الحفاظ على روح حبّ الشهادة
1- ثقافة الإيثار والشهادة
سياسة «انتصار الدّم على السيف»
خطأهم يكمن في اعتقادهم أنّ كثرة العدد والأسلحة هي التي تنجز العمل، ولا يدركون أنّ ما ينجز العمل هو قوة سواعد الأفراد. فالقليل من الأفراد بأذرعٍ قوية وقلوبٍ مطمئنّةٍ متوجهة إلى الله تبارك وتعالى وحبّ الشهادة ولقاء الله، هو ما يحقق النصر. النصر لا يأتي بالسيف، النصر يأتي بالدم. النصر لا يأتي بالأعداد الكبيرة والجماعات، النصر يأتي بقوة الإيمان. «ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج»[1]؛ فالكثير يذهب إلى مكة، لكن القليل منهم من يؤدي الحج الإلهي حقًّا[2].
التضحية والإيثار؛ لا يعقلهما المؤمنون بالله
لا أستطيع أن أصدق أنّ شخصًا لا يملك مبادئ معنوية ويسعى لخدمة الناس، لا يمكنني الإيمان بذلك على الإطلاق. أولئك الذين لديهم مبادئ معنوية، أولئك الذين يؤمنون بالله، ويؤمنون بالجزاء والعطاء، يتعقّلون أنه يبذل الانسان نفسه وحياته يحصل على حياة أسمى؛ يعطي كل شيء ويحصل من الله على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. إنّه لأمر معقول أن نعطي عباءة ونحصل على مائة عباءة في قبالها؛ نعطي روحًا محبوسة في هذا الجسد لنتحرر، لنحصل على روحٍ إلهية، حرّة، محيطة، إرادتها فعّالة، تقول للشيء كن فيكون، وكل شيء طوع إرادتها، فمن المعقول أن يضحّي الإنسان ويبذل حياته ليحصل على مثل هذه الرّوح[3].
سبب ترحيب المسلمين بالشهادة على عكس الأديان الأخرى
أحد الاختلافات بين مدرسة الإسلام؛ مدرسة التوحيد، والمدارس المنحرفة والإلحادية، هو أنّ رجال هذه المدرسة يعتبرون الشهادة فوزًا عظيمًا: <يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا>[4]؛ يرحبون بالشهادة لأنهم يؤمنون بأنّ هناك عوالم أعلى وأكثر نورانيّة من عالم الطبيعة هذا. المؤمن في هذا العالم مسجون، وبعد الشهادة يتحرّر. هذا أحد الاختلافات بين مدرستنا والمدارس الأخرى. شبابنا يطلبون الشهادة؛ علماؤنا الملتزمون يتقدّمون للشهادة. أولئك الذين لا يؤمنون بالله وبيوم الجزاء، يجب أن يخافوا من الموت؛ يجب أن يخافوا من الشهادة. نحن طلاب مدرسة التوحيد لا نخاف الشهادة. فليختبرونا كما اختبرونا من قبل[5].
سبب ترحيب المسلمين بالشهادة على عكس الأديان الأخرى
رؤية المعاقين، والأمهات الثكلى، والآباء الذين فقدوا أبناءهم، والإخوة الذين قُتل إخوانهم، وأخيرًا الشهداء الذين فُقدوا في سبيل الإسلام، تجعل كل يوم بالنسبة لنا كيوم عاشوراء. ولا أعلم كيف أعزيكم، أيها الإخوة والأخوات، الذين فقدتم أحباءكم – الذين كانوا أحباءنا أيضًا – وكيف أعتذر! أنتم تعلمون أنّ الإسلام عزيز جدًا، عظيم جدًا، حتى أنّ نبي الإسلام (ص) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام)، ضحوا بوجودهم، وبكل ما لديهم في سبيل الإسلام. ونحن الذين نتّبع الدين الإسلامي المقدّس ونتبع نبي (ص) والأئمة من بعده، إذا قدمنا بعض التضحيات وضحينا في سبيل الإسلام كما ضحّوا هم، فسنشعر رغم صعوبة ذلك براحة فكرية[6].
سبب عدم خوف شيعة أمير المؤمنين (ع) من الشهادة
إذا كنا نخاف من السعي لتحقيق الأهداف الإسلامية، للهدف الذي ضحّى الأنبياء بأنفسهم من أجله، والذي قُتل من أجله الأولياء العظام، وأُحرق علماء الإسلام الكبار وقُطعت رؤوسهم وسُجنوا ونُفوا، فليس لدينا دين. هل يخاف المتدين أيضًا من ترك هذا العالم؟ إذا كنا نؤمن بما وراء هذا العالم، يجب أن نشكر الله على قتلنا في سبيله والتحاقنا بصفوف الشهداء. نخاف؟ من ماذا نخاف؟! يجب أن يخاف من ليس له مكان آخر غير هذا العالم. لقد وعدَنا الله تبارك وتعالى بمكان جيد إذا عملنا وفقًا لدينه، ونحن نأمل أن نكون كذلك. مما نخاف؟ ما الذي يخيفنا فيكم؟ غاية ما ستقومون به هو إعدامنا، وهذا الأمر هو بداية حياتنا المريحة، فنخرج من هذه الأعمال القذرة، ونتحرر من هذه المحن والآلام. قال سيدنا: «والله، لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه»[7]. وبالطبع؛ لا يمكننا أن ندعي مثل هذا الادعاء، لكننا شيعته، وإذا خفنا من الموت، فهذا يعني أننا لا نعتقد بما وراء الطبيعة[8].
بيان تفصيلي للرواية المشهورة: «ينظر الشهيد إلى وجه الله»
نقل في رواية عن رسول الله (ص) بأن للشهيد سبع خصال، أوّلها أنه لأوّل قطرة من دمه مغفورٌ له كل ذنب .. ولكن أهم ما في الأمر هو الخصلة الأخيرة؛ حيث تقول الرواية «والسابعة أن ينظر إلى وجه الله وإنها لراحة لكل نبي وشهيد»، وربما يكون الأمر الهام هو أنّ الحُجب التي بيننا وبين الحق تعالى، بيننا وبين وجه الله وتجلياته، تنتهي بحجاب الإنسان نفسه، فالإنسان نفسه حجاب كبير، فجميع الحجب الموجودة؛ سواءً الحجب النورانية أم الظلمانية تنتهي بحجاب الإنسان نفسه، فنفوسنا حجب بيننا وبين وجه الله عزّ وجل، وإذا ما حطّم الإنسان هذا الحجاب وبذله في سبيل الله عزوجل وقدم ما يملك من الحياة في سبيل ذلك، فإنه يكون بذلك قد حطم مبدأ جميع الحجُب، وحطم أنانيته وقدمها في سبيل الله سبحانه وتعالى. فإنّ جهاده في سبيل الله ودفاعه عن دين الله ودولته، وبذله وبكل إخلاص لكل ما يملك حتى نفسه، يُزيل هذا الحجاب ويُمزّقه، والله سبحانه وتعالى جزاءً لكل هذه التضحيات التي يقدمها الشهداء وبذلهم أغلى ما يملكون وتقديمهم أرواحهم في سبيله، يتجلى لهم عندما يمزقون هذا الحجاب، كما يتجلى للأنبياء أيضاً؛ لأنهم هم أيضاً نزعوا هذا الحجاب من خلال إرادتهم لكل ما يريده الله عزوجل وتفانيهم في سبيله، دون أن يروا لذاتهم أو أنفسهم أي وجود في مقابل الحق تعالى «فلما تجلّى ربّه للجبل جعله دكاً»[9]. فقد تجلّى الله في جبل طور أو في جبل إنّيّة موسى نفسه، وخرّ موسى صعقاً على إثر ذلك، فالأنبياء والأولياء وأمثالهم كانوا يمزقون هذه الحجب التي بينهم وبين الحق تعالى، وتحصل لهم حالة الصعق والموت الاختياري زمن حياتهم، فقد كان الله يتجلى لهم، وكانوا يدركون هذا التجلي وينظرون إليه بحسب نظرتهم العقلية والباطنية والروحية والعرفانية. والشهيد حسب هذه الرواية يماثل الأنبياء في هذا الأمر، فعندما يستشهد ويبذل روحه، يكون بذلك قد قدّم كل ما لديه في سبيل الله عزوجل، وبالتالي ينال ما ينالونه من اللطف والتجلي الإلهي والنظر إلى وجه الله، ذلك المقام الذي ليس بعده مقام في سلّم الكمال الإنساني. فالرواية المنقولة في الكافي، جعلت الشهداء في مصاف الأنبياء من حيث النظر إلى وجه الله وتجلي الحق تعالى إليهم، فالشهيد أيضاً ينظر إلى وجه الله وقد حطّم حجاب نفسه كما حطمه الأنبياء، ليصل إلى هذا المقام الذي يعتبر آخر مقام يمكن أن يصله الإنسان. ففي هذا بشارة للشهداء بأنهم وحسب أبعادهم الوجودية، يمكنهم الوصول إلى هذا المقام الأخير والذي يصل إليه الأنبياء[10].
الشهداء في قهقهة سكرتهم <عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ>..
لا يمكن أن نقول عن الشهداء شيئًا، فالشهداء هم شموع مجلس الأحبّاء. الشهداء في قهقهة سكرتهم وفي فرحة وصولهم <عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ>[11]، وهم من «النفوس المطمئنة» التي توجهت إليها كلمة الله <ادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي>[12]. والحديث هنا حديث العشق، والقلم ينكسر عند رسمه[13].
وصية الشهداء التي تصنع الإنسان هي وثيقة الإيمان والالتزام بالإسلام
نحن فخورون بالحشد العظيم الملتزم بالإسلام العزيز والشباب الغيور المجاهد الذين قاموا بشجاعة منذ بداية الثورة ولبّوا نداء الحق ووصل جمعٌ كثير منهم إلى لقاء الله الذي كانوا يأملون، وفقدَ جمعٌ عزيزٌ منهم سلامتهم أو سلامة أعضائهم الغالية في سبيل الإسلام ولتحقيق الهدف ونقابلهم بوجوه بشوشة نورانية. نحن فخورون أيضًا بالأمهات الشجاعات اللاتي فقدن أحبائهن والآباء الأعزاء الذين استشهد أبناؤهم وهم يتعاملون معنا كما لو كانوا يحتفلون بزفاف أحبائهم وشبابهم. وأنا كلما التقيت بهؤلاء الأعزاء العظماء أو رأيت وصية الشهيد التي تصنع الإنسان، أشعر بالحقارة والخضوع. هم يحملون وثيقة إيمانهم والتزامهم بالإسلام، وقبور الشهداء وأجساد المعاقين، تحكي عظمة أرواحهم الخالدة، وإن كان لديهم شكوى فهي أنهم لم يصلوا إلى نعمة الشهادة، وإن كانوا قد بلغوا ثواب الشهادة، إلا أنّهم ينوحون لأنهم لا يستطيعون العودة إلى الجبهات للدفاع، ويصرخون «الحرب الحرب حتى النصر»[14].
2- مكانة حب الشهادة وأهميّتها
حبّ الشهادة غير المسبوق حتى في صدر الإسلام
هذا التطوّع والاندفاع إلى جبهات الحرب وحب الاستشهاد لم يكن بهذا الشكل في الماضي، حتى في عصر رسول الله (ص) وعصر أمير المؤمنين (ع).[15]
لقد اخبرني أحد السادة أنه رأى في الجبهة فتى لا يبلغ من العمر سوى اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة وقد قطعت يده، ولكنه أمسك يده المقطوعة وانطلق نحو ساحة الحرب[16].
هل يوجد هناك مثل هؤلاء الحرس الذين يبكون من أجل التوجّه إلى جبهات الحرب ويستشهدوا؟[17]
شهداء اليوم يحشرون مع شهداء صدر الإسلام
إنّ شبابنا الذين يقاتلون في سبيل الله، أجرهم على الله، وهل يعقل ألا تشمل عناية الله تعالى من عمل من أجله؟! فالشهداء منهم – إن شاء الله – سيُحشرون مع شهداء صدر الإسلام[18].
حل كافة مشاكل البلاد يكمن في روح حب الشهادة لدى الشعب
اليوم؛ الجميع ثوريون ومستعدون للشهادة. وأنا أعلن بحزم أننا نستطيع بسهولة أن نقف بوجه الاعتداءات الأميركية. وقد تستطيع أميركا هزمنا، لكنها لن تستطيع هزم ثورتنا. وهذا هو السبب الذي جعلني متأكداً من أننا سننتصر. الحكومة الأمريكية لا تفهم معنى الشهادة، ونحن نستطيع بهذه الروح حلّ جميع مشاكل إيران. انظروا إلى شعارات الشعب وهم يهتفون: «إنّ كارتر لا يدرك منطق الاستشهاد»[19].
حبّ الشباب المسلم للشهادة؛ سبب انتصار الإسلام وحفظه
الإسلام هو الذي أتى بهذا النصر، والشهادة هي التي حقّقت هذا النصر، وهي التي حفظت الإسلام، ومنذ البداية كان الإسلام يتقدَّم بها، وها أنتم ترون شبابنا يطلبون الشهادة، واليوم عندما كنت واقفاً في الخارج كان هناك شابٌّ قويّ يهتف من بعيد أن: «ادعوا لي بالشهادة». كان هذا الشعور هو الذي دفعنا وإيّاهم إلى الأمام، هو شعور الشهادة. وشعور الاندفاع نحو الشهادة من أجل الإسلام هو الذي قادنا للنصر[20].
الإيمان بالله وحبّ الشهادة؛ سبب انتصار الشعب الإيراني
لم بكن الشعب الإيراني يمتلك شيئًا؛ بل كان يمتلك الايمان، وإيمانه هو ما نصره على جميع القوى. وحكومات ومسلمو جميع البلدان تمتلك كل شيء ولكنها تفتقر إلى الإيمان. الايمان بالله وحب الشهادة هو الذي نصر بلدنا وشعبنا. حب الشهادة مقابل الكفر، مقابل النفاق، لحفظ الإسلام وحفظ القرآن الكريم[21].
لقد حدث لشعبنا تحول كبير لم يسبق له مثيل في التاريخ، إلى الحد الذي جعله يعتبر الشهادة فوزًا عظيمًا[22].
إحباط المؤامرات والتهديدات الأمريكية مرهونٌ يحبّ الشعب الإيراني للشهادة
لقد أثبتم للعالم أنَّ إيران لن تخضع لأيِّ ظلم، ولن تخرج من الساحة لأيّ تهديد، وأنها مستندة إلى القدرة الإلهية العظيمة، ومن يستند إلى قدرة الله تعالى ويعمر قلبه الإيمان ويعتقد بالمعاد ويعرف الله والقضاء الإلهي، لا يمكن أن يغادر الساحة. فليفكّروا في شيء آخر. ومن يتصوّر أنهم سيعودون بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة أو سنتين؛ عليه أن يفكّر في شيء آخر، فهذا التفكير لن يوصلهم إلى نتيجة. وعلى القوى العظمى كذلك أن تفكر في أمر آخر؛ بل الأفضل لها أن تتخلى عن هذه الأعمال، وعن دعم عميلهم هذا الخبيث الذي فضحهم، لقد تلاعبوا بهذا البائس وتبيّن لهم فيما بعد أنَّ الأمر ليس كما قالوا، وأنّ هذا التخبّط لا يجديهم الآن نفعاً. لقد ظنّوا أنَّ إلقاءهم لبعض القنابل على المدن الإيرانية سيُجبر الإيرانيين على إخلاء الساحة، إلا أنّ الشعب خرج يوم القدس هاتفاً بشعاراته المدوية التي طغت على أصوات المدافع والقنابل؛ لأنها كانت صادرة عن قلوب مؤمنة؛ لذلك تغلبت على كل شيء؛ حتى البيت الأبيض كما ذكر ذلك مراسلو وكالات الأنباء، وأنّ أمواج هذا الإيمان أخذت تخرج الدنيا كلها من نير الظلم الذي سيطر عليها على مرّ التاريخ، وقد ملأ لحن هتاف: «لا للظلم» الأرجاء، وأوقفت الأيدي القوّية للشعوب القوى العظمى عند حدها، وستفعل ذلك في المستقبل أيضاً[23].
نحن لا نخشى المؤامرات الأمريكية، ولا نخاف تهديداتها، وشعبنا لا يخشى ذلك أيضاً، إنّ الذي يخاف هو من اتخذ الدنيا دار قراره، ولم يعتقد بالآخرة، أمّا من اعتبر الدنيا دار فناء لا دار بقاء هو هذا الشعب الذي يستقبل الشهادة برحابة صدر، والشباب الذين يزورونني يطلبون مني أن أدعو لهم بأنّ يرزقهم الله الشهادة، والأمهات يأتين ويطلبن مني أن أدعو بالشهادة لأبنائهن. هذا الشعب الذي أحدث الله تعالى فيه هذا التحوّل لا يخشى شيئًا؛ فبمَ يخوفنا السيد كارتر؟ هل يخوّفوننا من جنودهم؟ أو من جيشهم؟ فليرسلوا من يشاؤون، ويفعلوا ما يشاؤون، ثم لينظروا ما إذا كان بإمكانهم أن يخدعوا هذا الشعب اليقظ الواعي بكلماتهم الفارغة أو لا؟[24]
خدمة الشهداء والجرحى؛ خدمة للنبي الأكرم (ص) والأنبياء (عليهم السلام)
خدمة الشهيد أعظم قيمة من سائر الخدمات. إنّ الجريح الذي حمل روحه على كفّه وقدّمها ولكنه لم ينل شرف الشهادة، قد أدّى نصيبه من التضحية أيضًا. فعليكم أنتم الذين تخدمون الشهداء من خلال مؤسستكم التي هي مؤسسة الشهيد أن تعرفوا قدر هذه المؤسسة وهذه الخدمة. فما قيل عن الشهيد لم يُقل إلا في قليل من الناس؛ فقد جُعلوا في مصافّ الأنبياء. ولهذا فإنّ خدمتهم هي خدمة للنبي الأكرم (ص) وخدمة للأنبياء (عليهم السلام). اعلموا أنكم تعملون في سبيل الشهيد، ومؤسستكم هي مؤسسة الشهيد. وفضل الشهيد لا يدانيه فضل، وإنّ الشهادة أفضل من كل شيء، فقد ورد في رواية عن رسول الله (ص): إنّ فوق كل ذي برٍّ برُّ حتى يقتل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله، فليس فوقه برٌّ[25]. والنكتة واضحة؛ وهي أنه لا يمكن تصوّر برٍّ أفضل وأسمى من برِّ من قدّم كل ما لديه وقدّم حياته التي هي أغلى ما عنده في هذا الوجود في سبيل الله. أنتم الآن تخدمون عوائل الشهداء الذين هم مرتبطون بهم ويحبّونهم. وخدمتكم هذه لا يمكن تصور خدمة أعظم منها، وفقًا لهذه الروايات[26].
اختصاص إحصائيات شهداء الثورة الإسلامية بطبقة الفقراء في المجتمع
أعدّوا إحصاءً لأولئك الذين قُتلوا – حينما تتمكنون من ذلك – وابحثوا إن كان بينهم أحد من أبناء المسؤولين أو كبار التجّار أو الملاّك أو الجنرالات أو الوزراء أو الشيوعيّين، فإن عثرتم عليهم فأبلغونا! كل الضحايا كانوا مسلمين نزلوا إلى الشوارع هاتفين «الموت للشاه» و«نحن نريد جمهورية إسلامية». نعم جميع قتلانا كانوا من هذا الشعب المسلم. ومن هنا؛ فالغنائم ملك لهم، ويجب أن تُعطى للفقراء الذين عانوا وقدموا الشهداء من شبابهم، وفقدت عجائزهم فلذات أكبادهن. إنّ هذه الأموال المنهوبة يجب أن تُصرف في تأمين حياة الكريمة لهؤلاء[27].
لن أنسى عندما رأيت مجموعة من الرجال العجائز والنساء العجائز والأطفال من سكان الأكواخ، عندما سُئل أحدهم إلى أين تذهبون؟ فقالوا: إنّنا ذاهبون للمشاركة في المظاهرات. هؤلاء هم الذين لم يكن لديهم قوت يومهم ولليلتهم، لكنهم بعزيمتهم العالية، وبقوتهم المعنوية الإلهية، خرجوا ضد ذلك النظام وقدموا الشهداء وانتصروا، وهم الذين يدعمون الجمهورية الإسلامية ويقفون بثبات في الجبهات وخلفها[28].
ويل للمتخلّفين عن قافلة الإيثار والشهادة العظيمة
اللهم اجعل سجلّ الشهادة مفتوحًا دائمًا أمام المتلهفين، ولا تحرمنا الوصول إليه. اللهم إنّ بلادنا وشعبنا في بداية طريق النضال وهم بحاجة إلى مشعل الشهادة، فاحفظهم بحفظك واحرسهم بحراستك. طوبى لكم أيها الشعب! طوبى لكم أيها النساء والرجال! طوبى للجرحى والأسرى والمفقودين وعوائل الشهداء العظيمة! وويل لي وأنا المتخلّف عنهم وقد تجرّعت كأس قبول القرار المسموم، وإني لأشعر بالخجل أمام عظمة وتضحية هذا الشعب العظيم، وويل لمن تخلّف عن هذه القافلة! وويل لمن وقف على الحياد والتزم الصمت أو انتقد وهاجم هذه المعركة الكبرى والاختبار الإلهي العظيم![29]
3- أهداف تضحية الشهداء بأرواحهم ونتائجها
إعلاء راية التوحيد؛ هدف التضحية بالأنفس منذ صدر الإسلام وإلى الآن
لقد قدمنا أحباءنا بكلّ حزن وفخر في سبيل هدف هو إسقاط النظام الطاغوتي ورفع راية الإسلام المجيدة، وهذا هو بالضبط طريق الإسلام ومنهج المسلمين الحقيقيين منذ صدر الإسلام، وسيبقى كذلك مدى التاريخ، وقد ضحّى النبي الأكرم (ص) بكل شيء في سبيل الإسلام ورفع راية التوحيد، <ولكم في رسول الله أسوة حسنة>[30].[31]
تضحية الشعب الإيراني بحياته وماله في سبيل إحياء المدرسة الإلهية
وما نهضتم من أجله – أيها الشعب الشريف المجاهد وتسعون إلى تحقيقه، وتقدمون في سبيله الأرواح والأموال – هو أسمى وأعلى وأثمن مقصد ومقصود يمكن السعي من أجله منذ نشأة العالم في الأزل وإلى ما بعده إلى الأبد، وهو المدرسة الإلهيّة بمعناها الواسع وفكرة التوحيد بأبعادها الرفيعة التي تشكل أساس الخلق وغايته في رحاب الوجود، وفي درجات ومراتب الغيب والشهود. وقد تجلّت بتمام معناها ودرجاتها وأبعادها في المدرسة المحمدية؛ وانصبّت جهود جميع الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) على تحقيقها، وتوقّف الوصول إلى الكمال المطلق والجلال والجمال اللامتناهي عليها. فهي التي منحت التّرابيّين شرفًا على الملكوتيّين وما فوقهم، وما يحصل للبشر من سير فيها لا يتحقق لأي مخلوق من الخلق في السر والعلن.
إنّكم أيها الشعب المجاهد، تسيرون تحت راية ترفرف في جميع أرجاء العالم المادي والمعنوي – سواءٌ أدركتم ذلك أم لا – وتسلكون طريقًا هو الطريق الوحيد لجميع الأنبياء (عليهم السلام)، والمسلك الفريد نحو السعادة المطلقة. وبهذا الدافع يحتضن جميع الأولياء الشهادة في سبيلها، ويرون الموت الأحمر «أحلى من العسل»، وشبابكم في الجبهات قد تذوقوا رشفة منها فولهوا[32].
بذل الشعب الإيراني روحه وأمواله وأبناءه من أجل تحقيق العدل الإلهي
يجب أن نشكر الشعب الذي عمل في جميع المراحل، قبل الثورة وأثناءها وحتى انتصارها، باتّحاد وتكاتف من أجل إقامة العدل الإسلامي وطرد الأشرار والأنظمة الفاسدة وإقامة نظام الجمهورية الإسلامية، وقد كانوا حاضرين في الساحة منذ البداية وبكل قوتهم، وبذلوا جهودًا جبّارة وقدّموا الأموال والأرواح والأبناء والعوائل من أجل ظهور العدل الإلهي وتثبيت الأحكام السماوية[33].
اقتداء الشهداء بالمعصومين (عليهم السلام) في كسر الصمت القاتل أمام الظلم
إنّنا نتقدّم بالشكر والتهنئة لهؤلاء الغيارى الذين يضحّون في سبيل الهدف المقدّس للإسلام ولا يبخلون بأنفسهم وأموالهم، ويأبون الخضوع للظلم، ويكسرون بكلّ شجاعة الصمت القاتل ببذل أرواحهم، وقد وجدوا طريق نبي الإسلام (ص) وأئمة الشيعة (عليهم السلام) واقتدوا بهم وسلكوا منهجهم[34].
نظرة الشعب العاشق للشهادة إلى الغنيمة الإلهية التي لا تزول
أما الشعب الذي يسعى للشهادة، ويعشق رجاله ونساؤه الشهادة ويصرخون طلبًا لها، مثل هذا الشعب لا يبالي نقصان شيء ما أو زيادته، ولا يهتم لحالة الاقتصاد، فهذا شأن من ربط نفسه بالاقتصاد وتعلّق قلبه به. أما من تعلّق قلبه بالله عزّ وجل، فهو لا يسعى خلف الوفرة أو الندرة، والزيادة أو النقصان، وارتفاع الأسعار أو انخفاضها. وهذه الأمور لا تعني شيئًا لمن كان هدفه أن يصبح شهيدًا؛ فلو قلت له مثلاً إنّ ماله قد سُرق أو إنّ الأسعار ارتفعت، فهو لن يهتم لهذا الكلام، فهو لم يذهب ليحوز على غنيمة. الغنيمة التي يبحث عنها هي تلك الغنيمة التي لا تزول أبدًا؛ هي الشيء الذي ليس فيه هزيمة؛ هي العمل الذي لا يؤتى به سوى لله تبارك وتعالى، وشعبنا يقوم بهذا العمل، وأنا آمل أن نصبح جميعًا هكذا[35].
الجهاد والشهادة في سبيل الله؛ ضرورة لاكتساب القيم الإنسانية
إن كنتم تريدون أن تصبحوا بشرًا وأن تكونوا مرفوعي الرأس في الدّنيا، فإن الأمر ليس بتلك السهولة؛ بل يتطلب جهدًا عظيمًا، فإن أنتم خضعتم للآخرين، فلن تكون لكم أيّة قيمة. وإن أردتم أن تتحرروا من هيمنة الآخرين وتعتمدوا على أنفسكم، فإنّ لهذا الأمر قيمة إنسانية وكرامة، ويتطلب جهدًا وتضحية، ويستتبع حرمانًا وجهادًا ودفاعًا وشهادة، وهو يمثّل القيم الإنسانية التي عمل من أجلها الأنبياء (عليهم السلام)؛ واستشهد من أجله الإمام الحسين (ع)، فلو كان فكّر وأصحابه في الجهد الذي يتطلّبه إحداث مثل هذه الثورة التي لا تزال آثارها باقية حتى الآن، لما استطاعوا تحقيقها، ولكن عندما يكون العمل لله تبارك وتعالى، فإنّ الجهد يكون أقل[36].
دماء الشهداء تروي شجرة حرية الشعب المسلم
لا يجب أن نقلق من تقديم التضحيات؛ فهكذا كانت سيرة الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) الذين كانوا يقومون في وجه الظلم، ويثورون فيَقتلون ويُقتلون ويقدّمون شبابهم وأصحابهم، وليس علينا القلق الآن من احتمالية سفك الدماء! بل يجب أن تُسفك الدماء، ولا يمكن لشعب يريد أن ينقذ نفسه من وطأة كل هذه الجرائم والخسائر التي لحقت به، أن يتحصل عليها مجانًا. إحدى الأمهات وقفت – على ما يبدو في مقبرة جنّة الزهراء – وقالت إنّ شجرة الحرية تحتاج إلى سقاية، وإنّ دم ابنها هو أحد الأمور التي تسقيها. هذه عيّنة من نسائنا الشجاعات. فكم من نفوس طيبة ضُحّي بها منذ صدر الإسلام حتى الآن! والإسلام بحاجة إلى مثل هذه التضحيات[37].
بركات دماء الشهداء الطاهرة في الدفاع المقدس
كنّا كل يوم نشهد بركة من بركات الحرب ونستفيد منها في كافّة الميادين. لقد صدّرنا ثورتنا إلى العالم في الحرب، وأثبتنا مظلوميّتنا وظلم المعتدين لنا؛ في الحرب، كشفنا القناع عن وجه نفاق الإمبريالية، لقد عرفنا أصدقاءنا وأعداءنا في الحرب، وتوصلنا إلى ضرورة الاعتماد على أنفسنا، وكسرنا هيبة القوتين العظميين الشرقية والغربية، ورسّخنا جذور ثورتنا الإسلامية المثمرة، وزرعنا شعور الأخوّة والوطنية في نفوس كل فرد من أبناء شعبنا، وأظهرنا للعالم وخاصة لشعوب المنطقة أنه يمكن مقاومة جميع القوى والقوى العظمى لسنوات طويلة. حربنا ساعدت أفغانستان، وستؤدي إلى تحرير فلسطين. لقد جعلت الحرب جميع قادة الأنظمة الفاسدة يشعرون بالذلّ أمام الإسلام؛ وأدت إلى الصحوة في باكستان والهند، وهي السبب في نمو صناعتنا العسكرية وتطورها الكبير، والأهم من كل ذلك، تحقق استمرار روح الإسلام الثوري في ضوء الحرب.
كل هذه البركات كانت بفضل دماء الشهداء الطاهرة خلال ثماني سنوات من القتال؛ كل هذه البركات كانت بفضل جهود الأمهات والآباء والشعب الإيراني العزيز خلال عشر سنوات من النضال ضد أمريكا والغرب والاتحاد السوفييتي والشرق. حربنا كانت حرب الحق ضد الباطل وهي لن تنتهي؛ حربنا حرب الفقر والغنى؛ حرب الإيمان والرذيلة. وهذه الحرب موجودة منذ آدم وإلى آخر يوم في الحياة. وما أقصر نظر الذين يعتقدون أنّ الشهادة والبطولة والتضحية والإيثار والصلابة غير ذات جدوى! لأننا لم نصل إلى الهدف النهائي في الجبهة[38].
الحفاظ على الإسلام والثورة؛ الثمرة المؤكدة لدماء الشهداء والمؤثرين
لا تتوقعوا أيها المقاتلون أن يقدّركم أحد مثلي أو أي شخص أخر من البشر، لن يستطيع أحد ذلك؛ فالله تعالى قد اشترى أنفسكم إذ قدمتم أعظم ما لديكم – وهو النفس – في سبيل الله؛ سواء أولئك الذين استشهدوا وظفروا بلقاء بالله إن شاء الله تعالى، أو أنتم الحاضرين هنا وتستعدون للشهادة. لقد حققتم أمرين لا يستطيع أحد من البشر تقديرهما – إلا من كان من أولياء الله وألهمه الله تعالى ذلك -: أحدهما؛ هو أعظم ثرواتكم، وهي الحياة التي قدمتموها على طبق الإخلاص. والآخر؛ هو أنكم قدمتم هذه الهدية بإخلاص، الأهم هو الإخلاص الذي يظهر فيكم أيها الشباب. لقد كفلتم بإخلاصكم وتضحياتكم الجمهورية الإسلامية. والانتصارات التي تحقّقت على أيديكم خصوصًا في الفتح المبين، لا يمكن قياسها بأي معيار ولا يمكن لأي لسانٍ وصفها، لكنّ صدقكم وإخلاصكم في محضر الحق تعالى أسمى من كلّ ذلك، فالإيثار بإخلاص أعظم عند الله تعالى[39].
قد يطرح في المستقبل بعض الأشخاص عمدًا أو جهلاً هذا السؤال بين الناس: ماذا كانت ثمرة الدماء والشهادة والتضحيات؟ لا شك أنّ هؤلاء يجهلون عوالم الغيب وفلسفة الشهادة، ولا يدركون أنّ من ذهب إلى الجهاد من أجل رضا الله تعالى فقط، وقدم رأسه على طبق الإخلاص والعبودية، لا تؤثر فيه حوادث الزمان؛ لا تؤثر على خلوده وبقائه ومنزلته الرفيعة. ونحن بحاجة إلى طيّ مسافة طويلة لندرك بشكلٍ كاملٍ قيمة شهدائنا ونهجهم، وأن نبحث عنها مع مرور الوقت وتاريخ الثورة والأجيال القادمة. لا شك أنّ دماء الشهداء قد ضمنت الثورة والإسلام، ودماء الشهداء قدّمت للعالم درسًا أبديًا في المقاومة. إنّ طريق ونهج الشهادة لا يمكن أن يُطمس، وستقتدي هذه الشعوب والأجيال القادمة بنهج الشهداء، وسيكون هذا التراب الطاهر للشهداء مزارًا للعشاق والعارفين والمفجوعين وملجأ للأحرار إلى يوم القيامة. طوبى لأولئك الذين رحلوا شهداء! طوبى لأولئك الذين فقدوا أرواحهم ورؤوسهم في هذه القافلة المنيرة! طوبى لأولئك الذين ربّوا هذه الجواهر في كنفهم![40]
تزلزل أركان قصور الظلم في الشرق والغرب، من بركات سَحَر الشهداء
إنما تقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وثورتها ثابتة على قمة العزّة والشرف تُضيء مشعل الهداية للأجيال العطشى بفضل هممهم[41] العالية، وشكّلت قطرات دمائهم سيلاً عظيمًا وعاصفة مرعبةً أطاحت بأركان قصور الظلم والاستبداد في الشرق والغرب، وألبستهم سواد الحزن على فقد حلفائهم وخدَمهم من أمثال مثل محمد رضا خان والسادات والنميري وكذلك قوتهم ومفاخرهم الشيطانية، وما زالت القصة في بدايتها، وسيواجهون كوابيس أخرى. يجب أن يستعدوا لزوال وموت أتباعهم من أمثال صدام وعملاء مثل الكيان الإسرائيلي الغاصب، فكل هذا من بركات سَحَر شهدائنا. ونحن في انتظار رؤية الشمس. ويجب أن نقول للشهداء: <وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ>[42].[43]
استقبال الشعب الإيراني للشهادة؛ سبب انتصاره
لقد تقدّمنا بفضل هذه التعاليم، واستقبل شعبنا الشهادة من أجل هذا الهدف. ولأن الشهادة كانت هدفه، فقد تغلب بالقبضة والدم على جميع القوى الجهنّمية؛ على الدبابات والمدافع الرشاشة، وعلى القوى العظمى التي اصطفّت خلف الشاه المخلوع. إنّنا نريد أن يكون هذا السّر بين جميع الحكومات والشعوب[44].
نجاة البلاد من الغرق كان بفضل جهاد الشهداء والمضحين
أيها الشهداء العظام، ويا أيها الشهداء الأحياء الأعزاء! لولا جهادكم وجهاد إخوانكم وأخواتكم الأكارم في جبهات القتال وخلفها، الذين بإخلاصهم جلبوا عناية الله القادر الخاصّة، أيّ قوّة أو أي آلةٍ حربية كانت لتنقذ الجمهورية الإسلامية من هذا البحر المتلاطم العاصف، الذي تكاتف فيه الشرق والغرب وأتباعهم وتضافروا على إغراقه، ومازالوا يحاولون؟! إنّ عُمي البصيرة هؤلاء والجهلة الفارغون من المعنويات لم يعلموا أنّ هذه السفينة هي سفينة نوح (ع)، وربّانها ونصيرها هو الله تعالى. لقد جاء هؤلاء بكلّ تجهيزاتهم ومعداتهم المادية لمحاربة الإيمان والمعنوية ودولة صاحب العصر الزمان (عج). والآن؛ بعد سنوات من التجربة، لم يتّعظوا واستمرّوا في تحركاتهم اليائسة. ولكن لا خوف على سفينة موج البحر ونوح (ع) ربّانها[45].
دماء الشهداء الشباب؛ مطهرة للأرض الإسلامية من المجرمين
على الرغم من أننا فقدنا شهداء أعزّاء وشبابًا متميزين، ولنا إخوان وأخوات معاقون ومبتوروا الأطراف، شهداء كانوا نور ثورتنا، وإخوان وأخوات معاقون هم ثروة ثورتنا الإسلامية، ويتمتعون باحترام خاص لدى شعبنا الوفي، إلا أننا في المقابل، أنقذنا شعبًا عظيمًا وقطعنا مخالب الذئاب آكلة لحوم البشر – وحوش على هيئة البشر – عن شرايين حياة شعبٍ عظيم. وبمشيئة الله وعزم شعبنا العزيز، طهّرنا أرضنا الإسلامية إلى الأبد من دنس وجود المجرمين الهمج والخونة النهابين، وتحت راية «الله أكبر» المباركة، ضمنّا الحرية والاستقلال لبَنِي أرضنا[46].
تأثير دماء الشهداء في زيادة التماسك والقوة المعنوية للشعب الإيراني
إنّ شعبنا عازم وجازم وثابت ويقف دفاعًا عن مصالح الإسلام، وإذا ما استشهد أيّ شخص، فلن يكون لذلك أثر إلا أن يصبح الشعب أكثر تماسكًا وتقوى معنويّاته، كما كان الحال في صدر الإسلام؛ فلمّا كان الأفراد الملتزمون يُقتلون، كان جيش الإسلام والناس يصبحون أقوى ويمضون قدمًا، ولأن شعبنا لا ينظر إلى غير الإسلام وتوجيه نفسه نحو الله تعالى والسير في سبيله، فهو بريء من هذه الأمور المادية التي تسبب الضعف في الأفراد[47].
إثبات حقّانية الوعد الإلهي باستخلاف المستضعفين في الأرض
أحيّيكم جميعًا أيّها الإخوة والأخوات الذين تواصلون حياتكم البطولية في أجواء الحرب، ولا تخشون من الموت في سبيل الله على يد أعداء الله، وتدافعون بكل ما أوتيتم من قوة عن أرضكم الغالية طلبًا لرضا الله تعالى، واستنهضتم مجاهدي الإسلام، وقد قدّمتم ذلك كلّه في حالة من الإخلاص، وسجلتم وبتضحياتكم المتكررة مشاهد الشجاعة والفداء في تاريخ نضالاتكم الطويلة، وعلّمتم المستضعفين في العالم دروس التضحية والشجاعة وأنّ وعد الله باستخلاف المستضعفين في الأرض حقّ، أحيّيكم يا من سوّدتم بجهادكم وجوه القوى العظمى وسائر القوى، وأقف أمام صبركم واستقامتكم خاضعًا خاشعًا[48].
إنّ شعبًا يسعى شبابه اليافعون إلى الشهادة في سبيل الهدف، وهو الإسلام، لا يخافون من المؤامرات والاغتيالات. فالمحاولات الإجرامية ضد الأشخاص الذين قضوا أعمارهم في خدمة الخالق والخلق تجعل إرادتهم أكثر تصميمًا، وتزيد حقّانية مذهبهم وضوحًا[49].
درس تضحية وإيثار الشعب الإيراني للأجيال القادمة
إنّ تضحيات الشعب المجاهد في سبيل الإسلام ووحشية طغاة نظام الشاه في هذا اليوم وغيره من الأيّام، تُعد درسًا قيّمًا جدًا في التضحية يعرّف بالشعب المظلوم الشجاع والنظام الإجرامي البهلوي على مر التاريخ، حتى تدرك الأجيال القادمة كيف تحقّقت هذه الجمهورية الإسلامية وبأي تضحية وتفانٍ، وحتى يحافظوا بدورهم على هذه الهديّة الإلهية العظيمة بشجاعة وشهامة وإيثار وتضحية بأحبائهم بإذن الله تعالى[50].
خط الشهادة الأحمر، خط تاريخ الإسلام المشرّف
خط الشهادة الأحمر هو خط آل محمد وعلي (عليهم السلام). وقد ورّث هذا الشرف أهل بيت النبوة والولاية إلى ذرّيتهم الطيّبة ومن ثم إلى أتباع خطّهم. فسلام الله وسلام الأمة الإسلامية على هذا الخط، ورحمة الله الواسعة على الشهداء الذين ساروا على هذا الخط عبر التاريخ، والفخر والعزة لأبناء الإسلام الأقوياء الذين صنعوا النصر، وللشهداء الذين سلكوا طريقهم. والخزي والعار واللعنة الأبدية على أتباع ومريدي شياطين الشرق والغرب، وخاصة الشيطان الأكبر أمريكا المجرمة، التي ظنت أنها بمخططاتها الشيطانية الفاشلة قادرة على إضعاف أو إخراج شعبٍ قام لله تعالى وللإسلام العظيم وقدم آلاف الشهداء والجرحى، من الساحة بهذه الألاعيب. إنّ هؤلاء هم أتباع سيد الشهداء (ع) الذي ضحىّ بكل شيء في سبيل الإسلام والقرآن الكريم؛ من طفله ذي الستة أشهر إلى الشيخ ذي الثمانين سنة، وأحيا الإسلام العزيز بدمائه الطاهرة. وإنّ جيشنا وحرسنا الثوري وقوات التعبئة وسائر القوات المسلحة العسكرية والأمنية والشعبية، جميعهم يتّبعون هؤلاء الأولياء الذين ضحّوا بكل شيء في سبيل الهدف والعقيدة وجلبوا الشرف والفخر للإسلام وأتباعه العظام[51].
السعادة والحياة الأبدية؛ نتيجة لحظة من عناء الشهادة
إن أنتم طهرّتم أنفسكم، فلا تخشوا شيئًا؛ فالموت أمر يسير، وليس بالأمر المهم. هذا ما كان يقوله أمير المؤمنين (ع): «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه»؛ لأنه فَهِم حقيقة الدنيا وما وراءها؛ فهم حقيقة الموت، وأنّ الموت هو الحياة. لقد قدمنا الشهداء، لكنّ شهداءنا أحياء؛ هم أحياء عند ربّهم يرزقون؛ هم خالدون. ونحن أيضًا نسأل الله أن يوفقنا للشهادة. إنها لحظة واحدة وسعادة دائمة؛ عناء لحظة واحدة، تليها سعادة أبدية[52].
4- وظيفتنا تجاه الشهداء المضحّين
ضرورة مواجهة الدعاية لمحو قيمة الإيثار والشهادة
في هذه الأيام، قد يبدأ المغرضون الجهلة بحملاتهم الدعائية السامة لمحو دماء الشهداء الأبرار وتدمير عزّة وفخار الشعب. وسيجيب شعبنا العزيز – إن شاء الله – ببصيرة ووعي على جميع المؤامرات[53].
حفظ دماء الشباب مرهون بإصلاح الثقافة والنظام التعليمي
يجب على المجلس والشعب والمفكرين الملتزمين أن يؤمنوا بهذه الحقيقة وأن يأخذوا إصلاح الثقافة ومن ضمنها إصلاح المدارس من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة على محمل الجد، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم لمنع الانحراف. فليس لفئة قليلة من الأفراد القدرة على إصلاح هذا الأمر الهام الضخم وجعله إسلاميًا ووطنيًا وفي خدمة البلاد بشكلٍ كامل. نحن جميعًا مسؤولون ويجب علينا جميعًا أن نبرئ ذمّتنا أمام الله وأمام خلقه. ونحن نملك في هذا الزمان فرصة ثمينة، فلن يُقبل عذر أحد، ويجب على الجميع أن يبذلوا جهدهم في هذا الأمر الحيوي كلّ على قدر استطاعته، لكي لا تذهب دماء الشباب الشجعان المجاهدين وجهود الشعب وتضحياته السخية سدىً[54].
الدفاع عن مصالح المستضعفين لمنع ضياع دماء الشهداء
أيها الإخوة الأعزاء؛ الإخوة المفكرون؛ الكتّاب وأصحاب الأقلام؛ الأكاديميون؛ الطلاب الكرام؛ علماء الدّين الأجلاء؛ التّجار المحترمون؛ العمال والموظفون الأعزاء! لنتحد معًا؛ لتكن جميع أقلامنا وخطواتنا وكلماتنا في صالح هذه الطبقة المستضعفة. لا تدعوا دماء هؤلاء الشهداء تذهب سدى[55].
الفرقة في صفوف الشعب المتراصّة؛ عامل ضياع دماء الشهداء
إذا أصغيتم إلى سموم الأعداء وإلى الوساوس المستمرّة المرتبطة بأمريكا وغيرها، ولو قدر الله وحدثت فرقة في صفوفكم المتراصّة، فإنّ جميع جهودكم المضنية ودماء شهدائكم الطاهرة ستذهب هدرًا[56].
ضرورة اتباع طريق الشهداء في إنشاء دولة إسلامية مستقلة
إنّ فقدان شخصيات عظيمة يجب ألا ينسينا تلك القضايا التي كانت محل اهتمام شهدائنا وأساس خدمتهم. يجب أن نولي اهتمامًا أكبر لما كان يشغل بال شهدائنا في المجلس، وشهدائنا في الحكومة، وشهدائنا في السلطة القضائية، يجب ألا ننسى طريقهم الذي كان يتمثل في انتصارنا في الحرب وتطهير بلادنا من رواسب أمريكا والاتحاد السوفييتي، وأن تكون بلادنا دولة إسلامية مستقلة وحرة. يجب ألا ننسى هذا الطريق.[57]
ضرورة تعظيم أيام استشهاد شهداء الثورة الإسلامية العظام
لابدّ من تعظيم هذه الأيام العظيمة، وأيام أربعين سيد الشهداء (ع)، ويوم عاشوراء وأمثالها. وكذلك؛ يجب تعظيم أيام استشهاد أحبائنا أيضًا؛ مثل يوم الشهيد مفتّح، أولئك الذين كانوا في خدمة الإسلام وقُتلوا بأيدي أعداء الإسلام. لقد قدّمتم كل هؤلاء الشهداء في سبيل الحرية والاستقلال، ويجب أن تحافظوا على هذه الحرية والاستقلال بكل ما أوتيتم من قوّة، وأن تساعدوا الجميع على الجبهات حتى يرفع الله – إن شاء الله – هذه الغائلة قريبًا[58].
ضرورة تقدير تطلّع مجاهدي الإسلام للشهادة
الآن؛ بفضل عناية ربّ الأرباب ودعاء حضرة بقية الله الأعظم (عج)، وبفضل تضحيات وبطولات الشعب العظيم في إيران وقوة الإيمان والإيثار لدى الأبطال الأعزاء في سبيل أهداف الإسلام العظيم والقرآن الكريم، وجدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية طريقها بكلّ فخر وقوّة وهي تتقدم بثبات، علينا أن نعترف بعجزنا أمام المجاهدين الأعزاء الذين دافعوا عن أرضهم الإسلامية بحبّهم للشهادة وبطولاتهم، وأضاءوا بدمائهم الطاهرة مصابيح الحرية لجميع الشعوب الأسيرة. وكذلك؛ نشكر الأمهات والآباء والأخوات والزوجات والإخوة الكرام الذين قاموا بدعم المجاهدين الأعزاء بكل جدية في الدفاع المقدس عن الإسلام والدولة الإسلامية من خلف جبهات القتال ولم يقصروا في شيء. ونشكر كل الشعب العظيم والملتزم الحاضر في جميع الميادين[59].
ضرورة مطالعة وصايا الشهداء
اقرأوا هذه الوصايا التي يكتبها هؤلاء الأعزاء. لقد عبدتم الله لخمسين عامًا، والله يتقبل منكم، خذوا يومًا واحدًا لقراءة إحدى هذه الوصايا وتأملوا فيها[60].
استغلال دماء الشهداء لأغراض شخصية؛ ممنوع بشكل قاطع!
لقد قدّمنا الدماء منذ 15 خرداد حتى الآن، في الحقيقة أنتم من قدمتم الدماء، أنا جالس هنا لم أفعل شيئًا؛ فليس لي أيّ حق. أنتم من قدم الدماء؛ أنتم من ذهب إلى الميدان؛ أنتم من قاتل؛ ليس لدينا أيّ حق. وما علينا إلا أن نخدمكم، ولا يجب أن نستفيد نحن من ذلك لأغراض شخصية. ويلٌ لي إن كنت أردت استغلالكم لأغراض شخصية! ويل لي إن سُفكت دماؤكم وأنا استفدت منها![61]
- [1] بحار الأنوار، ج27، ص181.
- [2] في لقاء مع مجاهدي الإسلام، 09/03/1982.
- [3] في لقاء الإيرانيّين المقيمين في الخارج، 21/01/1979.
- [4] النساء: 73.
- [5] في لقاء مع الشعب، 04/05/1979.
- [6] في لقاء مع عوائل الشهداء في باوه وقادة الجيش، 01/10/1979.
- [7] نهج البلاغة، الخطبة 5.
- [8] في لقاء مع طبقات الشعب، 15/04/1964.
- [9] الأعراف: 143.
- [10] في لقاء مع مسؤولي مؤسسة الشهيد وجمع من عوائل الشهداء، 23/09/1980.
- [11] آل عمران: 169.
- [12] الفجر:29 و30.
- [13] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 23/09/1988.
- [14] رسالة إلى شعب إيران، 10/02/1982.
- [15] في لقاء مع أئمة الجمعة في محافظة مازندران ودشت گرگان، 10/03/1982.
- [16] في لقاء مع أئمة الجمعة في محافظة كرمان، 25/05/1982.
- [17] في لقاء مع مسؤولي النظام، 21/03/1982.
- [18] في لقاء مع الطلبة المسلمين أتباع خط الإمام، 03/11/1980.
- [19] في لقاء مع مجلة التايم، 05/01/1980.
- [20] في لقاء مع نساء الأهواز وقم وبروجرد، 01/06/1979.
- [21] في لقاء مع قادة وموظفي القوات البحرية في الجيش، 13/06/1982.
- [22] في لقاء مع مقاومي الدول الإسلامية، 06/04/1979.
- [23] في لقاء مع مسؤولي النظام، 20/06/1985.
- [24] في لقاء مع موظفي بلدية الأهواز، 08/11/1979؛ تكرّر مضمون هذه المطالب في لقاء مع ممثلي مجلس الشورى الإسلامي، 12/08/1980؛ ولقاء مع مختلف الطبقات الشعبية، 19/01/1981؛ وفي لقاء مع جمع من مختلف الطبقات الشعبية، 11/04/1981؛ وفي رسالة إلى الشعب المسلم في إيران، 18/06/1981؛ وحكم تنفيذ رئاسة الجمهورية للآية الله خامنئي (دام ظله)، 09/10/1981؛ وفي لقاء مع جمع المسؤولين في وزارة النفط، 30/05/1982؛ وفي لقاء جمع المسؤولين في النظام في يوم عيد الفطر المبارك، 20/06/1985؛ وفي لقاء مع جمع أعضاء المجلس الأعلى للدفاع والقادة العسكريين، 03/10/1981.
- [25] بحار الأنوار، ج 7، ص60.
- [26] في لقاء مع مسؤولي مؤسسة الشهيد وجمع من عوائل الشهداء، 10/01/1981.
- [27] في لقاء جمع من رجال الدين، 06/03/1979.
- [28] في لقاء المجلس المركزي لجنة الإغاثة، 08/05/1983.
- [29] في رسالة إلى شعب إيران، 20/07/1988.
- [30] سورة الأحزاب: 21.
- [31] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 20/06/1978.
- [32] الوصيّة السياسية -الإلهية للإمام الخميني؟ق؟.
- [33] في لقاء مع مسؤولي البلاد، 09/10/1981.
- [34] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 27/07/1978.
- [35] في رسالة إذاعية – تلفزيونية إلى الشعب الإيراني ومسلمي العالم، 21/03/1985.
- [36] في لقاء مع أعضاء المجالس المحلية لتوزيع البضائع في طهران، 31/01/1984.
- [37] في لقاء مع الجالية الإيرانية المقيمة في الخارج، 25/10/1978.
- [38] في رسالة إلى علماء الدين، المراجع، المدرّسين، الطلاب وأئمة الجمعة والجماعات، 22/02/1989.
- [39] في لقاء مع مجاهدي الإسلام والطلبة، 17/04/1982.
- [40] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 20/07/1988.
- [41] الشهداء.
- [42] المائدة: 20.
- [43] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 05/02/1987.
- [44] في لقاء مع أعضاء هيئة ليبيّة، 20/04/1979.
- [45] في رسالة إلى عوائل الشهداء والشعب الإيراني، 07/02/1985.
- [46] في رسالة إلى الشعب الإيراني في ذكرى انتصار الثورة، 11/02/1980.
- [47] في لقاء جمع من مختلف طبقات الشعب، 01/09/1981.
- [48] في رسالة من 11 مادة إلى القوّات المسلحة والشعب الإيراني، 21/01/1981.
- [49] في رسالة إلى السيّد رضي الشيرازي، 15/07/1979.
- [50] في رسالة إلى الشعب الإيراني بمناسبة يوم الله 8 أيلول، 08/09/1982.
- [51] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 12/09/1981.
- [52] في لقاء مع جمع من الحرس، 05/03/1979.
- [53] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 20/07/1988.
- [54] في رسالة إلى الشعب الإيراني ومسؤولي النظام، 11/02/1983.
- [55] في لقاء جمع من تلاميذ قم وطهران، 04/11/1980.
- [56] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 11/02/1984.
- [57] في لقاء جمع من عوائل شهداء السابع من تير (02 تموز)، 02/07/1981.
- [58] في لقاء جمع من مختلف طبقات الشعب، 16/12/1981.
- [59] في رسالة إلى المجاهدين وعوائل الشهداء، 01/09/1985.
- [60] في رسالة إلى الشعب الإيراني، 22/06/1981.
- [61] في لقاء جمع من علماء الدين ومختلف طبقات الشعب، 05/06/1979.