مفهوم الاستكبار والمستكبر
معنى الاستكبار
الاستكبار هو العصيان والتمرّد النّاتج عن الكبر، ويقابله الاستسلام الذي هو انقيادٌ صوري بدافع التسليم الباطني. فليس كل انقياد استسلام ولا كلّ عصيانٍ وتمرّدٍ استكبار.
فمتى ما قبلت الفطرة الإنسانية الحق، تحققّ لها الاستسلام؛ ومتى ما صارت الفطرة محتجبة ومتكبّرة وأنانية وتعرّضت لتأثير العوامل الطبيعة، فإنها تتجنب الحق والحقيقة، وتصير صلبة قاسية، ما يجعلها مستكبرة ومتمرّدة على الحق. فتبين أن «الاستسلام» من جنود العقل والرحمان، وهو من لوازم الفطرة المخمرة؛ و«الاستكبار» هو من جنود الجهل والشيطان، وهو من لوازم الفطرة المحجوبة[1].
معنى المستكبر
لا ينحصر «المستكبر» في السلاطين، ولا في الرؤساء، ولا في الحكومات الظالمة؛ بل له معنى أعمّ، ومن مصاديقه الأجانب الذين يستضعفون كل الشعوب ويعتدون عليها وينتهكون حرمتها. كذلك الحكومات الجائرة، والسلاطين الظالمون، الذين يستضعفون شعوبهم، وينتهكون حقوقهم، ويعتدون عليهم. كما ابتلينا وإيّاكم وابتلي الشعب كلّه في هذه الخمسين سنة، لقد استضعفوا الشعب، ونظروا إليه نظرة الاستكبار، وتعدوا عليه وانتهكوا حرمته. والآن قد رحلوا، وبإذن الله لن يعودوا. اليوم؛ هو اليوم الذي أنعم فيه الله تعالى علينا بالحريّة والاستقلال، وهو يختبرنا بهذه الحرية وهذا الاستقلال. لقد منّ علينا بالحرية ليرى ما نفعله بها، وها نحن قد نلنا استقلالنا بفضل منه، فماذا سنفعل: هل سنكون من المستكبرين أو من المستضعفين؟ يمكن لكل شخص أن يكون مستكبراً أو مستضعفاً.
فإذا ما اعتديتُ على من هم تحت مسؤوليتي ولو كانوا أربعة أشخاص، واستضعفتهم، فأنا مستكبر وهم مستضعفون، ويشملني مفهوم المستكبر. وإن أنت استضعفت مرؤوسيك واعتديت عليهم، لا سمح الله، تصبح أنت مستكبراً وهم مستضعفين[2].
النظرة المريضة للمستكبرين تجاه الآخرين
ينظر المستكبرون إلى العالم نظرة استكبارية خاصة، وذلك من خلال ما يستحوذ عليهم من مرض نفسي بداخلهم. هذا المرض هو الذي جعلهم لا يعيرون أيّ أهمية للشعوب ولا يعتبرونها جزءًا من هذا العالم. كارتر نفسه وبعض الأشخاص ممن لا يتعدّى عددهم خمسين ألفًا من مجموع سكان العالم الذي يناهز ثلاث مليارات نسمة؛ أولئك الذين يملكون زمام الحكومات، يجبرون الآخرين على الظلم والتعدّي؛ حيث يرى وأمثاله أنّ الشعوب ليست شيئًا مذكورًا؛ وهؤلاء الذين هم فئة قليلة مثل كارتر ومجموعته؛ للأسف يعتبرون أنفسهم هم العالم بأسره، وهذه هي نظرة المستكبرين الذين لا يرون وجودًا لطبقات الشعوب الكبيرة الأخرى التي لا يُعتبر كارتر وأمثاله قطرة في بحرها، وهذا يرجع إلى المرض النفسي التي جعلهم لا يرون إلا أنفسهم. ولذا؛ حينما يجلس أحد هؤلاء على كرسي رئاسة الجمهورية وينظر بعينه المريضة، ويرى نفسه رئيساً آمراً على عدد من الوزراء والنواب والعملاء في مختلف البلدان، يعتقد أنه لا يوجد في العالم أحد له قيمة إلا هؤلاء الجلاوزة الجواسيس؛ لذلك، يعتبر هؤلاء الجواسيس دبلوماسيين وسياسيين. فمحمد رضا كان مصاباً إلى حد ما بهذا المرض الذي كان سبب هلاكه. إنّ هذا المرض، هو الذي يكون سببًا في ألا يرى الإنسان إلا نفسه وجمعاً من المتملقين والمهرجين حوله فقط، ولا يحسب للشعب حساباً، ولا يقيم له وزناً، ولا يدرك أنّ الشعب هو أساس الدولة، وأنّ رجال الدولة هم الأقلية الذين انتُدبوا لخدمة الشعب لا للتحكم فيه والتسلط عليه. لقد كان ذلك الرجل (محمد رضا بهلوي) مصاباً بهذا المرض، ولذلك كان لا يرى لأحد حقاً سواه، وكان يرى نفسه فوق الجميع، وأنه الآمر فوق كل آمر، فلا يحسب لأحد حساباً، ولا يقيم له وزناً، وهذا هو سبب خيانته لهذا الشعب. ولقد كان سبب كل تلك الخيانات أنّه كان لا يرى لأحد حقاً في استجوابه، فلم يكن يتصور وجود قدرة تقف في وجه الأسنة والأسلحة النارية. كلا؛ هناك قدرة أخرى. هذا المرض هو السبب لارتكابه لتلك الجرائم؛ لأنّه يُعمي صاحبة عن رؤية قدرة أخرى غير قدرته، فكانت النتيجة ما رأيتموه ورأيناه جميعاً. فكارتر كان مصاباً بنفس هذا المرض، لكنّ قدرته كانت أشدّ؛ فكلّما زادت القدرة والسلطة، اشتدّ هذا المرض، وما إن تضعف يضعف معها[3].