مواضيع

أمریكا وحقوق الإنسان

هل أمريكا حقّاً تدافع عن حقوق الإنسان؟ أو أنّ هذا مجرّد شعار رفعه لانتخابه رئيساً للولايات المتّحدة؟ أو أنّه شعار رفعه ضدّ بعض السجناء السوفيتيين؟ هل هو مدافع عن حقوق الإنسان والحال أنّ عميله الخائن «الشاه» قد أجرى حمّاماً من الدم، ولا يزال يدعمه؟! أ لم يرَ ويعلم بالمذابح غير المحدودة وغير المعدودة للشاه في جميع أنحاء إيران؟ فلعلّ السيّد كارتر يعتبر دعم مجرم التاريخ هذا ـ الذي بيّض وجوه جلّادي التاريخ ـ دفاعاً عن حقوق الإنسان! وقد قال كارتر مؤخّراً بأنّ المصالح الأميركية مقدّمة على حقوق الإنسان. هل نحن الذين نقول بأنّه ينبغي ألّا يكون هناك إراقة دماء وأنّ الشاه يجب أن يرحل كي يتمكّن الناس من تقرير مصيرهم بأيديهم، خَلقنا حمّاماً من الدّم؟ على العالم أن يحكم بيننا[1].

* * *

إنّ مبدأ هذه الجمعيّات التي تمّ تأسيسها في أمريكا أو في أماكن أخرى كجمعيّة «حقوق الإنسان»، وجمعيّة كذا وكذا، كلّها تأسّست من قِبلهم لتضييع حقوق الإنسان. فكلّ هذه الخيانات التي قام بها هذا الرجل الـ «لا شريف» بحقّ إيران، وكلّ هذا القتل والنهب، والآن عندما نقول إنه يجب أن يُقتل – بالرغم من أنّ الحكم لم يصدر بعدُ بحقّ محمد رضا، إلا أنه سيصدر؛ فإذا وجدناه يجب قتله – ارتفعت أصوات أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان، وصاروا الآن يُعربون عن أسفهم[2].

* * *

هؤلاء الغربيّون الذين اجتمعوا من أجل مصالح الدول العظمى، لا يعرفون عن الإنسانية شيئاً على الإطلاق. إنّهم لا يرون سوى هذا الحيوان ذي الرأس الواحد والأذنين، وهذه الطبيعة وهذا المستوى من الطبيعة. هؤلاء ليس لديهم إدراك عن عمق الطبيعة، ويريدون الدفاع عن «حقوق الإنسان»! إنكم لا تعرفون ما هو الإنسان ناهيكم عن حقوق الإنسان؟! هل تعرف الإنسان لكي تعرف ما هو حقّ الإنسان؟ وهل تعرف المجتمع لكي تعرف ما هو حّق المجتمع؟ كلّهم هكذا؛ كلّ هذا الكلام الذي تسمعونه عن الأوضاع هناك – وهنا يريدون تقليدهم – كلّ ذلك لنهب هذا المجتمع، من أجل النهب وليس من أجل الإصلاح. الحروب التي تخوضها دول كثيرة في العالم، واحدة تلو الأخرى، وتقوم الولايات المتّحدة بمساعدتهم من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، كلّها حروب منحرفة وضارة وضدّ الإنسانية. في الأماكن التي تحدث فيها هذه الحروب وتحدث فيها كلّ عمليّات القتل والدمار، يجلس هؤلاء المدافعون عن حقوق الإنسان ويدخّنون السجائر ويضعون أرجلهم فوق بعضها ولا يتكلّمون بكلمة واحدة. ولكن عندما تكون هناك قلّة من الناس وَرَماً سرطانياً في هذا المجتمع، وإذا بقوا فسوف يدمّرون المجتمع بأكمله، وعندما نريد تطبيق حكم الإسلام عليهم، فإن هؤلاء الذين لا يتكلّمون عند مقتل الآلاف من الناس؛ بل يضعون أرجلهم على بعضها ويتّكئون ولا يتفوّهون بكلمة واحدة، هؤلاء أنفسهم حينها يرفعون أصواتهم؛ لماذا قتلوا هويدا؟ أو لماذا قتلوا نصيري؟ أو لماذا يقتلون من يَقتل أفواجاً من شبابنا؟ إنّ قَتل هؤلاء رحمة للأمّة، الحدود الإلهية رحمة للأمّة. بالطبع؛ اليد المقطوعة لو كان لها لسان لَاشتكت، لكن يتمّ التضحية بالعضو من أجل الإنسان، كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع، يجب التضحيّة بالأفراد من أجل المجتمع.

فمن أجل حفظ وحماية حقوق المجتمع، يجب استئصال الأورام السرطانية من هذا المجتمع. لقد أقاموا ذات العزاء أيضاً على رحيل محمد رضا خان، فالرجل الذي ارتكب الكثير من الجرائم يتمّ الثناء عليه الآن! الآن في المجلّات الأجنبية أو في صحفهم يمدحونه بأنّه كان يريد إصلاح البلاد، كان يريد تحسين الأمور! إنّهم جالسون هناك إلى جانب المعركة، ولم يروا ما يحدث هنا. بل إنّهم يعرفون ما حدث، لكن لم يقع ما حدث عليهم، فليُقتل آلاف الأشخاص هنا، البشر ليسوا مُهمّين بالنسبة لهم على الإطلاق. ولا تؤخذ حقوق الإنسان بعين الاعتبار على الإطلاق في الجمعيّات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان. حقوق الإنسان ليست بالحسبان أبدًا؛ بل الأصل هو حقوق القوى العظمى! إنّهم يدافعون عن حقوق القوى العظمى فحسب؛ حقّها في نهب جميع البلدان[3].

* * *

إذا كان العالَم عبارة عن المجموعة المتكوّنة من رفاق وأصدقاء السيّد كارتر، فإنّ العالم كلّه معه. ولكن إذا كان العالم على ما هو عليه الآن، وعلى أكتاف المستضعَفين، فإنّ العالم عبارة عن المستضعَفين. إذا كان العالم هو الواقع الموجود، فإنّ المستضعَفين هم الذين يُديرون العالم، وهؤلاء المستكبرون لا يقومون إلّا بالفساد. إذا كان العالم على هذا النحو، فهذا العالَم لا يتّفق معكم. إنّ هذا العالَم لا يقبل رئيساً يدّعي أنّه مدافع عن حقوق الإنسان لكنّه يقوم بتدمير الإنسانية ويقتل الكثير. لن يتمّ قبول أيّ شخصٍ يدّعي أنّه مدافع عن حقوق الإنسان. أنت الذي تقول إنني أدافع عن حقوق الإنسان، سكّان إيران بشر! الإيرانيون بشر! فما بال هذا الشعب يعاني في حكومتكم خلال هذه السنوات وفي حكومة أسلافكم خمسين عاماً؟! وما بالكم لم ترفعوا صوتكم بالإدانة والاستنكار ولا أسلافكم الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا المجالس التي أسّستموها؟ إنّكم لم تتفوّهوا حتّى بكلمة واحدة عن سبب قيام محمد رضا بهذه الأعمال ولو من باب الخديعة والمكر؛ بل دعمتموه وسعيتم جاهدين إلى إبقائه. والمضحك أنّه عندما كان الضغط والاختناق في إيران في ذروته، ادّعى كارتر أنّهم منحوا إيران الكثير من الحرية. لذلك؛ ارتفعت هذه الأصوات، وصار الناس يصرخون ويطالبون بالحرّية؛ لأنّ لديهم الكثير من الحرّية! الشعب الإيراني أصابته التخمة من كثرة الحرّية! إنّه الداء الذي ابتلوا به أنفسهم[4].

* * *

إنّ أخصامنا في أمريكا يختلفون معنا في مبدأ العدالة، إنّهم ضدّ حقوق الإنسان. ينادون بحقوق الإنسان! الادعاءات كثيرة، لكن عندما يتأمّل الإنسان في أوضاعهم وبرامجهم، يرى أنّ واقع منظّمة حقوق الإنسان ومجلس الأمن وما شابه ذلك هو من صنيعة القوى العظمى؛ ليفعلوا ما يشاؤون مع الضعفاء ويُنزلوا بهم ما يريدون من أذىً. وعندما يذهب الأمر إلى تلك المنظّمات، يقوم الجالسون هناك باسم حقوق الإنسان بإدانة الضعفاء وتأييد حاكميّة الأقوياء[5].

* * *

من أجل المتابعة والتعامل مع جرائم أمريكا في هجومها العسكري ضدّ إيران، من الضروريّ دعوة مجموعات مختلفة من دول العالم لرؤية ما فعلته وتفعله أمريكا المفترسة للعالم مع شعب مستقلّ – بادّعاءاتها لصالح حقوق الإنسان والسلام والأعمال الخيرية – لكي يشاهدوا ويعرفوا آثار جريمة هذا النظام الآكل للبشر! والذي للأسف تدعمه الحكومات الغربية والمنظّمات المدافعة عن حقوق الإنسان؛ كالأمم المتّحدة ومجلس الأمن وما شابه ذلك، ليروا بوضوح ما قلته مراراً وتكراراً بأنّ كلّ هذه المنظّمات والجمعيّات تمّ إنشاؤها لدعم أصحاب القدرة، وأنّ أصحاب القدرة هم الذين أنشأوا هذه المنظّمات من أجل السيطرة على الضعفاء وامتصاص دماء المحرومين في العالم، ولكي يشاهدوا ما هي الخطّة التي نفّذوها ضدّ شعبنا المضطَهد من أجل إنقاذ جواسيسهم، ولكي يروا ويصدّقوا أنّ تلك المنظّمات العملاقة تخدم مصالح القوى العظمى والرأسماليين الدوليين، وتتجاهل حقوق المضطَهدين ولا تفعل شيئاً سوى لسيطرة أصحاب القدرة.

إنّ الحكومة العراقية الغاصبة، وبأوامر من الولايات المتّحدة، تعتدي على إيران منذ فترة طويلة، فلم نر تلك المنظّمات والجمعيّات تُدين هذا الاعتداء ولو لمرّة واحدة. لكن بالنسبة للخمسين جاسوساً ـ الذين يُعامَلون بإنسانية كاملة ـ فإنّ الاحتجاجات وصرخات انتهاك حقوق الإنسان تتردّد في حناجرهم كلّ يوم! إنّنا لم نر المدافعين عن حقوق الإنسان يدافعون عن حقوق دولتنا الضعيفة وشعبنا المضطَهد. هذه المنظّمات لم تتجاهل هذا الانتهاك الواضح لدولة مستقلّة فحسب؛ بل تتّهمُنا بانتهاك الاتفاقيات الدولية أيضاً؛ والحال أنّنا لم نعتقل أحداً باستثناء الجواسيس الذين جاؤوا إلى إيران بتهمة التآمر. وليروا من يدعم أمريكا المعتدية ويريد أن يضعنا تحت القيود الاقتصادية، ورغم أنّ كارتر لم يبلّغهم مسبقاً بخيانته الفظيعة وانتهاكه لسيادة دولة مستقلّة إلّا أنّهم ما زالوا يدعمونه وسيستمرّون في دعمه، ويضعوننا تحت القيود الاقتصادية، ويُحدِثون الضجيج لدعم الطاغية[6].

* * *

كلّ الادعاءات التي تأتي من أمريكا، ومن أدعياء حقوق الإنسان، ومن هذه الأوساط والمنظّمات في الخارج، كلّها قصائد غير موزونة، لذلك ترون أنّهم يدينون ويستنكرون إلّا أنّ إسرائيل لا تبالي ولا تعيرهم أيّ اهتمام. يحذّرون وإسرائيل تدينهم! ذلك لأنّ القضية ليست قضيّة جديّة. فليس صحيحاً أنّ الولايات المتحدة مخالفة حقاً لأن تكون القدس عاصمة إسرائيل، وبالرغم من ذلك، فإن إسرائيل قادرة على فعل ما تريد! إنّما هذه مناورات يقومون بها. كذلك؛ منظّمات حقوق الإنسان والمنظّمات الأخرى المشابهة في تلك الدول، إنّهم جميعاً مجتمعون ومتّحدون لقمعنا ونهبنا نحن المسلمين وسكّان آسيا وأفريقيا، لكن للأسف المسلمون لم يتنبّهوا[7].

* * *

تأتي إسرائيل وتأخذ الجولان وتضمه إلى سائر ممتلكاتها المغتصَبة، ثمّ تأتي هذه المنظّمات ـ التي أنشأت نفسها بنفسها وليست من إنشاء الشعوب؛ بل أُسّست من قبل مجموعة من الدول الكبرى – وتعقد اجتماعاً ومسرحيةً ضخمة، وتأتي مجموعة أكبر تصوّت لصالح الطرف المعتدَى عليه، ثم تأتي أمريكا وتستخدم حقّ النقض، هذا أسوأ من حكم الغابة، فعلى الأقلّ حكم الغابة حكم غابة، لكن حكومة هؤلاء هي حكومة البلطجة والعنف. إنّهم يحكمون ويتصرّفون بشكل أسوأ من الغابة، ويريدون أن يُقنعوا الشعوب بأنّ لدينا منظّمة حقوق الإنسان وأمم متّحدة. تحدث في أمريكا والاتحاد السوفيتي ذات الأمور التي تحدث في الغابة بل أسوأ من ذلك، ومن ثمّ تأتي المنظّمة الدولية وتقوم بمناورة وتشكّل مجلساً، فيصوّت البعض ضدّها، وحتّى إن صوّت الجميع ضدّها، فالجميع يعلم أنّ هذا التصويت المخالف ليس له أيّ تأثير؛ لأن أمريكا تقف وتنهي الأمر بـ «لا» واحدة. أليس ما يقومون به لغواً؟! يريدون اللّعب على مَن؟! لقد وضعوا أساس هذه المجالس بأنفسهم، وأسّسوا هذه المنظّمات بأنفسهم. إذا لم تكن من صنيعتهم، فبأيّ مناسبة يجب أن يكون لدولة أو عدّة دول متنمّرة حقّ النقض؛ أي: «الفيتو»؟! لقد أسّسوا لهذا منذ البداية ليلعبوا على الدول الضعيفة والمضطَهدة. فلا يوجد في العالم أسوأ من هذه الجريمة وأسوأ من هذه الوحشية، ففي حكم الغابة هناك طبيعة وفطرة واحدة، وعلى أساس تلك الطبيعة يكون الظلم والقسوة بالسويّة، لكنّ هذه المنظّمات التي تأسّست بأيديهم الإجرامية تقضي على كرامة الإنسان وإنسانيّته باسم المناداة بحقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق الإنسان. يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، وكلُّ الجرائم التي تقع في العالم بأيدي هاتين القوّتين، ولا تتكلّم هذه المنظّمات بكلمة واحدة، وإذا قالت شيئاً ـ أحياناً ـ فهو أشبه بالمزاح من الجدّية، ثمّ يتحدّثون بتلك الأشياء عن إيران ويتوقّعون أن تستمع إيران إلى كلامهم! لقد سلكت إيران طريق الإسلام، وتعتبر كلّ هذه المنظّمات عميلة وخادمة للقوى العظمى[8].

* * *


  • [1] مقابلة الإمام الخميني مع الدكتور جيم كولكررفت الأستاذ في الجامعة الأمريكية بتاريخ 28/12/1978م
  • [2] تصريحات الإمام الخميني في اجتماع أعضاء غرفة التجارة الإيرانية بتاريخ 15/5/1979م
  • [3] كلمة الإمام الخميني في جمع من علماء وطلبة حوزة قم العلمية بتاريخ 28/6/1979م
  • [4] تصريحات الإمام الخميني في لقاء مع مجموعة من رجال الدين بتاريخ 20/11/1979م
  • [5] مقابلة الإمام الخميني مع الصحفيين المسلمين المقيمين في إنجلترا و…. بتاريخ 17/12/1979م
  • [6] أمر الإمام الخميني لرئيس الجمهورية بخصوص التعامل مع الجرائم الأمريكية بتاريخ 26/4/1980م
  • [7] تصريحات الإمام الخميني بمناسبة يوم القدس العالمي بتاريخ 6/8/1980م
  • [8] تصريحات الإمام الخميني في مجمع الأساتذة بتاريخ 24/1/1982م
المصدر
كتاب السياسة الخارجية والعلاقات الدولية في فكر الإمام الخميني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى