مواضيع

العمل الصالح والحضارة

نطاق العمل الصالح

ما هو تصورنا عن العمل الصالح؟ هل يقتصر العمل الصالح على أداء الصلاة والصيام وإقامة مجالس ذكر الإمام الحسين (ع) وما شابهها؟ الجواب هو أنّ العمل الصالح يتجاوز هذه الحدود ليشمل نطاقًا واسعة من الأنشطة التي تمتد إلى مختلف مجالات الحياة: الثقافية، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الأمنية، الدفاعية، الصحية، وسواها. فالعمل الصالح مفهوم حضاري يمكن أن ينطبق على جميع جوانب الحياة. إنّ الأسرة، والمدرسة، والزراعة، والهندسة، والصناعة، وكل ميدان من ميادين الحياة البشرية، يمكن أن يكون مظهرًا من مظاهر العمل الصالح.

أمثلة على العمل الصالح

لا يقتصر العمل الصالح على الشعائر والعبادات؛ بل يمتد ليشمل جملة من الأعمال التي تساهم في بناء المجتمع وتطويره. من هذه الأعمال:

  • النضال ضد النظام الاستبدادي في عهد الشاه.
  • المحافظة على النظام الإسلامي، وهو من أوجب الواجبات.
  • العمل على تحقيق شعار العام.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • تربية جيل مؤمن، ثوري، وفاعل.
  • العلم والتعليم.
  • الانضمام إلى تجمعات ثقافية للمساهمة في نشر الوعي.
  • مكافحة الآفات الاجتماعية.
  • المشاركة في الانتخابات.
  • بث الأمل في نفوس الناس وتعزيز روحهم المعنوية.
  • البحث والابتكار والتعليم والتعلم.
  • كل ما من شأنه دعم محور المقاومة والشعب الفلسطيني المظلوم.

الأعمال الصالحة الحضارية للإمامين في الثورة

يعد تأسيس النظام الإسلامي على يد الإمام الخميني (ره) أحد أبرز نماذج العمل الصالح في عصرنا الحديث. ولأننا نتناول العمل الصالح في إطاره الحضاري، يمكن أن نسرد أبرز الأعمال الصالحة التي قام بها الإمام الخميني لتحقيق الحضارة الإسلامية، والتي واصلها وأكملها قائد الثورة الحالي ضمن خطة متكاملة وممنهجة:

[المرحلة الأولى] مقاومة الاستبداد في عهد الطاغوت: كان ذلك عملًا صالحًا عظيمًا أسهم في بناء الحضارة، ولم يكن لأحد الشجاعة الكافية للقيام به. لقد أسس الإمام ومن كان معه هذا العمل الصالح الحضاري.

[المرحلة الثانية] تأسيس الحكومة وإقامة النظام الإسلامي

[المرحلة الثالثة] الحفاظ على النظام ومواجهة المؤامرات والمشاركة في الدفاع المقدس لمدة ثماني سنوات

[المرحلة الرابعة] مواجهة الشيطان الأكبر وتحديد خط المواجهة الأول عبر يوم القدس العالمي: بعد إقامة النظام الإسلامي، وجّه الإمام الأذهان إلى الطاغوت الأكبر، وهو أمريكا الإجرامية. وإذا دقق الإنسان النظر، يجد أن شعارات «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل» هو أيضًا من الأعمال صالحة. كان هذا عملًا صالحًا على مستوى عالمي، وقد قال الإمام إنّ جميع مصائب البشرية والإسلام والمسلمين تنبع من أمريكا، وإنه يجب توجيه كل الغضب نحوها، مضيفًا أنّ أمريكا لا تستطيع فعل شيء، وأنّ القوة الحقيقية هي قوة الله. ثم رسم الإمام خط المواجهة الأول ضد أمريكا من خلال مسيرة يوم القدس؛ حيث جعل هذا العمل السياسي والنضالي متداخلًا مع الروحانية، محددًا أن يكون في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، ليصير عملًا جهاديًا ومعنويًا.

[المرحلة الخامسة] صمود الشعب الإيراني تحت قيادة المرشد الأعلى وتجاوز التحديات: يُعتبر تحمل التكاليف والصمود في وجه الصعاب عملًا صالحًا أيضًا.

دور المرشد الأعلى في مواصلة حركة الإمام العالمية والحضارية:

[المرحلة السادسة] تأسيس جبهة المقاومة وفيلق القدس: رغم وجود حركات نضالية في زمن الإمام، إلا أن المرشد الأعلى حولها إلى قوة كبيرة تُدعى «فيلق القدس»، ومنحها القوة، فانبثق من هذه القوة «محور المقاومة». وكل دعم لقوة القدس ومحور المقاومة يُعد عملًا صالحًا. ومن بين الأعمال الصالحة للشهيد العزيز سليماني، تدريب قوات المقاومة وإنشاء محور المقاومة.

[المرحلة السابعة] حركة الصحوة الإسلامية

[المرحلة الثامنة] طوفان الأقصى والوعد الصادق: كان «طوفان الأقصى» عملًا صالحًا عظيمًا يندرج ضمن هذا الإطار الحضاري. ورغم أنّ البعض لم يتمكن من إدراك أبعاده، إلا أنّ «طوفان الأقصى» جاء نتاجًا للتوجيهات الحكيمة للإمام الخامنئي، وأسهمت في إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بشكل جذري

[المرحلة التاسعة] طوفان الأحرار، ما ينبغي أن يتحقق: نحن الآن نعيش المرحلة التاسعة؛ حيث ينبغي أن يتحول «طوفان الأقصى» إلى «طوفان الأحرار». هذه المرحلة ترمز إلى التضامن العالمي مع المقاومة الإسلامية، حيث يُنتظر أن تتصاعد الاحتجاجات الطلابية في أمريكا وأوروبا لتشكل قوة ضغط كبرى على قوى الطغيان العالمي. وعندما يشتد هذا الضغط ويتسع نطاقه، ستسقط الطواغيت واحدًا تلو الآخر، تمامًا كما حدث في بنغلادش.

إذا انتشر «طوفان الأحرار» ونجح في إسقاط الطواغيت؛ سواء كانوا صغارًا أم كبارًا، فسيكون ذلك بمثابة عمل صالح على المستوى العالمي، ممهدًا الطريق لانتشار العدالة والأمن والسلام والحياة الطيبة في العالم مع ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).

وهكذا، يُطرح مفهوم العمل الصالح ضمن إطار حضاري، يشمل المشاركة في كل المجالات التي تُسهم في تحقيق دور حضاري شامل.

عناصر ومقومات العمل الصالح

1.    الإيمان

الإيمان هو المصدر الأساسي للعمل الصالح. إنّ القول بأن «صلاح القلب وحده يكفي، والإيمان يغني عن العمل» هو اعتقاد خاطئ؛ فالله سبحانه وتعالى قرَن في القرآن الكريم بين الإيمان والعمل الصالح، فلا قيمة لعملٍ يفتقر إلى الإيمان. وللأسف؛ تسعى بعض الطرق الصوفية المستحدثة والفرق الروحية المنحرفة، والتي تستقي من علوم غامضة أو تصوفات شرقية، إلى صرف الناس عن العمل الصالح.

الإيمان كشرط للعمل الصالح يعني أن نؤدي العمل طاعةً لله، وسيرًا على خطى الأنبياء والأئمة (عليهم السلام). فالعمل الذي يُنجز بنيّة التكليف والامتثال للواجب الشرعي هو ما يُعدّ عملاً صالحًا.

جميع الأمثلة التي ذُكرت كأعمال صالحة لها أساس فقهي. وقد عُرفت في صدر الإسلام فرقة «المرجئة»، التي رأت أنّ الإيمان وحده كافٍ وأهملت العمل، بينما يذهب آخرون إلى أنّ العمل هو الأساس ولا أهمية للإيمان، مثل أولئك الذين يخدمون البشرية بلا إيمان. إلا أنّ الأعمال المقبولة حقًا هي تلك التي تنبثق من الإيمان. يقول أمير المؤمنين (ع): «بالإيمان يُستدل على الصالحات، وبالصالحات يُستدل على الإيمان»، فالإيمان يدفعنا للعمل الصالح، والعمل الصالح يقوّي إيماننا.

2.    معرفة الوقت المناسب وحسن استثماره

العمل الصالح هو ذلك العمل الذي يُؤدَّى في وقته المناسب. فلكل عملٍ زمنٌ يليق به، وإنجاز العمل في وقته شرطٌ ليكون صالحًا؛ فإذا فات أوانه، فقدَ قيمته. تأجيل عمل اليوم إلى الغد قد يؤدي إلى أحداث لا يمكن تداركها، أما إذا قمنا بالعمل في حينه وبالقدر الملائم، اكتسب العمل الصالح معناه.

تجاوز التحديات والتصدي للأزمات يتطلب التدخل في الوقت المناسب، وهذا التدخل ينبغي أن يقترن بالأمل.

3.    التوافق مع مسار النظام الإسلامي

يجب أن يكون العمل منسجمًا مع مسار النظام الإسلامي، فلا يُعد عملًا صالحًا إذا كان مناهضًا لهذا النظام، حتى وإن بدا خدمًة للبشرية. على سبيل المثال: إذا قام أشخاص بإنشاء جمعية لتنشئة شبابٍ متدينين، ولكن كانت غايتهم توجيه هؤلاء ضد النظام الإسلامي، فإن ذلك لا يُعد عملًا صالحًا؛ لأنه يتعارض مع العمل الصالح الأعظم الذي يدعم سائر الأعمال الصالحة.

4.    نية القربى

الغاية من العمل الصالح يجب أن تكون نيل رضا الله تعالى، والسعي نحو الكمال، وخدمة الناس. ويُستحب أن يكون هذا العمل في سياق تعزيز النظام الإسلامي، ودعم محور المقاومة، ونصرة المظلومين، وتهيئة الظروف لظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).

نية القربى تعني أن يكون العمل خالصًا لوجه الله؛ حيث يُقال في الآية الكريمة: <إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ>[1]. يرتفع التوحيد، ولكنّ الوقود الذي يرفعُه هو العمل الصالح.

خصائص العمل الخالص

للعمل الخالص أربع خصائص رئيسية:

  1. الشخص المخلص لا ينتظر شكرًا من أحد، وإن كان من واجب الآخرين شكره، فهو لا يسعى للظهور ولا لكسب رضا الناس.
  2. المخلص لا ينكسر أمام الانتقادات أو التحقير. قد يُهاجَم أو يُسخر منه بسبب عمله الصالح، ولكن هذا لا يثنيه عن المضي قدمًا.
  3. الشخص المخلص لا يمّن على الآخرين بعمله ولا يتباهى به؛ لأنه يرى نفسه في مقام العبد الذي يتعامل مع الله وحده.
  4. الشخص المخلص يرى عمله ضئيلًا أمام نِعَم الله العظيمة. شعوره العميق هو أنه لم يقدّم شيئًا مقارنة بتضحيات الأئمة والشهداء وجهود المقاومة، مما يجعله يشعر بتواضع أمام كل هذه التضحيات العظيمة.



[1] فاطر: 10.

المصدر
كتاب تفسير سورة العصر بمنظور حضاري | آية الله الشيخ عباس الكعبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى