كلمة الشهید سماحة السيد حسن نصرالله في اليوم السابع من محرم 1446ه
لتحميل الخطاب بصيغة PDF اضغط هنا
الفهرس
خطاب السابع من المحرم 1446
المسؤولية الدينية تجاه نصرة المظلومين في فلسطين
اليوم مثلاً ما يجري في فلسطين وفي غزة هو من أوضح النماذج والقضايا والمصاديق، لذلك هذا الموضوع، بعض الناس يُريد أن يُناقشك بالسياسة، يا أخي هذا الموضوع هو عقائدي، هذا الموضوع هو ديني، هذا موضوع مثلما تكلمنا بكل الليالي السابقة نحن سنسأل عنه يوم القيامة، الآن يوجد بعض الناس ثقافة الحياة عندهم تقف عند الدنيا، وهذا شأنهم «يدبروا حالهم يوم القيامة»، لكن نحن تعنينا آخرتنا ويعنينا يوم القيامة ونريد أن نعرف ماذا علينا أن نجيب الله يوم القيامة، وموقفنا إذا كان صحيحاً ومع الحق له كرامته يوم القيامة، وإذا كُنا لسنا كذلك له سؤاله وحسابه العظيم والصعب يوم القيامة، حسناً اليوم هذه قضية واضحة، مظلومية واضحة، مثلما قُلنا سابقا، حقٌ واضحُ بينٌ أبلجٌ مشرق كعين الشمس في رابعة النهار، مظلومية الشعب الفلسطيني خصوصاً في هذه الأيام مظلومية لا ترقى إليها مظلومية، في مرحلة من المراحل يمكن أن تكون هناك مظلومية شعب آخر تتقدم، لكن من 7 تشرين إلى اليوم مظلومية الشعب الفلسطيني تتقدم على أي مظلومية أخرى، الذي حصل اليوم بأي منطق أن يقوم الإسرائيلي بمجزرة ويقصف منطقة كلها خيم وغرف بسيطة ويقتل ويجرح المئات وبعد ذلك ما هي حجته؟ أنه كان لديه معلومات أن قياديين من حماس كانوا موجودين في هذا المكان، هل يوجد استباحة أكثر من هذا؟ هل يوجد استهانة بدماء الناس وخصوصاً مسلمين أكثر من هذا؟ هل يوجد ظلم واستبداد وعلو وطغيان وإفساد في الأرض أكثر من هذا؟ هل هذه حجة؟ هذا أمام أعين كل الناس، هذا واضح للناس كلهم، حسناً، أمام قضية من هذا النوع، انت مسؤوليتك أن تهتم، لا يمكنك أن تقول أن لا علاقة لك ولا تسمع ولا تعرف ولا تأخذ خبراً، ستسأل يوم القيامة، أولاً عليك أن تعرف وتهتم وثانياً بالحد الأدنى يبدأ التعاطف النفسي والقلبي والعاطفي، تألم لألمهم وتحزن لحزنهم وتأسى لآساهم، لذلك أنا قلت بالليلة الأولى، من لا يهتم ولا يحزن ولا يأسى، يا أخي أنت لا تقاتل من أجلهم حسنا ولكن تعاطف معهم بالحد الأدنى، يقول لك: «نحن متعاطفون»، متعاطفون وأنتم ترون العالم كله كيف يعيش، يعني مظاهر الترف والبذخ والبهجة واللهو واللعب وتُنفق في ذلك ملايين الدولارات وعشرات ملايين الدولارات، نحن متعاطفون، أين انت متعاطف؟ انت تكذب علينا، هل يمكنك أن تكذب على الله سبحانه وتعالى وتقول له بأنك كنت متعاطف مع أهل غزة؟ مع المظلومين في غزة؟ فإذا لدينا تعاطف النفسي والعاطفي، يأتي بعد التعاطف ألا تستطيع أن تفعل شيئاً، أنت قادر أن تدعي لهم، يعني هؤلاء المليارين مسلم الموجودين اليوم على الكرة الأرضية يقولون بأنهم حوالي المليارين مسلم، مليار ونصف ومليار ومليارين لا أعرف كم هو العدد، حسنا يا أخي أنتم الملياري مسلم ألا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً، هل تدعون الله لأجل أهل غزة ولأهل فلسطين ولأهل الضفة؟ أو لا تدعون لهم؟ أو هم خارج دائرة العناية والاهتمام حتى في دعائكم، بالحد الأدنى أن تدعوا لهم، ثالثا أو رابعا، الموقف الإعلامي والسياسي، أن تعبر عن موقفك، بالحد الأدنى أن تقول هذا عدوان ونُدين هذا العدوان ونرفض هذا العدوان، أنت لن ترمي طلقة ولا حجر ولا صاروخ، ولكن خذ موقفاً، موقفاً إعلامياً وسياسياً، عبر عنه ببيان أو خطاب أو مقابلة أو مقالة أو مظاهرة، أو باعتصام أو بأي شيء، أما السكوت، هذا سيسألون عنه يوم القيامة، يعني من يستطيع أن يُعبر عن موقف ولا يعبر عن موقف سيسأل يوم القيامة، المساندة المعنوية والنفسية، هذه متقدمة عن إعلان موقف، يعني مثلاً ما يقوم به الشعب اليمني كل أسبوع، حقيقةً هذا غير موضوع البحر الأحمر وبحر العرب وما شاكل، مظاهرة شعبية أسبوعية، ملايين أو مئات الآلاف تخرج في المدن، تحت الشتاء والشمس والحر والبرد، من الممكن أن يسأل احدهم، لماذا هذه المظاهرات؟ طبعا يوجد ساحات كثيرة لا تقوم بهذا العمل، نحن من الممكن أن يغفر لنا بأننا لا نقوم بمظاهرات أننا فتحنا الجبهة، ويوجد شهداء وجرحى كل يوم، وصواريخ كل يوم ومواجهات كل يوم، يعني ما هو أعلى منه، حسنا أنه ما هو غاية هذه المظاهرات؟ هي تشكل سند معنوي ونفسي وعاطفي، الناس تشعر أنهم غير متروكين، نحن نعرف من أنفسنا، اليوم نحن في ذكرى حرب تموز، في حرب تموز عندما كنا نرى على شاشات التلفزة انه في البلد الفلاني تظاهروا ورافعين شعارات لحزب الله، وبالبلد الفلاني وأوروبا وأميركا اللاتينية ولا أعرف أين، كان المقاتلين والناس تأخذ نفسا، صحيح أنه لم يكن المتظاهرون يُقاتلون، ولكن لا شك بأن أي مظاهرة أو أي اعتصام أو أي اجتماع هو يُشكل دعماً معنوياً ونفسياً، هذا تستطيع أن تقوم به أنت، وإذا لم تقم به ستُسأل يوم القيامة، وصولاً في مستوى متقدم آخر اسمه المساعدة المادية، دفع المال، حسناً اليوم تستطيع أن تقوم به، وإذا لم تقم به ستسأل يوم القيامة، وصولاً في مستوى متقدم آخر اسمه المساعدة المادية، دفع المال، حسناً اليوم هذا شعب يُحاصر ويُجوع، جزء كبير ولا نعرف الرقم الدقيق، 50 أو 60 % من المنازل هُدمت، البنى التحتية هدمت، ظروف قاسية جداً فرضها العدو، حسنا إن شاء الله سيأتي وقت وستنتهي الحرب، حسنا هل الناس خلص، إنه والله الحكومات مقصرة، يعني الشعوب الإسلامية أليس عليها مسؤولية اتجاه مساعدة أهل غزة وشعب غزة في إعادة إعمار غزة إذا قصّرت الحكومات، كلنا تقع على عاتقنا المسؤولية في هذا الموضوع، والآن كلنا علينا مسؤولية، يعني من يستطيع أن يُعطي المال ليصل إلى غزة، إلى مقاتليها وإلى مقاوميها وإلى ناسها، ويوجد إمكانية بشكل أو بآخر أن يصل شيء، من مسؤوليته أن يُقدم المال، أن يقتطع جزءاً من ماله ليقدمه لغزة ولأهل غزة، وصولاً إلى المستوى الأرقى وهو أن تكون انت جزءاً من المعركة، أن تُقاتل إلى جانبهم، أن تُقاتل معهم، أن تُقاتل دفاعاً عنهم، أن تُقاتل لتخفف الضغط عليهم، أن تُقاتل من أجل أن تدفع مع الوقت العدو إلى خيار أن يُوقف عدوانه عليهم، هذا هو واجبنا، هذا ليس منة، هذا ليس جميل، يمكن أحد يأتي ليقول والله هذا.. يعني غداً أنا سمعت بعض الإخوة الفلسطينيين مشكورين وأن حزب الله يمن علينا، هذا جميلٌ لن ننساه، وكتر خيركم لا توجد مشكلة، لكن هذا ليس منة وليس جميلاً، بل هذا واجبنا، هذا واجبنا الذي إن لم نقم به سنحاسب يوم القيامة، هذه هي قصتنا، هذه هي الثقافة الإسلامية الدينية الإيمانية النبوية الأساسية والأصيلة.
نحن إذا أردنا واقعاً أن ننتمي إلى نبينا إلى ديننا إلى إسلامنا إلى قرآننا إلى أنبيائنا، ديننا هذا، ثقافتنا هذه، أن نتحمل المسؤولية تجاه الناس تجاه المظلومين تجاه المستضعفين، تجاه المُعتدى عليهم، وخصوصاً أمام عدو غاصب ومحتل ومعتدي ومجرم وعنصري ومتوحش، طبعاً من أجل أن لا يشتبه على أحد الموضوع، وهنا نتكلم عن نُصرة من؟ الناس المظلومين، المسلمين المُعتدى عليهم، أما إذا كانت توجد هناك مجموعة أو فئة ظالمة باغية معتدية مُجرمة متوحشة حتى لو كانوا مسلمين، كلا ليست علينا مسؤولية، ربما أن يكون واجبنا أن نُقاتلهم، حتى لا يلتبس على أحد الموقف، يعني الموضوع هنا ليس موضوعاً عشائرياً أو موضوعاً طائفياً، أي لأنهم فقط مسلمين، كلا، يعني إذا كان هناك جماعة من المسلمين ولكنها تذبح وتقتل وتشق الصدور وتأكل القلوب والأكباد، بالعكس هذا ليس من واجبنا بل من الحرام أن تنصرهم وربما واجبك أن تُقاتلهم أيضاً، أما عندما نتحدث عن الناس المظلومين والمُعتدى عليهم، الذي قُلنا أنه مصداقٌ واضح والذي لا نقاش فيه هو فلسطين وغزة وما يجري في هذه الأيام، المسألة تكون بالنسبة إلينا واضحة.
المسؤولية تجاه نصرة المظلومين بعيدًا عن الانتماءات الطائفية
وبناءً عليه نحن في هذا الشأن، هذا هو موقعنا وهذه هي الخلفية، الخلفية الفكرية، الخلفية الثقافية، يعني الآن إذا أردت أن أقول: ما هي الخلفية لجبهة الإسناد اللبنانية في معركة طوفان الأقصى؟ خلفيتها الفكرية، الثقافية، الدينية، الشرعية، الفقهية، القانونية، الدينية هي هذه، نحن نعم نحن لسنا فقط مسؤولين عن أنفسنا وعن عائلاتنا، بل نحن مسؤولين عن الناس، وهذا ضمن دائرة القدرة والطاقة، ونحن ما فعلناه ضمن دائرة القدرة والطاقة، راعينا فيها بدرجة كبيرة المصالح الوطنية والفعل الميداني المساند والمساعد والضاغط والمؤثر، وبالتالي بقينا في دائرة القدرة، ولو لم نفعل ذلك بالتأكيد سوف نُسأل يوم القيامة، ومن سيقول لنا إن تخاذلنا أو تخلينا: أحسنتم ويُصفق لنا، لن ينفعنا يوم القيامة، ولِينفع نفسه أولاً، لن يُجدينا نفعاً يوم القيامة ولن يشفع لنا يوم القيامة. هذه هي خلفيتنا الإيمانية والعقائدية والدينية، لكن كما قُلت بركات تحمل المسؤولية ليست فقط في الآخرة، وإن كان همنا الأول هو حساب الآخرة، ولكن الله سبحانه وتعالى الكريم والرحيم والجواد ماذا يُعطي لِهؤلاء الذين يتحملون المسؤولية في الدنيا؟ يُبارك لهم، يُبارك بجهادهم، بمقاومتهم، بدماء شهدائهم، بجراح جرحاهم، بآلام عائلاتهم المُضحية، يُبارك بتضحياتهم، ويُعطيهم في الدنيا عِزاً ومجداً وكرامةً ونصراً وشرفاً وتحريراً وحريةً وغلبةً، أليس هذا هو الذي شهدناه على مدى أربعين عاماً من تاريخ المقاومة؟ قدمنا الشهداء وتحملنا المسؤولية، الشهداء كانوا يتطلعون إلى الله وإلى يوم القيامة، ولكن الله سبحانه وتعالى في المقابل ماذا أعطانا؟ أعطانا تحرير أرضنا، تحرير أسرانا من دون منة من أحد، أعطانا قوة، أعطانا قوة ردع، أعطانا طمأنينة، وأعطانا مهابة ورعب في قلوب أعدائنا، وأعطانا عِز وأعطانا كرامة وأعطانا شرف وأعطانا حماية وأعطانا غلبة، هذه هي من النتائج الدنيوية والبركات الدنيوية.
بركات المقاومة وصمود الشعوب أمام إسرائيل
واليوم هذه المعركة التي تُخاض بركاتها الأخروية ما لا عينٌ رأت لِمجاهديها ومقاوميها وشهدائها وجرحاها وأسراها وأُناسها ورجالها ونسائها ومُعذبيها، هؤلاء الصابرون الثابتون في يوم القيامة عند الله مالا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفي الدنيا سترون بركات هذا الوقوف وهذا الصمود وهذه المقاومة، وبركاتها تظهر في كل يوم، «إسرائيل» القوية في منطقتنا هي خطر على كل دول وشعوب وخيرات وأمن وكرامة شعوب المنطقة، «إسرائيل» المهزومة في المنطقة شرط ضروري ومهم لِمستقبل شعوبنا وحكوماتنا وأمننا وخيراتنا في كل المنطقة. هذه البركات من أين يُمكن أن تأتي؟ من خلال هذا السلوك وهذا الموقف.
نحن الذين خرجنا إن شاء الله من حرب تموز 2006 مرفوعي الرأس أو الرؤوس، شامخين، منتصرين، بالرغم من كل ما أصابنا ولحق بنا وما قدمنا من شهداء وجرحى وهُدمت بيوت ومحلات وأرزاق وما شاكل…، إن شاء الله إخواني وأخواتي سنخرج جميعاً من معركة طوفان الأقصى أيضاً رافعي الرؤوس، شامخين، منتصرين، غالبين لأن هذا هو وعد الله للمؤمنين المجاهدين الصادقين إن شاء الله.
السلام عليك يا سيّدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليكم منّي جميعًا سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين والسلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.