لماذا قبِل الأستاذ التفاوض من داخل السجن؟
لو نظرنا بشكل موضوعي ومنصف للظروف التي أحاطت بالواقع السياسي والميداني آنذاك من جهة، ومن جهة أخرى إلى طبيعة المطلب وحجمه، سنجد أنه ما كان بالإمكان أفضل مما كان. وفي ظل عدم وجود قيادة متصدية خارج السجن، وتوقف المحرك الشعبي والجمود الميداني والسياسي، فُرض على الشيخ الجمري والأستاذ عبد الوهاب حسين القبول بالتفاوض على قاعدة حصول إصلاحات سياسية تنتج المطالب التي قامت عليها انتفاضة الكرامة. وهنا استند الأستاذ على المعطيات التالية عندما دخل في المفاوضات مع النظام:
- سقف المطلب المحدود والمتمثل بالبرلمان وتفعيل دستور 73، والذي لا يعطي مجالاً للمناورة؛ خصوصاً وأنه سقف في حدود النظام، فبمجرد قبول السلطة وإذعانها للحوار، لم يعد هناك مجال ولا عنوان للتصعيد حينها.
- توقف الحراك والضعف الميداني وفقدان أوراق الضغط على الطرف الآخر.
- عدم تصدي قيادة بديلة للحراك تُبلور حراكاً فاعلاً، وانقطاع القيادة في داخل السجن عن الجماهير، أوجد فراغاً كبيراً لا يمكن رتقه إلا عبر إعادة التموضع في الخيارات السياسية.
- مستوى الوعي الجماهيري العام لم يرتقِ بعدُ لمستوى إدراك طبيعة المطالب وحجم التضحيات المطلوبة وما يجب أن يرافقها من صبر ومشقة.
- ومن أهم العوامل المؤثرة والتي كان للأستاذ عبد الوهاب حسين مراجعة نقدية لها؛ هو مركزية القرار في كل مراحل الصراع، فالأستاذ يرى بأن مجرد تعرض القيادة للضغط الشديد أو يعرض عليها الوهن مع كون القرار المركزي بيدها، سيؤدي ذلك إلى ضرب الحراك في مقتل؛ خصوصاً إذا كانت القراءة للأمور خاطئة، مما سيؤدي إلى انتزاع المواقف التي تخدم مخطط السلطة؛ لذا في تجربة ثورة 2011م، طرح الأستاذ تكتيك اللامركزية في القرار الثوري كبديل عن القصور المجرب في انتفاضة الكرامة.
للمعطيات السابقة، وجد الأستاذ التعاطي بإيجابية مع دعوة النظام الحاكم الحوار آنذاك، ودخل معهم في جولات حوار من داخل السجن وخارجه حتى تمخض عن ذلك لاحقاً (الميثاق)،والذي دعا إلى التصويت عليه سماحة الشيخ الجمري والأستاذ عبد الوهاب حسين، وقد سبقه خروج دفعات متوالية من المعتقلين حتى جاء عام 2001م؛حيث نضجت نقاط الحوار بين قادة الانتفاضة والحكومة.