مواضيع

طفولة ونشأة الشهيد السيد كاظم السهلاوي

حرب تموز نقطة الانطلاق

الشهيد السيد كاظم السهلاوي ، طفل لم يكمل أحد عشر ربيعا يرصد الحدث بدقة، يراقب الأحداث أولاً بأول، يلهج قلبه بالدعاء لنصرة المقاومين الذين سكنوا قلبه وملكوا وجدانه قبل أن يحتضنهم جبل عامل، وهم بدورهم أيضاً لم تكن حفنة تراب من الجبل ولا أشجار سهل البقاع تساوي شيئاً لديهم أمام قلب الشهيد السيد كاظم السهلاوي وإنسانية كل حر.. ففي عالم القداسة هذا لا حدود.. كل ما هناك عشق طاهر لانهائي، وطينة عشاق واحدة عجنت  بناره..

إنها أيام الشرف.. تموز ملك الشهور.. لا لحن إلا  للنصر، ولا منطق إلا  للشهادة..

في هذه اللوحة لا خارجها، كانت تبنى الشخصية الثورية الولائية المقاوِمة للسيد الشهيد، فكان يزداد هدى إلى هداه، وبصيرة إلى بصيرته.. كان يحاول التشبه بإخوان عشقه في كل ما يسمعه عنهم.

الجمري قضية.. والقضية لا تموت

مساء الاثنين الموافق 18 ديسمبر 2006م.. زحفٌ بشري هادر..

ثلم في الإسلام ثلمة.. البحرين تخرج عن بكرة أبيها، فقد فقدت والدها الحنون أب الشهداء وشيخهم.. ذهب الشهيد برفقة والدته الفاطمية إلى تشييع الشيخ المجاهد عبد الأمير الجمري (ق)، ألح كثيراً على والدته لتصطحبه، ثم افترق عنها عند دوار القدم، مشهد ما فارق ذاكرته.. جموع لم يشاهد عديدها سابقاً، مسيرة

قادمة من جهة قرية القائد عيسى وهي تهتف (تبت يدا أبي لهب، شلت يداك يا حمد). انتهى التشييع ولم يجد الشهيد والدته، فقفل راجعا لمسقط رأسه مشياً على الأقدام متشبعاً متشرباً من روح الشيخ أبي جميل كلَّ جميل.. ثورة وجهاد.. إخلاص  وتفانٍ.. روح لا تسعها أرض ولا سماء.. تعلق به بشدّة، وكان يجمع صوره ويلصقها على الأبواب.

 «كان الشيخ مربياً للشهداء ومحباً لخط الشهادة، وكان الشهداء مخلصين لخط الشهادة، وهو خط ملازم للإسلام، والإسلام ملازم له». آية الله المقاوم عيسى قاسم (أعزه الله).

مبادر منذ الطفولة

لقد كان للشهيد الإلهي الشهيد السيد كاظم السهلاوي نشاطه في الفضاء الإلكتروني السياسي منذ طفولته، فكان متابعاً للشأن السياسي بشكل يومي تطبيقا لقول المعصوم (ع) «من أصبح ولم يهتم لأمور المسلمين فليس منهم» بل كان يحث بعض الأصدقاء أيضاً على الاهتمام بذلك، وقد كان يتصفح هذه المواقع المخصصة لذلك؛ كالصرح الوطني، ومنتدى شهداء، وضحايا التعذيب، وغيرها، حتى في المدرسة متى ما سنحت له الفرصة لذلك.. ويستغل الفرص لتعزيز الوعي فيمن حوله.

قمر (تفاني)

طفل ترى في وجهه الوسيم البشوش براءة لا توصف، له من الأماني والآمال كما لغيره من الأطفال، إلا أن همومه كانت منذ صغر سنه ونعومة أظفاره كهموم العظماء، حريص على التواجد في المساجد والحسينيات، محب لخدمة سيده ومقتداه إمام العاشقين سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسین (ع)؛ معتبراً خدمته واجب لا يترك، فتراه ومنذ طفولته ينبض بالحياة والنشاط في دروب الخدمة الحسينية، يوزع الطعام على حب الحسين (ع) ، وينظف المآتم، ويلبي احتياجات ضيوف وخدام المولى أبي عبد الله (ع) بقلب محب وروح تائقة للخدمة.

انضم إلى أخيه الذي شكل هو ومجموعة من شباب السهلة هيئة أسموها (هيئة شباب تفاني) التي كانت أبرز نشاطاتها تنسيق وتنظيم الاحتفالات الجماعية «كالأعراس الجماعية وأفراح أهل البيت (عليه السلام) خصوصاً أبطال كربلاء»، ويشمل نشاطها قرية السهلة وغيرها .. وبصمة الشهيد واضحة في هذه المجموعة الشبابية..

أمين بالفطرة

ينقل أحد أقارب الشهيد السيد كاظم السهلاوي عن طفولة السيد: كانت ترسلنا إحدى أخواته بكوبونات (قسائم) إلى مسجد العبد الصالح الشيخ عزيز (رحمه الله) لجمع التبرعات لبناء أحد المساجد، وقد كان مكتوباً على هذه الكوبونات قيمتها، ولكن المتبرعين يعطون الشهيد مبلغاً إضافياً ويقولون له: «هذا المبلغ لك» تقديراً منهم لجهوده وإعجاباً بالدور الذي يقوم به على صغر سنه، غير أنه عندما يعود للمنزل يخبر أخته عن تلك المبالغ ولا يتصرف بها، وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على كرم نفسه وأمانته وإخلاصه منذ نعومة  أظفاره.

شعلة النضال، عيد الشهداء

ديسمبر ٢٠٠٧م كان موقدا لشعلة النضال في روح الشهيد السيد كاظم السهلاوي؛ حيث رأى مجموعة من الشباب تواجه أرتالا من المرتزقة اليزيديين، فالتحق السيد بأبناء كربلاء.. يخبر أحد أصدقائه أن السيد سمع عن مسيرة مؤبنة للشهيد علي جاسم الجد حفصي ستنطلق من بلدة المصلى، فأخبره طالباً منه الذهاب معه.

يضيف صديق الشهيد الشهيد السيد كاظم السهلاوي:

وصلنا إلى بلدة المصلى، وجلسنا بالقرب من دوار البلدة قرب أحد المحال التجارية منتظرين التجمع الذي تم بعد مدة، وما إن تم حتى هجمت قوّات الشغب المرتزقة وقمعت المسيرة..

حينها صمد الشهيد السيد كاظم السهلاوي ومجموعة من الشباب في وجه المرتزقة، وكانوا يواجهونهم من مسافات قريبة.

 صحيفة الأحرار

تجارب سريعة.. قصيرة في زمنها.. كبيرة عميقة في أثرها رسخت بل حضرت على صفحة قلبه الأبيض؛ همّ قضية الأسرى، واستشعار التكليف تجاههم.. يراهم غرباء في أوطانهم، منسيّة قضيتهم فوق غربة أسرهم.. – معتقلو ما قبل الثورة – وللحديث شجون.. إخوانهم شهداء تلك الحقبة أيضاً لم يكونوا أفضل حالاً منهم، لكن الله (عز وجل) لا يضيع أجر العاملين، فكانت الثورة المباركة «صحوة شعب» التي  أيقظتتلك الجراح.

كقليل من أحياء ذلك الزمن، شكّل الشهيد السيد كاظم السهلاوي مجموعة من 3 أشخاص يثق بهم كي يحملوا على عاتقهم مهمة جهادية ينظر المرء إليها للوهلة الأولى زاهدًا في أثرها، ولكن البصر مدرك تماماً لدورها التعبوي الإعلامي بالدرجة الأولى؛ حيث إن النظام وبالخصوص رأس النظام لا ينام هانئاً في رفاعه حتى اليوم عندما يسمع أو يرى أن مجاهدي بلدة من بلدات بحرين العز يخطّون صحيفة الأحرار.

كان الشهيد السيد كاظم السهلاوي يجمع المال من مصروفه الشخصي ويدّخره لشراء «عبوات رش الصبغ – الرشوس»، ثم ينتظر عطلة نهاية الأسبوع ليخط هو ورفاقه صحف حريتهم المباركة في مسقط رأسه، ولم يكتفوا بذلك بل وسّعوا نشاطهم إلى قرى أخرى كان يزور فيها أقرباءه، فيضرب عصفورين بحجر واحد.

لا للشعب المستورَد

يحكي أحد رفاق الشهيد أن الشهيد السيد كاظم السهلاوي طلب منه أن يرافقه إلى مسيرة أعلنت عنها حركة الحريات والديمقراطية – حق، وكان موقع انطلاق المسيرة بلدة الديه وتحديداً قرب مجمع جيان.. كما أن عنوان المسيرة كان (لا للشعب المستورَد)؛ أي – وكما هو واضح من عنوانها – أنها مناهضة للتجنيس السياسي وتغيير التركيبة السكانية للشعب.

ويضيف: وصلنا مبكراً قرب مكان الانطلاق، وجلسنا قرب أحد المحال التجارية، وأتذكر يومها أن الرادود المجاهد مهدي سهوان جاء ليجلس معنا أيضاً وبادرَنا السؤال: «ما تجمّعوا الشباب للحين؟».. وبعد مدة وجيزة احتشدت الجموع، فأعطى أحد المنظمين الشهيد (بنراً) كان يظن أنه صغير، ولكن ما إن فتح الشهيد السيد كاظم السهلاوي ذلك «البنر» حتى اتضح أنه «البنر الرئيسي» للمسيرة التي قادها شهيدنا العزيز الشهيد السيد كاظم السهلاوي، وكان عدد من الرموز السياسيين المعتقلين اليوم – فرج الله عنهم – حاضرين بجانب ذلك البنر.

أتذكر يومذاك أن قوات المرتزقة هددت بقمع المسيرة إن واصلت سيرها إلى «دوّار الدانة»، فكان قرار الرموز العودة بعد دوّار المعارض، لكن هذه العودة لم تمنع حدوث المواجهة مع المرتزقة بعد المسيرة في بلدات مثلث الصمود، وشارك الشهيد السيد كاظم السهلاوي في ذلك الوطيس الحامي حتى هدأ الوضع، وذهب إلى منزل أحد أقربائه في البلاد القديم قاطعًا طريقه مشياً على الأقدام من بلدة الديه إلى جد حفص إلى المصلى إلى طشان فالبلاد القديم لا راحة ولا ملل في طريق الجهاد والحياة السعيدة.

الأنس والطمأنينة

فتى قمري.. ثغره الباسم المتلألئ.. عرفان وحب إلهي يغمران روحه الطاهرة.. أنس وطمأنينة ربانية أودعها رب البيت الحرام والبلد الحرام في قلب ذلك الفتى الذي لن يصبر طويلاً بل سيذهب إلى ربه ومعشوقه.

هكذا كان حال الشهيد السيد كاظم السهلاوي، عندما ينظر ويتأمل بيت الله العتيق وجموع الحجيج تطوف حوله، كان يتزود من ذلك العشق الإلهي لعل ميعاد اللقاء يحين..

 في مدينة جده (ص)، كان هائماً والهاً في تلك الروضة التي يشم فيها عبق فاطمة (عليها السلام)؛ ريح الجنة وعطر الشهادة، كان أقرب الأوقات إلى قلبه هناك فجر كل يوم، إنه موعد وصال في جنة البقيع، ولم يحدث يوماً أن فوت موعد الوصال هذا.

هذا الوقت المقدس لم يكن شاغراً في برنامجه وهو في البحرين؛ بل كان «مغناطيس قلبه» ينشدّ وينجذب لمسجد العبد الصالح الشيخ عزيز، ذلك المقام الذي يحوي سراً وجاذبية لا يميزهما إلا من أُشرب في قلبه الجهاد والمقاومة، واختار الشهادة عروساً والدم مهرها.

في ذلك المقام، كانت الأنظار تتوجه لذلك السيد الذي لا تليق الأرض به.. أنس وطمأنينة تأسر الناظر له «وألقيت عليك محبة منّي»، كان داعياً لذلك الأنس بغير لسانه.

أيام عَلى صَحوة الربيع

إنه العام ٢٠١١م، بقيت أيام على موعد انطلاق الثورة.. ثورة الرابع عشر من فبراير المجيدة.. كان الكلام الدائر: «هل سينزل الناس للشوارع؟ هل سيصمدون؟ هل سيستمرون؟ أم سيكون يوماً عابراً ككثير  مضى؟»..

وسط هذا الضجيج، يحضر السيد الإلهي.. لم يكمل الـ ١٥ ربيعاً، تجربته محدودة نسبياً، لكنه يطفح بالوعي والثورية والبصيرة.. يناقش الكبار.. مؤمن حتى النخاع بتحقق القيام.. يناقش ويعبئ ويحشد ويستقطب..

ولا عجب؛ فهذه الروح صقلت تحت منبر ابن قاسم، وتوهجت بفعل ذلك الخطاب الذي يعيش هموم الشعب وقضاياه.. خطاب المشيمع المجاهد.. ولا عجب؛ فهذه الروح لطالما ترنمت بقصيدة سهوان أسد المواكب: على منهج الشيخ عيسى بن قاسم.. وعبد الوهاب الأبيّ المقاوم.. وبخط المشيمع نبني الملاحم.

يوم الثورة

١٤ فبراير ٢٠١١ م، عزم الشهيد يومها الانطلاق إلى بلدة السنابس أو الديه للتوجه من هناك إلى دوار اللؤلؤة كما هو معلن كمقر لانطلاق الثورة المجيدة.

وصل الخبر قبل انطلاقه أن التجمع تم قمعه ولا فرصة للوصول إلى السنابس أو الديه.. ووصل خبر آخر أن تجمعاً وصل قرب مسجد العبد الصالح الشيخ عزيز. قرر الشهيد السيد كاظم السهلاوي التوجه لذلك الموقع، لتبدأ رحلة انفجار النور في مملكة نفسه المقدسة قبل انفجاره في بلده العزيز..

الشهيد السيد كاظم السهلاوي شهيد حي فشهيد ..تابع معنا رحلة محافل أهل العشق والنور … واقرأ اكثر عن المعتقل الشهيد السيد كاظم السهلاوي

المصدر
كتاب رشحات الحماسة والعرفان – الشهيد السيد كاظم السهلاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى