ثورة العشق الإلهي ..الشهيد السيد كاظم السهلاوي..
الشهيد السيد كاظم السهلاوي … عضد الإسلام، ناذراً نفسه لخدمته..
حقاً ما قال إمامنا الراحل (أعلى الله مقامه): «نحن لا نحزن على الشهداء لشهادتهم» بل نفرح لها، وإنما نحزن لأنهم كانوا حياة للإسلام ونوراً ظاهراً له، فهم قد جسدوا بأخلاقهم وسلوكهم، بمبادئهم وعملهم، بجهادهم ونضالهم، الإسلام بروحه العزيزة المقتدرة تجسيداً حياً نابضاً إلى أن كانوا مصداقاً جلياً لمقولة أمير الأحياء: «الحياة في موتكم قاهرين».
إن صراع الحق والباطل في مختلف ساحاته بحاجة ماسة شديدة لمثل شهيدنا السيد الإلهي ..
طهارة روح وفطرة نقية سليمة لم تنجسها الجاهلية.
فكر قويم وعقيدة راسخة رسوخ الجبال الرواسي.
منهج في غاية الوضوح: من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟ عزمٌ شديد وهمة عالية وعمل دؤوب.. هذه الساحات لا راحة فيها ولا ركود.. <وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا>.. مثالي هو الشهيد السيد، كإكسير نادر الوجود.. بلغ الحلم بروح مروضة مستعدة لـ «ذات الشوكة»، لكن أشواكها «أحلى من العسل»، ثائر لا تراجع في قاموسه.. «كبر الخالق في عينه»، فكان ما دونه صغيراً، وكانت ثورة العشق الإلهي <أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ>، في ظلال هذه الآية ذاب «السيد الإلهي»، رحيم حنون على جميع من حوله.. يعيش همومهم ويقاسمهم المصائب ويفرح لبهجتهم.. شديد على الطغاة وأعوانهم الخائنين.. <يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ> الثورة ثورتي والميدان عشقي.. نظرة يتيمة وجيزة على مواقف «السيد الإلهي» كافية ليتبين أنه آخذ للكتاب بقوة.. بادر وخاض الغمرات لنصرتها وبقائها.. فطوبى لثورة أنت فتاها.. جنديها وقائد لجبهتها.
ميدان الشهداء
في الرابع عشر من فبراير، كان الشهيد السيد كاظم السهلاوي عازماً متوكلاً متهيئاً لاقتحام ميدان الشهداء.. استعصى وأبى الميدان، ولكن العزم عظيم، وحديث الدماء والشهادة منطق صعب ملتهب بالحماسة والعرفان.. لا يعترف بالمعادلات المادية، لا يعرف إلا سنن السماء..
ثم تم الوصال وتعزز الرباط.. بقي الشهيد السيد كاظم السهلاوي حاضراً في كل مفصل.. شموخ وعلو ورفعة على فتات الخلافات وصنمية القبائل والأحزاب.. محفل ملكوتي وعلاقة لا تبررها الصدفة كانت تجمعه في هذا الوطيس الحامي مع الشهيد أحمد ملالي.. إن مملكة الشهادة لا تعرف الحدود ولا تسعها أرض ولا سماء.
الاعتقال الأول .. صبر وفرج
مع بداية أيام الحكم العسكري «اللاسلامة الوطنية»، اقتحمت مليشيات النظام منزل الشهيد السيد كاظم السهلاوي بمدينة الزهراء (عليها السلام)، وبالتزامن تم اقتحام منزله الآخر في مسقط رأسه «السهلة». في مدينة الزهراء (عليها السلام) اعتقل اثنان من إخوة الشهيد وهم يكبرونه سناً، ولم يكن النظام مستهدفا لاعتقالهم؛ بل كان المطلوب هو «السيد كاظم». يروي الشهيد جزءًا من تفاصيل ذلك الاعتقال قائلاً: كنت للتو قد عدت للمنزل، ولم أنم سوى نصف ساعة، ثم تمّت المداهمة واقتادوني لإحدى السيارات التي اكتشفت لاحقاً أنها تقود موكب الإجرام هذا.. كانت الساعة تشير لما يقارب الثالثة صباحاً..
اتصل أحدهم بسائق السيارة، الذي أظن أنه الضابط الذي يقود الموكب، فأجاب على الاتصال وسمعت المكالمة؛ حيث كان المتصل طفلاً، وفهمت من طريقة الأجوبة أنه ابن ذلك الضابط، وقد أخبره بأنه في العمل وعندما ينتهي الدوام سيعود إلى المنزل.. بعدها وعندما أغلق الهاتف قلت له: «لماذا لا تخبر ابنك بأنك تعتقل أبناء الناس؟ وتداهم بيوتهم؟؟». حل الهدوء في السيارة، وحاول ذلك الضابط امتصاص غضبه والرد بطريقة هادئة على غير المتوقع، لكنه فشل وضربني وهددني، وعندما وصلنا إلى مقر التحقيق، كانوا ينزعون جزءًا من «الصماد» المشدود على عيني ليُروني صور بعض الأشخاص في أحداث المرفأ المالي والذين كنت أعرفهم – أعرف عدداً منهم – لكني قلت في نفسي «مهما جرى لن أبوح باسم أحدهم، فمن يدخل السجن في مثل هذا الوقت وهم متأكدون من اشتراكه في الأحداث، فكأنما دخل في فم الشيطان»..
فعلاً؛ صبر الشهيد السيد كاظم السهلاوي وصمد تحت وطأة التهديد والتعذيب – على رغم صغر سنه – لأنه صاحب ضمير حي ومبدأ راسخ ووعي كافٍ لأصعب الشدائد.. كان تلميذاً لصبر «عمته زينب (عليها السلام) وجده الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)»، ولسان حاله كلسان مقال جده: «ما انقضى يوم من سجني إلا وانقضى يوم من ملكك، وما لسجني وملكك دوام»..
بَصيرة مجاهد..
أوقد الشهيد السيد كاظم السهلاوي جمرة الثورة وأشعلها في قلوب الجميع، «لا صغر داري ولا حيطان قريتي سبباً لهدنتي وفراري».. أيام على حكم العسكر الباطش.. رهبة ألقت بظلالها على قلوب كثيرة، وخشية كانت تحبس أي مبادر ليقول: «كلا»، فلسان حال القوم «إنا لمُدْرَكون»..
في هذا الجو، أخذ الشهيد على عاتقه التصدي والمبادرة لحشد الناس للخروج في مسيرات ليلية داخل بلدته «السهلة»، فابتدأ هذا الحراك مع مجموعة من أصدقائه الذين كان مؤثراً عليهم بشدّة، وينقل أحدهم: في أول مسيرة أخرجها الشهيد كان العدد قليلاً والعتاب كثيراً حتى من قِبل بعض الإخوة الثوريين الكبار في هذه البلدة؛ حيث كانوا يقولون إن القرية صغيرة جدًا، والحراك فيها سيكون مكشوفاً للنظام، فإن أردت القيام بشيء ما، فاذهب إلى السنابس أو أي بلدة معروفة بقوة الحراك.
لكن الشهيد السيد كاظم السهلاوي كان مصرًا على إيقاظ وهج الثورة في بلدته وتوسيع رقعة الحراك في البلد بشكل عام؛ معتبراً ذلك هدفاً أهم من مخاوف الإخوة بالانكشاف أمام أعين الظالمين. وبالفعل استمر الحراك حتى استقطب الجموع وترسخ في ضمائرهم مبدأ استشعار التكليف والنزول للساحات لمواجهة أعداء الله، فصار ذلك فرضاً واجباً ونداءً «واجب التلبية»، وبعد هذا الجهد أذعن الجميع لصوابية خيار السيد الشهيد، حتى أولئك الذين اختلفوا معهم في البداية، كانوا هم من يقود زمام الأمور بعد أن أثبتت التجربة أفضلية هذا الخيار.
الاعتقال الثاني صمود وبسمة
الزمان يوم ذكرى ميلاد الشهيد السيد كاظم السهلاوي 22-5-2011م، والمكان بلدة عالي، والظرف رهيب، فلا يزال العسكر يبطش ويقتل في الشوارع، والثوار على موعد مع المواجهة، ولم يكن شهيدنا إلا سبّاقاً إلى ذلك. ينقل مرافق الشهيد في ذلك اليوم: توجهنا إلى داخل القرية مشياً على الأقدام، حيث كان منزل أحد أقارب الشهيد السيد كاظم السهلاوي يبعد عن نقطة التجمع المركزية 10 دقائق تقريباً إن قطعت المسافة ماشيا..
وما إن وصلنا إلى النقطة حتى اقتحمت قوات المرتزقة وبدأت ملاحقة الشباب، وفي هذه الملاحقة وصلنا إلى ساحة صغيرة محاطة بمنزلين وآخر قيد الإنشاء، ثم وصل الخبر بأن هذا الموقع محاصر، فقرر الشباب دخول المنزل قيد الإنشاء، وفعلاً دخلنا من إحدى نوافذه؛ حيث إن بابه يطل على الشارع، وسرعان ما اقتحم المنزل من ذلك الباب، وبدأ المرتزقة يطاردون الشباب داخل أروقة ذلك المنزل وقد كان عددنا 10 أشخاص تقريباً.. إلى أن تجمعنا في آخر رواق في المنزل، وكانت مساحته مترا ونصفا إلى ستة أمتار تقريباً..
أي أن المكان يضيق بنا.. اقتحم المرتزقة هذا الرواق، وكان الشهيد أمام خيارين إما أن يقف ويعطل تلك الثيران الهائجة ويضحي لتقليل الخسائر والاعتقالات، وإما أن يفر ويكون المشهد واضحاً، ويتم اعتقال أغلب الشباب، فاختار الشهيد السيد كاظم السهلاوي التضحية، واعتقل مع شخصين آخرين، وتمكن البقية من النجاة بأنفسهم.. تم في هذا اليوم تعذيب الشهيد بشدة ووحشية، ثم أفرج عنه قبل أذان المغرب بلحظات؛ حيث تم إلقاؤه في إحدى ساحات القرية.. ذهبنا إليه وقد كانت ملابسه ممزقة وأنفه محمرّا منتفخا وظهره ويداه أصبحا لوحة تحوي مختلف الألوان بسبب وجبات التعذيب، فما كان إلا أن واجهنا بابتسامة تحكي بل تختصر كل حكايا صموده وعزة روحيته السامية.
حامل لواء المقاومة
في ميادين النزال والجهاد تعطى الراية لأشجع الأبطال لحملها، هكذا كانت كل راية في ميادين البطولة والعطاء لا تعطى لغير الشهيد السيد كاظم السهلاوي ، كان بحق، إذا تواجد في أي نزال، مصداقاً مطبّقا لوصية جده أمير المؤمنين (ع) «تَد في الأرض قدمك، أعر الله جمجمتك».. لم يكن يحمل ذلك اللواء فقط؛ بل كان مرشداً وسيداً بحق من سادة الفكر والجهاد. في بدايات الثورة وبدايات تفعيل أدوات الدفاع المقدس، كان من أول الأفراد الذين كانوا يدعمون هذا الخيار مؤمناً بالسلمية القرآنية، حرض الإخوان على الإسراع في إعداد العدّة، وفعّل بنفسه ونفذ أول عملية له مع جمع من رفاقه، وجعل هذا الخيار أمراً واقعاً وخطاً مقدساً ليرفع بذلك همة المقاومين وخيار المقاومة في أنفس رفاقه وأهالي قريته، وله مع المقاومة وقفات وآمال..
معارك المصير
«إن ميدان الحرب مليء بالمآسي والآلام، لكنه محمّل أيضاً بكنوز المعنويات، وكلما كانت الحرب ضرورية للجم الظلم وحفظ العزة والكرامة، كانت محل بناء الإنسان وصقل روحه»[1]..
مرحبا يا معارك المصير، مرحباً يا سُوح الجهاد والنضال.. كان هذا لسان حال شهيدنا الإلهي.. أصدقاؤه المقربون لا يتذكرون أنه فوّت أياً من استحقاقات «تقرير المصير»؛ بل كان رقماً مؤثراً فيها مشاركة واستقطاباً لمن يستطيع؛ سواء من نخبة أصدقائه أو حتى من يمتلك أدنى تأثير عليهم.. كان يوصل بعض أدوات الدفاع المقدس للقرى التي تحتضن تلك الفعاليات، ولم يمنعه شهر رمضان من أداء تلك التكاليف، ولا الظروف الأمنية الصعبة أعاقته عن ذلك، لم يعبأ بالصعوبات والأخطار المحدقة؛ بل كان همه فقط وفقط أداء التكليف..
في «الدير» كان سيدًا من أسياد نزالها، وكان في «بني جمرة» نبضاً حياً في ذلك القلب، في «جد حفص»، في «البلاد»، في كل الميادين، كان يحتضن معارك المصير.. حاضرا بنفسه، لم تثنه تلك الجراحات التي طالما تكررت وشوهدت عند كل عودة له من تلك «الاستحقاقات».
فداء لزينب
قوى الكفر كلها اجتمعت وتحزبت.. الكفر بارز والإسلام بارز، وقلب المعركة وكربلاؤها دمشق السيدة زينب (عليها السلام).. بنادق التكفيريين تقترب من مرقد عمة الشهداء زينب، وقلب السيد (الإلهي) يخفق ولهاً لنصرة الغريبة (عليها السلام) بحجم غربة إسلامها حفيدة المختار وابنة الكرار، عقيلة الطالبيين وشقيقة الحسن والحسين «لن تسبى عمتي مرتين». ذلك لسان حاله؛ حيث لم يكتف بالدعاء للمجاهدين المرابطين بالثغر الزينبي؛ بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فتواصل مع أحد الإعلاميين المرابطين هناك – ويبدو أنه مرافق للواء أبي الفضل – وأخبره بنيته في المرابطة معهم دفاعاً عن المقدسات والإسلام العزيز..
أثنى هذا الإعلامي على خيار الشهيد السيد كاظم السهلاوي خصوصاً لصغر سنه آنذاك، ولكونه من الشعب البحراني المستضعف، فطلب منه الاكتفاء بدعم المجاهدين إعلامياً ومعنوياً، ومواصلة نهج الثورة في الداخل البحراني.. كان ذائباً شوقاً لنصرة زينب (عليها السلام).. لا يرى في سبيل ذلك إلا جميلاً، ونصب عينيه أن يكون عباساً لزينب (عليها السلام).
مَساجدكم متارسكم
منذ الطفولة وحتى بلوغه الحلم، وعلى الرغم من انشغاله بقضايا الثورة والإعداد، لم يترك الشهيد السيد كاظم السهلاوي تواجده في المساجد، حيث كان يعتبرها الخزان الروحي الذي يستمد منه صبره وعزمه.
كثيراً ما كان يناجي الله، ولا أحد يعلم ماذا كان يسر لمعشوقه في تلك المناجاة.. لكنه نشر ذات مرة في إحدى مدوناته شيئاً من ذلك البوح:
«اللهم اروِ قلوبنا بحبك، كن معنا دائماً في طريق الحياة الشاق، لا تجعل الدنيا أكبر همنا يا الله»..
مؤمن داعٍ للإيمان.. داعٍ لبيوت الله مستقطب لرفاقه على الدوام إلى صلاة الجماعة والأدعية الجماعية والفعاليات التي تقام في المسجد؛ حتى أنه حرص على ألا يبتعد الثوار عن المساجد، فكان يحرص على تأخير الفعاليات الثورية إلى ما بعد إحياءات المساجد، وكان منسقاً للأمسيات الدعائية المرتبطة بالثورة وقضية الأسرى كأنه كان موصياً «مساجدكم متارسكم، فلا تُخلو متارسكم»..
الشهيد السيد كاظم السهلاوي : ممهد منتظر
كان الشهيد السيد كاظم السهلاوي يأخذ بيدنا لدعاء الندبة وكأنه اعتبر ندبة الإمام فرضاً واجباً على كل ممهد منتظر.. علاقته بصاحب الزمان (عجل الله فرجه) علاقة جندي مرتقب له؛ فضلاً عن حراكه وجهاده في سُوح مقارعة الظالمين، تراه مناجياً ذاكرا للإمام (عجل الله فرجه) في دعائه وخواطره، لا يفوت فريضة إلا ويدعو فيها لفرج مولاه..
من يعرف الشهيد السيد كاظم السهلاوي يعلم أنه وعلى الرغم من كل ما يذكر عن جرأته وشجاعته إلا أنه خجول خجل إيمان لا تردد معه في أي ظرف يحتم فيه التكليف الإقدام.. في إحدى المرات كنا نصلّي جماعة في أحد مساجد البلد، وتمت الصلاة دون أن يذكر فيها أو في تعقيبها ذكر أو دعاء لفرج المولى، فبادر حنيها الشهيد السيد كاظم السهلاوي بقراءة دعاء الفرج بشكل جماعي.. تعجبت حينها جدًا لمعرفتي بشدة حيائه؛ خصوصاً وأننا لسنا من أهل تلك البلدة.. تكررت الحادثة لاحقاً ما جعلني أتفكر في علاقتي بصاحب الزمان (عجل الله فرجه).
كان من مدوناته خاطرة كتبها مناجيا صاحب الأمر (عجل الله فرجه) «كهفه الحصين»:
بروح أمك الزهراء لقد تعبنا من أنفسنا، برأس جدك الحسين لقد تعبنا من أنفسنا، نتوب ونعاهد ثم تنقض توبتنا ونذنب مرة أخرى.. نموت خجلاً منك يا سيدي، أدّبني يا أبا صالح لكي أليق بعصر ظهورك.. مضى هادياً مهدياً مهدوياً.. موصياً من له قلب وألقى السمع وهو شهيد: «كونوا لمحمد وآل محمد محبين، ولنهجهم سالكين، وللحسين ثائرين، وللمهدي منتظرين».
الولاية حصن الإسلام
«يد بايعت عليا بخم لابد أن تبايع علياً بقم»
رأيته مدافعاً مستميتاً عن خط الإمام (ق) لما يمثله ويجسده من إسلام محمدي أصيل.. داعياً لهذا الخط بعمله قبل لسانه، ورغم ما سبق ذكره حول حيائه، إلا أن غيرته الشديدة على الإسلام جعلت أحداً لا يتجرأ على المساس بالإسلام أو قضاياه المهمة أمامه، وفي مقدمتها خط الإمام (ق)، خط ولاية الفقيه.
كان أحد الشباب، ممن يكبر الشهيد سنا، يعرّض بالجمهورية الإسلامية؛ حيث إنه متأثر ببعض الأفكار العلمانية والعروبية.. حينها كان الشهيد السيد كاظم السهلاوي سداً منيعاً أمام استرسال هذا الشاب في نشر سمومه الفكرية في المحيط؛ فكان يناقشه ويدحض أفكاره ويلزمه الحجّة والبرهان في كون الجمهورية الإسلامية اليوم حصن الإسلام وامتدادا لخط المعصومين (عليهم السلام).. ظل ذلك الشاب مكابراً، وفي إحدى النقاشات كان يمهد لتوهين مقام السيد الولي؛ ولي أمر المسلمين (روحي فداه) ما حدا بالشهيد لأن يصعّد لهجته الخطابية لئلا يتجرأ ذلك الشاب على الإساءة للنظام الإسلامي وتوهينه وتوهين قلبه النابض ولي الأمر (دام ظله)، وفعلاً لم يتجرأ بعدها أبداً.
صَدَقة
إن حديثي هنا ليس عن التصدق بالمال، والذي كان يوليه اهتماماً كثيراً ولا يفرّط بفرصة للتصدق أو جمع الصدقات؛ بل إن حديثي عن صدقة لا أظن أثرها إلا باقيا ووقعها إلا محفورا لا يمحى بتقادم السنين والأيام .. هي تلك الابتسامة الحانية التي كان يغمر بها كل من حوله، حيث كانت تُذهب بِهِمّ الناظر وتغمره أملاً وطمأنينة.. لا أحسبها إلا صدقة جارية جزاؤها باق لا يزول.. سخّرها في الطريق القويم والصراط المستقيم؛ يقول شهيدنا الإلهي: «احذر أن ترسم ابتسامتك في معصية أو أن تقتل براءتها بالسخرية، خصص ابتسامتك في الرضا وإشاعة الحب مع من حولك، فيكون لك بها صدقة».
إِنِّي نَذرت نفسي
حياته شعلة وهج ثوري لا يفتر ولا يخمد، بنى نفسه، وأعدّ من حوله من رفاقه والمقربين منه.. شحذ الهمم.. شكّل المجاميع على مبدأ «نذر النفس للثورة ونصرة المظلومين»، فكان حاضراً في كل مفصل؛ سواءً كان ذلك المفصل صغيراً أم كبيراً.. يكفي أن تكون المهمة جهادية ثورية، ويكفي أن يكون هناك فراغ يتطلب شاغرا.. على الرغم من انشغالاته الكبيرة ومهامه الكثيرة في ميدان الثورة، إلا أن حميته وشعوره بأن الثورة تكليفه ومسؤوليته كان يجعله لا يتخلى عن أبسط الأمور الثورية ويشارك فيها..
إن أغلب العمليات التي تمت على «شارع التحرير السريع – الهايواي وكوبري الشيخ عزيز»، كانت من تدبير الشهيد السيد كاظم السهلاوي وتنفيذه هو وجمع من رفاقه؛ حيث كان يقود مجموعة سميت «ثوار البحرين»،وكان حاضراً بشجاعته وحسن تدبيره، ثم اتسع نطاق العمليات حجماً ونوعاً لتشمل دك أوكار اليزيديين؛ كمركز الخميس ومركز النعيم لعدة مرات. كان بحق ناذرا نفسه.
أولئك الفتية
أينما حصل فراغ كان حاضراً، فمن غير المقبول بتاتاً أن تصاب الثورة بالوهن.. ينقل أحد رفاق الشهيد السيد كاظم السهلاوي: هناك موقفان يبرزان الجانب سابق الذكر من شخصية الشهيد السيد كاظم السهلاوي:
- الموقف الأول: ذات ليلة دعي الشهيد للمشاركة في عملية في بلدة الصالحية، فأخذني معه.. وصلنا إلى المكان المتفق عليه وإذا بالإخوة الذين كانوا في استقبالنا صغار في السن وعلامات الارتباك بادية عليهم، فقد تأخروا في تحضير العملية ونحن تنتظر بدأها، ثم تواصل الشهيد مع الجهة التي طلبت حضوره، وأخبرهم بالوضع، فأشاروا عليه بالانسحاب، إلا أنه لم يكن يريد كسر آمال وهمم أولئك الفتية، فأخذ زمام المبادرة وأمسك جهاز المراقبة، وجمع أدوات العملية بشكل سريع، وهندس تنفيذ العملية، فتمت بحول الله تعالى بنجاح.
- الموقف الثاني: ذات مرّة طلب منه الذهاب إلى بلدة «الدراز» وبالتحديد في «شارع النخيل»؛ حيث كانت هناك حافلة ذات 17 راكبا «باص» معطلة يستقلها مجموعة من الثوار لنقل بعض الأدوات، ولم يكن هؤلاء الثوار بأكبر سناً من أولئك في الموقف السابق في بلدة «الصالحية».
- ولم يكن بالوسع إنجاز المهمة بسيارة الشهيد؛ لأنها لا تتسع لذلك، فاتفق الشهيد مع مرافقه في ذلك اليوم على العودة لأخذ سيارة المرافق، ثم الرجوع لإنجاز المهمة. يروي هذا المرافق قائلاً: «رجعنا مرة أخرى لهؤلاء الفتية، وطلب منهم الشهيد السيد كاظم السهلاوي البقاء في السيارة، وأنا أراقب له ذلك الشارع وأرى الخطر الأمني ما ثلاً؛ حيث عُرف عن هذا الطريق كثرة تردّد (دوريات) المخابرات عليه، كان ينقل الأدوات بمفرده إلى السيارتين.. عندما أُنجزت المهمة أراد الشهيد أن يبرد حرارة الموقف ويزيل قلقي، فاشترى لي نوعاً من المثلجات».
فأخرجني مِن قَبري
إنه «دعاء العهد» الذي كان مواظباً عليه بشكل يومي وبروحيّة عالية عجيبة تكشف عن اعتقاده الراسخ بمضامين هذا الدعاء الذي يوصي السيد الإمام (ق) بالمواظبة على قراءته.. لقد كان يأخذ بروح الشهيد السيد كاظم السهلاوي إلى عالم غير هذا العالم، وإنها تلك الفقرة المتجذرة في اعتقاده بشكل خاص «فأخرجني من قبري»..
إنه موقن باستجابة دعاء السيد الإمام (ق) وطلبه من الله (عز وجل) العود لهذه الدنيا لطلب ثأر جده الحسين (ع) ونيل الشهادة بين يدي طالب الثأر (عجل الله فرجه). إن آخر ما دونه الشهيد السيد كاظم السهلاوي ، وكان متزامناً مع ذكرى رحيل السيد الإمام (ق)، هو هذه الأسطر التالية: «هيبة صنعها الله، لا أتعجب أنك لم ترحل شهيداً، فلا توجد شهادة في هذا الزمان تستحقك، لك يوم يا روح الله، ستعود وسترزق أشرف وأكرم وأرفع وأزكى وأطهر شهادة على هذه الأرض».
كيف عرج الشهيد السيد كاظم السهلاوي الى الملكوت الأعلى ؟
وطأ الشهيد السيد كاظم السهلاوي أرض الشهداء، واستبشرت روحه بريحهم الطيب ..اقرأ اكثر عن شهادة السيد كاظم السهلاوي ..
- [1] لواء الإسلام العظيم الحاج الشهيد قاسم سليماني؟ق؟.