مواضيع

عدم محاباة المقربين ومراقبتهم

من كتاب عهد الأمير للمسؤول والمدير |‌ الإمام الخامنئي

يقول (ع): «ثُمَّ إِنَّ لِلوالي خاصَّةً وبِطانَةً» المتصدّون لشؤون الحكم، لديهم – شاؤوا أم أبوا – «خاصَّةً»، أي خواصّاً وحاشية وأصدقاء. و«بِطانَةً» أي أولئك الذين يسمح لهم المرء بأن يكونوا في صلب حياته؛ الأصدقاء المقرّبون، والأقارب والعائلة. فالإنسان شاء أو أبى، لديه أبناء، وإخوة، وأصدقاء وأصهار. وكلّ متصدٍّ للحكم لا بدّ أن يكون حوله مثل هؤلاء الأشخاص. يذكر أمير المؤمنين لهؤلاء ثلاث خصائص: الأولى هي «الاستئثار»؛ أي طلب كلّ شيءٍ للنّفس. الاستئثار يقع في النّقطة المقابلة للإيثار. والإيثار يعني التخلّي عن الشّيء وإعطاءه للآخرين؛ لكنّ الاستئثار يعني سلب الآخر شيئاً والتمسّك به. «فيهِمُ استِئثارٌ»، طبعاً توجد في هؤلاء حالة الاستئثار وهم يرغبون في أن يكون كلّ شيء وفي كلّ مكان من نصيبهم. «وَتَطاوُلٌ» أي أنّه توجد لدى هؤلاء حالة التحدّي والغطرسة؛ أنا ابن فلان، أنا شقيق أو ابنة أو صهر أو عروس فلان. التّطاول يعني المدّ، مدّ الرأس أو الرقبة إلى الأعلى أو مدّ اليد. وفي اللغة العربيّة يُستخدم المعنى الأوّل بشكل أكبر. وفي تعبيراتنا الفارسيّة، التّطاول يعني النّهب والاعتداء على هذا وذاك. مهما كان المعنى الذي نختاره من هذين المعنيين، فهو صحيح. ويبدو أنّ المعنى الأوّل، أي التبختر والتّغطرس هو المقصود.
«وَقِلَّةُ إِنصافٍ في مُعامَلَةٍ»، الخصوصيّة الأخرى التي عادة ما تكون موجودة لدى هؤلاء هي أنّهم لا ينصفون الناس في المعاملات. يقول (ع): «قِلَّةُ إِنصافٍ». وحسب تعبيرنا باللغة الفارسيّة، يتمّ تأويل قلّة الإنصاف بعدم الإنصاف. يقولون أنّ فلاناً عديم الإنصاف؛ أي أنّ إنصافه قليل. طبعاً، التفتوا إلى أنّ هذه العبارة ليست على هذا النّحو بأنّ كلّ من يكون قريباً من الوالي والمتصدّي، يملك هذه الخصائص الثلاثة؛ أي يجب أن لا يُستفاد من هذه العبارة بأن نقول، إذاً إنّ كلّ من يكون قريباً من أحد المسؤولين الحكوميّين، لا بدّ أنه يتّصف بهذه الخصائص. توحي العبارة بشكلها وتركيبها النحوي، بأنّه يوجد بين هؤلاء من لديهم هذه الخصائص؛ أي ليس من الضروري أن يكون جميع المحيطين بالمسؤول الحكومي من هذه الزّمرة. ومن الطبيعي أن يكون بينهم أشخاصٌ صالحون وعقلاء أيضاً. لكنّنا لسنا مأمونين من أن يحيط بنا أشخاص يمتلكون هذه الخصائص.
حسناً، ما الذي ينبغي علينا أن نفعله الآن؟ يقدّم (ع) بعض القواعد فيقول: «فَاحسِم مادَّةَ أولئِكَ بِقَطعِ أَسبابِ تِلكَ الأَحوالِ» – ورد في بعض النّسخ «فَاحسِم مَؤونَةَ هَؤُلاءِ» – و«الحسم» يعني القطع والاجتثاث و«المادّة» تعني ركيزة وأساس أيّ شيء. «بِقَطعِ أَسبابِ تِلكَ الأَحوالِ» أي عليك أن تزيل ذاك الشيء الذي يؤدّي إلى هذه الحالات الثلاث. ما الذي يؤدي إلى أن يظهر بعض الأشخاص حول المتصدّين لشؤون الحكم ويمارسوا الاستئثار والتطاول والتعجرف وانتهاك الحدود، ما هو السّبب الرّئيسي؟ يقول (ع) إن عليك إزالة السّبب والمنشأ. فلتفرض أن واحدة من هذه الأسباب هي أنّ الذي يحوم حولنا، مطمئنٌّ لعدم تعرّضه لملاحقة القضاء ومطمئنّ إلى أن أحداً لن يلاحقه؛ فيقول بأنّ فلان سيدعمني في نهاية المطاف. واحدة من الأمور التي تؤدّي إلى هذه المشاكل، هي أنّهم يستلمون وظائف وأعمال حساسة ومهمّة؛ أي أنّهم يستلمون وظائف مصيريّة. حسناً، لا شكّ في نشوء حالة من الجشع والطمع والاستئثار وأمثال هذه الأمور في هذه الحالة.
المقصود من متصدّي شؤون الحكم، هو أنتم السادة والسيدات. أنتم متصدّون للحكم؛ وكلّ واحد منكم يستلم جزءاً من المناصب الحكوميّة وعليكم أن تكونوا في حذرٍ دائم من هؤلاء البطانة والخواص المحيطين بكم. لا تفكّروا الآن بأيّ نوع من الخواص والبطانة. أنتم أنفسكم لديكم بطانة وخواص. خطابي موجّهٌ إليكم. من الأمور التي تؤدّي إلى انحراف هؤلاء المحيطين بكم والبطانة، وتزرع هذه الحالات لديهم، هي على سبيل المثال شعورهم بالأمن حيال الملاحقة أو استلامهم وظائف مؤثّرة، بحيث إنّ الآخرين يتقبّلون منهم التوصيات. فلتفرضوا أنّ ابن فلان أو شقيق فلان أو أخ فلان أو الصديق المقرّب من فلان عندما يذهب إلى أحد المسؤولين – أحد الوزراء على سبيل المثال ويطلب منه شيئاً، يحظى فوراً بالقبول. أي إنّه يتمّ قبول التوصية منه دون أن تكونوا أنتم قد أوصيتم به. عليكم أن تزيلوا هذه الأسباب وتعالجوها.
قد تكونون أنتم أناساً جيّدين، لكنّ هذا المنتسب إليكم أو القريب منكم، سيذهب ويحصل على الامتيازات من المسؤولين مستغلّاً شأنيتكم. فلتفرضوا أنّه يذهب إلى المصرف المركزي ويقول بأنّني أريد هذا المبلغ. هل سيجرؤ المدير العام للمصرف على أن يقول «لا» لابن فلان أو شقيق فلان؟ أو قد يذهب إلى وزارة التجارة ويقول بأن أمّنوا لي هذه المعاملة، أو قد يذهب إلى وزارة النفط، أو وزارة الخارجيّة، فيقول دبّروا لي المنصب الفلانيّ أو المهمّة الفلانيّة، وهل سيجرؤ أحدٌ على الرّفض؟ لأنّهم سيظنّون أنّكم تؤيّدونه وتدعمونه. يقول (ع): «فَاحسِم مادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطعِ» أي اقطع فرصة الاستغلال عنهم. أعلن للجميع أن إذا جاءكم ابني، شقيقي أو أيّ أحدٍ آخر من قبلي وطلب منكم شيئاً معيّناً، لا تنصتوا أبداً لكلامه؛ وعاملوه وفق القانون كما تعاملون الآخرين. على أولئك الأشخاص أنفسهم أيضاً أن يعلموا أنّهم في حال ارتكبوا مخالفة، فإنّهم سيتعرّضون للملاحقة. ينبغي قطع جذور وأسباب هذه الحالات. لا ينبغي السّماح لهذه الأحوال بأن تنمو حولنا.
ثمّ يذكر أمير المؤمنين (ع) أمثلة تفصيليّة. فيقول وَلا تُقطِعَنَّ لِأحَدٍ مِن حاشيَتِكَ وَ حامَّتِكَ قَطيعَةً». «الحاشية» هم أولئك المحيطون بالمرء و«الحامة» هم الأقرباء؛ أولئك الذين يعدّون من المقرّبين من الإنسان، كابنه، وصهره، وشقيقه وسائر الأقارب المقرّبين. يقول بأن لا تمنح هؤلاء قطيعة. والقطيعة هي الأراضي الإقطاعيّة التي كان رائجاً في السابق تقديمها من قبل الحكام. فلتفرض أنّ المنطقة الفلانيّة من البلد أو الأرض الحكومية قُدّمت لهذا الشخص كأرض إقطاعيّة. طبعاً ليس المقصود تلك الإقطاعيّة التي نقرأ حولها في التاريخ الاجتماعيّ والتي كانت موجودة في روسيا وأوروبا بشكل خاص. لم يكن الأمر في مناطقنا بذلك النّحو؛ لكن كان مشهوداً قول فلان بأنّنا منحناك تلك الأرض؛ ومدخولها وضرائبها ملكٌ لك، ولتقدّم لنا شيئاً منها. يقول (ع) إيّاك أن تمنح إقطاعاً لابنك أو لأحد أقاربك. طبعاً لم يكن هناك إقطاعٌ في تلك الأيّام، واليوم أيضاً لا يوجد إقطاع؛ يمكننا القول أن لا تمنحوا شركة، ولا عملاً حسّاساً ولا مصنعاً ولا منجماً ولا تسمحوا باحتكار المعاملة الفلانيّة.
طبعاً نحن نشير إلى الأقارب من باب ضرب المثال، وإلا فإنّ أصدقاء الإنسان المقرّبين شبيهون بالأقارب أيضاً. بعض الرّفاق والأصدقاء يهتمّ بهم الإنسان أكثر من ابنه أو شقيقه؛ مقرّبون جدّاً وأخلّاء؛ حسناً، وصل فلان إلى المنصب الفلاني، وبات يهتمّ بهم. هم شبيهون بهؤلاء الأبناء والأشقّاء، لا فرق على الإطلاق. يقول أن لا توكل إلى هؤلاء أيّ مسؤولية؛ أي عليك أن تعتبر هذا الأمر حدّاً تقف عنده. لا تمنح أقاربك والمقرّبين منك أيّ ميزة ماديّة. لا تسلّمهم شركة، ولا تسلّمهم مشروعاً ولا أيّ إمكانات أخرى. دعهم يحاولون ولا يحصلون على ما يريدونه خلال الأعوام التي تستلم فيها هذه المسؤولية. ثمّ إذا كانت لديهم الكفاءة والجدارة، فليبلغوا هذه المراكز عبر طرق أخرى.
«ولا يَطمَعَنَّ مِنكَ فِي اعتِقادِ عُقدَةٍ». «العقدة» هي المزرعة والأراضي الخضراء. أي تسليم الأرض الخضراء الفلانيّة إلى أحدهم، والقول بأنّ هذا المِلك أو الأراضي الفلانيّة القيّمة ملكٌ لك. طبعاً كانوا يقولون في ذلك الوقت بأنّها لك، أي إذهب وازرعها. واليوم يقولون بأنّ الأرض الفلانيّة القيّمة ملكٌ لك، إذهب وابنِ مبنى شاهقاً عليها! على كلّ حال، المقصود هو «الميزة»، وإلا فإنّه لا ينبغي التركيز على كلمات «عقدة» أو «ضيعة» أو «قطيعة». هذه أمور كانت رائجة في ذلك الزمان، وليست رائجة في زماننا. واليوم أيضاً هناك أمورٌ أخرى رائجة بدل تلك. لا ينبغي تسليمها لأولئك؛ لأنّها «تَضُرُّ بِمَن يَليها مِنَ النّاسِ»، لكي يذهب ويضرّ بمن هم جيرانه ويبني مبنى ويفعل كذا وكذا.
«في شِربٍ أو عَمَلٍ مُشتَرَكٍ يَحمِلونَ مَؤونَتَهُ عَلَى غَيرِهِم»، كانت المياه مشتركة في ذلك الزّمان على سبيل المثال، فكان هو يذهب إلى مكان المياه المشتركة، ويأخذ لنفسه حصّة أكبر ممّا يحقّ له، أو كان من واجبه القيام بعمل مشترك، فكان يلقي بثقله على الآخرين ولا ينجز ما هو موكلٌ إليه. يقول (ع) أن لا تسمحوا له بمثل هذه الأمور. هذا طبعاً تُضرب أمثلةٌ أخرى له في زماننا. على سبيل المثال قضيّة الضرائب المتنوّعة. لا يقوم هذا المرء بدفعها ويحوّلها إلى الجيران والشركاء له في الملك والقريبين من أملاكه. «فَيَكونَ مَهنَأُ ذلِكَ لَهُم دونَكَ»، إذا منحتم هذه الميزات لأهلكم، تكون لذّتها لهم ولا يكون لكم نصيبٌ فيها. لكن «وَعَيبُهُ عَلَيكَ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ» أي أنّ عار ذلك الأمر، في الدنيا أمام الناس وفي الآخرة، أمام الله عزّوجل والموكلين بأمور الحساب في يوم القيامة، سيكون من نصيبك أنت.

المصدر
كتاب عهد الأمير للمسؤول والمدير | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟