مواضيع

الشهيد سيد كاظم السهلاوي ..شهيدٌ حيٌ فشهيد

بخطى بطيئة لكنها مطمئنة يسير الشهيد سيد كاظم السهلاوي راجعاً راضياً مرضياً..

ليدخل في عباد معشوقه وجنته التي لا تسانخ باقي الجنان..

ورحلة الرجوع والعروج هذه نادرة من نوعها، فالروح تأبى أي لقاء ووصال؛ لأنها وعت وآمنت وفهمت وذابت في:

«ماذا فقد من وجدك؟»

فقررت أن لا ترسو بساحل الحبيب إلا بقربان عظيم لا تقدر على أشرف منه..

«يا أيها المحبوب والمطلوب»

لا تأذن باللقاء حتى تنال كل جارحة نصيبها من الاحتراق والألم الجميل في  سبيلك..

خذ العين والأذن واللسان والأطراف وكل ما وُجد في هذا البدن الذي كان مركب العبور إليك..

«خذ حتى ترضى»..

ولكن وإلى أن أفارق هذا المركب أبقِ على تلك

«الابتسامة»..

لكي يستيقن إخواني اللاحقون بي أن

<لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ>

وأني «ما رأيت إلا  جميلا»..

وأن هذا الموت الذي هو عين الحياة

«أحلى من العسل»..

فـ<یا لَیْتَ قَومِي یَعلَمُونَ بِما غَفَرَ لي رَبِّي وَجَعَلَني مِن المُكرَمینَ>..

التنصل من الجريمة

بعد معاناة مع المرض دامت أكثر من ٣ أشهر قضاها الشهيد سيد كاظم السهلاوي في السجون بدون تلقي العلاج اللازم وفقا لسياسة القتل البطيء المتبعة، تلقى والد الشهيد اتصالاً يفيد بنقل الشهيد للمستشفى العسكري ويطلبون منه الحضور الفوري. وفعلاً؛ حضر والد الشهيد للمشفى، فأخبروه أن حالة الشهيد سيد كاظم السهلاوي قد تم تشخيصها، وأنه مصاب بورم في الرأس في مراحله المتقدمة، وأنه يجب أن يوقع على أوراق رسمية لإجراء عملية عاجلة للسيد.

كل ذلك ومجموعة من اليزيديين تحاصر الشهيد سيد كاظم السهلاوي وهو على فراش المرض في جو أمني يحاول فرض حالة من الترهيب للتغطية على جريمة القتل، ولكنهم سرعان ما أدركوا عدم جدوى هذا الأسلوب خصوصا وأنه وفق الحسابات المادية، فإن فرصة نجاة السيد من الموت ضئيلة، فلجأوا إلى وسيلة أخرى للتنصل من الجريمة وقرروا الإفراج عنه.

آیات الجمال

أجريت العملية الجراحية لــ الشهيد سيد كاظم السهلاوي، وبقي بعدها لفترة طريح الفراش، وقد تم استئصال جزء من الورم في هذه العملية، وأبى الجزء المتبقي إلا أن يرافق الشهيد إلى «ربه». ذلك الشاب الإلهي لم يغير البلاء جوهره؛ بل كان كسبيكة ذهب لا تزيدها حرارة النار إلا صفاءً وخلوصاً.. لم يزل آية من آيات الجمال والعطاء والبذل السخي والفداء، ومع ذلك الجرح الجلي البليغ في رأسه لا تتوقف كثيراً بل أخفض بصرك لتجد الطمأنينة والرضا والقرب الإلهي في تلك الابتسامة التي لا تفارق محياه الملكوتي..

كذلك؛ غض طرفك عن البصر الذي قدمه قربانا لمعشوقه، وأبصر بعين قلبك كل تلك البصيرة والوضوح، واسمع نداء الحق: «إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور»، ووراء ذلك الجسد الذي صار نحيلاً ترنيمة تقول: «أو تعاقب أبدانا عملت بطاعتك حتى نحلت في مجاهدتك؟»،لكن الخوف هنا من تأخر اللقاء والوجل من الإعراض والهجران لا النار والحريق..

حياة السعداء.. حياة الشهداء

واهم من يظن أن السعادة قرينة الراحة والدعة، بل إنها كتبت لتلك الأرواح المتصلة بالله الكادحة له التي تسعى لتلقاه وهي تشهد أعلى درجات الكرامة والرضوان، وقد حرص الشهيد سيد كاظم السهلاوي أن يبقى قدوة ومثالاً للشاب الممهد حتى وهو في رحم البلاء، فكان فور تمكنه من شيء من الحركة «بمساعدة أحد ما» وتحسن صحته نسبياً، يمارس التمارين الرياضية في أحد النوادي المخصصة لذاك مع أحد أصدقائه المقربين وبشكل منتظم يومي استشعاراً منه للمسؤولية والتكليف، وأن لا عذر إلا عذر قاطع، وأن روح آلام «ذات الشوكة» سعادة الدارين.

هيام حسيني

غير خفي ذلك العشق الذي يغمر وجود الشهيد سيد كاظم السهلاوي لأهل البيت (عليه السلام) وللحسين (ع) على وجه الخصوص، ذلك العشق الذي لا تخمد شعلته..

عندما سافر الشهيد سيد كاظم السهلاوي إلى «فيرجينيا – أمريكا» للعلاج، كانت هذه الولاية مهددة بأن يضربها إعصار، وقد تصادفت هذه الأيام مع عاشوراء سيّد الشهداء، وبسبب تهديد الإعصار تم تأجيل موعد جلسة العلاج عدة أيام كان السيد يستمع فيها إلى مجالس التعزية من خلال «البث المباشر»، ولكن ابن هذه المجالس وتلميذ هذه المدرسة لم يقوَ صبراً عنها ليلة العاشر، فقطع مسافة ٣ ساعات ونصفا بالسيارة إلى ولاية أخرى ليحيي تلك الليلة في إحدى الحسينيات هناك؛ على الرغم من مشقة السفر خصوصاً مع ملاحظة وضعه الصحي وكذلك تهديد الإعصار القائم..

«يوم تغنى نفوسنا من هذا الزاد، ويوم تضيء من هذا النور، وتضع الخطو خطو الحسين (ع)، سنجد أنفسنا الأمة القوية المنال في كمالها التي  تهابها الأمم وتحتاجها الأمم، ويتلاشى فيها وزن الطغاة، ويتساقطون تساقط أوراق الخريف، وأكثر من ذلك سنجد أنفسنا وقد عز فيها الحق وذل فيها الباطل، وعظم المستضعفون وصغر المستكبرون»[1]..

محافل أهل العشق

تلك الروح التائقة للوصال لم يزدها الابتلاء إلا حباً وشغفاً، وما إن تمكن بدنها شيئاً من الحركة حتى عادت به إلى تلك المحافل التي كان حتى الأمس القريب دائم الحضور فيها وكثير التنظيم والإعداد لها، فأنت لا تراه هناك دون أن تستوقفك الدموع المتلألئة في مقلتيه، دعاء كميل، دعاء الندبة وغيرهما من محافل الأرواح العاشقة كانت تحن لوجود بدنه المبارك خلال فترة الانتكاسة الصحية وإجراء العملية وتعجل هو بدوره الحضور فور المقدرة.

قلب للسماء

روى أحد أصدقاء الشهيد أنه وبعد الإفراج عنه كان كلما اتصل به يسمع صوت قراءة الأدعية أو العزاء على أهل البيت (عليه السلام)؛ حيث إن الشهيد سيد كاظم السهلاوي كان يأنس بتلك المسموعات بنحو خاص، كان متعلقا بدعاءي «أبي حمزة» و«الجوشن الكبير» خصوصا الأخير الذي  لوحظ عليه شغفه به قبل فترة السجن وخلالها، فقد كان مواظباً على قراءته.

يروي أيضاً أحد المؤمنين المواظبين على زيارته في «المشفى»، أنه كان كثيراً ما يطلب إسماعه شيئاً من تلاوة «القرآن الكريم» وآية الاسترجاع «إنا لله وإنا إليه راجعون» خاصة.. كان يستمع لها ويحاول ترديدها بطمأنينة ملفتة.. وفي أيام السبت من كل أسبوع دأب على وصال عمته «فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليها السلام)» المشهورة بـ السيدة المعصومة، فقد واظب على زيارتها بالزيارة المأثورة عن المعصوم، وكما سبقت الإشارة له؛ فزيارة أمير المؤمنين المعروفة «أمين الله» لها حضورها الفعلي في شخصية الشهيد سيد كاظم السهلاوي، وكان قد أوصى أحد رفاقه بالمواظبة على قراءتها، وقد عجنت روحه بمضامينها الرفيعة، فكان حقاً مطمئناً بقدَر الله، راضياً بقضائه، وكانت روحه مولعة بذكر الله ودعائه، مُحِبّة لصفوة أوليائه، محبوبة في أرضه وسمائه، صابرة على نزول البلاء، شاكرة ذاكرة، مشتاقة إلى فرحة اللقاء مع معشوقها، متزودة بالتقوى، مشغولة عن الدنيا بالحمد والثناء.. هكذا كان قلبه للسماء وروحه للعلياء..

همٌّ دائم

كما سبق وتمت الإشارة له في أكثر من مفصل من مفاصل وجود الشهيد سيد كاظم السهلاوي في هذه النشأة؛ فإن قضية الأسرى ومعاناتهم تشكل هماً مستمراً له، ويعتبر تخفيف معاناتهم وخدمتهم جزءًا لا يتجزأ عن القضايا الأم وتكليفاً ملحاً حتى صدق الله همه واختار بداية رحلة عروجه من رحم الأسر وكبد السجون. كان متحسّساً لقضية الأسرى منذ طفولته، مشاركاً في تجمعات واعتصامات الأحرار قرب محكمة الطاغوت وفي سنوات الثورة المباركة، كان رقماً صعباً في مختلف صنوف خدمة المساجين؛ كتهريب الأجهزة الإلكترونية وبعض ما يحتاجونه..

وينقل أحد رفاق شقيق الشهيد سيد كاظم السهلاوي الأكبر، والذي كان يتواصل معه بحكم وجود شقيق الشهيد معه، أنه لم يكن يدّخر جهداً في قضاء حوائجنا، حتى بعد أن تم الحكم على أخيه ونقله إلى سجن جو تحدّث معي قائلاً: «أنا بخدمتكم وأخبروني بكل ما تحتاجون، ولا يدفعكم نقل أخي للخجل من طلب ما تريدون»، وأضيف: «ذلك المنطق وتلك المشاعر السامية جعلتني أتصوّر لا إرادياً أن الشهيد يكبرني سناً، وقد خبر الكثير في هذه الحياة، ولم أعرف أنه أصغر سناً مني إلا قبل استشهاده بقليل، ولكن تلك الروح الطاهرة كانت أكبر وأعلى وأسمى بكثير».

ووصولاً إلى المرحلة التي نتحدث عنها في هذا الفصل، وهي ما بعد الإفراج عن الشهيد سيد كاظم السهلاوي وفي فترة معاناته مع المرض، بقي على عهده، وتلك العبارات النابعة من قلبه لم تغب عن مكالمته مع المساجين: «ماذا تحتاجون؟ هل أستطيع خدمتكم؟ تحدثوا لا تخجلوا»..

وقد كان هذا الوضع يخجل رفاقه وأحبته في المعتقل لعظمة وفائه وإخلاصه..

الشهيد سيد كاظم السهلاوي

القربان

«الصلاة قربان كل تقي»

كنت أتصل الشهيد سيد كاظم السهلاوي دائماً؛ حيث إن علاقتي به قوية، وكان ينتظر اتصالاتي في الأيام التي اعتدت الاتصال فيها.. لم يحدث قط أنه اعتذر لي ليقطع المكالمة إلا مرة حين ردّ عليّ أحد أقاربه وأخبرني أن السيد يصلي، وأنه كان ينتظر الاتصال منذ الصباح، ولكنه لم يلبث إلا أن أنهى فرض «الظهر»، وأخذ الجهاز وحدثني على عجالة بنبرة تغمرها السكينة الصادرة من تلك الروح المطمئنة.. فاعتذر مني قائلاً: «أخي سوف أتركك لأكمل صلاتي.. اعذرني». والشيء بالشيء يذكر، فعن نبرة الشهيد سيد كاظم السهلاوي حدثني أحد العلماء المجاهدين المعتقلين ذات مرّة بعد أن اتصل إلى الشهيد فترة رقوده في المستشفى قائلاً: «السيد ليس معنا.. لقد وصل إلى عالم غير هذا العالم.. إن نبرة كلامه روحانية».

خذني بفلكك

«خذني بفلكك سيدي فالموج من حولي عظيم أنت المفازة والنجاة أنت الصراط المستقيم».

تلك أبيات من قصيدة غريب طوس، كان الشهيد سيد كاظم السهلاوي يترنم بذكرها، ويطلب من صديقه في المعقل حين يتصل أن ينشدها له.

ذلك الحب والشوق لغريب طوس أخذه إليه في رحلة شوق بعد فراق طويل، وصل الشهيد سيد كاظم السهلاوي إلى جنة الرضا بأرض مشهد، وأُخذ لأقرب نقطة من القبر المبارك للإمام الرضا (ع) من طريق السرداب الطابق الأرضي، وهنالك كان من رافقه أحد خدمة العتبة الرضوية المباركة، وعاد بعد أن أنهى الزيارة التي كان يهفو ويرنو قلبه لها منذ وقت طويل راضياً مرضياً، وكان ذلك العبق المشهدي باق في روح الشهيد سيد كاظم السهلاوي التي التحقت سريعاً برضاها بقافلة الرضا (ع).

لقاء ملكوتي

وطأ الشهيد أرض الشهداء، واستبشرت روحه بريحهم الطيب.. أرض خراسان الرضا وعشّ آل محمد (ع) «قم»، وما أدراك ما قم!! مركز التمهيد وحجة الله على الخلائق، هناك حيث الرعاية الخاصة للسيدةفاطمة بنت موسى بن جعفر (ع) «المعصومة» صانعة الممهدين وملجأ عشاق الشهادة.

أرض الثورة العالمية بقيادة الإمام الحجة (أرواحنا فداه)، والتي حمل رايتها عظيم الإسلام روح الله الموسوي، وتسلمها من بعده الحسيني العظيم علي.. هذه الأرض المقدسة لابد وأن تكون قبلة شهيدنا الإلهي ومهوى لفؤاده، زار عمته المعصومة (عليها السلام) التي يحمل لها مكانة خاصة في قلبه، وقد كان كما سبق ذكره مواظباً على زيارتها بشكل أسبوعي..

لثم ضريحها وأسر لها ما في قلبه من حكايا وأشواق ودعوات والتماسات وكأنه على القبر المغيب لأمه الزهراء (عليها السلام).. هناك أيضًا في الأرض المقدسة حل معشوق الشهيد وهو آية الله المقاوم بن قاسم (أعزه الله) الذي ما إن تناهى لمسامعه نبأ وصول الشهيد سيد كاظم السهلاوي حتى طلب أن يذهب هو لزيارته لا أن يأتيه الشهيد الحي السيد كاظم، ولكن ليلة الميعاد تأجلت بسبب مشاركة الفقيه المقاوم (أعزه الله) بكلمة في الحرم المطهر، فما احتمل الشهيد الفراق، فتم أخذه إلى الحرم، وفور انتهاء الفقيه (أعزه الله) من إلقاء الكلمة تم إعلامه بوجود السيد الشهيد، فبادر لطلب أخذه إليه فوراً، والتقى النور بالنور..

وما إن رأى الفقيه الشهيد سيد كاظم السهلاوي حتى انهمرت عيناه بالدموع، وهكذا كان طوال ذلك اللقاء ما إن تقع عينه على السيد الشهيد حتى ينحدر سيل دموعه، وما إن يخشع بعينه للأرض حتى يتمتم داعيا له. بادر الفقيه وقبّل السيد الشهيد على رأسه، فأرجع السيد تلك القبلة ولثم رأس الفقيه.. لم ينطق الشهيد بأي كلمة في ذلك اللقاء على الرغم من أنه كان قادراً قبله على التكلم، وكأن الكلمات والحروف عاجزة تمام العجز عن التعبير عما يحويه ذلك القلب من مقاصد ومشاعر.. تنفس الفقيه العاشق للشهادة في ذلك اللقاء عبق الشهداء الفواح من محيّا السيد.. وصف حاضرو اللقاء، السيد الشهيد بأنه «فاقد للحواس»، وحقاً ما وصفوا، فالأرواح معلقة بالملأ الأعلى..

حاول أحد الحاضرين كسر ذلك الجو الذي ما كان الجميع قادرا على تفسيره، فطلب من الفقيه أن ينصح السيد الشهيد، فقال له: «حين تذهب للنوم في كل ليلة وتضع رأسك على الوسادة تفكّر في أمور الدنيا والآخرة»، وعادت دموعه للانهمار، فتم تفريقهما عن بعضهما في لقاء لم يصل لعشر دقائق، لا يُعلم أ من دقائق الأرض هي أم السماء؟!

حتى الموت، إلى الأبد

«أذلّ الحياة وعزّ الممات، وكل رآه طعامًاً وبيلا، وقال إذا كان لابد من موتة، فسيراً إلى الموت سيرًاً جميلاً».

بقي عهده لله، للحجة (عجل الله فرجه)، للثورة ورجالها حتى الموت. ينقل صديق الشهيد سيد كاظم السهلاوي ورفيق دربه: كان حين يتصل بي وهو في المعتقل على الدوام، أسأله: «على العهد»؟! فيجيبني السيد الشهيد «حتى الموت»، وأحياناً «إلى الأبد»، حتى حين ابتلائه وبعد خروجه من المعتقل، كان يردد عليّ ذات العبارات، وحين كان في المشفى وفي ظروفه الصعبة وحالته الحرجة، كان يردد عليّ ذات العبارات «حتى الموت وإلى الأبد»، وبقي بصدق حتى الموت وإلى الأبد صامدًا مطمئناً ثابتاً على عهده وما بدل تبديلا..

رحلة عروج الشهيد سيد كاظم السهلاوي

على المستوى الصحي، تدهورت صحة الشهيد سيد كاظم السهلاوي منذ مدة وأدخل العناية المركزة على إثر ذلك التدهور.. بصره الذي استشهد منذ مدة طويلة وعصبه الذي ضعف وقرب من الشهادة لحقتهما أجزاء وأجزاء وأعضاء وأعضاء من جسده الطاهر للشهادة عضوا تلو عضو، بقي قلبه وإدراكه وسمعه إلى آخر اللحظات، فكان يسمع ويهز برأسه علامة لأي شيء يريده، كان يطلب الاستماع للدعاء والقرآن والعزاء. يقول صديق الشهيد: لم يحرمني ابتسامة ثغره حتى في آخر لحظاته، اتصلت بأحد مرافقيه في المشفى وحدثته مكالمة مرئية؛ حيث تعذر عليّ عيادته منذ ابتلائه، فكنت أراه وهو في العناية المركزة والأجهزة عليه، وهو يسمع صوتي ويتفاعل معي بطمأنينة خالصة وابتسامة إلهية مشرقة..

فجر الثالث من فبراير 2020م بعد شهر على تحليق لواء الإسلام العظيم الشهيد الحاج قاسم سليماني (البالغ مناه) والحاج أبي مهدي المهندس (طاب ثراه)  ورفاقهما، بضمير هادئ، وقلب مطمئن، وروح مسرورة، سافر شهيدنا الإلهي الشهيد سيد كاظم السهلاوي نحو مقره الأبدي لتلتقي روحه بأرواح الشهداء الطيبة بعد سنوات من الجهاد الخالص والشجاع في ساحات مقارعة الطواغيت، وأعوام من تمني الشهادة في سبيل الله، لقد كانت الشهادة جزاء مساعيه الحثيثة طوال عمره..

فالسلام والصلاة على روح سيدنا الإلهي الشهيد سيد كاظم السهلاوي يَومَ ولد ويوم استشهد وَيَومَ يُبعث حيا..

الوصية النورانية للسيد الشهيد

ماذا سيكون موقفنا إذا ما كان فيما يرفع من أعمالنا يؤذي الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ويسوءه؟! وأي حزن سندخله على قلبه الشريف إذا ما خيبنا أمله فينا بسبب سوء أعمالنا!! ألا تكفيه غربته هماً حتى نزيد همه؟! وقد ورد في التوقيع الصادر منه إلى الشيخ المفيد: «فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، ولو أن أشياعنا – وفقهم الله لطاعته – على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد الذي عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة لمشاهدتنا، والله المستعان على ما يصفون، وهو حسبنا ونعم الوكيل».

يا الله! الإمام يستعين بالله على مصابه بانحراف شيعته وارتكابهم الذنوب، ولعلها أسهم مسمومة تصيب قلبه الشريف. أيها العزيز؛ أنت بالخيار بين أن ترمي إلى قلب الحجة (عجل الله فرجه) سهما أو أن تُدخل في هذا القلب فرحة

# اعذرني يا حجة الله،،

#ومنهم من ينتظر،،

#متى ترانا ونراك..؟

وصية نورانية للسيد الإمام

ارجع إلى نفسك قليلاً، وعد إلى الله، فالله رحيم، وهو يبحث عن ذريعة لإفاضة الرحمة عليك، وإذا أنبت إليه فإنه يستر بغفران معاصيك وعيوبك الماضية، ولن يُطلع عليها أحداً، ويجعلك صاحب فضيلة، ويظهر فيك الأخلاق الكريمة، ويجعلك مرآة لصفاته تعالى، ويجعل إرادتك فعالة في ذلك العالم كما أن إرادته نافذة في جميع العوالم، وكما ورد في حديث منقول:

«إن أهل الجنة، عندما يستقرون في الجنة، تبلغهم رسالة من الحق تعالى خلاصتها: من الحي الأبدي الذي لا يموت، إلى الحي الأبدي الذي لا يموت، إذا أردت شيئاً قلت له كن فيكون، جعلتك هذا اليوم في مستوى إذا أردت شيئاً قلت له كن فيكون».

فيا أيها العزيز.. أنت أعرف بنفسك، فاختر إما ذا وإما ذاك، فالله غني عنا وعن كل المخلوقات، إنه غني عن إخلاصنا وإخلاص كل الموجودات.

اقرأ كتاب رشحات الحماسة والعرفان عن حياة ورحلة الشهيد سيد كاظم السهلاوي !


[1] آية الله المقاوم الشیخ عیسی قاسم (أعزه الله).

المصدر
كتاب رشحات الحماسة والعرفان – الشهيد السيد كاظم السهلاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى