الشهادة البلسم الذي يخفف المصاب
لقد قابلتُ العديد من عوائل الشّهداء ولا زلتُ أُقابلهم، وأعرفُ ظروفهم النّفسية. في بعض الأحيان يكون فقدان أحد الأعزّاء مصيبةً لايمكن تحمّله لو لم يكن موته شهادةً؛ لكنّ الله جعل في الشّهادة سرّاً، فتكون هي الجرح وهي المرهم، وهي عزاء ونور للمتبقّين.
لقد قابلتُ عائلة شهيد كان ابنهم وحيداً، وقد اصطفاه الله إليه. طبعاً؛ لقد رأيتُ العديد من هذه الحالات، وهذه نموذج منها. عندما يرى الإنسان صورة ذلك الإنسان وهو يودّع أباه ذاهباً إلى الجبهة، يظن أنّ أمه وأباه سيبكيان دماً أبد الدهر بعد استشهاده، هذا ما يوحي المشهد به، فتعلّق الأب والأم به واضح. ما زلتُ أملك تلك الصورة، أحضروها لي فيما بعد، وقد احتفظت بها في إطار، فهي تروي مشهداً خاصاً، لكن الله تعالى أنزل على ذلك الأب وتلك الأم سكينةً وعزاء خاصاً؛ حيث قال لي ذلك الأب بنفسه: “لقد كنتُ أظنّ أنني سأموت لو قُتل ابني هذا”؛ أي أنه أيّد ما قلتُه حول الشعور الّذي تنقله تلك الصورة، ثم قال: “لكن الله تعالى أنزل السّكينة على قلبي”[1].
[1] من خطابه خلال لقاء عائلة الشهيد آويني بتاريخ 22/4/ 1993م.