التواصي بالحق وبناء الحضارة
معنى الحق ومكانته
الحق هو الأمر الثابت والواضح والموجود، ويقابله «الباطل» من الناحية اللغوية. أما من الناحية القانونية، فالحق يمثل اعتبارًا يضعه صاحب الصلاحية. وفي الرؤية الإسلامية، فإنّ الجهة الوحيدة المخولة بوضع الحق هي الله تعالى. تتألف منظومة الحقوق في الإسلام من ثلاثة أبعاد: حق الله، وحق الناس العام، وحقوق الأفراد. حتى الحقوق السياسية والاجتماعية، مصدرها في الإسلام هو حق الله. وعند التعارض بين الحق العام والحق الفردي، يُقدّم الحق العام، إذ إن حق الله يعود إلى حق المجتمع ككل. وأعظم حقٍ على الإطلاق هو عبادة الله، إذ من خلال هذه العبادة تُكفل حقوق الإنسان وتُصان.
وقد قال الإمام علي (ع) في حديث شهير حول الحقوق المتبادلة بين الدولة والشعب: «فريضة فرضها الله لكلّ على كلّ»[1]، أي واجب شرعي، ومن أبرز الفروق بين منظومة الحقوق في الإسلام ونظرية العقد الاجتماعي، أنّ الأخيرة تقوم على اعتبار الدولة والشعب ككفتي ميزان، تُصنع فيهما الحقوق بواسطة القوة، لكن القوة التي تصنع الحق لا يمكن أن تكون حَكَمًا عليه، مما يؤدي بطبيعته إلى الفساد. في القانون الدستوري، تُطرح حقوق الإنسان وحقوق الأمة لتحقيق التوازن بين حقوق الشعب وحقوق الحاكم. ولكن في الأنظمة التي لا تستند إلى مصدر إلهي، يتكرر الفساد بين السلطة والحق، حيث تكون القوة هي مصدر الفساد، ولا يمكنها وضع الحق وضمانه. الحل هو أن نترك وضع الحق لمن لا يحتاج إلينا، ولمن يعلم مصالحنا ومفاسدنا ومسار نمونا وكمالنا، وهو الله سبحانه وتعالى.
وقد قال الإمام السجاد (ع) في رسالة الحقوق: «أما حق الله الأكبر، فهو أن تعبده بإخلاص، فإذا فعلت ذلك يكفيك الله هم الدنيا والآخرة»[2]. وبهذا يكون «حق الله الأكبر» هو منبع كل الحقوق.
أهمية الالتزام بالحق
تتجلى إنسانية الإنسان في معرفته للحق وتمسكه به وسعيه لتحقيقه. وفي يوم القيامة، عندما يُكشف جوهر الإنسان، سيكون الحق هو المعيار الذي يُقاس به. قال الله تعالى: <وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 8 وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ>[3]، وكما أنّ المسافة لها معيار للقياس، فإنّ إنسانية الإنسان تُقاس بالحق الذي يظهر يوم القيامة. بقدر ما يكون الإنسان على الحق، يكون ميزان إنسانيته أثقل. وبقدر ما يتبع الهوى والمصالح الشخصية والمتع والرغبة في السيطرة على الآخرين بغير حق، يبتعد عن إنسانيته ويخسر نفسه، كما قال تعالى: <خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ>[4]، والسبب هو ظلمهم لآيات الله.
إنّ الاتجاه نحو الحق يمثل أحد تجليات شكر الإنسان لله تعالى، كما قال الله تعالى: <وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ>[5].
الأركان الأربعة للحق في سورة العصر
تتجلى أركان الحق الأربعة في سورة العصر، وهي:
- ركن معرفة الحق؛ ويتحقق بالإيمان.
- ركن العمل بالحق؛ ويتمثل في العمل الصالح.
- ركن التواصي بالحق؛ أي أن يوصي الإنسان أخاه بالحق.
- ركن الصبر والثبات على الحق؛ وهو التواصي بالصبر.
يمكن تناول هذه الأركان الأربعة من منظور فردي، أو عائلي وجماعي، أو حضاري، ضمن إطار بناء الحضارة الإسلامية الحديثة في مراحلها الثلاث: بناء الذات، وبناء المجتمع، وبناء الحضارة.
أحد أركان بناء الحضارة، كما توضحه سورة العصر، هو التركيز على مبدأ التواصي بالحق وتشكيل سلسلة من التواصي المتبادل. فالتواصي يعني التوصية المتبادلة، حيث يكون للجميع الحق في نصح بعضهم البعض، ولا يكون الحق محصورًا في فئة معينة؛ بل يمتد ليشمل كل جوانب الحياة: الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدفاعية، والأمنية، والعسكرية؛ سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وعلى المستوى الفردي أو الوطني أو العالمي.
يتميز التواصي بالحق عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكونه تبادليًا، في حين أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اتجاههما واحد. فالتواصي نوع من الالتزام المتبادل، إذ يكون كل فرد ملزمًا بالتوصية للآخر، ويعتبر التواصي بالحق والصبر من مصاديق العمل الصالح. لكن لماذا تكرّر ذِكرهما بعد العمل الصالح في سورة العصر؟ لأنّ العمل الصالح غالبًا ما يميل إلى الجوانب الشخصية، في حين أنّ التواصي بالحق والصبر يُبرز الجوانب العامة والسياسية والاجتماعية للعمل الصالح. كما أنّ تخصيص ذكرهما بعد العمل الصالح يدلّ على أهميتهما الكبيرة ومكانتهما العالية.
أبعاد واسعة للتواصي بالحق
- التواصي بمسألة الأخلاق والتقوى: يجب أن يتحلى المجتمع بالتقوى، وأن يعتني كل فرد بنفسه، مع وضع الله نصب أعينهم. يقول أمير المؤمنين (ع): «اِعلَموا عِبادَ اللّه ِ أنّ التَّقوى دارُ حِصنٍ عَزيزٍ، والفُجورَ دارُ حِصنٍ ذَليلٍ؛ لا يَمنَعُ أهلَهُ، ولا يُحرِزُ مَن لَجَأَ إلَيهِ»[6]. عباد الله! اعلموا أنّ التقوى هي قلعة حصينة، بينما عدم التقوى هو قلعة هشة لا تحمي ساكنيها، ولا تقي من يلجأ إليها. إنّ التقوى تُعتبر دِرعًا واقيًا، وفي ظل التقوى يمكننا ضمان الاستقرار الداخلي للمجتمع الإسلامي. وتتحقق التقوى من خلال التواصي، كما أنّ الإمام في خطبتي يوم الجمعة يوصي المؤمنين بالتقوى، يتعين على المؤمنين أيضًا أن يوصي بعضهم بعضاً بها، فلا يتوجب علينا القول «اتقوا الله» فحسب؛ بل يجب أن نذكّر بعضنا البعض بالوسائل والسبل لتحقيق التقوى.
- الحفاظ على الثروات المعنوية في المجتمع: يحتوي المجتمع على ثروات معنوية وأخلاقية وسياسية واجتماعية عديدة، ولم تتحقق في يوم وليلة. إنّ الحفاظ على جوهر الإيمان ومحبة أهل البيت (ع) يتم من خلال التواصي بالحق. لقد شهدنا العديد من الخسائر والنجاحات في الثورة الإسلامية. إنّ التواصي بالحق يحمي من الخسائر الواسعة والأضرار التي لا يمكن تعويضها. إذا استطعنا من خلال التنبؤ والوقاية منع انحدار الأفراد، فسيساهم ذلك في الحفاظ على النظام. جميع الأفراد معرضون للخطر والانحراف، كما حدث لطلحة والزبير. خاصة؛ يجب أن نكون حريصين على حماية الشخصيات في النظام. في نظامنا الإداري، يجب على أقسام الحماية القيام بثلاث مهام رئيسية: حفظ الوثائق والسجلات، حماية المنشآت، وحماية المدراء من الانهيار. إذا تمكن قسم الحماية من التحذير في الوقت المناسب للمدراء، وتقديم الاقتراحات، وإزالة عوامل الفساد، فستحفظ الثروات الإدارية.
- استحكام الأسرة: يجب على كل فرد في الأسرة أن يراقب الآخر؛ سواء كان الرجل تجاه المرأة، أو المرأة تجاه الرجل، وكذلك الأبناء تجاه الآباء والعكس. إنّ استحكام الأسرة يضمن صحة المجتمع في ظل التعاون والتآزر والتواصي بالحق.
- الخير للمؤمنين: يعرف الخير في الأدب الديني بالنصيحة. النصيحة ليست مجرد توجيه أو موعظة؛ بل تعني الرغبة في الخير والشفقة. في الروايات، وردت النصيحة لله، ولرسول الله (ص)، ولأئمة المسلمين (ع)، وللمؤمنين. النصيحة لله، تعني الشفقة على دين الله. النصيحة لرسول الله (ص)، تعني تعزيز الولاء للرسول الأكرم (ص). النصيحة لأئمة المؤمنين (ع)، تعني الولاء للقادة الإلهيين، وليس أن يكون النقد تحت مسمى الهدية؛ بل يجب على الإنسان، من باب الوفاء، تقديم اقتراحات بناءة للدولة الإسلامية وللزعيم الإسلامي، والحفاظ على حمايتهم واحترامهم. النصيحة للإخوة تعني الاحترام المتبادل والشفقة على المجتمع ككل.
- التواصي مع المسؤولين: التواصي تجاه المسؤولين، يعني أن نكون في الساحة، حيثما عملوا بشكل جيد يجب أن نؤيدهم. إذا كانت هناك نقطة ضعف، يجب أن نقدم اقتراحات، ونوضح، ونطالب، ونصنع تيارًا، وندعم، ونقوم بمراقبة مسؤولة وواعية. «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلَحَا صَلَحَتِ اَلْأُمَّةُ، وإِذَا فَسَدَا فَسَدَتِ اَلْأُمَّةُ: اَلْأُمَرَاءُ واَلْفُقَهَاءُ [7]». بالنسبة للفقهاء، لدى الناس مسؤولية، وكذلك هناك مسؤولية تجاه الحكم.
- التواصي بالحق في البعد الداخلي للمنظمات: يتحتم على المدراء أن يتحملوا مسؤولية التواصي بالحق تجاه بعضهم البعض.
- مكافحة الاستكبار: أحد مظاهر التواصي بالحق؛ هو مكافحة الاستكبار العالمي وشبكة الصهيونية الدولية. اليوم، أحد أكبر مشاكل البشرية هو وجود حاكمية طاغوتية ظالمة على الإدارة العالمية، والتي تتجلى في أمريكا والصهيونية. هنا؛ التواصي بالحق يعني أن يؤكد المؤمنون لبعضهم على ضرورة اتخاذ موقف ضد النظام الطاغوتي العالمي والشياطين الكبار والشبكة الصهيونية، وألا ينسوا ذلك، وألا يغيبوا عن الساحة.
- الحركة الحضارية للإمام الخميني (ره): في جميع مراحل الحركة الحضارية للإمام التي تم تناولها سابقًا، كان هناك حاجة للتواصي بالحق. يتجلى التواصي بالحق في بناء الدولة، وتشكيل المجتمع، وصناعة الحضارة. كما أنّ جميع الإجراءات التي اتخذها الإمام من النضال ضد نظام الشاه الظالم، وتثبيت النظام الإسلامي، وإدارة الأزمات، وتجاوز التحديات، كانت مصداقًا للتواصي بالحق. شعارات «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل» أيضًا من مصاديق التواصي بالحق. رسم الخط الأول لمكافحة الاستكبار العالمي، مثل يوم القدس، وإنشاء المؤسسات لذلك، وتأسيس حزب المستضعفين مقابل حزب المستكبرين، كانت جميعها من التواصي بالحق. محور المقاومة انبثق من الاستراتيجية الكبرى للتواصي بالحق، ثم كانت نهضة اليقظة الإسلامية في دول المنطقة و«طوفان الأقصى». العمل الذي ينبغي أن نقوم به هو تحويل «طوفان الأقصى» إلى «طوفان الأحرار»، بحيث نحقق تغييرات عالمية ونمارس الضغط ضد نظام الليبرالية الديمقراطية. من هذا المنطلق، ينبغي تحليل رسالة القائد الأعلى للثورة إلى الشباب الأوروبي ورسالته إلى الطلاب الأمريكيين. التواصي بالحق، والبصيرة، ومعاداة أمريكا، هي الأبعاد الرئيسية للعمل ضد الطاغوت العالمي.
- اتباع خارطة طريق الأنبياء
- الزهد في الدنيا والاهتمام بالآخرة
11. أهمية المشاركة الشعبية والحكم الشعبي: يعد أحد مظاهر التواصي بالحق مسألة الحلقات الوسطى. يحدد قائد الثورة متطلبات دخول الشباب المؤمنين والثوريين والمخلصين إلى مجالات الفعل، والتي تتلخص في معرفة الساحة، والتحرك نحو القمة، وإعطاء الأمل، وتقديم الحلول العملية.
موانع التواصي بالحق
- الجهل: لابدّ من معرفة الحق أولًا، فطريقه صعب، وثقله شديد، ومن دون معرفته يصبح التواصي به أمرًا مستحيلًا. ومن أوجه الهجوم على جبهة الحق موضوع الفيمينيزم، أو النسوية، التي مرت بمراحل عديدة ووصلت في أيامنا إلى انحطاط أخلاقي. إنّ الوقوف بوجه النسوية وجماعات الابتذال، التي تستغلّ الرياضة والموسيقى والأفلام لإثارة الشهوات الجنسية وإغراق الناس في الملذات الحيوانية؛ هو من أبرز مصاديق التواصي بالحق، إذ يسعى هؤلاء لتدمير هوية الإنسان عبر نشر الفساد.
- هوى النفس: يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ اِثْنَتَيْنِ اِتِّبَاعَ اَلْهَوَى وطُولَ اَلْأَمَلِ. أَمَّا اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى، فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ اَلْحَقِّ. وأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ، فَإِنَّهُ يُنْسِي الآخِرَةَ»[8]، فاتباع هوى النفس يُبعد الإنسان عن الحق ويصرفه عن مساره.
- انعدام الإنصاف: من لا يتحلّى بالإنصاف، يظنّ دومًا أنّ الحق معه، ولا يعترف أبدًا بخطئه. يقول الله تعالى: <وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ 48 وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ>[9]؛ أي عندما يكون الحق ضدهم، يُعرضون عنه، لكنهم إذا رأوا الحقّ في صالحهم، يندفعون إليه مطالبين به. ويقول الإمام الحسين (ع) في نقده للنخب: «أما حق الضعفاء فضيّعتم، وأما حقكم فطلبتم»، فهم يطالبون بحقوقهم لكنهم يتجاهلون حقوق الضعفاء ويهملونها.
- التردد: يُسبّب التردد عدم الاكتراث، ويُبعد الإنسان عن التواصي بالحق. نحن اليوم نعيش في عصر «الحرب الناعمة»، حيث تصرف الحضارة الغربية على إمبراطوريتها الإعلامية أكثر مما تصرفه على قوتها العسكرية. وعلينا في مواجهة هذه الحرب أن نعمل على إنتاج قوة ناعمة، فالتصدي لهذه الهجمة هو من مصاديق التواصي بالحق.
- مرض القلب: تشير الروايات إلى أنّ قمّة التواصي بالحق ستتحقق في زمن الظهور. يروي إسحاق بن عمار عن الإمام الصادق (ع): «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَذَكَرَ مُوَاسَاةَ اَلرَّجُلِ لِإِخْوَانِهِ ومَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِمْ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُجَهِّزُوا إِخْوَانَهُمْ وأَنْ يُقَوُّوهُمْ»[10]. في ظل دولة الإمام المهدي، يجب على المؤمنين دعم بعضهم البعض والوقوف إلى جانب بعضهم لتحقيق المهام الكبرى. من خلال التواصي بالحق، نستطيع بناء قوة للإسلام وللنظام.
ومن يسعى لتحويل نقاط ضعفه إلى قوة، ويحوّل تهديداته إلى فرص، ويعين الآخرين في هذا الطريق، فهو يجسّد مفهوم التواصي بالحق.
ضرورة تشكيل جبهة للتواصي بالحق
من الأساليب العملية لتحقيق التواصي بالحق؛ هو تشكيل جبهة تتّحد فيها الجهود. فالمؤسسات الثقافية قادرة على أن تكون نموذجًا للتواصي بالحق لبناء مجتمع قائم على الإيمان والعمل الصالح. التواصي بالحق يحتاج إلى تقسيم العمل وتوزيع الأدوار، على أساس من التعاون والتكامل. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: <وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 104 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ>[11]. يجب ألا ننقسم أو نختلف في اتباع الطريق الواضح بعد أن نعثر عليه. فالتواصي هو التذكير، والتشجيع، والتركيز على الأهداف الكبرى، وتقسيم الأدوار وتوزيع المهام.
متطلبات تشكيل الجبهة
لتفعيل التواصي بالحق، نحتاج إلى ما هو أكثر من تنظيم، نحن بحاجة إلى جبهة شاملة. فبناء الجبهة هو إنتاج للقوة الناعمة، وليس مجرد تجمع لمواجهة أو منافسة مجموعات أخرى. هناك عدّة نقاط أساسية يجب مراعاتها في تشكيل هذه الجبهة:
- محورية القيادة: يجب أن تكون القيادة المحورية في تشكيل الجبهة قائمة على خط الولاية، وأن نسير وفق فكر الولاية حتى نصل إلى الأهداف العليا.
- فهم الواجب: إن الحق هو ذلك الواجب الذي نسعى إلى إنجازه.
- تقسيم العمل وتوزيع الأدوار: من الضروري توزيع الأدوار وتقسيم العمل لضمان النجاح.
- تجنب البيروقراطية: يجب على الجبهة أن تتجنب التحول إلى مؤسسة إدارية ثقيلة.
- الابتعاد عن التحزّب والفئوية: الجبهة يجب أن تكون جامعة لمختلف الفئات، بعيدة عن التوجهات الحزبية الضيقة.
- العمل الجهادي: العمل الجهادي؛ يعني استثمار جميع الطاقات الفكرية والروحية والجسدية لنصرة الحق، مع الإخلاص في النية لله، والعمل على مواجهة العدو في كافة المجالات العلمية، الثقافية، السياسية، والعسكرية.
- الإخلاص والعمل لله: يجب أن يكون تأسيس الجبهة قائمًا على النية الخالصة لله، فإنّ أساس تعاسة الإسلام والمسلمين هو العمل لأجل المصالح الشخصية، بينما أساس الانتصارات هو العمل لأجل الله.
- [1] نهج البلاغة، الخطبة 216: ومن خطبة له (ع) بصفين.
- [2] رسالة الحقوق للإمام السجاد (ع)، حق الله.
- [3] الأعراف: 8-9.
- [4] الزمر: 15.
- [5] الأعراف: 10.
- [6] نهج البلاغة، الخطبة 157.
- [7] تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ج ۲، ص ۲۲۸.
- [8] الكافي، ج2، ص 335.
- [9] النور: 48.
- [10] تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ج12، ص26.
- [11] آل عمران: 104-105.