رسالة إلى بني صدر قبل سقوط خرمشهر
قلت في رسالة كتبتها قبل عدة أيام من هذا الحادث الأليم[1]: “لقد كتبت هذه الرسالة للسيد بني صدر قبل عدة أيام من سقوط خرمشهر. آنذاك، أرسلتُ هذه الرّسالة إلى مكتب الإمام وإلى الوثائق السّرية لمجلس الشورى الإسلامي، ووثّقتها فی أرشيف مجلس الثورة، وأرسلتُها إلى مجلس الدفاع الأعلى من أجل تسجيلها في التاريخ. وكان سبب إرسالي هذه الرسالة هو أنني ذهبتُ للقاء الإمام، فأرسل عبري رسالة قصيرةً إلى جميع القادة العسكريين ذكر فيها عدّة نقاط؛ منها: “إنني أشعرُ أنّ المسؤولين يعملون بتراخٍ قليلاٌ في آبادان وخونين شهر. فإذا كان ذلك يفوق طاقتكم وقدراتكم، أخبروني حتى أتّخذ القرار [المناسب] بنفسي في هذا الصدد، فأنا مسؤولٌ أمام الإسلام وهذا الشعب”. ولقد سجّلتُ كلام الإمام هذا بحذافيره وأرسلتُه مباشرة في تلغرافٍ إلى السيد بني صدر في نفس تلك الليلة . وفي المقابل ردّ السيد بني صدر على تلغرافي بآخر حادٍ جداً وصلني في الصباح الباكر من اليوم التالي، ولا يزال نصّه موجوداً حتى اليوم، أبدى فيه استياءه الشّديد وانزعاجه من أسئلتي وكلماتي والتلغراف الذي وجّهته إليه. وأنا بدوري أجبتُ على تلغرافه بهذه الرّسالة المسهبة جداً والتي أقرأ قسماً منها الآن.
“فيما يتعلّق بخرمشهر وآبادان، كنتُ أقول ولا أزال أقول بضرورة حماية هاتين المدينتين من خلال کتيبتَي مشاة مؤللتين، أو كتيبة مشاة مؤللة وكتيبة مدرّعة تتموضعان في طرفي هذه المدينة، فتتصدّى إحداهما للحماية في محور خرمشهر – شلمجة، والأخرى في تقاطع خطوط ماهشهر -آبادان والأهواز- آبادان. وينبغي أن تُحمى الدبابات بالدّشم، وتُحفظ من مضادات دبابات العدو، وتمنعه من التقدّم من جهة، وتؤمّن الإسناد لعناصرنا لمهاجمة العدو وإلحاق الأذى به من جهة أخرى. لقد سألتني في التلغراف بأنّني لماذا لم أُخبرك عن القوات الأخرى في حين أنني أعلم بوجودها. وإنّ هذا لأمر مثيرٌ للتعجبّ! القوة التي لديّ اطلاع عنها هي قوة الجيش، وفي الحقيقة أنت قائدها؛ هي قوات المشاة والقوات المدرّعة المستقرّة في دزفول والّتي تتفقدها أنت مرّتين يومياً على حدّ تعبيرك! وأقول بأنّه يمكن تخصيص جزء من هذه القوى المتراكمة، والتي لم يتم الاستفادة منها حتى الآن من أجل هذا الهدف”.
هذا قسمٌ من الرسالة التي كتبتها للسيد بني صدر. وقد أشار في تقريرٍ كتبه آنذاك ولم يُنشر في جريدة “انقلاب اسلامي”[2] لعدّة أسباب[3]، إلى موضوع خرمشهر وإصراري على هذه المسألة بهذا الشّكل: “وصلنا اتّصال من آبادان يُفيد بسقوط خرمشهر. الكولونيل “رضوي فر”قيل إنّ المسؤول عن الدفاع عن خرمشهر مصاب بالتيفوئيد، وهو يقول باستمرار: “لقد وعدتموني بإرسال الدّعم حتى اليوم وإرسال القوات، لماذا لم ترسلوها؟ أنتم مسؤولون أمام الله وهذه الأمة”، ثم أمسك الدكتور شيباني بالهاتف وكان يصرخ ويتوّعد، فوبّخته عدة مرات، وقلتُ له هل القوات بيدي كي أقذفها نحوك؟! عندما توجّب عليكم أن تتعقّلوا لم تفعلوا ذلك، وأخفيتم عنّي الحقيقة، وفتحتم السّاحة أمام الانتهازيين، فضربوا بدورهم الجذور[4]. من بقي [من القوات] حتى أرسله لكم؟ لم تتعاونوا معي في أيّ مجالٍ من المجالات، ودائماً عندما كانت حياتي ووجودي في معرض الخطر تركتموني وحيداً…”
وكتب في الصفحة الّتي تليها: “طبعاً وإذا تمكّنا من إنهاء الحرب، فنكون لازلنا في البداية، وأمامنا مشاكل أكبر تُعيق طريقنا، ولقد حذّرتكم في السابق قبل أن يفوت الأوان. وفي 8 أيلول أخبرتُكم بالأمر وحذّرتُ ثانية، وللأسف في اليوم التالي أبدى “ثلاثة فرسان” اعتراضهم بالطريقة التي ظهرت للجميع. وبعدها تكلّم رئيس المجلس بنحوٍ يبدو فيه أنّ الإمام طلب منه أن يفعل هذا، ثمّ تبيّن أنّ الإمام قال بأنّ لا شأن له بهذا الأمر، أنتم أعلم بما تُريدون فعله[5]. السيد رجائي أيضاً صعد المنبر في هذا المجلس، وقال بجرأة إنه إذا وُجّهت إهانة لأحد من وزرائه، فإمّا هو أو أنا، وقال إنه لن يجلس مع رئيس الجمهورية على طاولةٍ واحدة أبداً. صحيح!! لقد صار مدعياً أنّه المرشَّح من قِبل الشعب. ثم ضغطوا عليّ ثانية من كل جانب حتى أترك الموضوع ولا أُتابعه أكثر. حسناً؛ أين هؤلاء الّذين يركضون خلف السلطة بهذا الشكل؟ أين هؤلاء الّذين أرادوا ويريدون أن تكون أدوات القوة بأيديهم؟ لِم لا يلبّون نداء آبادان وخرمشهر؟ (لقد ترك السيد رجائي خرمشهر إلى حين وصوله إلى رئاسة الوزراء عندها يتابع الأمر). قالوا بأنهم سيوصلون الدّعم إلى هناك، وقالوا في البداية سيُرسلون خمسة آلاف شخص، وعشرة آلاف شخص، ثم تناقص عددهم حتى صاروا 500 شخص، وحتى هؤلاء لم يصلوا بعد. نعم؛ عندما يكون هناك خطر يُخلون الساحة أيضاً”.
أنا بيّنت كذب الادعاءات في هذه الرسالة، وقلتُ بأننا أرسلنا خمسة آلاف من القوات ودخلوا إلى هناك. أرسلناهم ولستُ أنا من أرسلتهم، أنا من هنا اتصلتُ باللجنة والحرس، واتّصلتُ بمشهد، وبجميع الأماكن الّتي أمكنني التّواصل معها. ونتيجةً لذلك دخل خمسة آلاف مقاتل إلى الأهواز، وأنا بنفسي استلمتُهم، وذهبوا إلى ماهشهر وخرمشهر وكانوا هناك[6].
- [1] يُشير إلى حادثة سقوط القسم الغربيّ من خرمشهر.
- [2] هذه الجريدة لصاحبها ومديرها “السيد حسن بني صدر”، وقد بدأت بالصدور من تاريخ 20/6/1979م في طهران وإلى تاريخ 7/6/1981م، وكان قد انتشر منها 557 عدداً. أوقفت جريدة انقلاب إسلامي بأمر من محكمة الثورة الإسلامية، وذلك بسبب نشر مقالات مثيرة للتعصبات ومخلّة بمبادىء الإسلام والحقوق الاجتماعية الحديثة والثورية للشعب الإيراني المسلم خصوصاً في زمن الحرب.
- [3] “تقرير للناس” أو “شهادة رئيس الجمهورية”؛ هي كتابات بني صدر اليومية للناس والتي كان ينشرها في جريدة انقلاب إسلامي. كانت هذه التقارير تُضيء على الخلافات الموجودة بين قادة البلاد، وتُخلّ بالوحدة العامة نوعاً ما.
- [4] توضيح آية الله خامنئي: مقصود (بني صدر) هو مسألة فضح الانقلاب العسكري وإلقاء القبض على عناصره؛ حيث يعتبر أنّ سقوط خرمشهر أو دخول الأعداء مسافة 8- كيلومتر في أراضينا هو من تداعيات تلك المسألة.
- [5] توضيح آية الله خامنئي: أعتقد بوجوب إدلاء شهادتي هنا: أنا وصلت إلى الإمام بعد 17 يونيو، وبعد أن تكلم كثيراً. قال لي بأنّ السيد بهشتي والشيخ هاشمي لم يقولا شيئاً. وأجاب على جزء من خلافات السيد بني صدر. لقد نقلت تعبير الإمام حينها إلى باقي الإخوة وقلت بأنه تعبير الإمام، هو من يقول هذا. والآن انظروا من يكتب هذا الكلام! يقول إنّ الدكتور شيباني يصيح ويصرخ بأن أرسلوا القوات، وكذلك رضوي، لكن السيد يجلس في المجلس ويقول للشعب الذي ينبغي أن تتمركز كل قواه وتفكيره على خرمشهر التي هي على وشك السقوط ويكتب ما كتبه.
- [6] من خطابه في مجلس الشورى الإسلامي خلال جلسة دراسة كفاءة بني صدر السياسية بتاريخ 21/6/ 1981م.