مواضيع

من التجارب القرآنية

لنأخذ واحدة من أهم التجارب الواضحة التي عرضها لنا القرآن الكريم وقدمها لنا في أحسن بيان، وهي التالي:

لما أرسل جلّ جلاله نبيه العظيم موسى بن عمران و أخاه هارون (عليهم السلام) إلى فرعون، وأمرهما بمداراته ومراعاته كما هي المعاملة في الأساس مع الإنسان السوي، وأن لا يغلظا عليه في القول والفعل.

قال الله تعالى مخاطباً موسى وهارون (عليهم السلام) <اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى 43 فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى>[1]

ولما جاءا (عليهم السلام) إلى فرعون، وفعلا ما أمرهما الله تعالى به، وقدّما إليه الدليل القطعي على رسالتهما من الله تبارك وتعالى، وهي معاجز كبيرة يطير لهولها وعظمتها ووضوح دلالتها لب الإنسان السوي. ماذا فعل فرعون وكيف قابلهما وتصرف معهما؟

لقد سخر منهما وقال: <إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ>[2]

ثم هّدد نبي الله موسى (ع) بالقتل علواً واستكباراً، بدلا من الاستجابة لما جاءه من الحق الصريح من عند الله العزيز الحكيم على لسان النبيين الكريمين: موسى وهارون (عليهم السلام)، متذرعاً بالحرص على مصالح الأمة والشعب كذباً وزوراً، كما هو الحال دائماً في التاريخ لدى الحكام المستبدين الظلمة، الذين يتذرعون بالحرص على المصالح الوطنية لتكريس الأمر الواقع المنحرف والظالم، وسلب الحقوق العادلة للشعوب ومكتسباتهم التاريخية المشروعة، ولتبرير القتل والنهب والسجن والتهجير للشرفاء من الوطن.

قول الله تعالى: <وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ>[3]

وواصل فرعون المجرم حربه على موسى بن عمران (ع)، ولم يستجب للمطالب العادلة المشروعة لبني إسرائيل رغم عدالتها وواقعيتها، ورغم قيام الدليل القطعي على أن موسى (ع) رسول رب العالمين، وذلك بسبب شهوة الحكم المطلق لدى فرعون، والرغبة الجامحة في استعباد الناس وإذلالهم ونهب ثرواتهم وتسخير طاقاتهم لخدمة أغراضه الشخصية الحقيرة، ولم يخرج من سكرته وغروره إلا بعد أن أدركه الغرق.

وهذا هو حال جميع الطواغيت والفراعنة في كل زمان ومكان، فإنهم لا يتعظون بالتجارب التي يمرون بها ويمر بها إخوانهم من الفراعة والطواغيت في الماضي والحاضر مهما كانت بليغة وواضحة، لأن عيونهم وآذانهم وقلوبهم مغلقة عن رؤية الحقائق والوقائع والمصير، ويعيشون جنون العظمة المزيفة، والخيالات الوهمية، والتطلعات الأنانية السوداوية، المنطلقة من النفوس الخبيثة، والعقول المريضة، والقلوب المظلمة، والوساوس الشيطانية، ومن الحمق والغرور.

قول الله تعالى: <وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ 90 آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ>[4]


  • [1] طه: 43-44
  • [2] الشعراء: 27
  • [3] غافر: 26
  • [4] يونس: 90-91
المصدر
كتاب الاستعاذة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟