الوفاق تشارك في الانتخابات
مع قرب الاستحقاق الانتخابي للمجلس النيابي بعد انتهاء دورة ٢٠٠٢م التي قاطعتها المعارضة وعلى رأسها جمعية الوفاق، تتجه الجمعيات المعارضة هذه المرة للمشاركة؛ حيث قويت شوكة الداعين للمشاركة بعد التسجيل في قانون الجمعيات، والذي نتج عنه استقالة الكثير من الرافضين للمشاركة، كما أن الداعمين للمشاركة منذ ۲۰۰۲م سعوا طوال السنوات الأربع اللاحقة إلى إفشال المقاطعة؛ كي يقولوا وبكل ثقه “لقد جربنا المقاطعة ولم تنجح، فلنجرب المشاركة”، فلم يكن مفاجئا لأي متتبع مشاركة الجمعيات آنذاك في انتخابات ٢٠٠٦م. طبعا؛ كان هناك حاجز نفسي لدى الجماهير من المشاركة مما احتاج إلى دعم من خارج الجمعيات من قبل جهات ذات نفوذ شعبي واسع ولها تأثيرها القوي في قرار الجماهير، فقامت جمعية الوفاق بالتحرك على هذا الأمر بشكل فعال، وسعت لتحصيل تأييد المرجعيات الدينية في الخارج والداخل وبالخصوص في العراق وكبار العلماء في البحرين.
وقد أثمرت جهودهم بمشاركة واسعة في تلك الانتخابات، ونظراً للتوزيع الظالم للدوائر الانتخابية المبني على أساس طائفي بغيض، حصدت الوفاق ١٨ مقعداً من أصل ٤٠ مقعداً؛ ناهيك عن التلاعب في النتائج الذي مارسته السلطة عبر مراكز التصويت العامة لمنع المعارضة من حصد غالبية مقاعد البرلمان. وعلى أي حال؛ حتى لو حصدت المعارضة الغالبية، فإن هذا البرلمان الكسيح لا يملك الصلاحيات الرقابية والتشريعية الكافية لأداء دوره، ومع ذلك زهد النظام في إعطاء المعارضة الحصة الكافية في البرلمان. من جهة أخرى؛ كان موقف خط الممانعة، وعلى رأس قائمته الأستاذ عبد الوهاب، رافضاً بشكل قاطع للمشاركة في الانتخابات، متخذين موقفاً مبدئيا قائما على رفض كل ما يتمخض عن الدستور الانقلابي؛ فضلا عن صلاحيات هذا البرلمان والتوزيع الظالم للدوائر الانتخابية. وكان هذا وفق رؤية وضعها الأستاذ، وقام بتوزيعها على القوى المؤثرة في الساحة؛ سواء ممن يرون المشاركة أو المقاطعة، شارحا في رؤيته السلبيات والإيجابيات وجدوى المقاطعة، وما هي الأدوات الكفيلة بتفعيلها واتخاذ خيارات استراتيجية مستقبلاً لتغيير الواقع السياسي، مع شرح خطورة المشاركة وتداعياتها على دور ومصداقية المعارضة عند الجماهير وتكبيل عملها أكثر مما هو الآن بقانون الجمعيات؛ حيث ستصبح المعارضة جزءا من المؤسسة التشريعية الفاقدة للشرعية، والتي تتحكم فيها الإرادة الحكومية[1]، والتي ستمرر قوانين ظالمة؛ سواء رضيت بها المعارضة أم رفضتها، وستعتبر جزءا من صنع القرار التشريعي بمجرد التصويت حتى لو كانت رافضة له، وهذا ما حصل فعلا؛ حيث قامت الحكومة، بحكم هيمنتها على قرار البرلمان، بتمرير القوانين الظالمة ومنع استجواب الوزراء وحرمان المعارضة من تحقيق أي إنجاز من داخل البرلمان، وعلى هذا علق الأستاذ عبد الوهاب حسين ذات مرة بقوله: “لو كانت الحكومة ذكية لأعطت المعارضة التي شاركت في البرلمان بعض الإنجازات كي تبرهن بأن خيار المشاركة أجدى من المقاطعة، ولكنها زهدت في إعطاء رصيد للمشاركين”. أما مؤيدو المشاركة، فكان مبررهم الأساس تقليل الضرر باعتبار أن ضرر المقاطعة أكبر، وما ينتج عنها له نتائج وخيمة، وأن المشاركة تجعل المعارضة أقرب إلى التأثير على صنع القرار وأكثر قدرة على تحصيل المعلومات الرسمية التي تخدم عملها الرقابي، وتعمل على تخفيف الظلم وانتزاع ما يمكن من الحقوق والخدمات.
وهناك مسألة تجدر الإشارة إليها؛ وهي أن من ضمن الأسباب التي دعت الجمعيات المعارضة للمشاركة في انتخابات 2006م، النصيحة التي وجهتها لهم السفارة الأمريكية بضرورة المشاركة والتعاطي بإيجابية مع الاستحقاق الانتخابي، والذي سيكون مدعاة لدعم الأمريكان والبريطانيين لتطوير التجربة الديموقراطية في البحرين. ولا يخفى على أحد النفاق والدجل السياسي الذي يمارسه الأمريكان والبريطانيون على شكل وعود كاذبة، فهم عملياً كانوا ومازالوا داعمين للنظام العميل لهم.
وفي هذا السياق يقول الأستاذ: “ومن يرى في أمريكا صديقاً فهو واهم”.
- [1] راجع الملحق في نهاية الكتيب