مواضيع

إعلان حقوق الإنسان

1-   إعلان حقوق الإنسان

كلّ المآسي التي عشناها وما زلنا نعاني منها إنّما هي بسبب رؤساء الدول الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان، فقد وقّع على إعلان حقوق الإنسان أولئك الذين سلبوا حرّية الإنسان في كلّ العصور، الذين كانوا مسؤولين عنها وكانت القدرة بيدهم. عنوان إعلان حرّية حقوق الإنسان هو حرّية الناس؛ أي إنّ كلّ فرد من أفراد البشر حرّ، ويجب أن يكون حرّاً. الجميع يجب أن يكونوا متساوين أمام القانون، الجميع يجب أن يكونوا أحراراّ في مناطقهم، أحراراً في مساكنهم، أحراراً في أعمالهم، أحراراً في سلوكهم، هذا هو إعلان حقوق الإنسان، وعنوانه هذا الأمر. لقد سقط المسلمون بل البشرية جمعاء منذ البداية في فخّ أولئك الذين وقّعوا وصدّقوا على إعلان حقوق الإنسان هذا، وأمريكا واحدة من تلك الدول التي صدّقت عليه وصوّتت على أنّه يجب حماية حقوق الإنسان، وأنّ الحرية هي إحدى هذه الحقوق. انظروا إلى أمريكا التي وقّعت ـ إن جاز التعبير ـ على إعلان حقوق الإنسان، انظروا إلى الجرائم التي ارتكبتها ضدّ البشريّة في هذه السنوات القليلة التي نتذكّرها نحن ـ أنا لربّما أتذكّر أكثر من الشباب بقليل ـ! ما هي المشاكل التي تواجه البشريّة على يد أمريكا؟! وهي إحدى الدول التي وقّعت على إعلان حقوق الإنسان، فقد جعلت في كلّ بلد من بلاد المسلمين وغير المسلمين شخصاً مهمّته سلب حرّية جميع الأشخاص الموجودين في ذلك البلد. هؤلاء ينادون بحرّية الإنسان من أجل تخدير الجماهير التي لا يمكن تخديرها بعد الآن. وهذا هو حال القوانين التي يصوّتون عليها، ومنها إعلان حقوق الإنسان. إنّ هذه العناوين المزيّفة إنّما هي لخداع الناس، إنّهم يصوّتون على أمرٍ لطيفٍ وبرّاقٍ في الظاهر، يكتبون ثلاثين بنداً كلّها خير ونفع للبشرية، حسناً! لكنّهم لا ينفّذون واحداً منها، ففي مقام العمل لم يُطبّق واحد من هذه البنود. هذا تزييف وخداع، إنّه تخدير لجماهير الشعوب.

إنّنا نرى أمريكا التي توقّع على هذه القوانين وكذلك إنجلترا التي يتحدّثون عنها ويشيدون بحضارتها وديمقراطيتها ـ والحقيقة أنّ الأمر ليس سوى دعاية لهم وخديعة خاصة بهم ـ ليخدعوا الناس بشكل ماكر ويلقّنوا الجماهير من خلال الدعاية بأنّ إنجلترا على رأس الديمقراطية، وأنّ الدستورية بمعناها الحقيقي هي في إنجلترا فحسب، هكذا أدخلوا هذه الأمور في أذهان الناس من خلال دعاياتهم الماكرة؛ والحال أنّنا قد رأينا ما فعلته إنجلترا بالهند وباكستان، وما قامت به من جرائم في دولها المستعمَرة.

وهذه هي أمريكا التي ترونها في إسرائيل، كما ترون، لقد أوجدوا هذا الكيان وفعلوا ما فعلوا بالمسلمين، وما هي الجرائم التي ارتكبوها ويرتكبونها بحقّ المسلمين وخاصّة الشيعة! ومن ناحية أخرى؛ وضعوا عميلاً لهم في مصر اسمه السادات، له أنشطته الاستعمارية، ذهب إلى إسرائيل منذ فترة، ليتلقّى وينفذّ أوامرهم.

من ناحية أخرى، في الخمسين عاماً التي نتذكّرها نحن، في هذه الخمسين سنة كان الحداد الإيراني، في هذه الخمسين سنة كانت الكوارث التي حلّت في إيران بسبب هذه العائلة المسودّة الوجه، كانت إنجلترا ـ المحبّة للبشرية والديمقراطية ـ والتي وقّعت على إعلان حقوق الإنسان، وباعترافها، قد أوصلت رضا شاه إلى السلطة وأوقعتنا في ورطة لمدّة عشرين عاماً تقريباً، وجعلت الأمّة الإسلامية في العذاب والمشاكل، وكان القصد من وراء ذلك محو الشريعة وآثارها. بالطبع؛ إنّها لم تتمكّن من تحقيق ما تريد، لكنّ الخطة كانت هكذا؛ لكي تكتم كلّ صوت تفوح منه رائحة الإسلام، وكلّ رسالة تفوح منها رائحة الإسلام.

 وهذه أمريكا التي وقّعت أيضاً على إعلان حقوق الإنسان، سلّطت علينا وعلى إيران هذا الرجل ـ الخَلَف الصالح لأبيه ـ ملكنا الحالي، خلال فترة رئاسته للحكومة، جعل إيران مستعمَرة رسمياً لأمريكا، وارتكب من الجرائم فيها ما ارتكب! لقد ألحق بنا هذا الأب وهذا الابن هذه الجرائم، ببركة تنصيب هؤلاء الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان. إنّ الموقّعين على إعلان حقوق الإنسان، هم الذين وضعوا البشر في هذه المحنة وخنقوا الإنسانية كما رأيتم وسمعتم ببعض ما جرى، ولا يستطيع الإنسان أن يفهم ما يسمعه فهماً صحيحاً. إنّكم تسمعون الآن ما حدث على الناس في عهد رضا خان، لكن ما شَعرت به الأمّة ولمسته ورأته لا يمكنكم أن تشعروا به أو تلمسوه أو تروه بشكل صحيح![1].

* * *

«إعلان حقوق الإنسان» في منطق السيد كارتر هو أنّ الإنسان ليس له الحقّ في تقرير مصيره! هل فهم هؤلاء من إعلان حقوق الإنسان ـ الذي وقّعوا عليه ـ بأنّ الناس أحرار؟! وأوّل حقّ للإنسان هو حرّية التعبير وحرّية تقرير مصيره؟! هل فهم هؤلاء من إعلان حقوق الإنسان هذا المعنى أم لا؟! لا أحد حرّ بهذا المعنى! أم أنّهم يقولون بأنه وإن كان الجميع أحراراً في تقرير مصيرهم أمّا بالنسبة لإيران فلا، ولم تعد إيران حرّة في هذه الفقرة؟! كما يقولون في بعض الأحيان والمناسبات؛ إنّه حيثما كان الأمر يتعلّق بمصالحنا فلم يعد هناك حديث عن الحرّية وحقوق الإنسان! ولا ينبغي لنا أن نتحدّث عن حقوق الإنسان هناك. فإيران تقع في منطقة استراتيجية مهمّة بالنسبة لنا، إذاً؛ لا مجال هنا للحديث عن حرّية وحقوق الإنسان. فهل هذا المنطق صحيح في نظر العالم؟ هل يقبل العقلاء بأنه إذا كان بلد فيه مصالح لهم – وبما أنّ دولة أمريكا مُستفيدة منه – فلم يعد للناس هناك أن يكونوا أحراراً؟! وعليهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي، ينظرون نهب ثرواتهم وما لديهم من مصالح، وما لديهم من احتياطيّات، ونقلها إلى أمريكا وأخواتها[2]!

* * *

والحال بحكم العقل أنّ حقوق الإنسان تعني أنّ مصير كلّ إنسان بيده، ومصير كلّ أمّة بيدها، وهذا هو الصحيح؛ فمصير الشعب الإيراني أيضاً يجب أن يكون بيده. الآن، إذا أراد الشعب الإيراني أن يعيّن شخصاً ليكون محامياً أو رئيساً للجمهورية، فمن حقّه أن يختاره بنفسه. لنفترض أنّنا اجتمعنا جميعاً واخترنا شخصاً وعيّناه رئيساً للجمهورية، واجتمعنا معاً واخترنا لكلّ منطقة محامياً، فهذا هو الصحيح، وكذلك إذا اجتمعنا معاً وشكّلنا جمعية تأسيسية، جمعية تأسيسية من ناحيتنا، كلّ هذا صحيح؛ لكن هذه الجمعية التأسيسية يحقّ لها أن تقرّر مصير الأمّة القائمة الآن، لا التي ستأتي لاحقاً. فالشعب الذي سيأتي بعد مائة عام، ليس الشعب الإيراني الحالي، فلا نستطيع تحديد مصيره، فبأيّ حقّ نقرّر مصير الآخرين؟ هم شعب آخر وأناس آخرون[3].

* * *

هذه الأمّة واقفة الآن وتقول إنّنا نريد أن نكون أحراراً. وهذا أحد حقوق الإنسان الذي يقرّه كلّ العالم، ولذا فهم يريدون أن يكونوا مستقلّين[4].

* * *

الأجانب ينادون بحقوق الإنسان؛ أيُّ إنسان؟! هؤلاء – الذين أُعدموا- قتلوا الناس، هؤلاء مجرمون، وليسوا متّهمين، إنّهم قتلة. إنّنا نشكُر أصدقاءنا الفرنسيين على ترحيبهم بنا أثناء إقامتنا هناك وإتاحة الفرصة لي لإيصال رسائلي من باريس إلى الشعب الإيراني العزيز، لكنّني لم أتوقّع من الأصدقاء الفرنسيين أن يعيّرونا بحقوق الإنسان بسبب مجموعة من المجرمين واللّصوص، ويشككوا في ثورة إيران الأصيلة، التي استجاب فيها شعب مظلوم لنداء الحقّ – بإذن الله ـ، ويعتبوا علينا وينتقدونا بذريعة حقوق الإنسان. لقد كان جديراً بهم أن يدافعوا عن حقوق الإنسان ويقفوا إلى جانب الشعب الإيراني المظلوم والمضطَهد عندما كان النظام البهلوي الفاسد يدوس على حقوق الإنسان ويعذّب لآلاف من الشباب في هذا البلد ويقتلهم؛ لا أن يهاجمونا بهذه الطريقة من أجل مجموعة من المجرمين والقتلة الذين قلّ ما رأى تاريخ البشرية مثل جرائمهم. إنّنا قَتلنا من هم أعداء الإنسان والبشرية، فما هي حقوق الإنسان يا ترى[5]؟!

* * *

أحياناً، ينتقدون الإعدامات التي حدثت في إيران، بذريعة حقوق الإنسان، ويعتبرونها من مصاديق العنف والخشونة. هؤلاء لم يكونوا في إيران ليروا ماذا حدث، وماذا جرى على إيران خلال خمسين عاماً وأكثر الماضية! وماذا حلّ بشبابنا مؤخّراً! نعم إنهم يعلمون وليسوا جاهلين بالأمر، إنّهم يعلمون ما فعله الشاه السابق والشاه الأسبق منه في إيران، وما هي الجرائم التي ارتكبها هذان الرجلان أو بالأحرى الـ «لا رجلان» بحقّ الشعب الإيراني. هؤلاء الأشخاص الذين يدّعون بأنهم جمعيّة «حقوق الإنسان» ويلطمون على الصدور الآن من أجل حقوق الإنسان ومن أجل هؤلاء الذين أُعدموا في إيران ويصرخون: «لماذا قُتل هؤلاء؟ وأنّ هذا العمل من مصاديق العنف!»، هؤلاء تجاهلوا العنف في عهد هذا الأب والابن، إنّهم لم يعلّقوا على جرائم القتل التي ارتكبها عملاء هؤلاء، وأحياناً على يد محمّد رضا نفسه عندما كان الشعب الإيراني يواجه المصائب والابتلاءات، وعندما كان عملاؤهم ينهبون ويقتلون بهذه الطريقة، لم یتكلّموا بكلمة عن حقوق الإنسان، ولا خلال العامين الماضيين، وقد اطّلعت جميع الدول على كلّ الجرائم التي حدثت في إيران؛ حيث ساد الظلم على الشعب الإيراني بطريقة أدّت إلى قتل شبابنا بشكل جماعي في الشوارع[6].

* * *


  • [1] تصريح للإمام الخميني بمناسبة أربعين شهداء قم وكشف جرائم أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان بتاريخ 18/2/1978م
  • [2] تصريحات الإمام الخميني حول حقوق الإنسان المزعومة للشاه وكارتر بتاريخ 16/12/1978م
  • [3] تصريحات الإمام الخميني بخصوص كشف جرائم الشاه بتاريخ 21/1/1979م
  • [4] أقوال الإمام الخميني في لقاء مع القضاة بتاريخ 6/2/1979م
  • [5] تصريحات الإمام الخميني في لقاء مع الدكتور أمير علائي بتاريخ 22/4/1979م
  • [6] تصريحات الإمام الخميني في اجتماع وفد التجار الإيرانيين بتاريخ 15/5/1979م
المصدر
كتاب السياسة الخارجية والعلاقات الدولية في فكر الإمام الخميني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى