مقال حول عبدة الشيطان
ابتُلي عالمنا المعاصر بجماعات عبدة الشيطان، وتعتبر هذه الجماعات فاجعة إنسانية على درجة عالية من القبح والخطورة، وهي تمثل واحدة من التجليات المأساوية المروعة للسقوط إلى قاع الانحراف عن الفطرة الإنسانية الطاهرة في العالم المعاصر، ولهذه الفاجعة نماذج مماثلة ظهرت في تاريخ حضارة الإنسان المادية المنحرفة عن الفطرة والدين، متمثلة في الغنوصية وهي حركة فلسفية ودينية نشأت في العصر الهلينسي في القرنين الأول والثاني للميلاد، وفي تعاليمها شيء من السحر والشعوذة، وفي الثنوية التي تقول بإلهين: إله للخير وإله للشر، وفي الخرمية أتباع بابك الخرمي نسبة إلى بلدة بفارس، الذين يقولون بالتناسخ والحلول والإباحية، وقد دعوا الناس إلى إسقاط الفرائص والانغماس في الملذات والشهوات بلا ضابط، والصابئة الوثنية في منطقة حران بشمال العراق، وكان أول إعلان لهم في عام (170 هــ)، وقد قابلهم الخليفة المأمون العباسي، ووجدهم قد أطالوا لحاهم وشعور رؤوسهم وأظفارهم، ونجد شيئاً منها في فلسفة نيتشة (الفيلسوف الألماني: (1844م – 1900م) الذي كان يدعو إلى استبدال الأخلاق المسيحية القائمة على المحبة، استبدالها بأخلاق جديدة تقوم على إرادة القوة وعبادة الإنسان الأعلى الذي يضرب بأخلاق المحبة عرض الحائط، لأنها أخلاق الضعفاء[1].
وقد برزت هذه الفاجعة الإنسانية المؤلمة (عبادة الشيطان) في عدة منظمات في عالمنا المعاصر منها: منظمة (ONA) في بريطانيا، ومنظمة (OSV) في إيرلندا، و (كنيسة الشيطان) في ولاية سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكبر وأخطر هذه المنظمات، وقد أسسها الكاهن اليهودي (أنطوان سيلدز ليفي) في عام (1966م)، وقد انتحر مع مئات من أتباعه، ويقدر عدد أعضائها بـ (500 ألف) عضو، ولها فروع في أمريكا وأوروبا وأفريقيا، ويركزون على الشهوات والملذات والفحش والعداوة والانتقام، وقاعدتهم الأساسية في الحياة، هي: التمتع بأقصى قدر من الملذات قبل الممات.
يقول أنطوان ليفي في كتابه (الشيطان يريدك): «الحياة هي الملذات والشهوات، والموت هو الذي سيحرمنا منها، لذا اغتنم هذه الفرصة الآن للاستمتاع بهذه الحياة، فلا حياة بعدها، ولا جنة ولا نار، فالعذاب والنعيم هنا».
ويقولون: بأن الشيطان يكافئ أتباعه بالسرور والسعادة وامتلاك الدنيا بكل مسراتها.
ولعبدة الشيطان شعراء متخصصون في كتابة الكلمات التي تعظم الشيطان وتمجده، وتسب الله الرحمن الرحيم، وتثير الغرائز وتلهبها، وتدعو للشر والانتقام و ممارسة الجنس بجميع صوره حتى مع نفس الجنس والمحارم والحيوانات، في سبيل إشباع الغريزة الجنسية إشباعاً تاماً، وتدعو للقتل والانتحار، وتقلل من أهمية النار وعذابها، ولهم ملحّنون يقومون بدمج تلك الكلمات بموسيقى صاخبة ذات إيقاع سريع، وأكثر ما يسمع عبدة الشيطان موسيقى (الهيفي ميتال) و (الهارد روك) (التي يصفها البعض بأنها ضوضاء شيطانية)، ويقيمون الحفلات العامة وينشرون أغانيهم في الأسواق.
ولعبدة الشيطان طقوس جنسية مفرطة يمارسون فيها الشذوذ الجنسي، ولهم طقوس دموية، منها شرب الدماء البشرية وذبح الأطفال بعد تعذيبهم تقرباً للشيطان، وتمزيق أجساد حيوانات حية، وقد أكد مكتب التحقيقات الفدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الجماعة تقف وراء الكثير من جرائم القتل وخطف الأطفال، ويقيم عبدة الشيطان طقوساً لهم في المقابر، وينبشون جثث الموتى، ويغرس عبدة الشيطان في إذهان أطفالهم أنهم شياطين، وأن الشيطان الأكبر هو إلههم ومعينهم في الشدائد.
وعبدة الشيطان ينكرون جميع الأديان السماوية ويستخفون بها، ويدوسون الكتب السماوية بأقدامهم، ويقدسون إبليس باعتباره رمزاً للقوة العظمى التي تحرك الحياة، ورمزاً للإصرار، ويرون فيه تجسيداً لفكرة إنكار الحدود وإعلان الذات والإرادة والقوة والانغماس في الملذات بدلا من الامتناع عنها، ويمثل الشيطان عندهم الوجود الحي بدلاً من الحلم الروحي والأمل الكاذب الوهمي، ويمثل الحكمة والحيوية غير المشوهة بدلاً من النفاق وخداع النفس، فأفكار الشيطان حسب رأيهم محسوسة ومشاهدة، ولها مذاقها الذي يفعل في الجسم والنفس فعل الترياق، والعمل بها فيه شفاء لكل الأمراض النفسية والوقاية منها، ويمثل الشيطان الانتقامية بدلاً من الضعف وإدارة الخد الآخر، ويمثل كل ما يطلق عليه الخطيئة والآثام وكل ما ينبغي اقتناؤه وحيازته، لأنها تؤدي كلها إلى الإشباع الحسي والعقلي والعاطفي، ويقولون: اتبع الشيطان فهو لن يأمرك إلا بما يؤكد ذاتك، ويجعل وجودك وجوداً حيوياً.
ويرون في الممارسات الجنسية تعبيراً عن الذات وفلسفة القوة والإرادة وتعظيم اللذة، وهم ينهون عن الحب وينصحون بعدم التورط فيه، لأنه ضعف وتخاذل وتهافت وتقييد للحرية، ومانع من الحصول على الكمال الحسي المنشود، وتفريط في الحقوق الخاصة، يقولون: «فأزهق الحب في نفسك لتكون كاملاً، وليظهر أنك لست في حاجة إلى أحد، وإن سعادتك من ذاتك وملك يمينك، لا يعطيها لك أحد وليس لأحد أن يمن بها عليك»، ويرون أن العلاقة بين الناس يجب أن تقوم على أساس اللذة والمنفعة، وأن إبليس هو الذي عرّف آدم وحواء (عليهم السلام) شجرة الخلود أو المعرفة، ويرون أن أخلاقيات التوراة والإنجيل والقرآن لم تكن إلا من أجل تكريس الضعف وحماية الأغبياء والكسالى وقليلي الحيلة، ويرون أن الكون ليس فيه مساواة، وأن المساواة ضد طبيعة الأمور، فهم ضد المساواة، ويهاجمون العطف والمحبة والعدل والخير باعتبارها أخلاق الضعفاء، وتكريساً للعجز، ووسيلة لبقاء المتسولين والأغبياء، ويريدون أن يكون العالم محكوماً بقانون القوة، وأن يكون خلية صراع لا يوجد فيه مكان للعدل والمساواة وغيرها من قيم الضعف والهزيمة، وإنما لمفاهيم القوة والنصر، والبقاء فيه ليس للأفضل حسب المفاهيم الوهمية للخير والعطف والمحبة، وإنما للأصلح من منظور مادي؛ أي الأقوى، فإذا ضربك أحد على خدك، فأضربه بجميع يديك على جسمه كله، وانتزع حقوقك من الآخرين، وخذ كل ما ترغب في الاستحواذ عليه، ومن وجهة نظرهم: فإن الحروب مشروعة من أجل الاستعلاء والاستكبار وسيادة الفرد والجنس القوي، فمن وجهة نظرهم يجب أن يكون هناك مطلق واحد في الحياة، وهو الإنسان البطل القوي المنتصر المتأله، أي الشيطان.
ويرون أن لجوءهم للموسيقى والرقص، هو من اجل خلق الأجواء المناسبة وتهيئة المناخ النفسي الذي يمكن من خلاله اكتشاف الأقوياء من أصحاب الطموح والخيال والحس المتفرد والذكاء النادر، وموسيقى ميتاليك من شأنها إذكاء تلك المزايا والخصال عند أصحاب المزاج النادر، ويرون أنفسهم أنهم أصحاب رسالة، وأنهم ليسوا من الخاملين أو المنحرفين، فهم موهوبون ومبدعون، ويمارسون الحياة بدون قيود الأخلاقيين الذين أفسدوا الحياة بقيودهم، ويرون أنه قد آن الأوان للتخلص من الأخلاق، لأنها تعيق تقدم الحياة بدلاً من دفعها للتطور والتقدم، وأن هدفهم هو تحصيل البديل للدافع الديني المعاصر المتمثل في عبادة الشيطان، وأن تحصل لهم القوة والمقدرات الشيطانية والذكاء الشيطاني وإعلان الذات.
وقد ظهرت جماعة عبدة الشيطان في مصر (بلاد الأزهر) في أواخر سنة 1996م، وأعلن عنها رسيماً للمرة الأولى بتاريخ: 23/ يناير/1997م، عندما صدر بيان عن وزارة الداخلية قال: إنهم يروجون لأفكار منحرفة تركز على تقديس الشيطان وإباحة تعاطي المخدرات وممارسة الجنس الجماعي والشذوذ وشرعية استخدام العنف، وقد ضبطت الجهات الأمنية في حوزتهم شرائط الفيديو وهي تحوي تسجيلات حفلاتهم وطقوسهم وممارساتهم الشاذة وصور فوتوغرافية لبعض العناصر شبه العارية والملطخة بالدماء أثناء ممارسة طقوسهم. وقد قبضت الشرطة على نحو (140) فرداً منهم من الذكور والإناث، ثم أفرج عنهم جميعاً، ولم يعرف ما تم بشأنهم، وكانوا جميعاً من أبناء الطبقة الغنية، من مشاهير الفنانين ورجال الأعمال و المسؤولين، وقد أخذوا معلوماتهم عن طريق الاختلاط بالصهاينة في المنطقة المصرح فيها بدخول الصهاينة إلى الأراضي المصرية بدون جوازات السفر؛ حيث تم استدراجهم بالجنس والخمور والمخدرات، ثم انتشرت عبر الأندية والمطاعم الأمريكية التي يرتادها أبناء الطبقة الراقية، وبلغ عددهم حوالي ألفي شخص، تتراوح أعمارهم بين (15 -24 ) سنة، و هم من خريجي المدارس الأجنبية، ولا يعرفون شيئاً عن الإسلام، ولا يحفظون شيئاً من القرآن .
واعتادت جماعة عبدة الشيطان في مصر تنظيم حفلات ماجنة بعد منتصف الليل من كل يوم خميس، فيمارسون على وقع موسيقى بلاك ميتال أو موسيقى الشيطان الرقص الهستيري، وعندما يحمى الوجد يتعاطون المخدرات، ويتعرون، ويمارسون الجنس الجماعي واللواط والسحاق هو شذوذ جنسي بين امرأتين بتماس أعضاء التناسل طلباً للذة مشتركة، ويلتقطون الصور لأنفسهم وهم عراة.
ومن تقاليدهم: إقامة (القداس الأسود) وفيه يتعرى كاهنهم باعتباره الشيطان، وتتعرى أمامه فتاة وتلمس أعضاءه التناسلية، ويتطور الأمر إلى الموسيقى والغناء والرقص والجنس الجماعي، ويرمز القداس الأسود إلى الظلمة والمادة في مقابل النور وروح المسيح.
ويمارس عبدة الشيطان في مصر نبش القبور والبحث عن جثث الموتى، ويتراقص كبيرهم فوق الجثة التي يعثرون عليها، ويفضلون غالباً الجثث حديثة الوفاة، ويذبحون القطط باعتبار نفوسها من الشيطان كما في الفلكلور المصري، ويشربون من دمائها ويلطخون أجسادهم و وجوههم بها، ثم يذهبون إلى الصحراء ليعيشوا فيها أياماً لا يضيئون الشموع ليلاً، وإنما يبقون في الظلام، لأنهم يفضلون الظلمة على النور، والمادة على الروح.
وقيل في تبرير نبش القبور والمبيت في الصحراء: إنّه لتقسية القلب والتدرب على ممارسة القتل دون خوف، ولمعاينة العدم والشعور به محسوساً.
وقيل عن تلطيخ الجسم والوجه بالدم: ليكون العضو دموياً عنيفاً لا يخشى الموت ولا يرهب القتل، ويزداد إحساسه بالقوة، و يأبى عن الخضوع لأحد.
ويرتدي عبدة الشيطان في مصر الثياب السوداء، ويطلقون شعورهم، ويرسمون وشم الصليب المعقوف أو نجمة داوود على صدورهم وأذرعهم، ومن علامات الإناث: طلاء الأظفار والشفاه باللون الأسود، وارتداء الملابس المطبوع عليها نقوش الشيطان والمقابر والموت، والتزين بالحلي الفضية ذات الأشكال الغريبة التي تعبّر عن أفكارهم مثل الجماجم ورأس الكبش.
وعبدة الشيطان في مصر لهم مراتب ودرجات، فبعضهم منتمٍ، وبعضهم أمير، وبعضهم أمير مجموعة، ويطلقون على بعضهم اسم (الشر)، وعلى آخرين اسم (الشر الأعظم)، ومن أشهر رموزهم: (رأس الكبش) الذي يرمز للشيطان نفسه، و (الصليب المقلوب)، ويدل على اتخاذ طريق عكس طريق الأديان التقليدية، و(الجمجمة) التي ترمز إلى الموت وتعاطي المخدرات.
وتوجد في مصر محلات متخصصة في ملابس عبدة الشيطان وفي موسيقاهم، وأندية خاصة ومطاعم تستقبلهم.
وقد ظهرت جماعة عبدة الشيطان في دول عربية أخرى، منها: فلسطين والأردن ولبنان والمغرب. (مصادر المعلومات: عدد من المواقع الإلكترونية والمعاجم).
وهكذا يظهر إلينا المستوى الذي وصل إليه الإنسان المعاصر في انحرافه عن الدين والعقل والفطرة واتباع خطوات الشيطان، ويظهر إلينا بجلاء ووضوح: خطورة الأزمة التي تعاني منها الإنسانية في الوقت الراهن في ظل الفراغ الفكري والروحي والأخلاقي والفراغ الإنساني، وحجم الخطر الذي يشكله أولياء الشيطان من الطواغيت والفراعنة والمستكبرين، وحجم الخطر الذي تشكله القيم المادية وصدارة قيم الوجاهة والفهلوة والكسب السريع، فإن حجم المسؤولية الملقاة على عواتق الشعوب والحكومات العربية والإسلامية والقيادات والمؤسسات الدينية كبير وخطير، ويتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله رب العباد وسبيله القويم من أجل صيانة المجتمعات الإسلامية وإنقاذ العالم من الأخطار الحضارية القاتلة، و إن النهوض بهذه المسؤولية لا يمكن أن يتحقق في ظل الكبت والاستبداد والتخلف والضعف الذي تعاني منه الشعوب والدول العربية والإسلامية، مما يثب بأن سلبيات تأخرنا ليست محلية وإنما عالمية، وإن علينا أن نبدأ بالإصلاحات الداخلية في سبيل أداء رسالتنا العالمية المقدسة، وهذا ما يجب أن يأخذه الجميع بعين الاعتبار.
- [1] المعجم الفلسفي، د. صليبا، جزء 1، مادة الأخلاق، صفحة 52