أدعياء حقوق الإنسان
ذلك الرجل الذي قال بكلّ صراحة: ماذا تعني قضيّة حقوق الإنسان؟ حسناً؛ لقد كان صادقاً. إنّه قال الحقيقة بخصوص ما تعنيه قضية حقوق الإنسان، حقوق الإنسان تعني منطق المتنمّرين! إنّها ليست قضية حقوق إنسان! منطق المتنمّرين هو البلطجة والبندقية والرشّاش والاعتداء على علماء الدين بالرشّاشات. هذا هو منطق هؤلاء[1].
* * *
هؤلاء الذين يتحدّثون باستمرار عن حقوق الإنسان، هؤلاء هم الذين جلبوا المشاكل والمصائب إلى شعبنا[2].
* * *
أحدهم يتكلّم عن حقوق الإنسان من جهة، وينتهك حقوق الملايين من البشر من جهة أخرى؛ كما نشهده نحن في إيران، ويشهده آخرون في أماكن أخرى، فمن يتكلّم من ناحية عن موضوع حقوق الإنسان، ومن ناحية أخرى يلقي بهذه الكوارث على رأس الإنسانية هو شخص نبيل للغاية! لكنّ الشعب الإيراني الذي يريد الخروج من تحت نير هؤلاء هو شعب ذليل وحقير في رأيكم! إنّ رأيكم ليس صحيحاً[3].
* * *
إنّنا نرى بعض الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان ومجتمعات حقوق الإنسان خلال هذه السنوات الخمسين المنصرمة، حيث سيطرت حكومة بهلوي وابن بهلوي الغاصبة على هذه الأمّة، ونهبت من خلال اغتصابها جميع ثروات هذا الشعب. خلال هذه الخمسين سنة كان شبابنا في السجون، وكم كان لدينا شباب قُطّعت أرجلهم في السجن بالمناشير! وكم من شبابنا تمّ حرقهم في محارق وتمّ سجنهم وتعذيبهم حتّى وقت قريب! شباب قد أطاح بهم عملاء الملك السابق. لكن خلال تلك الفترة لم نر هؤلاء الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان يتكلّمون بكلمة واحدة أو يدينون هذا العمل؛ بل رأَينا أنّ رئيس الولايات المتّحدة يصاحب هذا الملك البائس المستبدّ ويدعمه، يدعم الطاغية الذي دمّر وجودنا بالكامل. كما لم نر أدعياء منظّمة حقوق الإنسان يحتجّون أو يدينون عمل الرئيس الأمريكي. لكن الآن وبعد أن وقع هؤلاء الطغاة في فخّ الأمّة، وتريد الأمّة الانتقام منهم، ارتفعت صرخات «واإنسانيّتاه! وابشراه!» من هؤلاء؟! لا أعتبر هؤلاء إلّا دُمىً بيد أعدائنا، هؤلاء مجرّد دُمى القوى العظمى؛ إنهم لا يعملون من أجل حقوق الإنسان. كنت أتوقّع أنّ تحتجّ علينا منظّمة حقوق الإنسان ـ إن كانت حقّاً تدعم حقوق الإنسان ـ بأنّه لماذا احتفظتم بهؤلاء؟ عليكم قتل هؤلاء الأوغاد من أوّل يوم! لا أنّنا احتفظنا بهم وهم الآن في السجن، وسجوننا ليست مثل السجون السابقة؛ سجوننا لا يتعرّض فيها الناس للإهانة بأيّ شكل من الأشكال، رغم ذلك يحتجّون علينا بأنّه لماذا تحاكمونهم! هل أنّ محاكمة المجرمين ليست من المنطق؟! محاكمة المجرم أمر مخالف لحقوق الإنسان؟!
حقوق الإنسان تقتضي أن نقتلهم منذ أوّل يوم؛ لأنّهم مجرمون وجرمهم واضح ومحرَز. المتّهم ينبغي أن يوكَّل له محامياً ويجب أن يُصغى إلى دعواه وليس المجرم. هؤلاء ليسوا متّهمين، بل إنّهم مجرمون. هؤلاء كانوا يقتلون الناس ويعذّبونهم في الشوارع. هؤلاء دمّروا كلّ احتياطيّاتنا من خلال خياناتهم. أليس الذين قُتلوا في شوارع ومدن إيران من البشر؟ أليس لهم حقوق؟… لماذا لا يدافع أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان عمّن قُتلوا؟ لماذا ينتقدوننا بسبب قيامنا بمحاكمة الأوغاد؟
فبالرغم من أنّنا نعتبر أنّ جميع هؤلاء مجرمون ـ ويجب إثبات هويّاتهم فقط ـ ويجب إعدامهم بمجرّد إثبات هوياتهم ـ فيجب إعدام نصيري بمجرّد ثبوت هويته أنه هو نصيري، لكن رغم ذلك احتجزوه لعدّة أيام وحاكموه وسجّلوا اعترافاته ومن ثمّ أعدموه ـ ألا يرى مجتمع حقوق الإنسان هذا أنّه يجب قتل المجرم من أجل حماية حقوق الإنسان؟ ومن أجل المطالبة بحقّ البشر؟ البشر الذين قتلهم هؤلاء المجرمون وعذّبوهم ودمّروهم، لكنّنا مع ذلك نحاكمهم وحاكمناهم، وباعتقادنا أنّ المجرم لا يُحاكم ويجب أن يُقتل. ممّا يؤسفني أنّ هناك ميولاً غربية فينا، ونخشى أن يكتبوا شيئاً في الصحف الغربية ضدّنا مثلاً، بيد أنّهم يخالفون العدالة والإنصاف ولا يتّفقون مع حقوق الإنسان؛ بل إنّهم يدافعون عن حقوق القوى العظمى باسم حقوق الإنسان[4].
* * *
أولئك الذين ينادون بـ «حقوق الإنسان»، لم يفعلوا شيئاً من أجل الإنسانية. أولئك الذين ينادون بـ «الحرية» ـ قولاً – هذه الجبهات المختلفة لم تفعل للبشر شيئاً[5].
* * *
الذين يطالبون بحقوق الإنسان ويلطمون على صدورهم الآن من أجل أمثال هويدا ويعبّرون عن أسفهم ومشاعرهم تجاهه، هل هؤلاء يدافعون عن حقوق الإنسان أو أنّهم يدافعون عن الدول والحكومات العظمى؟ إذا كان هؤلاء من مدافعي حقوق الإنسان، فماذا فعلوا خلال الخمسين سنة التي كان فيها الإنسان تحت التعذيب وتحت الإعدام هنا؟ لماذا لم ينبسوا ببنت شفة على الإنسان الذي كان يُشوى هنا في المقلاة والإنسان الذي قُطّعت أرجله بالمناشير؟ اليوم أصبحوا يتكلّمون ويُعلنون؟! أ ليس الذين قُتلوا في تلك السنوات الخمسين من البشر؟ أ لم يكن لهم حقوق؟ أ ليس من حقّ الإنسان أن يتمّ القصاص له إذا قتله شخص ما؟ هذا حقّ من حقوق الإنسان، ومن حقّ أولاد المقتول أو عائلته أن يقتصّوا له. لكن حقيقة الأمر أنّ جمعيّات حقوق الإنسان هذه تخدم القوى العظمى باسم حقوق الإنسان. هذه الجمعيّات التي تصرخ من أجل حقوق الإنسان تريد انتهاك حقوق الإنسان، هؤلاء الصحفيون والصحافة التي تنشر هذه الأكاذيب باسم حبّ الإنسانية هم في خدمة القوى العظمى، إنّهم ينتهكون حقوق الإنسان[6].
* * *
هذا بالنسبة لحقوق الإنسان. حسنًا؛ هذا الإنسان له حقّ، وذلك الإنسان أيضاً له حقّ. هذا الإنسان حَرَم ذلك الإنسان سلامتَه، فمن حقّه أن يحرمه سلامته. هذا الإنسان قتل إنساناً، فمن حقّ أهل المقتول أن يقتصّوا له، وإن لم يكونوا موجودين، فعلى الحاكم أن يقتصّ من القاتل. الآن حكمت محاكم الثورة على هذه المجموعة القليلة، لم يكن عددهم كثيراً، قتلوهم من أجل إحقاق حقوق الإنسان، فالذين يطالبون بحقوق الإنسان ويثيرون ضجّة على قتل أمثال «القانيان» أو «هويدا»، هم الذين يضيّعون حقوق الإنسان. هؤلاء أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان، هؤلاء المحتالون ـ الذين يريدون إعطاء كلّ مصالحنا لأسيادهم ـ كانوا بُكماً آنذاك وتكسّرت أقلامهم، فلم يقولوا شيئاً ولم يكتبوا ولم يطالبوا بحقوق الإنسان. نحن نفعل ذلك من أجل حقوق الإنسان، وهؤلاء الذين يرفعون أصواتهم بالدفاع عن حقوق الإنسان إنّما هم عملاء الاستعمار، إنّهم جالسون هناك في خارج البلاد ويتقاضون رواتبهم ويلتقطون القلم ولا يزالون يكتبون عن «حقوق الإنسان»! هؤلاء يريدون انتهاك حقوق الإنسان ولا يريدون الدفاع عن حقوق الإنسان، فإنّما ادعاء حقوق الإنسان لعق على ألسنتهم[7].
* * *
هذه الحكومات التي تدّعي أنّها مع الشعب، وأنها كذا وكذا، عليهم أن يذهبوا وينظروا إلى أنفسهم، يجب أن يذهبوا وينظروا في حال شعوبهم أيضاً. هؤلاء الذين يقولون إنّنا أنشأنا جمعية حقوق الإنسان من أجل «حقوق الإنسان» وما شابه ذلك، انظروا كيف يتعاملون مع الإنسان، وأين ومتى أعطوا الإنسان حقوقه؟! أ لم نكن نحن بشراً؟! نحن أيضاً من البشر، منذ أكثر من خمسين عاماً نتذكر أنّهم حرمونا من كلّ حقوقنا، كلّ ثرواتنا دُمّرت على يد من يدّعون حقوق الإنسان، هؤلاء قتلوا أفواجاً من البشر، يقتلون البشر وينادون بحقوق الإنسان! عندما يُقتل «نصيري» أو «هويدا» في إيران يثيرون ضجة؛ لماذا تقتلونهم؟! فليس هذا إلا للتمويه علينا ولتشويه سمعة حركتنا. إنّهم لا يعرفون الإنسان؛ ناهيك عن حقوق الإنسان! إنّهم لا يعرفون مكانة للإنسان ولا كرامته؛ بل كلّ ما يعرفونه هو المنافع الاقتصادية ونهب ثروات الشعوب ليس إلّا. فالاقتصاد هو الأساس عندهم، الاقتصاد هو «البنية التحتية» لكلّ شيء، كلّ شيء ينشأ من هذا الأصل، ومن لا يعرف من هو الإنسان يدّعي هذه الادعاءات أيضاً[8].
* * *
هؤلاء الظَّلَمة وأدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان الذين رفعوا أصواتهم مستنكرين إعدام المجرمين والقتلة، هؤلاء الذين يكتبون ويدينون الإعدامات التي تجري في إيران، كأمريكا الفاسدة ـ في العديد من الموارد مسبقاً ـ قد رأوا وقوع المجازر، ولم يصدر عنهم أي موقف[9].
* * *
يتحدّثون عن حقوق الإنسان. حقوق الإنسان عندهم تعني حقوق الظالمين. حقوق الإنسان تعني أنّ لهم الحقّ في أخذ كلّ نفطنا وعدم إعطائنا أيّ شيءٍ مقابل ذلك، إلّا إذا كان في ذلك عائداً ونفعاً يعود لهم. ينبغي على جميع هذه الشعوب أن تخضع لسطوة الظلمة دون أيّ سؤال ودون تنبس ببنت شفة[10]!
* * *
الذي يدافع عن حقوق الإنسان يتكلّم عن أمور مغايرة لحقوق الإنسان تماماً، وكأنّ الكلمات فارغة من معانيها تماماً. هذا ما أقوله لكم، فاذهبوا وانظروا أين تجدون كلمة أو مصطلحاً من هذه المصطلحات التقليدية كالعدالة، والعدالة الاجتماعية، والدفاع عن حقوق الإنسان، ومجلس الأمن، وما إلى ذلك. انظروا أيّاً من هذه المصطلحات تحتوي على معانيها، أيّاً من هذه المنظّمات تقوم بالعمل والمعنى الذي يدّل عليه عنوانها[11]!
* * *
ترون مثل هذه الجريمة الكبرى التي حدثت، وتكرّرت مراراً وتكراراً في هذه السنوات، وحدثت في هذه الأيام لعدّة مرّات متتالية، ولم تكن في جميع وسائل الإعلام أيّ إدانة أو استنكار ضدّها. إنّهم يمرّون عليها مرور الكرام ويقولون إيران تقول هكذا، والعراق يقول في المقابل لقد انتقمنا. إنّ القيم الإنسانية مدفونة في العالم، الإنسانية مدفونة في العالم، فلم نر المنظّمات الطويلة والعريضة ممّن تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها تستنكر هذه الأعمال والجرائم[12].
* * *
بالرغم من أنّهم يرون هذه الكوارث والمصائب؛ إلا أنّ هذه المنظّمات ـ التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان ـ تدين المظلومين بدلاً من إدانة الظالمين[13].
* * *
وسائل الإعلام والمنظّمات الكذائية، عندما ترى انتصار إيران والإسلام، أو عندما تعلم بأنّ العراق ارتكب الكثير من الجرائم ضدّنا، تُشير ـ كذباً ـ إلى موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وتدّعي أنّ البهائيين لا يتمتعون بالحرّية في إيران، وأنّهم في السجون بسبب بهائيّتهم؛ حتّى أنهم يقولون بأنّنا نقتل النساء الحوامل في الشوارع! فليقولوا ما يشاؤون[14].
* * *
على المظلومين في العالم أن يكونوا منتبهين ويقظين، وألّا ينخدعوا بهذه المؤامرات والحيل، وأن يواصلوا نشاطهم من أجل الحصول على الحرّية والخروج من أغلال الاستعمار والاستغلال، وليعلموا أنّ هؤلاء الذين يرفعون شعار «الدفاع عن حقوق الإنسان» هم أنفسهم أكبر منتهكي حقوق الإنسان، ولا يتوانون أبداً عن تحقيق أهدافهم الإجرامية ولا يترددون في ارتكاب أيّ جريمة[15].
* * *
وليس من المستغرَب أن يقوم هذا الحزب الفاقد لأيّ ثقافة بتدمير المدن الإيرانية كلّ يوم على رؤوس السكان العرب والفرس الأبرياء، رجالاً ونساءاً وأطفالاً، كباراً وشبّاناً. وليس من المستغرَب أن يقوم هؤلاء بتعذيب السجناء الأبرياء؛ سواء العراقيون أو الإيرانيون في مراكز التعذيب الخاصة بهم خلافاً لأنظمة الدول الحرّة. فهذه التصرّفات هي طبيعة الشياطين والحيوانات المفترسة المنحرفة، والعجيب أن يشجّع أدعياء حقوق الإنسان وزعماء هذه الجرائم في جميع أنحاء العالم على هذه الأفعال ويزوّدونهم بالسلاح والدعاية! العجيب أنّ المنظّمات الدولية بعرضها وطولها تدعم هؤلاء تارة بحديثها وتارة بصمتها. فعلى الشعوب المضطَهدة ألّا تتأمّل بهم خيراً، وأن تعلم بأنّ هذه المنظّمات إنّما هي لخدمة المعتدين والأقوياء فحسب، وأنّ القوى العظمى لا تسعى سوى إلى تحقيق مصالحها الخاصة[16].
* * *
- [1] تصريحات الإمام الخميني بمناسبة أربعين شهداء قم بتاريخ 18/2/1978م
- [2] تصريحات الإمام الخميني حول جرائم الشاه بتاريخ 13/05/1978م
- [3] تصريحات الإمام الخميني في انتقاد ادعاءات كارتر الإنسانية بتاريخ 14/12/1978م
- [4] رسالة الإمام للإذاعة والتلفزيون بعد استفتاء الجمهورية الإسلامية بتاريخ 1/4/1979م
- [5] تصريحات الإمام الخميني في تجمع منتسبي القوة البرية بتاريخ 21/4/1979م
- [6] كلمة الإمام الخميني في اجتماع ممثلي جالية النساء الأجنبيات المقيمات في ايران بتاريخ 24/4/1979م
- [7] تصريحات الإمام الخميني في اجتماع أعضاء مجلس التجار الإيرانيين بتاريخ 15/5/1979م
- [8] تصريحات الإمام الخميني في لقاء مع عائلة آية الطالقاني بتاريخ 14/9/1979م
- [9] تصريحات الإمام الخميني في جمع من موظفي التأمين المركزي الإيراني بتاريخ 5/11/1979م
- [10] مقابلة الصحفي الياباني مع الإمام الخميني بتاريخ 26/11/1979م
- [11] تصريحات الإمام الخميني في جمع من علماء قوافل الحج بتاريخ 22/8/1982م
- [12] أقوال الإمام الخميني في جمع من العمّال بتاريخ 14/5/1983م
- [13] تصريحات الإمام الخميني في تجمع رجال الدين المناضلين في طهران بتاريخ 5/10/1983م
- [14] تصريحات الإمام الخميني في لقاء الوزير ونائب مسؤول وزارة الإرشاد بتاريخ 10/3/1984م
- [15] رسالة الإمام الخميني بمناسبة ذكرى انتصار الثورة الإسلامية بتاريخ 11/2/1985م
- [16] رسالة الإمام الخميني بمناسبة استشهاد 10 أشخاص من عائلة أية الله الحكيم بتاريخ 9/3/1985م