من هو ماكثٌ في النار لا يخرج منها أبدًا <خَالِدِينَ فِيهَا>[26]، <وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا>[27]؛ أي ماءً شديد الحرارة؟ ثمّ إنّ هذا الماء الشديد الحرارة على أيّ مستوى يكون؟ <فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ>[28]؛ يعني فقطّع أمعاء بطونهم من شدّة حرارته، فهل يستوي هذان الفريقان؟ كلا. ثمّ إنّه لا يوجد إشكال في الأنهار الثلاثة التي هي: من ماءٍ غير آسنٍ، ولبن لم يتغيّر طعمه، وعسل مصفى.
حقيقة خمر الجنة
فأين الإشكال إذًا؟ الإشكال يرد على (خمر لذّة للشاربين)، فكيف نفسرّه؟ الآية الشريفة الواردة في الخمر تقول: <إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ>[29]. إذا كان هذا الخمر ذنبًا، وفيه خباثة وسوء، فالمفترض أن لا يكون في الجنة ذلك، فكيف يمكن تصور أن يكون هذا الخمر لذّة للشاربين وهو في الدنيا حرام؟! كيف يمكننا أن نحلّ هذا التناقض؟!
الجواب: الخمر الأخروي يختلف ماهيّةً عن الخمر الدنيوي، فكيف يكون الخمر في الجنة؟ قال الله تعالى: <يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ 17 بِأَكوابٍ وأَباريقَ وَكأْسٍ مِنْ مَعينٍ>[30]؛ أي كأس من خمر معين، <لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ>[31]، لا يصيبهم صداع بسبب خمار يحصل من الخمر، <وَلا يُنْزِفُونَ>؛ يعني ولا يزول عقلهم بالسكر الحاصل منها؛ فإنّ فلسفة تحريم الخمر في الدنيا هو زوال العقل؛ حيث توجد مقاصد خمسة للشريعة هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ العقل، وحفظ المال، وقد شرّع الله تبارك وتعالى لحفظ الدين الجهاد في سبيل الله، وشرّع لحفظ النفس القصاص، وشرّع لحفظ العرض أحكام الأسرة وأحكام الحدود والتعزيرات التي تتعلّق بالزنا، وشرّع لحفظ العقل حرمة شرب الخمر وأوجب فيه الحد الموجود، وشرّع لحفظ المال حدّ السرقة، لكنّ خمر الجنة يختلف، فخمرها لا يسبّب صداع رأس ولا زوال عقل، وهذا بصريح الآية الشريفة.
حقيقة الأنهار الأربعة
والآن فنريد أن نتحدّث عن تلك الأنهار الأربعة بنحوٍ أكثر تفصيلًا، فقد قال الله تبارك وتعالى في آيات أُخر: <إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ>[32]، وقال سبحانه: <إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ>[33]. إذًا؛ توجد عيون في الجنة، وقال الله تعالى في سورة الإنسان أيضًا: <عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا>[34]، فقوله سبحانه: <يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا> يعني أعمالهم في الدنيا، تتحول هذه العين إلى عين مفجّرة تجسيدًا لأعمالهم، وهذا العمل هو العمل الذي يتعلّق بالولاية الخاصّة التي تحدثّنا عنها سابقًا. وترتبط هذه الآية بولاية محمّد وآل محمّد (ص)، <عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ>[35]، فهذه العين خاصّة بالمقرّبين من أولياء الله. ثمّ إنّ حقيقة هذه الأنهار الأربعة هي تجلّيات وظهور ملكوتي وتجسيدٌ لأعمال المتّقين وتجسيد لعلومهم ومدى ارتباطهم بولاية محمّد وآل محمّد (ص)، فكيف تُخلق تلك الأنهار الأربعة؟
تُخلق تلك الأنهار الأربعة من خلال العلم، والإيمان، والولاية، والالتزام بخط ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وتلقّي المعارف الإلهيّة. فالتجسيد الملكوتي لهذه الأنهار الأربعة يتعلّق بعمق تلك الولاية، ونحن قد تحدّثنا في الآيات السابقة عن وجود خطّين هما: خط الولاية، وخط أعداء الولاية، فخطّ الولاية وخط أعداء الولاية يتجلّيان في الحضور في الميدان، ومن ذلك الميدان، ميدان التضحية والفداء، وميدان نصرة الدين، ثمّ جاءت المقارنة بأبعاد مختلفة إلى أن وصلنا إلى المقارنة بين الجنة والنار، والمقارنة بين الجنة والنار تتعلّق أيضًا بخطّ التولّي والتبرّي، وخطّ الولاية وخطّ أعداء الولاية. وعلى الرّغم من أنّ ظاهر هذه الأنهار الأربعة أنها أنهار أربعة: نهرٌ من ماء، ونهر من لَبَن، ونهر من عسل، ونهر خمر لذّة للشاربين، إلا أنّ حقيقتها وعمقها والبُعد الملكوتي لها أنّها تُخلَق من خلال المعرفة، والمحبّة، والارتباط، والشفاعة، والتوسّل بمحمّد وآل محمّد (ص).
الشراب الطهور وحوض الكوثر
يقول الله تعالى في آيات أُخرى: <وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا>[36]. الطَّهور: طاهر ومطهِّر، وليس طاهرًا فقط. الطاهر في الجنة معلوم أنه طاهر، ولكنّه مطهِّر أيضًا، فمن أيّ شيء هو مطهر؟
الجواب: إنه يتخلّص هناك من أيّ شائبة تتعلّق بالشرك الخفي، فروحه، وقلبه، وعقله، ونفسه، ووجوده، يتعلّق بربّ العزّة والجلالة مطلقًا من خلال هذا الساقي شرابًا طهورًا، فهذه الأنهار الأربعة في رواية عن رسول الله (ص) أنّها موجودة تحت شجرة طوبى، ولا شكَّ في وجود حوض وأنهار أُخرى، وهذا الحوض هو حوض الكوثر، وحوض الكوثر تحت بطنان عرش الله، والذي يسقي من هذا الحوض والقائم عليه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
ثمّ هناك آيات أخرى تتحدّث عن هذا الساقي من الشراب الطهور؛ مثل الآية الشريفة: <وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا>[37]، فلماذا الزنجبيل دون غيره؟ لأنّ طبع الزنجبيل حارٌّ، فذلك الإنسان المتعطّش والمرتبط بعمق الولاية يتشوّق إلى الارتباط وإلى أن يكون من رفقاء أولياء الله ليُسقى من الكأس الذي فيه لذّة للشاربين. والشراب طهور لكنّ مزاجه من زنجبيل، مزاجه مزاج حار، وأحيانًا لا يحتاجون بالواقع إلى شراب؛ فهذا الشراب الطهور يتجلّى فيه الجمال الإلهيّ ويعطيهم طمأنينة وسكينة، فيعطونهم كأسًا بالواقع <إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا>[38]. لماذا مزاجها الكافور؟ هنا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس؛ فمزاج الكافور في الدنيا بارد، فالكافور هو مادّة باردة، فيحتاج المؤمن إلى تهدئة وراحة بال؛ أي يُصلح بالهم ويمنحهم سكينة وراحة وطمأنينة وتجليًا للجمال الإلهيّ. طبعًا؛ في المقابل: الإنكار، والجحود، والجهل، والعداء، والاستكبار، فهنا يتحوّل ذلك إلى حميم ونار حامية، تقول الآية الشريفة: <تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً 4 تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ>[39].
أمّا الأبرار، فيقول الله سبحانه أيضًا عنهم: <وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ>[40]. التسنيم: هي عين تجري تحت أقدام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، وتصب في حوض الكوثر. وأمّا ماء حوض الكوثر، فهو مزيجٌ من الرحيق المختوم؛ أي هذا الخمر الذي هو لذّة للشاربين الذي يُسمّى بالرحيق المختوم، ففي بعض الأحيان يختم الإنسان بالطين، لكنّ هذا الإنسان بماذا يُختم؟ إنّه يختم بالمسك والرائحة الطيبة، <وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ>[41]، ومزيج من رحيق محتوم وعين المعين، هذا الخمر المعين يُطهّرُ بماء التسنيم. فما هي حقيقة ماء التسنيم؟ الظاهر ليس له حقيقة، فحقيقة ماء التسنيم محبّة ومعرفة وولاية محمّد وآل محمّد (ص). وهذا يعني أنّ تلك الروايات التي نقرأها في شأن أمير المؤمنين (ع) تتجلّى هناك في هذه العيون وهذه الأنهار «أنا مدينة العلم وعلي بابها»[42]، أو «أنت وليُّ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة بعدي»[43].
لا قيمة للعلم بلا عمل
وهذا الأمر ليس خاصًّا بالعلماء فقط؛ فالعلم إذا لم يمتزج بالعمل فلا قيمة له، ويتحوّل إلى وبال على العالم، فهذا العلم الذي يُدرَس ويُحصَّل مسبوق بعدم وملحوق بعدم؛ أما العدم السابق، فيشير إليه قوله تعالى: <وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا>[44]، وأما العدم اللاحق، فيشير إلى قوله تعالى: <وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا>[45]. تلاحظون أحيانًا أنّ الإنسان تصيبه صدمة فتنمحي ذاكرته، وبعد ذلك لا يعرف أباه ولا أخاه، فتتولّد له الكثير من المشاكل، فإذا كان عند هذا الإنسان علمٌ ظاهريٌّ فقط، وليس عنده علمٌ باطنيٌّ، فإنّه عندما يصل إلى القبر، بعد ما كان يتحدّث بالمعارف الإلهية ستين سنةً أو سبعين سنة، يُسأل: من ربُّك؟ فإنّه لا يعرف الجواب، ومن نبيّك؟ فلا يستطيع أن يجيب؛ لأنّه لم يُعجن التوحيد في عمق وجوده ولم يختمر بعدُ، فهو يفقده داخل عمق وجوده، فالمحفوظات التي تتراكم في الحافظة تُنسى.
وعلى العكس منه، إذا كان أحد أبناء الأمّة حافظًا لأربعين حديثًا بما يتناسب مع شؤونه الدينية ويعمل بتلك الأحاديث، فسيحشره الله تعالى عالمًا فقيهًا يوم القيامة، ويكون من أهل النجاة، وهذه الأنهار تُعطى له ويسقى من ماء الكوثر، وينطبق عليه حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها»، فحقيقة العلم والمعرفة تتحوّل إلى توحيد وإلى عمل صالح وإلى بُعد إلهيٍّ كبير.
أذكر لكم رواية حول الأربعين حديثًا، وهي في كتاب الخصال للشيخ الصدوق بسنده عن جعفر بن محمّد عن أبيه الإمام الباقر عن أبيه الإمام علي بن الحسين عن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال: «إنّ رسول الله أوصى إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان فيما أوصى به أن قال: يا عليّ من حفظ من أمّتي أربعين حديثًا يطلب بذلك وجه الله عزّ وجلّ والدار الآخرة – يتعلّم أحاديث الآخرة ويعمل بها وليس للدنيا – حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، فقال عليٌّ: يا رسول الله أخبرني ما هذه الأحاديث؟.. إلى أن يقول: «فقال: أن تؤمن بالله وحده لا شريك له وتعبده، ولا تعبد غيره، وتقيم الصلاة بوضوء سابق في مواقيت، ولا تؤخرها، فإنّ في تأخيرها من غير علّة غضب الله». إلى آخر هذه الرواية الشريفة فهي طويلة[46].
إذًا؛ تحدّثنا عن تسنيم الذي هو بيد أمير المؤمنين، وهذه الأنهار الأربعة تحت شجرة طوبى، ونهر حوض الكوثر تحت بطان العرش، ويسقى الإنسان المؤمن من يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وهذا هو أحد تفاسير الكوثر.
معنى الكوثر
وبهذه المناسبة نتحدّث باختصار جدًا عن الكوثر <إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ>[47]. ومعنى الكوثر – كما قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان – يوجد اختلاف فيه؛ فقيل: هو نهرٌ في الجنة. وقيل: «نهرٌ في الجنة أشدُّ بياضًا من اللبن، وأشدُّ استقامةً من القدح، حافّتاه قباب الدر والياقوت، ترده طيورٌ خضر لها أعناق كأعناق البخت. قال: يا رسول الله ما أنعمت تلك الطيور؟ قال: فلا أخبركم بأنعم منها؟ قالوا: بلى، قال: من أكل الطائر وشرب الماء وفاز برضوان الله»[48].
وروي عن الإمام الصادق: «نَهْرٌ فِي اَلْجَنَّةِ أَعْطَاهُ اَللَّهُ نَبِيَّهُ عِوَضاً مِنِ اِبْنِهِ»[49]. وقيل: هو حوض النبيّ (ص) الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة عن عطاء.
وقال أنس يتحدّث أيضًا عن هذا الحوض بشكل مفصّل وأنّ النّبيّ يسأل عن أصحابه، ثمّ يُقال: «إنّك لا تدري ما أحدثوا من بعدك»[50]. أورده مسلم في الصحيح.
وقيل: الكوثر يعني الخير الكثير، عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد. وقيل: الكوثر يعني النبوّة والكتاب، عن عكرمة. وقيل: الكوثر يعني القرآن، عن الحسن. وقيل: الكوثر هو كثرة الأصحاب والأشياع، عن أبي بكر بن عياض. وقيل: هو كثرة النسل والذريّة، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة بنت محمّد (عليها السلام) بحيث لا يُحصى عددهم اليوم، واتصل هذا النسل إلى يوم القيامة. وقيل: هو الشفاعة، كما عن الإمام الصادق.
وحقيقة الأمر أنّ لفظ الكوثر يعني الخير الكثير، وهذا الخير الكثير ينطبق على جميع المعاني المذكورة آنفًا، وحوض الكوثر أيضًا مُستل من هذا المعنى.
ثمّ هناك رواية عن الشيخ المفيد في المجالس ومحمّد بن أبي القاسم الطبري الشيعيّ في بشارة المصطفى والشيخ الطوسي في الأمالي عَن الْمُفِيد عَنِ ابْنِ قُولَوَيْهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ الْعَمِّيِّ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَابِشِيِّ عَنْ أَبِي الْوَرْدِ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (ع) يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ عُرَاةً حُفَاةً، فَيُوقَفُونَ عَلَى طَرِيقِ الْمَحْشَرِ حَتَّى يَعْرَقُوا عَرَقًا شَدِيدًا وَتَشْتَدَّ أَنْفَاسُهُمْ، فَيَمْكُثُونَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: <فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا>[51] قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ الْعَرْشِ أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ؟ قَالَ: فَيَقُولُ النَّاسُ: قَدْ أَسْمَعْتَ كُلًّا فَسَمِّ بِاسْمِهِ، قَالَ: فَيُنَادِي أَيْنَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَيَقُومُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَوْضٍ طُولُهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ فَيَقِفُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُنَادِي بِصَاحِبِكُمْ فَيَقُومُ أَمَامَ النَّاسِ فَيَقِفُ مَعَهُ، ثُمَّ يُؤَذِّنُ لِلنَّاسِ فَيَمُرُّونَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع): فَبَيْنَ وَارِدٍ يَوْمَئِذٍ وَبَيْنَ مَصْرُوفٍ، فَإِذَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) مَنْ يُصْرَفُ عَنْهُ مِنْ مُحِبِّينَا أَهْلَ الْبَيْتِ بَكَى وَقَالَ: يَا رَبِّ شِيعَةُ عَلِيٍّ يَا رَبِّ شِيعَةُ عَلِيٍّ، قَالَ: فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِ [إِلَيْهِ] مَلَكًا فَيَقُولُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَا أَبْكِي لِأُنَاسٍ مِنْ شِيعَةِ أَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَرَاهُمْ قَدْ صُرِفُوا تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ وَمُنِعُوا مِنْ وُرُودِ حَوْضِي! قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُهُمْ لَكَ وَصَفَحْتُ لَكَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَأَلْحَقْتُهُمْ بِكَ وَبِمَنْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ وَجَعَلْتُهُمْ فِي زُمْرَتِكَ وَأَوْرَدْتُهُمْ حَوْضَكَ وَقَبِلْتُ شَفَاعَتَكَ فِيهِمْ وَأَكْرَمْتُكَ بِذَلِكَ»، وهذه إحدى معاني <كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ>[52] التي تحدّثنا عنها، «ثمّ قال أبو جعفر: فكم من باكٍ يومئذٍ وباكية؟ ينادون يا محمد، إذا رأوا ذلك فلا يبقى أحدٍ يومئذ ٍكان يتولانا ويحبنا إلّا كان من حزبنا ومعنا وورد حوضنا»[53].
ذكرت لكم سابقًا أنّ المعرفة والمحبّة والارتباط والتوسّل برسول الله وأهل بيته يتحوّل إلى هذه الأنهار الأربعة، ويتحوّل إلى اللياقة لنيل شربة من حوض الكوثر من يد رسول الله ومن يد أمير المؤمنين. طبعًا؛ حوض الكوثر مختصٌّ بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
ولا يسع المجال هنا للتوسع أكثر، لكن حتى روايات الثقلين الواردة عن رسول الله (ص) هي أيضًا تتحدّث عن حوض الكوثر. إذًا؛ هذه الآيات التي تحدّثنا عنها تتحدّث حقيقةً عن النتيجة النهائية لولاية رسول الله (ص) وأهل البيت (عليهم السلام)، وهي الاستقامة، هي الأنهار الأربعة تحت شجرة طوبى، والاستقاء من حوض الكوثر، وأنّ الإنسان يكون من رفقاء رسول الله وأهل بيته الكرام (ص). أمّا الذين لا يؤمنون بهذه الولاية ويعادونها ويقفون في مواجهتها ويعادون رسول الله وآله وينصبون لهم العداء، فكما تقول الآية الشريفة: <سُقُوا ماءً حَمِیمًا>[54].
هذه خلاصة الكلام فيما يتعلّق بهذه الآيات الشريفة، وللحديث صلة إن شاء الله. وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
- [1] محمد: 14-15
- [2] البقرة: 147
- [3] محمد: 3
- [4] محمد: 2
- [5] هود: 17
- [6] الحديد: 25
- [7] الأنفال: 42
- [8] محمد: 14
- [9] الكهف: 103-104
- [10] الكهف: 105
- [11] النمل: 4
- [12] العنكبوت: 38
- [13] محمد: 14
- [14] الإنسان: 3
- [15] الشمس: 8
- [16] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج2، ص318
- [17] بحار الانوار، ج66، ص410
- [18] محمد: 14
- [19] محمد: 15
- [20] الصافات: 39
- [21] الجن: 15
- [22] التحريم: 6
- [23] محمد: 15
- [24] نفس المصدر
- [25] نفس المصدر
- [26] نفس المصدر
- [27] نفس المصدر
- [28] نفس المصدر
- [29] المائدة: 90
- [30] الواقعة: 17-18
- [31] الواقعة: 19
- [32] الحجر: 15
- [33] المرسلات: 42
- [34] الإنسان: 6
- [35] المطففين: 28
- [36] الإنسان: 21
- [37] الإنسان: 17
- [38] الإنسان: 5
- [39] الغاشية: 4-5
- [40] المطففين: 27
- [41] المطففين: 26
- [42] علوي عاملي، الحاشية على أصول الكافي، ص44
- [43] الأمالي للطوسي، ص351
- [44] النحل: 78
- [45] النحل: 70
- [46] بحار الأنوار، ج 2، ص 154 -155.
- [47] الكوثر: 1
- [48] بحار الأنوار، ج8، ص16
- [49] بحار الأنوار، ج16، ص311
- [50] شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، ج2، ص262
- [51] طه: 108
- [52] محمد: 2
- [53] بحار الأنوار، ج7، ص102
- [54] محمد: 15