مواضيع

لقد علقتُ في الدّنيا الترابية

في العام 82، عيّنا الشّهيد بابائي قائداً على مقرّ القاعدة الجوية العسكرية الثامنة في أصفهان، وكان برتبة رائد، فرقّيناه إلى رتبة عقيد؛ حيث كانت أعلى رتبة آنذاك. وكان المرحوم بابائي يحلق رأسه، دون لحيته، وكان من المقرّر أن يُدير هو هذا المقرّ، وهي مهمّة شاقّة يخشى الجميع خوضها، حتى أنا كنتُ أخشاها على الرغم من إصراري عليه، فكنتُ أخشى من أن يفشل فيها، لكنه نجح.

عندما كان بني صدر هو القائد، كان الوضع أكثر تعقيداً. كان هناك البعض من أهل السّوء، يثيرون الشغب ويؤذون الآخرين، وكانوا يتكلّمون ولا يعملون، لكن الشهيد بابائي استطاع أن يستقطب هؤلاء، وقد أخبرني بنموذجٍ عن هذه الأمور بنفسه في إحدى زياراته لي. كان هناك طيّارٌ شارك في قصف مراكز بغداد، ثم استشهد، كان من هؤلاء  الطّيارين الّذين لديهم مشكلة مع النظام منذ البداية. تقرّب الشهيد بابائي منه وتودد له؛ حتى أنّه أخذه معه إلى مراسم دعاء كميل في إحدى الليالي بنفسه، مع أنه كان أعلى رتبة منه أيضاً. كان الشهيد بابائي قد صار عقيداً حديثاً لكن ذلك الشخص كان عقيداً منذ سنين، وكان أكبر عمراً وأكثر خبرة، وهي أمور ذات اعتبار وهامّة بين العسكريين. وعلى الرّغم من ذلك سلّم روحه وقلبه لبابائي، وكان الشهيد بابائي يقول: “رأيت كتفيه يهتزّان في دعاء كميل من شدّة البكاء ودموعه تنهمر على خدّيه، ثم التفت إليّ وقال: عباس! ادع لي كي استشهد”. أخبرني بابائي بهذه القصة بعد شهادة ذلك الطيّار، وبكى.

إنه الآن في أعلى عليين الله، لكن أنا الّذي سبقتُه إلى ميدان الحرب بثلاثين عاماً، لا زلت عالقاً في هذه الدّنيا الترابية وباقياً فيها، أنا لم أذهب وليس من المعلوم أن أنالها. هكذا يكون التّأثير المعنوي[1].


  • [1] من خطابه خلال لقاء مسؤولي الأمور العقائدية والسياسية في الشرطة بتاريخ 12/1/2005م.
المصدر
كتاب في محضر الحبيب – خواطر الإمام الخامنئي بلسانه وبيانه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى