الإضافات الضّارة في العزاء
كان لدينا خطيب في مشهد يُدعى حاجي ركن (رحمه الله)، وكنّا نُناديه بالسّيد ركن، وقد تُوفي منذ ما يقارب الأربعين عاماً أو أكثر. لقد كان رجلاً عجوزاً يكسو البياض لحيته، وخطيباً بارعاً يُلقي كلاماً جذاباً. كان يرتقي المنبر ويقرأ العزاء بحيث يترك أثراً كبيراً يقلب المجلس رأساً على عقب؛ على الرغم من أنه وعلى حدّ تعبيره يقول: “تعساً لي إذا ذكرت الرمح والسيف والخنجر”، فلم يكن يأتي على ذكر أيّ من هذه الأمور المتعارف عليها بتاتاً، وكان يكتفي بتصوير الواقعة، تصويراً فنياً. لقد كان فناناً بالغريزة وبالذات، فناناً حقيقيًا. إن معرفة مثل هؤلاء الفنانين وتربيتهم هو أمر على قدرٍ عالٍ من الأهمية، فإذا استطعنا أن نرى القضية بعين الفنان، وأن نُبيّنها ونصوّرها بلسانه، فلن يحتاج أحدنا إلى الإضافات المضرّة والتي تُعد من قبيل التّلوين غير الضّروري.
هذا الأمر نفسه ينطبق على الشّهداء، ولحسن الحظ أننا قريبون من عهدهم؛ حيث رأينا وصاياهم، وغالبية آبائهم وأمهاتهم لا يزالون أحياء وزملاؤهم أيضاً، ويمكن للإنسان اللقاء بهم. لقد كنتُ أقرأ كتاب أحد هؤلاء الشهداء، والذي أُجريت فيه مقابلات مع أصدقائه رووا خلالها التفاصيل المتعلقة به وبحياته، وقد استشهد بعضهم لاحقاً؛ وبالفعل إن ّالإنسان يتأثّر ويبكي عند قراءته! ولا داعي لقراءة العزاء والنّعي معه. هكذا هي مسألة الشهداء، فهي حدث عظيم ومؤلم، ونحن قليلاً ما أوليناها الأمر أهمية[1].
[1] من خطابه خلال اللقاء بمسؤولي مؤسسة رواية سيرة الشهداء بتاريخ 5/7/2010م.