قانون الجمعيات وانقسام المعارضة 2005م
ربما سبقت مظاهر الاختلاف في الرؤى والقناعات بين قيادات المعارضة هذه الحادثة بكثير؛ إلا أن مظاهر الحفاظ على وحدة القرار لازالت مستمرة؛ حيث كان يؤثر طرف السكوت حيناً وفي حين يسكت الطرف الآخر، وكانت تجري النقاشات في الدوائر المغلقة، إلا أنه بعد إقرار قانون الجمعيات الذي كان يقيد العمل الحزبي وحرية الرأي، ويضع يد السلطة رقابياً على الجمعيات السياسية ويكبل دورها السياسي ونشاطها، أصبحت المعارضة بكل أطيافها بين مفترق طرق؛ إما القبول بقانون الجمعيات الجديد، وإما رفضه الذي يعنى الصدام المباشر، وهنا تبرز الفئات مجدداً؛ فئة ترى مسايرة النظام وتعمل على حفظ المكتسبات وتتخذ منهجاً براجماتياً مبنيا على قاعدة خذ وطالب، وترى ضرورة الدخول في قانون الجمعيات لضمان استمرارية عمل الجمعيات ضمن القانون، وفي حالة رفضه فسوف تلغى الجمعيات، وسيكون العاملون فيها ملاحقين أمنياً؛ لأنهم يعملون خارج القانون.
أما الفئة الأخرى، فهي ترى ممانعة النظام ومقاومة مخططاته الانقلابية ورفض قبول هذا القانون تحديداً؛ لأنه يضع يد السلطة بشكل تام على العمل السياسي في البلاد ويقيد الحريات السياسية، وهو تكريس لانقلاب دستور 2002م. وأما عن الضرر الذي سيلحق بإلغاء الجمعيات التي لن تسجل في هذا القانون، فضرره أقل كلفة من التسجيل وقبول القانون، وكان على رأس الفئة الثانية الرافضة لهذا القانون والممانعة له الأستاذ عبد الوهاب حسين ومعه الأستاذ حسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس وآخرون من قيادات وكوادر الجمعيات السياسية المعارضة.
وحصلت نقاشات مطولة بين تحالف الجمعيات المعارضة، وكانت جمعية الوفاق حينها في وضع لا تحسد عليه؛ حيث واجهت ضغوطاً كبيرة للقبول بخيار التسجيل في قانون الجمعيات باعتبارها أكبر الجمعيات السياسية تأثيراً، ناهيك عن ضغط السلطة، ومن جهة أخرى؛ كانت الجمعيات المتحالفة معها تضغط باتجاه التسجيل وبالخصوص المنبر الديموقراطي والتجمع القومي الذي وصل به الأمر للتهديد بالانسحاب من تحالف المعارضة، كما يوجد ضغط من داخل الجمعية من قبل الفئة التي كانت ترى مسايرة النظام ومداراته في مخططاته بدلاً من الصدام معه.
في نهاية مطاف هذه المسألة، قامت جمعيات المعارضة بالتسجيل في قانون الجمعيات، وقد نتج عن ذلك استقالة شخصيات قيادية في جمعيات المعارضة وطاقم من كوادرها كانوا قد عارضوا التسجيل، وكان من أبرز الشخصيات التي قدمت الاستقالة الرسمية من جمعية الوفاق؛ الأستاذ عبد الوهاب والأستاذ حسين مشيمع الذي كان يشغل نائب رئيس الجمعية، وكذا الدكتور عبد الجليل السنكيس عضو مجلس الإدارة، كما استقال من جمعية وعد الأستاذ علي ربيعة وغيرهم من كوادر جمعية الوفاق الذين كانوا يمثلون خط الممانعة داخل الجمعية، وهذا لا يعنى أن كل من بقى في الجمعية كان راض عن التسجيل؛ بل كانت لديهم نظرة أخرى ترتكز على الحفاظ على وحدة الجمعية ومنع تفكيكها، وكان على رأس هؤلاء الشيخ علي سلمان الذي عانى من ضغوطات هائلة من داخل الجمعية وخارجها دفعت باتجاه الإقرار بقانون الجمعيات[1]. أما الأستاذ عبد الوهاب، فمنذ ٢٠٠٣م عندما خرج من الدائرة القيادية كي لا يتصادم مع المؤمنين، فقد حسم عضويته الرسمية في الجمعية بالاستقالة في ٢٠٠٥م؛ لأنه بالانضمام لقانون الجمعيات السيئ جعل الجمعية مفرغة من الهدف ومقيدة في عملها السياسي المرتهن بيد النظام، فأصبحت “هذه الجمعية لا تمثله” حسب تعبيره.
وبقي الأستاذ يعبّر عن مواقفه وآرائه من خلال مجلسه الأسبوعي ومشاركاته في المحافل العامة، وأصبح المنظّر الفعلي للخط الممانع في الساحة. وباعتبار أن هناك منهجين في المعارضة يمارسان دورهما في الساحة فعلياً وكل واحد منهما له أساليبه ورؤيته إلا أنهما غير مفروزين تحت مسميات، قام الأستاذ فعليا باستخدام مصطلحين يعبران عن هذين المنهجين؛ وهما (المسايرة والممانعة)، ما أثار عاصفة من الانتقادات لهذا الطرح الذي يعزز الانقسام في الساحة؛ حيث يصف البعض بالمساير والآخر بالممانع، وهو طرح استفزازي!!
- [1] راجع الملحق في نهاية الكتيب