المحاضرة الثانية
قوله تعالى: <فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ>[1].
أحكام المواجهة الميدانية للعدو
هذه الآية الشريفة تتحدّث عن أحكام الاشتباك والمواجهة الميدانية في القتال. الفاء في كلمة <فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا> للتفريع؛ يعني يتفرّع على الاصطفاف بين جبهة الحقّ والباطل، حيث تحدّثت الآية السابقة عن هذا الاصطفاف، فيتفرّع عنه مواجهة الكفّار الظالمين المعتدين الطُغاة المحاربين لله وللرسول، الذين يصفهم القرآن الكريم في آيات عديدة بأنّهم هم العائق الكبير في مسير الحق، ويستفيدون من كلّ إمكانياتهم لمواجهة الحقّ؛ مثلًا: يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه: <وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا>[2]، وهذا يعني أنّهم بالتالي متصدّون. أو يقول تعالى: <لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًا وَلاَ ذِمَّةً>[3]، والإلّ: يعني العهد؛ أي لا يلتزمون بالعهود. والذمة: أي لا يراعون شخصية وكرامة للإنسان المؤمن؛ بل إنّهم يحاولون دائمًا إذلال المؤمنين وإضعافهم وضربهم، والله تبارك وتعالى في الآيات السابقة وصفهم بأنّ أعمالهم ضائعة <أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ>؛ بمعنى أنه لا يستطيع هؤلاء أن يحقّقوا أهدافهم، ووعد المؤمنين في الآيات السابقة بغلبة الحق على الباطل، وذلك بأنّ الله تبارك وتعالى يكفّر السيئات عن المؤمنين (جبهة الحق) <وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ>. وفي آيات أخرى يصرّح بغلبة الحقّ على الباطل؛ مثل قوله تعالى: <يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ>[4].
إذًا؛ من خلال هذا الأمر، إذا حدث اشتباك ومواجهة عسكرية بين جبهة الحق وجبهة الباطل التي تتّصف بهذه الأوصاف؛ إذا حصل اشتباك ولقاء في الحرب والميدان؛ لا في الطريق، ولا في المدن، ولا في البلدان المسالمة <فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ>[5]. المقصود باللقاء هنا: اللقاء في الحرب، وليس اللقاء في المدن والمحافظات والبلدان. كما إذا رأى شخص مثلًا أحد الكفار، فيقول: هذا كافر، فيجب قتله، فهنا الكافر ليس بمحارب، فليس كلُّ كافرٍ محاربًا، وإنّما هذا الأمر في المقام يتعلّق بميدان الاشتباك <فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ>، ضرب الرقاب كناية عن القتل، بمعنى أنّه لا تتردّدوا في قتل هذا الكافر الظالم الطاغي الذي اعتدى، ويحاول إضعاف المؤمنين وإذلالهم، لا تتردّدوا في قتله في ميدان المواجهة؛ سواء أ كان هذا القتل بالضرب أم بالطعن بالرماح أم بالرمي بالسهام أم بالأسلحة المعاصرة، مثل الرمي بالسلاح الفردي أو الطعن بالسكين أو التفجير أو بنار المدفعية أو الصواريخ أو الطائرات المسيّرة، فالمقصود من ضرب الرقاب الغِلظة والشدّة في ميدان المواجهة؛ كما يقول الله تعالى: <جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ>[6]. المقصود بضرب الرقاب هو هذا، وإلّا فضرب الرقاب ليس له موضوعية بنفسه فضلًا عن قطع الرقاب، فهو ليس له موضوعية أيضًا، فهو كناية عن القتل في ميدان الاشتباك، فإذا لم تقتله في المواجهة، فهو يقتلك.
وهناك آيات أُخرى تشرح هذا الأمر؛ فمثلًا: في شرح ما جرى في غزوة بدر، وتسديد ملائكة الله تبارك وتعالى يقول: <إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ>[7]؛ يعني: في ميدان المواجهة والاشتباك، ينصر الله تبارك وتعالى جبهة الحقّ عن طريق إلقاء الرعب في قلوب جبهة الباطل وجبهة الطغيان، والله يأمر الملائكة بأن تُسدّد جبهة الحق.
ونحن رأينا هذا في عصرنا؛ فمثلًا: في حرب تموز حرب الثلاثة والثلاثين يومًا، كان حزب الله لبنان في مواجهة الجيش الفاتك الصهيوني، وكان الإخوة في الاشتباك في الخطوط الأمامية، يجعلون مجاهدًا واحدًا في «الدِّشَم»؛ أي في السواتر الأمامية التي يسمّونها الدشم، فكانت مهمّة هذا الشخص المجاهد الواحد أن يقابل فوجًا، واستطاعوا، فشخص واحد ينتصر على فوج، فقد كان الإسرائيليون خائفين مذعورين.
الأمر المهم الذي ينبغي الالتفات إليه هو أنّ تسديد الملائكة هذا وإلقاء الرعب لا يختصُّ فقط بغزوة بدر؛ بل دائمًا وأبدًا، في الاشتباك بين جبهة الحق وجبهة الباطل، يجعل الله الرعب في قلوب الكفّار <فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ>[8]، فهذه الآية الشريفة لم تقل: فضرب الرقاب؛ بل فاضربوا فوق الأعناق، وفوق الأعناق يعني اضربوا رؤوسهم؛ أي اقتلوهم. <وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان>[9]، بَنَان: يعني هذه اليد التي تحمل السلاح، اقطعوا أيدهم؛ أي حتى لا يحملوا السلاح.
إذًا؛ الضرب فوق الأعناق أو ضرب الرقاب أو القطع الذي يتعلّق بالبَنَان بنفسه لا موضوعية له؛ فلأيّ شيء تكون الموضوعية؟ الجواب: للقتل والغلبة على الكفار. فلماذا هؤلاء يستحقّون القتل؟ يقول الله تعالى: <ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ>[10]، فهم أهل شقاق وحرب ضدّ الله وضدّ الرسول <وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ>[11]. إذًا؛ اتّضح الأمر في قوله تعالى: <فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ>[12]؛ أي في ميدان الاشتباك العسكري تحت قيادة عسكرية؛ من فوج، أو كتيبة، أو فصيل، أو مجموعة تقدّمت في الميدان بمهمّة قتالية، يتوكّلون على الله ولا يتردّدون في إنجاز تلك المهمّة؛ لأنّ هؤلاء الذين يواجهونهم يستحقّون القتل نتيجة الجرائم التي ارتكبوها.
نهاية الاشتباك مع الأعداء
ثمّ إنّ هذا الاشتباك إلى أيّ مرحلة يستمر؟ متى تنتهي المنازلة والاشتباك؟ يقول تعالى: <حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ>[13]، غاية الاشتباك القهر والغلبة والاستيلاء على العدو والانتصار عليه، وهذا معنى الإثخان. طبعًا؛ الإثخان يعني المبالغة في القتل والغلبة والقهر والاستيلاء.
أحكام الأسير
وتوجد آية أخرى تتحدّث عن هذا الإثخان؛ إذ قال تعالى: <مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ>[14]؛ يعني قبل الإثخان وقبل إنهاء المعركة لا يجوز أسر العدو؛ لأنّ هذا الذي تأسره أثناء الحرب وأثناء المعركة قد ينقلب عليك ولا تستطيع السيطرة عليه، فقد تنعكس المعادلة ويستولي هو عليك، وتتبدّل المعركة ضدّ الحقّ؛ بل يكون الأسر بعد هزيمة العدو بشكل كامل، فما تبقّى من الأعداء الذين كانوا مثخنين بالجراح أو ثقالًا شُلّت حركتهم وكنتم أنتم مستولين عليهم، حينئذ تأخذونهم أسرى. تقول الآية: <فَشُدُّوا الْوَثَاقَ>[15]، شدوا الوثاق: يعني أحكموا الربط، اربطوهم؛ بحيث يكونون تحت قبضتكم، فالمعنى يصبح: بعد الإكثار من قتلهم والغلبة عليهم وحسم المعركة، تصل النوبة إلى أسر الباقين الذين استوليتم عليهم بشدّ الوثاق وإحكام السيطرة. والوثاق: يعني الحبل، ربط كلّ شيء.
ثمّ إنّ الشدّ ليس له موضوعية هنا أيضًا، فقد تكون أنت صاحب سيطرة عليه من دون شدٍّ.
وبعد الأسر، تكون الدولة التي يرأسها إمام المسلمين مخيّرةً بين إطلاق سراح الأسير دون عوض؛ أي مَنًّا، وبين إطلاقه بعوض؛ أي فداءً، وهذا هو صريح الآية الشريفة؛ حيث تقول: <حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً> بعد الأسر. طبعًا؛ من خلال آية سورة الأنفال التي تقول: <مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ>[16]، يتضح أنّ الآية فيها نهي عن أخذ الأسير أثناء المعركة، والفقهاء يفتون بهذا الأمر، وهو أنّ أخذ الأسير أثناء المعركة لا يجوز. فهذه الآية من السورة المباركة تؤكد على هذا المبدأ أيضًا، وهو أنّ أخذ الأسير يكون بعد الإثخان.
وفي هذا الصدد، توجد مسألة شرعية أذكرها من كتاب الجواهر، يقول صاحب الجواهر: لا يجوز للإمام أن يأسر أحدًا من جيش العدو ما دامت الحرب قائمة، ولم تظهر له الغلبة فيها، أمّا إذا ظهرت له الغلبة على العدوّ، فالمشهور عدم جواز قتل الأسير، فالأسير الذي يؤسر لا يجوز قتله[17]؛ لقوله تعالى: <فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ>[18]؛ أي بعد شدّ الوثاق والأسر؛ <فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً>[19]، بعد ذلك لا يجوز القتل؛ خلافًا للدواعش والتكفيريين الذين يأخذون الأسير وينكّلون به ويعذّبونه ويقطعون رأسه ويحرقونه، وهذا خلاف صريح الآية الشريفة، وفتوى فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) كما ترون: حتى تضع الحرب أوزارها.
لكن توجد فتوى للشيخ الطوسي لا بأس بذكرها هنا، فقد نسب الشيخ الطوسي إلى الأصحاب أنّهم رووا أنّ الإمام مخيّر بين القتل وبين المنِّ وبين الفداء والاسترقاق بعد الإثخان.
ولكن بنظرنا القاصر أنّ هذه الفتوى خلاف صريح الآية الشريفة، فالآية صريحة بأنّه لا يجوز القتل <فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً>، فإذا كانت هناك رواية أيضًا تنقل خلاف صريح الآية، لا يؤخذ بها، مضافًا إلى ذلك؛ عندنا روايات معارضة لهذه الفتوى التي يذكرها الشيخ الطوسي، وبالتالي فتوى الفقهاء المعاصرين ومراجع الشيعة، وكذلك فتوى صاحب الجواهر، هي عدم جواز قتل الأسير؛ بل من الإنسانية ومن قواعد حقوق الإنسان في الحرب أو ما يسمونه بـ (قانون الإنسان)، الإحسان إلى الأسير، ونحن أصحاب مدرسة أهل البيت نفتخر بذلك؛ حيث من فضائل أئمتنا <وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسۡكِينًا وَيَتِيما وَأَسِيرًا 8 إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَاء وَلَا شُكُورًا>[20]، وما فعله أمير المؤمنين (ع) بالنسبة إلى ابن ملجم المرادي أمر معروف وواضح، فلا حاجة للتوسع فيه.
فلسفة الجهاد في سبيل الله
على أيّة حال؛ وصلنا إلى قوله تعالى: <حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا>. الأوزار: الأثقال، وهذه الآية الشريفة تعليل لا للتقييد؛ بمعنى أنّ حكم ضرب الرقاب والإثخان والأسر والاشتباك والجهاد في مواجهة جبهة الاستكبار والكفر الطاغي مستمر حتى وضع العدو عن القتال؛ يعني إلى أن تصل إلى قوّة ردع؛ إمّا من خلال عهد أو اتفاقية سلام بأن لا يعتدي العدوُّ على الدعوة الإسلامية والدعوة إلى الله والأمة الإسلامية والحالة الإسلامية والخط الإسلامي ويتنازل، أو أن يكون ضعيفًا بنحوٍ لا يكون بوسعه أن يشنَّ حربًا على المؤمنين وجبهة الإيمان وجبهة الحق؛ فمعادلة الردع يجب أن تكون قوية بحيث تصلون إلى هذه المرحلة <حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا>؛ يعني حتى ردع العدو عن القتال، وبالتعبير المعاصر؛ حتى صناعة التوازن في الرعب وقوة الردع، وهذا في المرحلة الأولى. أمّا اليوم، فالعدو يحاول أن يذلّ المجتمع الضعيف، فنحن مأمورون بصناعة القوّة للإسلام وتحويل الضعف إلى قوّة بموجب آيات وروايات عديدة لا يتّسع المقام لبيانها. والشاهد على ذلك أنّ أحد أبعاد فلسفة الجهاد في الإسلام هو إنتاج القوّة واستخدامها في مواجهة العدوّ إلى درجة قهره وإضعافه وإذلاله؛ شريطة أن يكون هذا الجهاد تحت ظلّ قيادة كفوءة شرعية في زماننا متمثّلة هذه القيادة بقيادة الولي الفقيه النائب لبقية الله المنتظر وصاحب الدولة والسلطة والسلطان المبسوط اليد مثل الإمام الراحل (ق)، والخلف الصالح للإمام الراحل آية الله العظمى الإمام الخامنئي (حفظه الله). <حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا>؛ يعني حتى لا يستطيع العدو أن يستخدم السلاح في مواجهة جبهة الإيمان.
إذًا؛ فلسفة الجهاد في الإسلام؛ هي تحقيق العدل والأمن والسلم والصلح الدولي؛ لأنّ سيف الجهاد مسلولٌ ضدّ الطغاة والمستكبرين لإنقاذ المستضعفين؛ كفارًا كانوا أو مسلمين. وهذه نقطة مهمّة جدًا.
ومن هنا؛ نستطيع أن نقول: إنّ فلسفة الجهاد هي قلع جذور الفساد والظلم والاعتداء على البشرية جمعاء، وهذا معنى قوله تعالى: <حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا>؛ أي طالما يوجد الطاغي، ويوجد الظالم، يوجد المفسد في الأرض، ويوجد معتدٍ على البشرية، فينبغي أن يكون هناك سيف جهاد مشهورًا لمواجهته، حتى ينتهي هذا الأمر، وهذا ما نفهمه من هذه الآية؛ لأنّها لبيان الغاية وتعليل لضرب الرقاب؛ أي أنّ ضرب الرقاب يستمر حتى نهاية الاشتباك ونهاية حالة الحرب.
ومن تطبيقات هذا المبدأ على أرض الواقع، ما حصل في الجمهورية الإسلامية، فالجمهورية الإسلامية، قبل انتصار الثورة الإسلامية، كانت من ناحية القوّة تابعة لأمريكا ولإسرائيل، بحيث عندما فرّ الشاه من إيران وانتصرت الثورة كان في إيران خمسة وخمسون ألف مستشار أمريكي، وهؤلاء فروا أيضًا، والجيش لم يكن بوسعه أن يفعل شيئًا. وبعد سنةٍ أو سنتين من انتصار الثورة، بدأت حرب صدام ضدّ الجمهورية الإسلامية، وكان في مواجهة صدام في البداية الشعب الإيراني الذي لا يجيد استخدام السلاح الفردي، فأنا بصفتي من أهل الأهواز، كانت عندنا هناك في خوزستان الفرقة الثانية والتسعون المدرّعة وفيها لواء واحد، وهذا اللواء فيه أربع دبابات، نعم، أربع دبابات فقط مقابل جيش صدام الذي كان مدعومًا من الشرق والغرب وأربع وأربعين حكومة. طبعًا؛ كانوا يظنون أنّهم سيصلون إلى طهران في مدّة وجيزة، ولكن بالتوكّل على الله وبالتعبئة الجهادية وبإطاعة الولي الفقيه، تشكّلت بالتدريج قوة إيرانية تحوّلت من قوّة تابعة لأمريكا والصهاينة إلى دولة تمتلك قوّة الردع الداخلي، بحيث إذا اعتُدي عليها تستطيع أن تدافع عن نفسها. وبعد تشكيل قوّة الردع، وصلت إلى مرحلة ثالثة؛ هي مرحلة قوّة الاشتباك المتبادل؛ بمعنى أنه إذا اعتدوا بضربة على الجمهورية الإسلامية، فبإمكانها أن ترد عليهم هذه الضربة. والآن قد وصلنا إلى قوّة الضربة الأولى (المبادرة)، وقوّة الردع هذه صنعت قوّة التوازن بحيث إنّ العدوّ يهاب هذه الدولة المقتدرة العزيزة، ويحاول الآن مواجهة الجمهورية الإسلامية بشكل آخر من خلال الحظر الاقتصادي ومن خلال الحرب الناعمة ومن خلال تجنيد العملاء . إذًا؛ هذه حالة معاصرة يمكن اعتبارها مصداقًا للآية.
سبب عدم انتقام الله من الكافرين والظالمين
تقول الآية الشريفة: <حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ>. قد يسأل سائل: لماذا لم ينتقم الله تبارك وتعالى من الكفّار الظالمين ويخلّصنا منهم؛ بزلزال، أو بطوفان، أو بعذاب كبير، وينتهي الأمر دون حاجة إلى الجهاد؟ تقول الآية: <وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ>؛ أي لانتقم منهم، ولكن لماذا لم ينتقم؟ <وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ>، فالهدف من الجهاد هو اختبار وتجربة وامتحان لجبهة الحق.
وهناك فرق بين القاعدين والقائمين، بين المجاهدين والمتخلّفين، وهذا في ميدان الحساب الإلهيّ مهمٌّ؛ يعني هنا خبر لمبتدأ محذوف فيها تقديره: (والأمر ذلك)؛ أي أنّ هذا الصراع بين جبهة الحق وجبهة الباطل مستمر، ولابدّ من خوض المعركة والاشتباك لإنهاء الفساد والطغيان والظلم والاعتداء من ناحية الكفّار، عن طريق المواجهة والاستعداد والتهيؤ المستمر <وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ>[21] لجبهة الحق في مواجهة الباطل، لا الاتكال على الانتقام الإلهيّ؛ فالبعض يظنّ أنّ الدعاء وحده كافٍ في ذلك، فيدعو الله لينتقم منهم وينتهي الأمر من دون حركة، وهذا وحده غير كافٍ؛ بل يجب العمل بالتكليف. وجاء هذا المعنى في عدّة آيات أخرى؛ مثل قوله تعالى: <وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ>[22]؛ أي لولا الجهاد وأنّ الله تبارك وتعالى يسخّر المجاهدين في مواجهة أهل الباطل والظلم والطغيان والفساد، لانتشر في عموم الكرة الأرضية. وقوله تعالى: <وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا>[23]؛ يعني أنه لولا الجهاد، لما عُبِدَ الله على الأرض، ولتسلّط الطغاة وسيطروا على العالم، كما أنّهم يريدون تلك السيطرة، لكنّهم لن يستطيعوا بإذن الله، فالعالم، عندما انتصرت الثورة الإسلامية، كان منقسمًا إلى معسكرين: معسكر شرق، ومعسكر غرب، وحرب باردة، واليوم انقسم العالم إلى قسمين: معسكر الاستكبار العالمي المتمثل بأمريكا والصهيونية الذين يمثّلون جبهة مشركي قريش في صدر الإسلام، والمعسكر الثاني؛ معسكر المقاومة الإسلامية، ومحور المقاومة الإسلامية اليوم هو المتصدّي والمعسكر القويّ للأمة الإسلامية؛ لاستعادة كرامة الأمة واستعادة بناء الأمة وعزّتها. نعم؛ يقول الله تعالى: <إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ>[24]، فالله سبحانه يمكنه أن ينتقم، لكنّه شرّع هذا الجهاد؛ فإذا كانت الصلاة عمود الدين، فالجهاد أيّها الإخوة خيمة الدين، فهذا العمود يحتاج إلى خيمة؛ فالصلاة من دون هذه الخيمة لا معنى لها، والجهاد يحفظ هذه الصلاة. على أيّ حال؛ <وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ>. البلاء – كما قلنا – يعني الامتحان والتجربة، والآية تعليل لعدم الانتقام؛ يعني لماذا لا ينتقم الله سبحانه من الكفّار؟ من أجل البلاء الإلهيّ، وهو ضرورة في خوض المعركة. وتوجد آيات أيضًا تبيّن هذا المعنى؛ مثل الآية الشريفة: <أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ>[25]، وفي آية أخرى: <وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ>[26] للتمحيص: للامتحان، ففرق بين القاعد والمجاهد، وهذا من الضروري أن يكون واضحًا.
فضائل الشهداء والمجاهدين
ثم تقول الآية الشريفة <وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ 4 سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ 5 وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ>[27]، هذه فضائل الشهداء في سبيل الله. وتوجد قراءة أخرى لهذه الآية؛ وهي: (والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يُضّل أعمالهم)؛ يعني: المجاهدون، لكنّها خلاف قراءة الجمهور؛ فالقراءة الموجودة في المصاحف اليوم هي قراءة حفص عن عاصم <وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ>[28]؛ أي هذه فضائل الشهداء، وهي أقوى.
وكيف كان؛ فهذه الفضائل التي نذكرها الآن هي مشتركة بين الشهداء والمجاهدين، حتى عندنا في الروايات أنّ المجاهد المستمر في جهاده حتى لو مات في نهاية مسيرة الجهاد حتف أنفه، فقد مات شهيدًا في سبيل الله بشرط أن يكون مستمرًا على خطّ الجهاد في سبيل الله.فما هي تلك الفضائل؟ وما هي الآيات التي تدل عليها؟
أولًا: <فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ>؛ أي لن يبطل أعمالهم الصالحة، فكيف لن يبطل أعمالهم الصالحة؟ الشهيد عنده أعمال صالحة كثيرة في الدنيا، وهذه الأعمال الصالحة للشهيد تنمو وتزكو وتكثر وتترتّب عليها بركات وخيرات كثيرة لمجتمعه، وله في البرزخ ويوم القيامة أعماله، فأعمال الشهيد لا تضيع، كما لو أوقف شخص ماله وقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهذا أوقف نفسه في سبيل الله، وفداها في سبيل الله؛ هذا الفداء في سبيل الله لن يضيع في الحساب الإلهيّ، فتأملوا هذه الآية: <مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ>[29]، فإذا صار أحد الأشخاص مجاهدًا ولا يتخلّف عن القائد ومستعدًا لأن يفدي نفسه فداء للقائد وللإسلام، فماذا يحصل بعد ذلك؟ <ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ>؛ أي عطش <وَلَا نَصَبٌ>؛ أي تعب، تعب الجهاد وعرق الجهاد، <وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ>، فقرٌ، <وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ>، أيُّ موقف أو عمل يغيظ الكافر المحارب لله وللرسول، <وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا> انتصارًا أو هزيمةً <إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ>، وأيّ إحسان أكبر من القتل في سبيل الله والشهادة في سبيله؟! <الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ>، الذين قاتلوا في سبيل الله أيضًا لن يضل أعمالهم ويوفيهم أجورهم؛ سواء أ كانوا مجاهدين أم شهداء، <وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ>[30]، وهذا أيضًا من بركات وجود الشهيد، فعمله وبركات عمله وخيراته تبقى إمدادًا إلهيًّا للمقاتلين بعدهًا.
ثانيًا: <سَيَهْدِيهِمْ>، السين للتأكيد، وليست سين الاستقبال التي تدخل على الفعل المضارع، وهو تأكيد على أنّ الهداية تشملهم، فما معنى أنّ الهداية تشمل الشهيد؟ المقصود؛ الهداية فيما يتعلّق بمبدأ الشهيد في الدنيا؛ يعني أنّ الحركة التي كان يتبعها الشهيد تهتدي وتسير على درب الشهيد، وهو يهتدي بعد شهادته إلى الدرجات الرفيعة العالية الإلهية.
ثالثًا: <وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ>، يصلح الله بال الشهيد؛ يعني أمر الشهيد، وشأنه، وقلبه، وهذا يعني أنّ بال الشهيد مرتاح، فهناك مجاهدون يسيرون على دربه، وهو همّه من ناحية <عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ>[31]؛ رعايته وشفاعته وكرامته ولطفه وإشرافه بالنسبة إلى الحركة الجهادية. باله مرتاح، مثلما تقول الآية الأخرى: <فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ>[32].
رابعًا: <وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ>، إنّ الله تبارك وتعالى يعرّفه الجنة ومقامه فيها، فيقول له: هذا مقامك الذي لا يضيع هناك، فيعرف موطنه ومنزله، ويمرح في الجنة حيث يشاء. طبعًا؛ يوجد قول ثانٍ في أنّ المقصود بعَرَّفها مأخوذ من العرف، والعرف هو طيبٌ ومسكٌ، فالله تبارك وتعالى يستقبل الشهداء في الجنة عن طريق الملائكة بريحٍ طيّبة يُعرّفها لهم؛ أي أنهم يعرفون الجنة من خلال ريحها وطيبها ومسكها.
روايات في فضل الجهاد
وفي ختام هذه المحاضرة نذكر مجموعة روايات تتعلّق بفضل الجهاد والشهادة، نذكرها لكم من وسائل الشيعة الباب الأول.
الرواية الأولى: عن أبي عبد الله (ع) قال: «قال رسول الله (ص): الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي السَّيْفِ وتَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِ ولَا يُقِيمُ النَّاسَ إِلَّا السَّيْفُ والسُّيُوفُ مَقَالِيدُ الْجَنَّةِ والنَّار»[33]. فماذا يعني قوله: الخير كلّه في السيف؟ هل يعني أنّ الإسلام يدافع عن العنف أو يروّج له؟ كلا؛ ليس المقصود ذلك؛ فهم أشّداء على الكفار رحماء بينهم، وإنما المقصود بذلك هو أنّ صناعة القوّة للإسلام بالجهاد في سبيل الله، فهو يصنع القوّة للإسلام، فالله تبارك وتعالى يريد للمجتمع الإسلامي أن يكون قويًا؛ لأنّ الله سبحانه يبغض المؤمن الضعيف الذي لا زِبْر له؛ أي لا قوّة له، فالمجتمع القويُّ هو المطلوب، والسيف كناية عن قوّة المجتمع الإسلامي وقوّة الأمّة الإسلامية. طبعًا؛ هذه القوّة ربّما تكون قوّة ثقافية وقوّة علمية وقوّة اقتصادية وقوّة اجتماعية وقوّة سياسية وقوة أمنية، لكنّ هذه القوّة كلّها، إذا كانت موجودة ولم تكن القوة العسكرية موجودة معها، فإنها تضيع، فالمستكبر يتسلّط ويأخذ هذه القوّة كلّها. هذا هو معنى (الخير كلّه في السيف). ثم يقول: والسيوف مقاليد الجنة والنار؛ أي في ميدان الاشتباك. إذًا؛ الجهاد يُحدّد مَن هم أهل الجنة ومن هم أهل النار، كما جاء في فضيلة أمير المؤمنين (ع) أنّه قسيم النار والجنة؛ أي بسيفه البتّار الذي يفصل بين الحق والباطل على أحد المعاني.
الرواية الثانية: المجاهدون عندهم خطٌّ عسكري خاصٌّ يدخلون من خلاله إلى الجنة. الجنة فيها ثمانية أبواب، أحد تلك الأبواب باب الخط العسكري للجنة، فعن أبي عبد الله (ع) قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِلْجَنَّةِ بَابٌ يُقَالُ لَهُ بَابُ الْمُجَاهِدِينَ يَمْضُونَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مَفْتُوحٌ وَهُمْ مُتَقَلِّدُونَ بِسُيُوفِهِمْ وَالْجَمْعُ فِي الْمَوْقِفِ وَالْمَلَائِكَةُ تُرَحِّبُ بِهِمْ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ أَلْبَسَهُ اللَّهُ (عز وجل) ذُلًّا وفَقْراً فِي مَعِيشَتِهِ وَمَحْقاً فِي دِينِهِ إِنَّ اللَّهَ (عز وجل) أَغْنَى أُمَّتِي بِسَنَابِكِ خَيْلِهَا وَمَرَاكِزِ رِمَاحِهَا»[34]. هذا الباب الخاص باب المجاهدين. أيّها الإخوة! باب الشهداء، هو باب أبي عبد الله الحسين (ع)، وباب شهداء كربلاء، والمجاهد والشهيد في كلّ عصر يدخل من هذا الباب؛ لذلك، فإنّ باب الحسين أسرع سفينة، وتتجسّد هذه السفينة الحسينية في ميدان الجهاد والمعركة والاستعداد للجهاد والتضحية والفداء والشهادة في سبيل الله.
الرواية الثالثة: بإسناده أيضًا قال: «قال رسول الله (ص): خُيُولُ الْغُزَاةِ فِي الدُّنْيَا خُيُولُهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ أَرْدِيَةَ الْغُزَاةِ لَسُيُوفُهُم»[35].
الرواية الرابعة: بالإسناد نفسه أيضًا قال: «قال النّبيُّ: أخبرني جبرئيل بأمر قرّت به عيني وفرح قلبي – أي فرح رسول الله بهذا الخبر، فماذا أخبره جبرئيل؟ – قال: يَا مُحَمَّدُ مَنْ غَزَا مِنْ أُمَّتِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَصَابَهُ قَطْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ صُدَاعٌ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ شَهَادَة»[36]. أيُّ تعبٍ يصيب المجاهد، فبه تكتب له شهادة يوم القيامة، ورسول الله فرح بهذه الشهادة.
الرواية الخامسة: وهي تشير إلى أنّ الشهيد يدخل الجنة بلا حساب. عن أبي عبد الله (ع)، قال: «قيل للنّبي (ص): مَا بَالُ الشَّهِيدِ لَا يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُ (ص): كَفَى بِالْبَارِقَةِ فَوْقَ رَأْسِهِ فِتْنَة»[37]. نفس حضوره في ميدان الاشتباك هو حساب له، فلا يسأله منكر ونكير بعد ذلك، هو محاسب انتهى حسابه، إنه الشهيد المؤمن المتّقي الصادق المخلص الذي يشعر بالمسؤولية ومستعد لأن يفدي نفسه في سبيل الله؛ فداء للإسلام وفداء لخط أبي عبد الله الحسين (ع).
الرواية السادسة: هذا الباب فيه اثنتان وتسعون رواية وهو الباب الأول، لكن أقرأ لكم هذه الرواية، فكان الإمام الراحل يقرأها كثيرًا، وهي في حقّ الشهداء. أصل الرواية عن زيد بن عليّ عن أبيه؛ أي الإمام السجاد، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (ص): للشهيد سبع خصالٍ من الله: أول قطرة من دمه مكفول له كلُّ ذنب، والثانية يقع رأسه في حِجر زوجتين من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان: مرحبًا بك! ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يُكسى من كسوة الجنة، والرابعة تبتدره خزنة الجنة بكلّ ريح طيبة أيّهم يأخذه معه – هذا الذي قلنا: الجنة عرّفها لهم؛ يعني الملائكة تنشر هذه الريح الطيبة – والخامسة أن يرى منزله – منزله في الجنة – «وَالسَّادِسَةُ يُقَالُ لِرُوحِهِ اسْرَحْ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ وَالسَّابِعَةُ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ اللَّهِ وَإِنَّهَا لَرَاحَةٌ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَشَهِيدٍ»[38].
أيّها الإخوة الكرام! حقُّ الشهداء علينا كبير، وينبغي أن نروّج ثقافة الشهداء، ونمط سلوكهم، ونعاهد الشهداء على الاستمرار على دربهم المقدّس، والبكاء على أبي عبد الله الحسين (ع) والحضور في مجلس أبي عبد الله الحسين، يعني تجديد العهد مع سيد الشهداء والشهداء الكرام بأنّنا ثابتون على هذا الخط، وكلمتنا دائمًا وأبدًا: (يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا)، و(إني سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم)، فينبغي أن نعرف في أيّ جبهةٍ نحن في حالة مواجهة الحقّ والباطل.
نكتفي بهذا المقدار، وإلى جلسةٍ أخرى إن شاء الله، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
- [1] محمد: 4
- [2] البقرة: 217
- [3] التوبة: 10
- [4] الأنفال: 7
- [5] محمد: 4
- [6] التوبة: 73
- [7] الأنفال: 12
- [8] نفس المصدر
- [9] نفس المصدر
- [10] نفس المصدر
- [11] نفس المصدر
- [12] محمد: 4
- [13] نفس المصدر
- [14] الأنفال: 67
- [15] محمد: 4
- [16] نفس المصدر
- [17] جواهر الكلام، ج21، ص123.
- [18] نفس المصدر
- [19] نفس المصدر
- [20] الإنسان: 8-9
- [21] الأنفال: 60
- [22] البقرة: 251
- [23] الحج: 40
- [24] الحج: 40
- [25] آل عمران: 142
- [26] آل عمران: 141
- [27] محمد: 4-6
- [28] آل عمران: 169
- [29] التوبة: 120
- [30] التوبة: 121
- [31] آل عمران: 169
- [32] آل عمران: 170
- [33] وسائل الشيعة، ج15، ص9
- [34] الكافي، ج5، ص2
- [35] الكافي، ج5، ص3
- [36] نفس المصدر
- [37] الكافي، ج5، ص54
- [38] وسائل الشيعة، ج15، ص16