مواضيع

سلطة إبليس على الإنسان

عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «ما من قلب إلا وله أذنان، على أحدهما ملك مرشد وعلى الآخر شيطان مفتن، هذا يأمره وهذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي، والملك يزجره عنها»[1].

من هذا الحديث الشريف نفهم أن الملائكة والشياطين يكلمون الإنسان بإلقاء المعاني في قلبه.

ولنبدأ أولاً بذكر الآيات التي تشير صراحة إلى تكليم الشيطان للإنسان، منها الآيات التالية:

قول الله تعالى: <الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ >[2]

وقول الله تعالى حكاية عن إبليس: < وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ >[3] بتك: شق.

وقول الله تعالى: <وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ>[4]

وقول الله تعالى: < كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ>[5]

وقول الله تعالى: <الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ 5 مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ>[6]

أما الآيات الكريمة التي تشير إلى اتصال الملائكة بالإنسان فهي كثيرة منها الآيات التالية:

قول الله تعالى: < إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ 30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ 31 نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ>[7]

وقول الله تعالى: <إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ>[8]

وقول الله تعالى: <هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا>[9]

ويسمي القرآن الكريم الكلام الملكي حكمة، و يسمي الكلام الشيطاني رجساً.

قول الله تعالى:< الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 268 يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ >[10]

وقال الله تعالى:< فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ>[11]

سؤال: كيف يميز الإنسان الكلام الملكي من الكلام الشيطاني؟

يميز الإنسان الكلام الملكي من الكلام الشيطاني من خلال ملاحظة النقاط التالية، وهي:

النقطة الأولى: الكلام الملكي يصاحبه انشراح الصدر، والكلام الشيطاني يلازم ضيق الصدر.

قول الله تعالى: <فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ>[12]

النقطة الثانية: الكلام الملكي يدعو إلى المغفرة والفضل، والكلام الشيطاني يدعو إلى اتباع الهوى ويأمر بالفحشاء ويخوف بالفقر والمذلة وملامة الناس.

قول الله تعالى:<الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ>[13]

وقول الله تعالى: <الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا 37 وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا>[14]

النقطة الثالثة: الكلام الملكي يطابق الدين المبين في الكتاب والسنة، وينسجم مع الفطرة، ويدل على انشراح الصدر، والكلام الشيطاني يخالف الدين المبين في الكتاب والسنة، ولا ينسجم مع الفطرة، ويدل على ضيق الصدر.

ومن المؤكد والواضح، بأنه ليس لإبليس ولا لأوليائه وجنوده سلطة على الإنسان تلغي إرادته وحريته في الاختيار، فليس لهم القدرة على إجبار إنسان واحد على السير في طريق الضلال والانحراف، وكذلك ليس للملائكة مثل تلك السلطة في إجبار الإنسان على السير في طريق الهداية والفلاح، وكل ما يملكه إبليس وأولياؤه عليهم اللعنة، هو الوسوسة في نفس الإنسان وتزيين العمل السيئ له كلٌّ بما يناسبه حسب خلفيته الفكرية والروحية والأخلاقية والنفسية المنحرفة عن الفطرة والعقل والدين، فهناك من يغويه بالمال والجاه والمنصب، و هناك من يغويه بالجمال والحب والشهوة، وهناك من يغويه بالعصبية الجاهلية والأنانية وحب الذات والسلطة، وهناك من يلعب في الأوهام والأباطيل تحت عنوان الثقافة والتحرر والاستقلال، وفي النهاية يكون انقياد الإنسان إلى هذه الوساوس الباطلة ولهذا الغرور الفج بإرادته واختياره وحده وليس بإجبار أو قهر من أحد، فالإنسان هو الذي يلبي دعوة الشيطان وأوليائه، ويفتح لهم أبواب قلبه ليدخلوه بإذنه ورضاه، فالذين يتبعون الشيطان هم المنحرفون أصلاً عن الفطرة والعقل والصراط المستقيم، والمستجيبون لرغباتهم وميولهم ونزعاتهم النفسية بغير تهذيب ولا رقابة، ويفتحون بذلك الأبواب للشيطان للدخول إلى قلوبهم وعقولهم بمحض إرادتهم واختيارهم.

والخلاصة في ذلك: إن الوساوس الشيطانية وإن كانت لا تخلو من أثر في تضليل الإنسان وانحرافه؛ إلا أن القرار الفعلي لانصياع الإنسان للوساوس الشيطانية أو رفضها يرجع بالكامل إلى الإنسان نفسه، ولا يستطيع الشيطان وأولياؤه وجنوده مهما بلغوا من قوة الوساوس وسلطتها أن يدخلوا إلى قلب الإنسان بدون إذنه ورضاه، وبالتالي فإن سلطة الشيطان على أتباعه لا تعود إلى ما يملكه من قوة بحيث لا يملكون الفكاك والخلاص منها، وإنما لانسحاقهم وتنازلهم عن قوتهم في الفكر والإرادة التي منحهم الله المبدع المعيد إياها وفطرهم عليها لإعلاء إنسانيتهم، وللحصول على سعادتهم في الدنيا والآخرة، وتسليمهم الأمر إلى الشيطان ليستولي ويحكم سيطرته عليهم بالكامل، كما يستولي العدو على أية قلعة غير محصنة من أول هجوم له عليها، ثم يوظفها لخدمة أهدافه، ويوجههم الوجهة الشيطانية التي يريد، فليس للشيطان سلطة إجبارية على الإنسان، و إن الشيطان لا يمكن أن يتمكن من السيطرة على الإنسان والتحكم فيه؛ إلا إذا مهد الإنسان بنفسه الطريق إلى الشيطان وأعطاه إجازة المرور إلى قلبه الذي هو عرش الرحمن في الأصل.

قول الله تعالى: <وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ>[15]

وهذا تسليط من الإنسان لإبليس وأوليائه على نفسه، وليس تسلطا من إبليس وأوليائه على الإنسان بحيث يسلب الإنسان الإرادة والاختيار، ولهذا يتبرأ إبليس و أولياؤه من أتباعهم يوم القيامة.

قول الله تعالى: <إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ>[16]

وقول الله تعالى: < وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ>[17]

والسلطان: هو التمكن من القهر، وتسمي الحجة سلطاناً لما فيها من قهر العقل على مالها من النتائج.

ونفي الشيطان الرجيم تسلطه على الإنسان، يعني أمرين:

الأمر الأول: ليس له التسلط على أشخاصهم بحيث يسلب إرادتهم واختيارهم ويفرض إرادته عليهم ويجبرهم على معصية الله تعالى وعمل الإثم وأتباع الهوى، وإنما أغراهم فانقادوا إليه، وبالتالي هم الذين سلّطوه على أنفسهم الضعيفة الآثمة.

الأمر الثاني: ليس له السلطة على عقولهم فيقيم لهم الحجة والبرهان التي تجبر عقولهم على القبول بالشرك والتصديق به عن حق وحقيقة، ولكنه زينه لهم فصدقوه ولم يتبينوا ولم يثبتوا.

قول الله تعالى: <وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ>[18]

فقد وعد الله أهل الإيمان حياة طيبة وعيشة هنيئة سعيدة، ووعد أهل الشرك والمعرضين عن ذكر الله العذاب الأليم والمعيشة الضنك وضيق الصدر، ووعد الجميع بعثاً وحساباً وجنة وناراً في الآخرة. أما الشيطان فقد دعا أولياءه عن طريق التزيين وإظهار الباطل والخطأ والانحراف في صورة الحق والصواب والاستقامة، ودعاهم إلى الأوهام الباطلة التي لا ينتج عنها إلا التخلف والفساد والجريمة، ووعدهم بالمواعيد الكاذبة وأحلام المستقبل الذهبية، التي تقوم على أساس المعصية والانحراف عن الصراط المستقيم وعن النهج الإلهي القويم، وتؤدي بهم إلى الاستسلام للأهواء اللذيذة والآمال العريضة الطويلة الباطلة، التي لا حقيقة لها في الفكر ولا في الواقع؛ بل هي مجرد صور براقة في الوهم والخيال، وزين لهم ما بين أيديهم من الأسباب كالقوة والمال والجاه، وأغراهم بالاعتماد على أنفسهم، وأغفلهم عن ذكر الله رب العالمين، وخوفّهم الفقر والذل المادي وملامة الناس وعتابهم، وصرف أذهانهم عن الموت والبعث والحساب، فلا غاية لهم في الحياة إلا الأكل والشرب والتمتع بملذات الحياة المادية والتلهي بالآمال الطويلة العريضة والأماني المريضة، ولا منطق لهم في الحياة إلا منطق الأنعام والمادة، وقد صور لنا القرآن الكريم في الآيات السابقة ظهور كذب الشيطان وصدق وعد الله في يوم القيامة، واعتراف الشيطان بذلك وتنصله من المسؤولية، وإرجاع اللوم على الأتباع، ويعلل ذلك بأنه ليس له سلطان على الأتباع يلغي إرادتهم واختيارهم، وأنهم هم الذين استجابوا له بمحض إرادتهم ومكنوه من أنفسهم، فهم الذين لهم السلطان على أنفسهم وأعمالهم، وعليهم يقع اللوم لا عليه.

وهذا يدل على ضعف حجج الشيطان، وضعف نفوس أولياء الشيطان وعقولهم.

والخلاصة: إن للإنسان سلطانا على نفسه وعمله يوجب ارتباط المسؤولية والجزاء به ويسلبه عن غيره، وأما الرابطة بينه وبين الشيطان، أو بين التابع والمتبوع، فهي رابطة لا تسلب الإنسان أو التابع حرية الإرادة والاختيار، ولا تلغي عنه مسؤولية عمله وتحميلها غيره.

واستنادا إلى ذلك نخلص إلى النتائج المهمة التالية، وهي:

النتيجة الأولى: إن الشيطان لا سبل له ولا سلطة على الإنسان إلا فيما يوسوس له من أفكار ضالة ومناهج منحرفة، ومشاعر سوداء مظلمة حاقدة، وقيم زائفة، وأخلاق ذميمة سيئة، وأهداف ضيقة محدودة، وتحريك الأهواء والشهوات والرذائل وابتكار وسائل الإغواء والإغراء والطيش واتباع الهوى وفعل الحرام والمعصية، وتزيين الأعمال الشريرة والأوضاع المنحرفة الشاذة لتبدو مستقيمة معقولة لديه، وقلب الحقائق وتغيير الصور الحقيقية للأشياء، فيصور الحق باطلاً في نظر الإنسان، والخير شراً، والحسن قبيحاً، ليصرف الإنسان عن الصراط المستقيم وعن النهج القويم، وينظر الإنسان إلى عمله القبيح بانبهار تام، ويعده عملاً عقلانياً ومنطقياً ونُبلاً من جميع الجهات، كذباً وغروراً بدون تدقيق ولا تمحيص، تحت عناوين وهمية خادعة كالشجاعة والتقدمية وغيرها، ولا يستجيب للشيطان إلا أولياؤه ضعاف النفوس والعقول والإرادة، الذين يخضعون له ويستسلمون لحبائله وخدعه، ويفتحون قلوبهم له، ويحركون عقولهم معه، لأنهم ينسون ذكر الله عز وجل، ويهربون من حقيقة الإيمان، ولا يتحركون في الحياة من موقع المسؤولية في الفكر والعمل، ولا يعيشون في الآفاق الروحية والقيم الإنسانية والمعنوية الرفيعة؛ بل يمارسون الحياة ويتصرفون فيها بدون مبالاة، ويستسلمون للشبهات المضلة، كاستسلامهم للشهوات المحرمة، وزخارف الحياة الفانية، ولسَورة الغضب، ويستسيغون ذلك كله، ويعبدون الدينار والدرهم والدولار، ويبيعون الدين والبلاد والعباد لمن يدفع الثمن البخس من الفراعنة والمستعمرين والمستكبرين، ويجمعون الغنائم والثروة وهم راضون بذلك ومقتنعون به كهدف أسمى، وكأن الحياة ساحة للعبث واللهو بعيداً عن الفكر والمسؤولية والحساب، وبهذا تكون حياتهم ساحة للشيطان، يصول ويجول فيها، وعلاقتهم به مستمرة ودائمة، لأنهم اختاروا الشيطان قريناً ورفيقاً لأنفسهم، واختاروا طريقه منهجاً لهم في الحياة، ولن يكف ولن يألوا جهداً في إضلالهم وإغوائهم، لكي لا يكون مصيرهم في الدنيا والآخرة أفضل من مصيره، ولن يكون لأن منطقهم نفس منطقه، وأهدافهم نفس أهدافه، وسلوكهم ومواقفهم نفس سلوكه ومواقفه سواء بسواء، فالشيطان يعتبر نموذجاً للاستكبار والكفر والعصيان، وقد انتهى أمره إلى الطرد من ساحة الطهارة والقدس، وكل من يتبعه سينتهي إلى نفس المصير والعاقبة.

قول الله تعالى: <إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ>[19]

وقول الله تعالى: <إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ>[20]

وقول الله تعالى: <وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ >[21]

وقول الله تعالى: <هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ 221 تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ>[22]


  • [1] الكافي، ج 2، باب: إن للقلب أذنين ينفث فيهما الملك والشيطان، ح 1، ص 266
  • [2] البقرة: 269
  • [3] النساء: 119
  • [4] إبراهيم: 22
  • [5] الحشر: 16
  • [6] الناس: 5-6
  • [7] فصلت: 30-32
  • [8] الأنفال: 12
  • [9] الفتح: 4
  • [10] البقرة: 268-269
  • [11] الأنعام: 125
  • [12] نفس المصدر
  • [13] البقرة: 269
  • [14] النساء: 37-38
  • [15] الأنفال: 48
  • [16] البقرة: 166
  • [17] إبراهيم: 22
  • [18] نفس المصدر
  • [19] الحجر: 42
  • [20] النحل: 100
  • [21] الأنعام: 113
  • [22] الشعراء: 221-222
المصدر
كتاب الاستعاذة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى