الاستعاذة لتلاوة القرآن
قلت قبل قليل إن الإنسان واقع تحت تصرف الشيطان وتصرف الرحمن، و إن أمر الله تبارك وتعالى للإنسان بالاستعاذة المطلقة لكي يخرج الإنسان من تحت تصرف الشيطان ويدخل تحت تصرف الرحمن.
وأما بخصوص تلاوة القرآن فبالإضافة إلى ذلك: فإن قراءة القرآن الكريم الذي أنزله الله الرب الرحم الرحيم من لدنه بالحق والميزان لا عوج فيه مباركاً على قلب الرسول الأعظم الأكرم (ص)، تبياناً لكل شيء، ونوراً وهدى ورحمة وبصائر، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليكون للعالمين نذيراً، فإن قراءته تفتح قلب الإنسان وعقله على الحق والخير والعدل والسعادة والكرامة في الحياة الدنيا والآخرة، ولابد للإنسان من أن يعيش الانفتاح على القرآن قبل قراءته ويتعمق في مضامينه وآياته وهو يقرأه، ليرسخ القرآن في عقله وقلبه، وليأخذ منه عقيدته وشريعته ومنهجه وتطلعاته النورانية في الحياة، وليتحرك بالقرآن في كل آفاق الحياة ومجالاتها وميادين العمل فيها، وفي علاقته مع الله رب العالمين وطريق الآخرة: علماً وعملاً وتطبيقاً لأمره ونهيه، وبالتالي فإن الشيطان الغوي الرجيم، وهو العدو اللدود للإنسان، لن يترك الإنسان ينفتح على القرآن وينتفع به في حياته ومن أجل آخرته، فسوف يتدخل ليلهيه عن فهم الحقائق القرآنية العظيمة والتفاعل الإيجابي معها والاستفادة الفعلية منها، وليدفعه إلى أجواء أخرى من الغفلة والضلال والضياع واللهو واللعب، ولا قوة للإنسان ولا طاقة له على مواجهة الشيطان بمفرده والتغلب عليه، ولذلك لابد له من الاستعاذة بالله السميع العليم القوي العزيز من الشيطان الغوي الرجيم العد اللدود للإنسان.
ومن الأهمية بمكان – وكما سبق ذكره – أن نعلم بأن التلفظ بالاستعاذة لا يغني شيئا، ولا قيمة له في تحقيق المطلوب بالفرار من الشيطان والسلوك الجدي إلى الله ذي الجلال والإكرام، والاستفادة الفعلية من القرآن الكريم، وسلوك طريق التربية للنفس والحصول على كمالها وسعادتها، ما لم تنفذ الاستعاذة إلى أعماق الروح بشكل ينفصل فيه الإنسان عند التلاوة عن إرادة الشيطان الغوي الرجيم، وتصير الروح معلقة بعز قدس الله جل جلاله، لترفع عن عقل الإنسان وقلبه موانع فهم القرآن والانتفاع بهن ويخرج الإنسان بصورة فعلية من ساحة الشيطان وحكومته، ويدخل بصورة فعليه في ساحة الرحمن وحكومته في كل الأحوال والشؤون.
تنبيه مهم: وأنبه هنا إلى نقطة غاية في الأهمية وهي: أن حكم الاستعاذة للتلاوة يدلنا، على أن محتوى القرآن المجيد الكريم، على عظمته وجلاله وكرمه ونورانيته في نفسه، لا يكفي لتوجيه عقولها وقلوبنا إليه، ما لم تطهر نفس الإنسان، وتزال الموانع والحجب عن عقله وقلبه. فالقرآن المنزل من عند الله تبارك وتعالى من العظمة والجلال والكرم والنورانية، بحيث إنه كما قال الله العزيز الحكيم في محكم كتابه المجيد: <لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ>[1]، ومع هذه العظمة والجلال والكرم والنورانية للقرآن الحكيم، لابد للسالكين طريق الله ذي الجلال والإكرام، وطريق الآخرة، والتكامل والرشد الإنساني، لابد لهم من مجاهدة النفس دائماً في جميع منازل الطريق، لرفع الحجب المخيمة على عقولهم وقلوبهم، وإزالتها من محيط فكرهم وأرواحهم وكامل وجودهم، ليتمكنوا من تحصيل الفهم النوراني العلمي والعملي للقرآن الكريم في جميع المنازل، والانتفاع الحقيقي من آياته في كل الشؤون، والاستفادة العملية منها في الحياة والسلوك إلى الله تبارك وتعالى، وتحصيل الرشد والكمال الإنساني والسعادة والكرامة في الدنيا و الآخرة.
ولابد لقارئ القرآن الكريم من أن يستعيذ من الشيطان الغوي الرجيم، وأن يطهر لسانه ويطيبه مما كان يتعاطاه من اللغو والقول الفاحش والقول السيئ، ومن كل ذكر لغير الله الماجد الواحد الأحد الصمد، وأن يخرج لسانه وكلامه كلّيًا من تحت تصرف الشيطان وسلطانه، لكي يصير لسانه لسان الرحمن، وكلامه كلام الرحمن، ولابد لقارئ القرآن الكريم من المجاهدة لإحكام السيطرة على قلبه وتطهيره من أشواك وساوس الشيطان وظلام تصوراته ورماد محروقاته الخبيث، وأن يستعد لذكر الله نور النور ومنور كل نور، وتلاوة كتابه الكريم الذي لا يمسه إلا المطهرون، والتنور بنور آياته المحكمات، ويتهيأ للحضور بين يدي الله الواحد الماجد ذي الجلال والإكرام، ليجد حلاوة التلاوة، ويصدق عليه أنه يتلو القرآن حقا وحقيقة، ويستفيد الاستفادة العلمية والعملية من محتواه الزاخر بالحقائق الكونية والأنفسية، المفيدة في كافة شؤون الحياة ومجالات العمل فيها، وفي السلوك إلى الله رب العباد سبحانه وتعالى، وتحصيل السعادة والكمال الإنساني والرشد العبادي.
ويعتبر الرشد العبادي الذي هو صدق التوجه إلى ذل العبودية وعز الربوبية، والخروج الفعلي من ولاية الشيطان وسيطرة النفس الأمارة بالسوء وهيمنتها على سلوك الإنسان واتباع الهوى، هو جوهر السلوك والتربية، فضعف السلوك وقوته، ونجاحه وفشله، وصحته وبطلانه، وكمال الإنسانية ونقيصتها، يتوقف على صحة وقوة ونجاح وكمال التوجه إلى عز الربوبية وذل العبودية، والخروج فعلا من ولاية الشيطان وحكومته، ومخالفة الهوى والنفس الأمارة بالسوء.
فكلما كان النظر على الذات وحبها غالباً، والنظر على جمال الرب المحبوب المطلق وجلاله غائباً، كلما كان العبد بعيداً عن مقام القرب الربوبي والكمال و الإنسانية، وخرق هذا الحجاب المظلم القاسي، هو مفتاح أبواب المعارج والعروج في منازل القرب والزلفى من الله ذي الجلال والإكرام، ومفتاح أبواب السعادة والكمال الإنساني والكرامة الإنسانية، وهو أول الشروط لنجاح وصحة السلوك، فكلما كان سلوك السالك في الطريق إلى الرب المحمود بخطوات الأنانية ورؤية النفس وجمالها الموهوم وكمالها المتخيل، كان السلوك باطلاً، وكان الإنسان ناقصاً، وكان سلوكه إلى النفس الضيقة المنغلقة على ذاتها، وإلى الشيطان الغوي الرجيم، وليس إلى الله الرب الرحمن الرحيم الذي منه مبدأ الخلق وإليه المعاد.
قول الله تعالى: <فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 98 إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ 99 إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ>[2]
ومن جهة ثانية: فإن توجيه الخطاب من الله العلي الأعلى للرسول الأعظم الأكرم (ص)، وأمره بالاستعاذة عند تلاوة القرآن وهو الطاهر المطهر الذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى دنواً واقترابا من العلي الأعلى، يدل على أن الاستعاذة لغيره في جميع المنازل أولى وأهم.
وأعود وأؤكد بأن المقصود من الاستعاذة ليس هو التلفظ بالاستعاذة وهو قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإنما المقصود والمراد منها هو: إيجاد الحالة الروحية المتصاعدة لدى المستعيذ التي تدل عليها الاستعاذة، والمتولدة من قوة وصدق وكمال التوجه إلى الله الرب المحمود ذي الجلال والإكرام، عن عزم أكيد وإرادة قوية وإخلاص تام، والمخالفة لهوى النفس والشيطان، وعدم الوقوف عند حدود المصالح الخاصة الضيقة وتقديمها على المصالح العامة الدينية والوطنية، والتنازل عن كل المكتسبات المحرمة والامتيازات غير المشروعة وتركها كلياً، وترك العناد والغرور وحب الذات والدنيا، وعد الركون إلى الملذات والشهوات والتهديد والوعيد مهما كان من أعداء الدين والإنسانية، وعدم الاستسلام للكسل والخمول والنفس الأمارة بالسوء وتسويلات الشيطان، وإزالة كل الحجب النفسانية التي تمنع عن الفهم الصحيح للقرآن الكريم وإدراك حقائقه الكونية والنفسية النورانية العظيمة، والاستفادة من آياته وبيناته ومواعظة وإرشاداته والانتفاع العلمي و العملي منها في كافة شؤون الحياة ومجالات العمل والحركة في الحياة والسلوك إلى ذي الجلال والإكرام بقدم الصدق والإخلاص والمعرفة، وتحصيل الكمال والرشد الإنساني الذي هو طموح كل إنسان عاقل ذو فطرة سليمة طاهرة.
أقسام الاستعاذة للتلاوة
والاستعاذة للتلاوة على قسمين وهما:
القسم الأول – الاستعاذة للتلاوة في الصلاة:
إن الرسول الأعظم الأكرم (ص) كان يقول في الصلاة قبل القراءة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».[3]
وعن أبي عبد الله (ع) أنه ذكر دعاء التوجه بعد تكبيرة الإحرام، ثم قال: «ثم تعوّذ من الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب».[4]
عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال: «تعوّذ بعد التوجه من الشيطان تقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم».[5]
عن الرسول الأعظم (ص) أنه أتاه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إليك أشكو ما ألقى من الوسوسة في صلاتي، حتى لا أعقل ما صليت من زيادة أو نقصان، فقال له رسول الله (ص): «إذا قمت إلى صلاتك، فخذ فخذك اليسرى، فاطعن بإصبعك اليمنى المسبحة، ثم قل: بسم الله وبالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم»[6].
عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله (ص): إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله – ثلاثاً- ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه».[7]
القسم الثاني – الاستعاذة للتلاوة خارج الصلاة:
عن سماعة، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى: <فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ>.
قلت: كيف أقول؟
قال (ع): «تقول: أستعيذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم».
وقال (ع): «إن الرجيم أخبث الشياطين».[8]
عن عبد الله بن عباس قال: «أول آية نزلت، أو أول ما قاله جبرئيل (ع) لرسول الله (ص) في أمر القرآن، أن قال له: يا محمد قل: استعيذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، ثم قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم. اقرأ باسم ربك الذي خلق».[9]
صيغ الاستعاذة
قد وردت الاستعاذة بصيغ عديدة في كتب الحديث والفقه في مدرسة الخلفاء وفي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، منها الصيغ التالية:
الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم[10].
الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم[11].
الصيغة الثالثة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم[12].
الصيغة الرابعة: نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم[13].
الصيغة الخامسة: استعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم[14].
الصيغة السادسة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله أن يحضرون[15].
الصيغة السابعة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو الفتاح العليم[16].
الصيغة الثامنة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم[17].
معاني المفردات
الاستعاذة: مشتق من العوذ، وله معنيان، وهما:
المعنى الأول: الالتجاء والاستجارة على وجه الخشوع والتذلل. أي استجير بالله والتجئ إلى رحمته وعصمته دون غيره من شر كل ذي شر.
المعنى الثاني: الالتصاق. يقال: أطيب اللحم أعوذه، وهو الملتصق منه بالعظم، والمعنى: ألصق نفسي بفضل الله ورحمته وبجنابه الكريم.
ويكون العوذ والعياذ لدفع الشر، واللياذ لجلب الخير.
الله: اسم علم على الموجود الحق الجامع للصفات الإلهية كلها والذات العلية الواجبة الوجود، وهو الاسم الذي تفرد به سبحانه وتعالى، وهو أول الأسماء وأخصها وأعظمها والجامع للصفات الإلهية كلها: صفات الجمال والجلال والكمال، وليس لغيره من الأسماء هذه الخاصية، وإن كان بعض الأسماء أوسع من البعض الآخر كما سيوضح في بحث البسملة والفاتحة، ولهذا أضافها كلها إليه، ولم يضفه إلى أي اسم منها، فيقال: الرحمن من أسماء الله تعالى، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، وقد ورد هذا الاسم: (الله) في القرآن (980:مرة).
السميع: مشتق من السمع، وهو إدراك المسموعات من الأصوات وغيرها بجارحة أو بدونها، ويفيد المبالغة في السمع بمعنى: كثير السمع أو البالغ في السمع كماله ومنتهاه، وهو من أسماء الله الحسنى ومعناه: المدرك لكل مسموع وإن خفي صوته وخفيت حقيقته على المخلوقين، وهو يسمع بدون أذن ولا آلة سمع، كما يفعل سبحانه وتعالى بدون جارحة ويتكلم بغير لسان، وتنكشف لديه سبحانه وتعالى حقائق المسموعات كلها انكشافاً تاماً كاملاً، فلا يخفي عليه مسموع في الأرض ولا في السماء مهما كان نوعه، فهو يسمع السر والنجوى، ويسمع خطرات القلوب، ومناجاة الضمائر وهواجس النفوس، وما هو أدق من ذلك وأخفى، وقد ذكر اسم (السميع) في القرآن الكريم (أكثر من أربعين مرة).
العليم: مشتق من العلم، وهو إدراك الشيء بحقيقته عن يقين، ويفيد المبالغة في العلم بمعنى: كثير العلم أو البالغ في العلم كماله ومنتهاه، وهو من أسماء الله الحسنى، ومعناه: العليم بجميع المعلومات، يعلم تفاصيل الأمور، ودقائق الأشياء، ويعلم ظاهر الأشياء وبواطنها، وأولها وآخرها، و مبدأها وعاقبتها ومنتهاها، ويعلم خائنة العين وما تخفي الصدور، ويعلم ما في الأرحام وما تكسب كل نفس وبأي أرض تموت، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، عنده علم الغيب، وعلم الساعة، علم ما كان وما سيكون وما لا يكون من الممكنات (على فرض أن هناك من الممكنات ما لم يكن ولن يكون) أن لو كان كيف سيكون، وتنكشف لديه سبحانه وتعالى حقائق المعلومات كلها انكشافاً تاماً كاملاً محيطاً، بحيث لا تخفى عليه خافية، ويبلغ الغاية التي ليس و وراءها غاية في العلم، ولا يتصور ما هو أكثر ظهوراً وانكشافاً منه، وقد ذكر اسم (العليم) في القرآن الكريم (أكثر من مئة وخمسين مرة).
الشيطان: روح شرير ناري، له القدرة على الإضلال والغواية، وهو في غاية المكر ودقة الحيلة وخفائها، يحول بين العباد والطاعة وفعل الخير، ويغري بالمعصية والظلم وفعل الشر، ويموه الأباطيل والأضاليل ويلبسها ثوب الهداية والحقيقة وينشرها بين الناس لكي يخرجهم عن طريق الحق ويدخلهم إلى طريق الباطل والضلال، واللفظ يطلق على كل متمرد مفسد من الجن والإنس، ويقال للحية الخبيثة شيطان الفلوات. وسوف نذكر المزيد من التفاصيل عن الشيطان في البحث بعد قليل.
وقيل في معنى الشيطان أقوال عديدة، منها الأقوال التالية:
القول الأول: إنه مأخوذ من شطن أي بَعُد، أي أن الشيطان بعد عن كل خير، وبعد غوره في الشر، وهو المبعد عن رحمة الله تعالى ورضاه، ويطلق لفظ الشيطان على كل متمرد من الجن و الإنس والدواب لبعدهم عن الرشاد والسداد. ويقال شطن صاحبه: إذا خالفه في قصده ووجهه.
القول الثاني: إنه مأخوذ من شاط يشيط أي مال وبطل وهلك، وذلك لأن الشيطان يميل بقلب ابن آدم عن الحق والصراط المستقيم، وهو مهلك لنفسه وغيره، ومبطل لمصالحه ولمصالح الآخرين.
القول الثالث: إنه مأخوذ من الشاطن أي الخبيث الوضيع، وكل شيطان هو خبيث وضيع، وناقص وحقير.
والشيطنة: فعل الشيطان.
الرجيم: مأخوذ من الرجم؛ وهو الرمي بقول أو فعل.
والرجوم: جمع رجم؛ وهي الحجارة التي يرمي بها.
ورجمه: رماه بالرجم؛ وهي الحجارة الصغيرة، ولعنه وطرده وشتمه.
وقيل في معنى الرجيم قولان، وهما:
القول الأول: بمعنى مفعول أي أنه مرجوم، والمرجوم في اللغة: المطرود والملعون والمشتوم بقول ردي، والمحروم من كل خير.
ووصف الشيطان بكونه مرجوماً، لأنه مرجوم باللعن والشتم والقول الردي، ولأن الله تعالى أمر الملائكة برمي الشياطين كلهم أجمعين بالشهب الثواقب طرداً لهم من عالم السماوات المقدس الطاهر من الخبث والشر والمعاصي، ومنعاً لاستراق الشياطين السمع من عالم الملائكة في السماء.
قول الله تعالى: < وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ 16 وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ 17 إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ>[18].
ولأن الشيطان محروم من الخير وميؤوس من خيره مطلقاً أيضاً.
القول الثاني: بمعنى فاعل أي راجم، وذلك لأن الشيطان يرجم غيره بالإغواء والتضليل والوساوس وإلقاء النفس في المهالك.
- [1] الحشر: 21
- [2] النحل: 89-100
- [3] بحار الأنوار، ج 85، باب: القراءة وآدابها وأحكامها، ص 5-6
- [4] وسائل الشيعة، ج 4، باب: الاستعاذة في أوصل الصلاة قبل القراءة وكيفيتها، ح 1، ص 800
- [5] مستدرك الوسائل، ج 4، ص 213
- [6] نفس المصدر
- [7] تفسير ابن كثير، ج 1، ص 13
- [8] مستدرك الوسائل، ج 4، باب: استحباب الاستعاذة عند التلاوة وكيفيتها، ص 264
- [9] نفس المصدر، ص 265
- [10] تفسير ابن كثير، ج 1، ص 13-14
- [11] مجمع البيان، ج 1، ص 89
- [12] جواهر الكلام، ج 9، ص 421
- [13] بحار الأنوار، ج 85، ص 5-6
- [14] مستدرك الوسائل، ج 1، ص 293
- [15] بحار الأنوار، ج 85، ص 5
- [16] نفس المصدر
- [17] فقه السنة، ج 1، ص 148
- [18] الحجر: 16-18