«وإِن ظَنَّتِ الرَّعيَّةُ بِكَ حَيفاً فَأَصحِر لَهُم بِعُذرِكَ» من التوصيات الأخرى التي يقدّمها أمير المؤمنين (ع) لمالك، هي أنّه إن تعرّضت لسوء الظنّ من الناس، تعال وصارحهم بشكل واضح حول ذلك الأمر. لا يكوننّ الأمر على هذا النّحو بأنّهم لو قالوا بأنهم نهبوا وسرقوا، نقول أنّهم يرتكبون حماقة، نحن لم ننهب. لا ينبغي تجاهل ما يقوله الناس وعدم الاكتراث له. واجهوا الناس بشكل مباشر وأوضحوا لهم الأمور، قولوا بأنّ الأمر ليس على هذا النّحو واشرحوا للنّاس حقائق الأمور. «وَاعدِل عَنكَ ظُنونَهُم بِإِصحارِكَ» أي بادر واشرح الحقيقة لهم، قل لهم بأن لم يكن الأمر على هذا النحو، ولم يحصل الأمر الفلاني؛ وأنّ ما يقولونه لم يحدث. بيّن هذه الأمور للناس وادفع عن نفسك سوء الظنّ. «فَإِنَّ في ذلِكَ رياضَةً مِنكَ لِنَفسِكَ وَرِفقاً بِرَعيَّتِكَ» هذا العمل يصبّ في صالحك وفي صالح الناس. فائدته بالنسبة إليك هو أنّه تمرينٌ لك بضرورة أن توضح وتبرّر للناس إن بدر عنك خطأ، رغم صعوبة التعرّض لسوء الظن والشعور بالإجبار على التبرير والتوضيح. هذه رياضة وتمرين وهذا العمل نفسه يدفع الإنسان لأن لا يقترب من الخطأ. من جهة أخرى هو مفيدٌ للناس؛ لأنّهم سيرتاحون حينها ويشعرون بالاطمئنان وهذا رفقٌ بحالهم. «وَإِعذاراً تَبلُغُ بِهِ حاجَتَكَ مِن تَقويمِهِم عَلَى الحَقِّ» هذا سوف يؤدّي إلى أن تتمكّن من جعلهم يرسخون على الحقّ، أي أن تدفع الناس للسير على نهج الحقّ.
ما أرغب في أن أعلّق عليه في كلام هذا الإمام العظيم وأقوله لكم أيها الأصدقاء، هو بداية، أنّ واحدة من الأمور التي تحلّ هذه المشكلات، هي بساطة عيش المسؤولين. أنا أرجو من السادة بأن يأخذوا هذه القضيّة على محمل الجدّ بشكلٍ كامل؛ أي أن يخطّطوا لها بشكل كامل. حاربوا الأرستقراطيّة. أنتم لستم طبقة من الأشراف (النّبلاء). لا يوجد لدينا في الإسلام شيء اسمه طبقة الأشراف (النّبلاء). «أَشرافُ أُمَّتي حَمَلَةُ القُرآنِ». «أَصحابُ اللَّيلِ» أي أنّ الأشراف هم الذين يحيون الليل من أجل العبادة أو خدمة الناس. ليس لدينا ما هو مصطلح في العالم اليوم؛ بأن يكون عددٌ من الناس أشرافاً، كأن يعيش بعض المسؤولين في الحكومات الحياة الفلانيّة ويكون مستواهم أعلى من الآخرين. الأشراف بهذا المعنى ليس سوى كلامٍ هراء، وليس لدينا مثيلٌ لهذا الأمر. لكنّ الأرستقراطية مشهودة في مجتمعنا، وينبغي علينا أن نجتنبها. أنا أصرّ على هذا الأمر.
حسناً، قد يكون نمط عيشنا مختلفاً. قد تكون حياة أحدنا أهنأ من حياة صديقنا وزميلنا بمقدارٍ معيّن. وقد تكون الأذواق والعادات والظروف مختلفة. لا أريد أن أضع حدّاً فاصلاً بحيث أقول أن هذا هو التوجّه السليم وذاك هو التوجّه الخطأ. لكنّ هناك حدوداً على كلّ حال. إلّا أنّ التظاهر بالحياة الأرستقراطيّة، ذنبٌ عظيم ولعلّه أعظم من امتلاك حياة أرستقراطيّة لا تظهر للعيان! هذا ما أودّ قوله. علينا أن لا نساعد على التظاهر بالأرستقراطيّة ولا نروّج لثقافتها في المجتمع. حسناً، إذهبوا واهتمّوا بهذه القضيّة في الوزارات، وفي حياتكم الشخصيّة، وفي ما ترونه أمامكم في لقاءاتكم وحياتكم اليوميّة، خطّطوا واعملوا على أن لا تشعر الطبقة المتوسّطة والتي هي أدنى منها بأنّ هناك شرخاً بينها وبينكم. قوموا بما يجعلهم يعلمون أنّكم تختلفون عن أولئك الذين استغلّوا الأوضاع في بدايات الثورة وملؤوا جيوبهم، وأن لا شأن لكم بهم. لذلك، عليكم أن لا تروّجوا للأرستقراطيّة في أجواء حياتكم – أمام عدسات الكاميرات وخاصّة أمام عيون الناس – ولتحاربوا الأرستقراطيّة.