المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي.. رحلة الأسر الاخيرة
Table of contents
ما إن تناهى الخبر إليه حتى قلّب الأمر تقليب البصير ورأى نداء التكليف، أن لابد من «هجرة» إلى أرض الإسلام أحفظ فيها ديني وأكمل مشوار جهادي.. ساعات منذ مداهمة منزل «السيد الشهيد»، ولم يتم التعميم على المنافذ الحدودية باسمه، والوقت ضيق لحسم الخيار ودراسة الظروف.. إما البقاء داخل البلد أو الهجرة وفتح صفحة جديدة في كتاب الجهاد، ثم حسمَت «الخيرة» الخيار، ويمّم شطره للجمهورية الإسلامية بخروج لا يخلو من خطر الاعتقال؛ حيث إنه عبر «المطار» وبشكل رسمي، وبالفعل وقع «المحظور» وتم الاعتقال..
وسواءً كان وقع هذا المحظور أم لم يقع، فإن الهجرة كانت لله (عز وجل)، إلا أن المشيئة الإلهية اقتضت أن يسلك الشهيد من «أقرب الطرق للوصول»، فكان أن «عشِقه فقتله»، ولسان حاله يقول: <ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ> و<السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ>، إن كان ذلك باب الوفود عليك..
الاعتقال الثالث، إقدام وشجاعة
المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي اعتقل واقتيد إلى منزله في بلدة السهلة، وأنزلوه معهم بحثاً عن (هاتفه)، حنيها كان الشهيد يتبسم ولا يتجاوب مع أسئلتهم وتهديداتهم مستصغرا شأنهم لأي حرب نفسية أرادوا شنها عليه. وما هي إلا لحظات حتى حصلت مشادة كلامية بين الضابط المسؤول والمعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي، فتجاوز الضابط حدوده ما حدا بالشهيد أن يهجم عليه ويضرب صدره بيديه المقيدتين كاسرًا جبروته المصطنع وغطرسته ليخرجوه بعد ذلك من المنزل وينقلبوا صاغرين، ثم انتقموا منه بعد ذلك بتعذيبه في وكرهم جبناء خاسئين، ولم يجدوا إلا عزماً كالرياح، وثباتاً كالجبال، وشموخاً لا يلين.
بوصلة المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي
«لو سألني الشباب ماذا أريد منهم، لأجبت: الرياضة والسلوك إلى الله والتحصيل العلمي»[1].
حرص المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي، منذ نقله إلى سجن الحوض الجاف، على أن يجعل هذه العبارة الجامعة بوصلة طريق له، يطبقها بدقة وحرص شديد، فالهدف الكمال، ولا يخرج الكمال البشري عن أركان هذه العبارة.. فالبدن هو مركب العروج، والعقل ربانه وهي الروح تلك الحقيقة العائدة إلى ربها لتلاقيه، وجدير بنا أن نعيدها لصاحبها طاهرة كما أفاضها علينا..
كان المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي من خيرة المتعرضين لنفحات الله في بؤرة البلاء وضيق السجون مستغلا هذه الفرصة الذهبية، فاهماً لفلسفة البلاء، واعياً ما أراده الله له منه، سالكاً بحق ..
كذلك؛ لم يترك الركن الثاني ساعياً مبادراً للتحصيل العلمي والتزوّد المعرفي خلال فترة بقائه في السجن. وأما الرياضة، فلم يذكر أحد ممن عاصره داخل السجن أنه ترك ممارستها في أي فترة من فترات سجنه.
والمحصل أن المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي العزيز يرى السجن معسكرا وميدان عمل وتكامل لا ساحة راحة وخمول..
زيارة عاشوراء
كان المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي مواظباً على زيارة عاشوراء، ووضع برنامجا للعنبر الذي كان فيه لقراءة الزيارة بشكل جماعي، يفرش الأرض للزوار، ويوزع القراء على الأيام، ويحشد للحضور.. متعلقا ً ذائبا في الزيارة العظيمة ومضامينها الرفيعة.. فانعكس هذا الذوبان جلياً على شخصيته، فتراه مجسدًا لقيم الولاء لا مبالياً بكلفة التبري، صادحاً باللعن لأعداء الله قولاً وفعلا.. حتى ثبّت الله له قدم صدق مع الحسين (ع) وأصحاب الحسين (ع) وبذل مهجته دون الحسين (ع).
دَوّار بطبّه
ينقل أحد رفاق المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي مثالين من سيرته في السجن يبينان إحساسه بآلام من يعيش معه وشفقته عليهم؛ حيث كان نِعم البلسم والطبيب لتعب أجسادهم وضنك أرواحهم ..
- الموقف الأول
يحكي استقباله لمسجون أربعيني كان قد خرج توا من وكر «التحقيقات»؛ حيث كان متهماً بقضايا تخص ما يسمى بـ «الأمن الإلكتروني»، وقد كان التعب بادياً على ذلك الرجل، فأخذ السيد الشهيد يدلكه دون أن يطلب الرجل المساعدة.
- الموقف الثاني
أن أحد زملاء زنزانة المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي كان يمر بفترة عصيبة نتيجة لبعض المشاكل العائلية، ولم يكن أحد من باقي الزملاء يلاحظ الأمر وينتبه إليه، إلا أن المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي بروحه الشفافة الحانية لاحظ ذلك، وكان يجالسه ويكشف همه وغمه ويأخذ بخاطره، ولم يعلم أحد بذلك إلا بعد مدة؛ إذ أفصح الأخ بجميل الشهيد.
لا يسقط التكليف
في مراحل السجن العديدة التي مر بها المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي ، لم يكن يشغل فكره وباله إلا ذكر الثورة.. لا أذكر أنه اتصل بي يومًا دون أن يسألني عن تطوّرات الأوضاع والحراك الميداني المقاوم في مختلف البلدات، وقد كان ينسّق بعض الأمور الميدانية من داخل المعتقل حينما يتوفر لديه «جهاز»؛ فضلاً عن عمله للربط بين تحركات البلدات المختلفة.
عندما كانت بعض الأصوات غير المؤمنة بخيار المقاومة، وتتهجم على بعض رموز القوى الثورية، ما كان الشهيد يقف على التل ويمرر مثل هذه الأفكار المسمومة والأنفاس المريضة المبغضة؛ بل كان، كما يصفه معاصروه، لم يُر غاضبًا، ولم يستفزه طرح إلا ما سبق ذكرہ، فذلك السيد شديد الحياء انتفض ذات مرة على أحد كبار القوم حينما طرح فكرا استسلامياً تسقيطياً ليقوّمه بالفكر الثوري الأصيل.
أدب هاشمي
ينقل أحد زملاء المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي في السجن: «إني لم أر شخصا بأخلاق الشهيد أبداً، كان يقف معي في بعض الأوقات، فأقصّ عليه بعض الأمور التي كان يعلمها، ولكنه لا يشعرني بتاتا بأن حديثي لا يحوي شيئاً جديداً عليه ولا يتململ منه.. كان ينصت حتى أنهي كلامي، ولم يحصل قط أن قاطعني».
ويضيف زميل آخر: «عندما كان غيرنا محروما من الخروج للتشمس والاتصال وكذلك من شراء الحاجيات، كان المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي في عنبر آخر غير محروم، ولكنه ما عاش متغافلاً عن إخوانه؛ بل سعى في تلك الفترة لتأمين كل ما نحتاجه وتكفل بإيصاله لنا».
إن علاقة المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي بجميع من عاشره في السجون كانت مميزة، ولا عجب في ذلك، فأدبه جم وخلقه رفيع.. عندما يزور زنزانة من الزنازين، كانت تستبشر ويغمرها السرور، ولا يكاد يغادرهم حتى يحنّون ويشتاقون إليه ويطالبونه بتكرار الزيارة والعود إليهم.. شاب مثالي مؤمن، هكذا وصفه «العلماء» الذين عاشروه واحتكّوا به داخل السجن، وعاينوا خلقه الرفيع وأدبه الهاشمي.. ولم تقتصر تلك الأخلاق على أبناء مذهبه؛ بل تتجاوزهم لتغمر حتى الإخواة من «أهل السنة»؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر كان أحد الإخوة «السنة» يحتفظ بقميص الشهيد، وكان متعلقاً به ويشتاق لذكره خصوصاً بعد استشهاده..
التقوى مفتاح البصيرة
في إشارة لشده تقواه ومراقبته لله (عز وجل)، ينقل أحد زملاء المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي في السجن: «سألته ذات مرة عن شخص أنه ليس جيدا حسب الظاهر وله بعض الأخطاء، فعاجلني الشهيد الرد بأنه لا يعرفه – ربما على سبيل التورية – ليقطع عليّ الحديث الذي ربما يصل لاقتحام شبهة «الغيبة»، ثم عرفت بعد فترة أنه كان يعرف ذلك الشخص». وفي ذات السياق يضيف أحدهم: «أهدى أحد أصدقاء الشهيد المفرج عنهم «الشهيد» حذاءً رياضياً جيداً لحظة الإفراج عنه، وقد كان هذا «الحذاء» ونسبة لظروف السجن عملة نادرة صعبة.. ما حدا بأحد أصحاب النفوس الضعيفة لادّعاء ملكيته للحذاء وأن المفرج عنه أهداه إياه، فلم يجادله السيد الشهيد؛ بل أعطاه إياه مترفعاً عن الانشغال بفُتات حقیر».الإكسير الأعظم
الزمن ساعات قليلة إلى ليلة القدر، والحدث إصرار كبير من المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي على إقامة صلاة «جعفر الطيار» متابعة ضمن البرنامج الجماعي للإحياء، ولكن الظروف لا تساعد، فلم تكن هناك – صلاة جماعة – في العنبر، ولا متصد يؤم الجماعات أو يجهر للمتابعة، والسيد يواصل إصراره على أحد الإخوة للتصدي إلى أن أقنعه بالجهر بصلاة «جعفر» لتكون فاتحة ومقدمة لتأسيس صلاة الجماعة في العنبر بفضل الله وسعي المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي، وتكون هذه الصلاة إكسيرا لتحقيق أهداف الإسلام الاجتماعية والفردية.
أمنية شائق
لا تخمد شعلة الشوق في نفوس الشهداء لقائد القافلة وأميرها، وكيف تخمد؟! بل كيف يمكن توصيفها وهم رغم بلوغهم غاية المنى ووصولهم لساحة الكمال والقرب الإلهي وحلولهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يتمنون العود والرجعة للتشرف بركاب هذا الأمير والشهادة بين يديه من جديد.. وهكذا يصف من شاهد ترنم الشهيد بدعاء العهد؛ إذ كانت الدموع تنهمر من عينيه انهمار السيل، ويبكى بكاء الفاقد المحترق الذي لم يعد يطيق الفراق..
«إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَیبَتِهِ الْقَائِلُونَ بِإِمَامَتِهِ الْمُنْتَظِرُونَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ أَهْلِ کلِّ زَمَانٍ… بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِینَ بَینَ یدَي رَسُولِ اللَّهِ (ص) بِالسَّیفِ، أُولَئِك الْمُخْلَصُونَ حَقّاً، وَشِیعَتُنَا صِدْقاً، وَالدُّعَاةُ إِلَی دِینِ اللَّهِ سِرّاً وَجَهْراً»[2],
ساعة عشق
يقول أستاذ السيد الإمام (أعلى الله مقامه) العارف الشاه آبادي: «العجب ممن يروم مرتبة من الكمال وهو لا يقوم الليل، فما سمعنا أحدًا ينال مرتبة منه إلا بقيامها».
ليس خفياً على أدنى متابع لحال السجون في سنتي 2017- 2018م مدى سوء الوضع وحجم المعاناة التي كان يعيشها السجناء، ومختلف صنوف الأذى النفسي والجسدي الممنهج الذي كانوا يتعرضون له. في تلك الأجواء كان «رجال الله» يتزودون بجرعات الصبر والرضا في أسحارهم، وفي طليعتهم ذلك القمري الذي تحاول أسطرنا يائسة أن تحيط علما بشيء من جوانب شخصية..
وعلى عادة المرتزقة في كل ليلة من تلك الليالي..
دخلت دوريّة «شذاذ آفاق» و«وحوش فلوات» إلى العنبر المسجون فيه بدن شهيدنا؛ لكي يُرضوا أمراض صدورهم ويجدوا فريسة تشفي غيظ قلوبهم بالاعتداء على أبناء «محمد وعلي» طلاب الحق والحقيقة.. اقترب أحدهم من زنزانة السيد الشهيد، فهاله منظرٌ ما عرفه في قاموسه وما خالط نفسه اللئيمة البعيدة عن خالقها.. رأى الشهيد ساجدًا بل طال سجوده منقطعا إلى ربه مناجيا له مستأنساً به.. ابتعد لبعض الوقت ثم عاد، فلم يجد ذلك الفتى القمري انفتل من سجدته، ما زاده تعجباً إلى تعجبه، ففتح الباب وأخرج السيد من الزنزانة، وراح يسأله عما كان يفعل سؤال غريب عن عالم الطهر والقداسة أصابته نفحة من برده.
في تلك الخلوة غدا محبوباً.. وحقاً غدا مجذوباً.. عرف طريقه من <إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ>، فإذا به في <يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ>[3].
وهج حسيني
روح تشربت عزاً حسينيا.. لا ترتضي ذلاً ولا هوانا.. قلب ذائب في رحاب عاشوراء ومدرستها العظيمة.. شعارها الذي تعتز به «كل ما لدينا من عاشوراء».. إعجاب وفخر وانتماء.. كتبَ مدوِّناً «نحن أبناء مدرسة سيد الشهداء»، لم ينل السجنُ القاسي من شموخ نفسه وما أصابه هوان أبدا.. يروي أحد أصدقائه: «كان من أشد المتحمسين والمحشدّين لإضراب (لبيك يا حسين) المطالب بحق إحياء شعيرة عاشوراء الإمام الحسين (ع)، وقد دخله بقوة وعزم شديدين، واستمر حتى النفس الأخير».. وفي واقعة فريدة في أجواء السجن وأثناء إحياء المساجين إحدى ليالي عاشوراء، دخل مجموعة من الضباط وأذنابهم العنبر وكان حماس المعزين على أشده، حينها زأر السيد الشهيد هاتفاً «تبت يدا أبي لهب.. شلت يداك يا حمد»، ثم اعتلى هذا الهتاف من الجموع ليكون صفعة لأبناء الظلم في معقلهم..للمظلوم عوناً
إن نصرة المظلوم واجب تمليه الفطرة الإنسانية السليمة قبل أي شريعة منزلة، وليس مبالغة ولا من نافلة القول إن قلنا إن عمدة ورأس المبادئ التي يحاول النظام أن يمسخها في نفوس المساجين هو هذا المبدأ الذي يزلزل عرش كل ظالم كبرت دائرة الظلام أم صغرت..
ولعمري كيف لا يكون هذا المبدأ حاضراً بارزاً في صفحة روح سيدنا الإلهي وهو هو ذو الفطرة الطاهرة التي ما تدنست..؟! ففي ذات مرة وبينما المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي يتصل في غرفة الاتصال؛ إذ وقعت مشادة بين الشرطي وأحد الإخوة الذين يتصلون بسبب تضييق ذلك الشرطي على الأخ ومحاولته تقليص الوقت المسموح به للاتصال، ثم تطوّر الأمر إلى إمساك الشرطي بسماعة الهاتف على مرأى من المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي، فترك سماعته وصرخ في وجه ذلك الشرطي ولقنه درساً بأن الأحرار لا يقبلون سياسة «نفسي نفسي» التي يحاول أعداء الله زرعها..
منهج متكامل
كما سبق وتعددت الإشارة إليه؛ فإن شخصية المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي جامعة لأركان الشخصية الإسلامية المتكاملة، فهو بلحاظ معين يجمع بين الحماسة الثورية والعرفان بتزكية النفس وتهذيبها والسير إلى الله تعالى، وهو بلحاظ آخر لا يهمل العمل على تقوية «الروح والعقل والبدن» عبر الارتباط بمنبع القوة والقدرة الباري (عز وجل).
ولا يقتصر في عملية التقوية الدائمة الدؤوبة على نفسه فقط؛ بل هو سائق لمحيطه ومجتمعه للتكامل، فهو الملاحظ الدقيق لأبعاد الإسلام الاجتماعية وروحه في إيصال الفرد والمجتمع لكمالهما المنشود. وقد تجلى هذا الفهم والنهج في سلوك سيدنا الشهيد داخل السجون، ففضلاً عن العنفوان والوهج الثوري الذي ما خفَت في نفسه، كان رائداً في مضماري التعبئة الفكرية وتزكية النفس، فهو الساعي الدؤوب لإقامة صلاة الجماعة، وفي فترة من الفترات كان هو إماماً لها إيماناً منه بتأثيرها الكبير العظيم على الأفراد والمجتمعات، وهو الحاضر المجدّ في حلقات الدروس، وقد تصدى لتدريس «مادة الفقه» فترة من الفترات أيضاً. أما على صعيد البناء الروحي، فإن أكثر ما لاحظه معاشرو الشهيد في السجن هو اهتمامه الشديد بأعمال أشهر النور «رجب – شعبان – رمضان»؛ حيث كانت حالاته الروحية في هذه الأشهر مميزة وملحوظة؛ كان شديد البكاء والتضرع في الأمسيات الدعائية، مواظباً على صلوات الليالي المخصوصة وصلاة الألف ركعة المنقولة عن الإمام الكاظم (ع)؛ فضلاً عن الصيام المندوب..
وفي هذا الصدد، ينقل أحد الإخوة من أصدقاء المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي في المعتقل أنه أخبره ذات مرة بأنه لم يُصلّ الصلاة الواردة في إحدى الليالي، فأثقل الشهيد العتاب عليه، وأصبح يتابع معه باستمرار صلوات الليالي المندوبة ويشجعه على أدائها..
بوادر المرض وجذوره
تتوزع شظايا الرصاص الانشطاري – الشوزن – على مختلف أنحاء جسم المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي، لكن أخطرها تلك التي في مناطق الرأس والرقبة والصدر؛ حيث كان يعاني من مرارة آلامها خاصة تلك التي في منطقة الرأس، ويصف أحد أصدقائه، الذي كان السيد يتمرن معه في بداية فترة سجنه في مبنى 17، أنه كان خلال التمارين يتألم بشدة من تلك الإصابات في الرأس، ولم يكن النظام ممثلاً في إدارة السجن يسمح بإجراء عملية لإزالة تلك الشظايا وفق سياسة عامة وممنهجة للانتقام والتشفي، إلى أن لاحت بوادر المرض في مبنى 4، وأصبح ذلك الشاب الرياضي قوي البنية فاقداً لثلثي وزنه، ودرجة حرارة جسمه ترتفع بشكل غير طبيعي، ونظره يضعف باستمرار.
كان الإخوة يحاولون نقله للعيادة، لكن دون جدوى وسياسة النظام أن «تجرّع الموت ببطء» لدرجة أنه كان يظل ملقى في استقبال المبنى منذ الصباح وحتى المساء دون فائدة، وفي تلك المرات القليلة التي أثمر فيها الضغط نقْله للعيادة، لم يكن يحصل على غير المغذي «السيلان» وكأنه مصاب بوعكة صحية عابرة. في هذه الفترات حاول أهل المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي وعدد من الإخوة الضغط من خارج السجن لنقل الشهيد لتلقي العلاج، ولكن دون جدوى إلى أن تأكد إصابته بـ«ورم» في الرأس في مرحلة متقدّمة.. تابع معنا رحلة العروج المقدس لــ الشهيد سيد كاظم السهلاوي .