خطوة المقاطعة
عندها توجه الأستاذ عبد الوهاب حسين نحو التحشيد للمقاطعة، وقبل أن تتخذ الجمعية قرارها، فلم يشارك بداية في الانتخابات البلدية، ثم صرح علناً للجماهير، من خلال خطاب يوم الجمعة ومن مجلسه ليلة الثلاثاء، عن رفضه للمشاركة في الانتخابات النيابية، داعياً الجماهير لمقاطعة الانتخابات؛ بل وداعياً الجمعية وقوى المعارضة لعدم المشاركة، وبسبب هذه الخطوة الاستباقية حشد الأستاذ عبد الوهاب حسين لمقاطعة الانتخابات النيابية، وأصبح الرأي العام يضغط بهذا الاتجاه، وفي حينها لم تحسم قوى المعارضة موقفها رسمياً بعدُ، وقد أثارت تصريحات الأستاذ عبد الوهاب حسين حفيظة أطراف متعددة من المعارضة؛ سواء الراغبة في المشاركة أو من يرى أن الأستاذ تجاوز العمل المؤسساتي من خلال الجمعية التي ينتمى لها، وأنه اتخذ قراراً منفرداً بعيداً عن القرار الرسمي لجمعية الوفاق، مستغلاً موقعيته الجماهيرية في الترويج لخياره.
كانت هذه النقطة الحساسة التي فتحت باب الخلاف جهاراً، وارتفعت الأصوات المنتقدة لشخص الأستاذ من قبل النخب والشخصيات ذات المواقع في الجمعيات السياسية المعارضة وبدوافع مختلفة، ولو اقتصر النقد على تخطئة مواقف الأستاذ السياسية لكان الأمر هينا، فالأستاذ هو داعية نقد القيادات، وليست لديه إشكالية في هذا الجانب؛ بل هو يواجه الانتقاد المستمر من قبل رواد مجلسه، ولا يزيده ذلك إلا قبولاً ما دام في الإطار التطويري للأداء، لكن ما جعل الأمر مؤسفا جداً هو حملات التشويه التي شُنت على شخصه والطعن فيه؛ من قبيل إثارة موضوع الأفندية والمعممين، والإشكال على صلاته يوم الجمعة!! وأن الأستاذ يساعد على تمكين العلمانيين!! وأنه مستبد برأيه وينادي بالعمل المؤسساتي وهو أول من يخالفه !!
حتى في جمعية التوعية التي كان يترأسها حينذاك، أُثير الموضوع داخل الجمعية حول ازدواجية التصدي السياسي والعمل في جمعية التوعية، حتى أن بعض أعضاء مجلس الإدارة احتج على الأستاذ لاستمراره في اتخاذ مواقف سياسية، وبدأ اثنان من أعضاء مجلس الإدارة على الأقل بمقاطعة جلسات الإدارة، وهددا بالانسحاب ما لم يتوقف الأستاذ عن تصديه للشأن السياسي!! ولكن الأستاذ لم يستجب، وكان يرى عدم التعارض بين الأمرين.
كان الأستاذ يرى بخصوص استباقه الإعلان عن المقاطعة ضرورة فرضتها الظروف؛ لأنه في اللحظة التي سينحرف فيها القطار عن السكة، لابد من التدخل السريع كي يعود لمساره .
وعلى أي حال؛ شكّل الضغط الشعبي المؤيد للمقاطعة حينها ورقة ضاغطة على القرار الرسمي للجمعيات المعارضة وعلى رأسها الوفاق، مما اضطر أصحاب القرار الراغبين في المشاركة إلى اتخاذ الصمت أو الانحياز راضخين للخيار الشعبي.
وأكرر؛ إن التركيبة المتنوعة التي تشكلت على أساسها جمعية الوفاق، أثرت بشكل كبير على توجهات الجمعية وقراراتها، وقد ظهر ذلك بشكل جلي في الاجتماع الذي عقده مجلس إدارة الجمعية آنذاك لمناقشة المشاركة أو المقاطعة للانتخابات، مع أن الخيار الجماهيري كان متجهاً نحو المقاطعة، إلا أن نتيجة التصويت داخل مجلس الإدارة جاءت بالمناصفة !!
وبقي صوت رئيس الجمعية سماحة الشيخ علي سلمان الذي بالضرورة لابد أن يحفظ التوازن داخل الجمعية، فامتنع في ذلك الاجتماع عن التصويت، وأحال الموضوع للمناقشة في شورى الوفاق، وحسم القرار بعدها بالمقاطعة، عندها بدأت تلك الفئة المتسلقة بالانسحاب من الجمعية وعلى رأسها الدكتور نزار البحارنة الذي أصبح لاحقاً وزيراً لدى السلطة!! وبمعية المحامي عبد الشهيد خلف والشيخ عبد النبي الدرازي، أسسوا جمعية بديلة، وقد أجهض قيامها سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم بعد تدخله في الموضوع، وأثنى الشيخ عبد النبي على موقفه من تأسيس جمعية أخرى، ولكنه انتخب عن العمل السياسي، وكان أحد المصرّين على المشاركة في تلك الانتخابات.
هذه الفئة التي انسحبت من الجمعية كانت تشكل عبئا على الجمعية وروجت للسلوك المساير للنظام، وكان خروجها مبعث ارتياح للكثيرين من المبدئيين والمضحين، ولكن بقى الكثير منهم داخل أروقة الجمعية بسوّق لهذا النهج وبطريقة ناعمة ومرنة، ومتى ما سنحت الفرصة للتسلق ظهروا على السطح مرة أخرى.
في ذلك الحين لزم سماحة آية الله قاسم الصمت تجاه خياري المشاركة أو المقاطعة لمصلحة كان يراها، بينما واصل الأستاذ عبد الوهاب التحشيد للمقاطعة، وتوسعت دائرة المقاطعة مع قرار الجمعية بعدم المشاركة، وتبعتها الجمعيات السياسية المعارضة، ولكن الأستاذ عبد الوهاب حسين كان يرى عدم كفاية مقاطعة الانتخابات، فهذه خطوة أولى، والمعارضة محتاجة لتفعيل المقاطعة عبر برامج فاعلة ورؤية واضحة.
وبالفعل تمت مقاطعة الانتخابات النيابية ٢٠٠٣م، وانتُخب مجلس هزيل بمشاركة شعبية ضعيفة جداً، وجاء الوقت المناسب لتفعيل المقاطعة عبر مشروع تتفق عليه قوى المعارضة من خلال تجمعها في المؤتمر الدستوري، وقد قدم الأستاذ برنامجاً للمقاطعة ولكن ماذا حصل؟
تعليق واحد