مواضيع

انتابتني الحيرة

أنا لا أنسى ما حدث في شارع “إيران” بالقرب من مقرّ الإمام العزيز والعظيم وعبد الله الصالح، فعندما كان قلب إيران ينبض هناك، وقد حلّقت أرواح المحبّين وعواطفهم من كافّة أنحاء البلاد إلى تلك الجهة، لم تكن شعوب العالم تعرف  إلا القليل عمّا يجري في إيران. وكانت جميع المحافل السياسية، وجميع القوى الكبيرة، والدول المستضعفة، وجميع المنفتحين، وجميع محبي الإسلام، وجميع ثوّار العالم، مترقبين لمعرفة ما الّذي يجري فيها. كنتُ يومها مشغولاً بالعمل في “مكتب الإعلام” الخاص بتوجيه النّاس ونقل الأخبار لهم، وإذ بي أسمع همهمةً غير عاديّة. نظرتُ، فتحيّرتُ من هول المشهد! ولقد كانت هذه الحادثة الأكثر غرابةً وأكثرها إثارةً للدهشة مقارنةً مع جميع الأحداث الّتي كانت قد حصلت حتى ذلك اليوم.

رأيتُ عدداً كبيراً من متطوّعي القوات الجوية العسكرية في فرق منظّمة وطوابير، وقد حملوا بطاقات تعريفهم عالياً وأبرزوها بعلانية وشجاعة، وانطلقوا في تظاهرات باتّجاه مقرّ الإمام[1].

لقد كان الجميع يتوقّعون عكس هذا الأمر، ويتصوّرون أنّ العسكريين سيقفون في مواجة الناس حتى آخر اللحظات الأكثر حساسية؛ لكنّ الحقيقة كانت أمراً آخر.

إنّ إخوة هذه الأمة وأبناءها الّذين تربّوا في أحضانها، كانوا من الشعب، ومن الواضح أنّ مصيرهم لن يكون سوى التعاون مع الشعب والوقوف بجانبه. طبعاً؛ كان هناك البعض من المرتزقة أو الأشخاص الوضيعين والضعاف والّذين لا قيمة لهم، لم يتمكّنوا من إدراك قدر حضن النّاس الدافىء، وكانوا يُحاربونهم أو يهربون منهم أو يُبدون معارضتهم أو على الأقل لم يحضروا، لكن هؤلاء الشباب والعناصر المؤمنة والحازمه كانوا [الفئة] الأوعى، وكانت قلوبهم مع الناس. ولقد كان الإخوة في القوات الجوية الأكثر شجاعة وجرأة من الجميع، وهم الّذين تصدّوا لأكثر الأعمال حساسية، جاؤوا ليُعلنوا الوفاء لإمامهم وقائدهم وليؤكدوا على تبعيّتهم له. لقد كانت هذه الحادثة عجيبة وحماسية بحيث سار الجميع خلفهم.

وبدوري ذهبتُ بسرعة إلى مقّر الإمام في ابتدائية “علوي”، وكانت قريبة من مكان تواجدي، وقمنا ببعض التحضيرات، ثمّ وقف الإمام العزيز وتقدّم هؤلاء الشباب الأبطال والشجعان في مارش عسكري أمامه. وبعدها خطب الإمام فيهم ونصحهم من منطلق إيمانه بمسؤوليته ودوره في إدارة هذه الثورة، وشجّعهم، ووقّع على عَلمهم، وكانوا قد كتبوا طوماراً فأخذه ودعا لهم. وهذا ما كسر ظهر النّظام؛ حيث شعر فجأةً أنه أصبح دون سندٍ وداعم.

فذلك النظام لم يكن قادراً على الحكم من دون قوة السلاح، وقد علّق آماله على القوة العسكرية وحسب، لكن الأخيرة أيضاً أصبحت في خدمة الناس بشجاعة وحزم. وأنا أشكر الله أنّ القوات الجويّة وجميع جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قد نجحوا في امتحانهم[2]


  • [1] إشارة إلى حادثة بيعة متطوّعي القوات الجوية في جيش الشاه للإمام الخميني.
  • [2] من خطبة صلاة الجمعة في طهران 8/2/1985م.
المصدر
كتاب في محضر الحبيب – خواطر الإمام الخامنئي بلسانه وبيانه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى