مواضيع

الحذر من الطواغيت والفراعنة وقوى الاستكبار

نعم أيها الأحبة الأعزاء: في الوقت الذي يجب علينا الحذر من الشيطان الغوي الرجيم وعدم مداراته واتخاذه عدواً حقيقياً صارماً في عداوته يجب علينا الحذر من إخوانه وأوليائه وشيعته من الفراعنة والطواغيت السيئين وقوى الاستكبار العالمي وبنفس القدر، وعدم الاستسلام إليهم ضعفاً تحت تأثير الخوف أو الطمع أو الانخداع بهم، لأن هؤلاء ليسوا أناساً عاديين فنعاملهم معاملة الناس العاديين الأسوياء، فقد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله تبارك وتعالى و الآخرة، وأعمى أبصارهم عن رؤية الحق ورؤية المصير القريب والبعيد في الدنيا والآخرة، و أفسد فطرتهم وضمائرهم ووجدانهم الأخلاقي، فأصبحوا نسخة طبق الأصل من الشيطان الغوي الرجيم، لا يختلفون عنه في منطلقاتهم وأهدافهم ووسائلهم، وينبغي أن نتعامل معهم على هذا الأساس، فهم لا يحبون الخير للناس والشعوب، ولا يرتدعون عن الشر والإساءة، ولا يتحركون من منطلق الحق والاستقامة والصواب والخير والعدل والمصلحة العامة فيما يتركون ويفعلون في قضايا الناس والشعوب وهمومهم، وإنما من منطلق البغي والظلم والعدوان والصداقة للشيطان وإرضاء أنفسهم الخبيثة الأمارة بالسوء، ولا يسعون إلا للاحتفاظ بمكتسباتهم المحرمة، وامتيازاتهم غير المشروعة، وإشباع شهواتهم ونزواتهم وغرور أنفسهم الخبيثة وتطلعاتها الحمقى للحياة، وهم أناس متعصبون تحركهم العصبيات والحميات الجاهلية، وهم غير متخلقين بالأخلاق الإنسانية الكريمة، ولا يقيمون لها وللقيم الإنسانية الرفيعة وحقوق الإنسان وزناً، ولا يؤمنون بالحوار والتكافؤ بين الناس في الفرص والذمم، ولا يؤمنون بأي قاعدة للتفكير المنطقي والصواب في القول والعمل، ولا تنفع معهم حجة ولا موعظة ولا نصيحة ولا إرشاد، فهم يضعون كل ذلك وراء ظهورهم، ويقتلون الأبرياء ويسجنونهم ويشردونهم وينهبون أموالهم وثرواتهم ويعيثون في الأرض فساداً بدم بارد من أجل الثروة والرئاسة والسلطة والزعامة والتحكم، ويرون الإحسان والعفو والتعامل بالأخلاق مع الناس والشعوب ضعفاً.

ولهذا فهم لا يتعاملون بها مع الناس والشعوب، وإذا عوملوا بها زادهم ذلك جرأة على الإساءة والظلم والفساد، بسبب ما في أنفسهم من اللؤم والخبث والوقاحة.

قول الله تعالى: <وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا>[1]

فليس ينفع معهم إلا الضغط والمقاومة، ولا تصح الثقة بهم، ولا التعامل معهم على أساس المجاملة وحسن النوايا، فقد أثبتت التجارب التاريخية والمعاصرة، أنهم لا يقدمون من التنازلات عن مكتسباتهم المحرمة وامتيازاتهم غير المشروعة، ولا يعطون من الحقوق العادلة والمكتسبات المشروعة للناس والشعوب، إلا بمقدار ما يجبرون عليه، وما لا يجدون بداً من التنازل عنه. فلا يصح الاستسلام لهم ضعفاً تحت طائلة الترهيب والترغيب، ولا التسليم بالأمر الواقع المنحرف والظالم الذي يحاولون فرضه على الناس والشعوب بالإرهاب وبالحديد والنار، فما يرغبون به ويعطونه لمن يستجيب لهم، لا قيمة له عند الشرفاء والشعوب بالمقارنة مع ما يأخذونه منهم ويسلبونهم إياه لا سيما الكرامة الإنسانية والحياة الكريمة، فلا يقبله منهم إلا المتسلقون الذين يأخذون ولا يعطون، ويعبرون على أكتاف الآخرين وجماجمهم إلى مقاصدهم، ويغنّون طرباً في هوى المصالح على أحزان المستضعفين وآلامهم، ولا يقيمون وزناً للآخرة وللمصالح العامة: الدينية والوطنية، ولا تهمهم إلا أنفسهم والحياة الدنيا. كما لا قيمة لما يخوفون به بالمقارنة مع ما تطمح إليه الشعوب من الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية، وما تطالب به من الحقوق العادلة والمكتسبات المشروعة، فلا يخضع إليهم إلا الضعفاء المنبطحون الذين لا يملكون قوة ولا إرادة ولا شرفًا ولا كرامة، ولا يقوون على الجهاد والمقاومة. أما الشرفاء الذين يملكون القوة والإرادة والكرامة، ويقدّمون الآخرة على الدنيا، ويقدّمون القيم والمصالح الروحية والمعنوية على القيم والمصالح المادية، كما يقدّمون المصالح العامة على المصالح الخاصة، ويفرحون ويحزنون للآخرين أكثر مما يفرحون ويحزنون لأنفسهم، ويعطون أكثر مما يأخذون، فهؤلاء يفضلون الجهاد والمقاومة حتى الشهادة، أو تتحقق للشعوب مطالبهم وكرامتهم، ويحصلوا على حقوقهم العادلة ومكتسباتهم المشروعة التي تضمن لهم الحياة الإنسانية الكريمة، ويجتثوا الظلم والفساد والانحراف من فوق الأرض.

إنه لا سبيل للتعامل مع الفراعنة والطواغيت وقوى الاستكبار العالمي السيئين، إلا بالضغط عليهم ومقاومة مشاريعهم الظالمة المظلمة المنحرفة، لردعهم عن غيهم وعن الظلم والفساد في الأرض، وإجبارهم على التزام الحق والعدل والمصالح العامة للناس والشعوب.


  • [1] الأعراف: 58
  • [2] طه: 43-44
  • [3] الشعراء: 27
  • [4] غافر: 26
  • [5] يونس: 90-91
المصدر
كتاب الاستعاذة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى