كلمة الشهید سماحة السيد حسن نصرالله بعد حادثة تفجير البيجر
لتحميل الخطاب بصيغة PDF اضغط هنا
أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم، بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد الله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا ونبينا خاتم النَّبيين أبي القاسم محمَّد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطَّاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، ما دعاني إلى الحديث اليوم هو التطورات التي حصلت خلال هذين اليومين بالخصوص يوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، أنا كُنت أُوفر نفسي للذكرى السنوية لطوفان الأقصى لأعرض في خدمتكم تقييماً شاملاً وكاملاً وعميقاً حول أحداث عام كامل من المواجهة الدامية لمحور المقاومة مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب، لكن بكل الأحوال ما حصل في هذين اليومين بالتأكيد هو يستدعي كلاماً وتقييماً وموقفاً.
ذكرى ولادة رسول الله والإمام الصادق (ع)
قبل أن أبدأ بطبيعة الحال في هذه الأيام يجب أن أُبارك للمسلمين جميعاً ذكرى ولادة رسول الله الأعظم أبي القاسم محمد بن عبد الله (ص) الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين خاتم النبيين وسيد المرسلين، والرجل الذي أصبح أمة عظيمة خالدة إلى يوم القيامة، وأيضاً أن أبارك من المسلمين وللجميع ذكرى ولادة حفيده الإمام جعفر الصادق (ع)، الأستاذ الأعظم للفقهاء والعلماء والأئمة والذي قدر له أن ينشر من علوم رسول الله (ص) ما جدد حياة الإسلام لمئات السنين، وأيضاً يجب أن أُلفت أنه كان اليوم من المفترض أن نُقيم ذكرى أربعينية للراحل آية الله الشيخ حسن طراد رحمة الله عليه ولكن بسبب الظروف التي استجدت تم تأجيلها، ونحن فقدنا برحيل سماحة آية الله الشيخ حسن طراد مجتهداً وفقيهاً وعالم كبيراً وأستاذاً جليلاً وقمة في الورع والأخلاق والتقوى والصدق والإخلاص والحضور المعنوي والروحي والأبوي، وكان أباً للجميع وداعماً قوياً للمقاومة وخصوصاً للعمليات الاستشهادية رحمة الله عليه ورضوان الله عليه.
محاور الحديث حول تفجير البيجرات والجبة في الجنوب
أَود أن أَبدأ من قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم <إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين> ويقول تعالى: <وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا>.
في حديثي عن التطورات لقد أعددت ثلاثة مقاطع: المقطع الأول، بالجانب الأخلاقي والإنساني لما شهدناه هذين اليومين، المقطع الثاني فيما حصل وكيفية التعاطي معه، المقطع الثالث هو الموقف العام الموقف السياسي والجهاد العام الذي يجب أن نتخذه أمام هذه التطورات.
المحور الأول: الجانب الأخلاقي والإنساني لما شهدناه هذين اليومين
تعزية وتضامن مع عوائل الشهداء والجرحى
يجب أن أتوجه إلى عوائل شهداء هذه الأيام سواء شهداء التفجيرات في الداخل أو شهداء الجبهة في الجنوب بأحر التعازي لفقد الأحبة وأعلى التبريكات لحصول هؤلاء الأحبة على الوسام الإلهي الكبير والعظيم والشهادة، وأتوجه إلى الجرحى جميعاً بالدعاء لهم بالشفاء العاجل والصبر وطاقة التحمل إن شاء الله، وسأعود إلى موقف الجرحى وعوائل الشهداء وجمهور المقاومة في سياق الكلمة.
شكر وامتنان للجهود الإنسانية في لبنان
الشكر للحكومة اللبنانية ولوزارة الصحة والمستشفيات والمراكز الصحية ومؤسسات دفاع المدني بمختلف أسمائها ومسمياتها والإسعاف والهيئات الصحية والأطباء والممرضين والذين أبلوا بلاءً حسناً، هناك أطباء يعملون في الليل وفي النهار. طبعاً لدينا مشكلة في لبنان لأن حجم الإصابات بالعيون كبير والمستشفيات غير مهيئة لهذا المستوى من الإصابات لذلك في ضغط وأحياناً يكون هناك تأخير، لكن هذا سببه الضغط وليس التقصير، بالعكس ما شهدناه هذين اليومين وهذه الأيام هو تعاطي إيجابي وجدي وكبير واهتمام عالي يُشكرون عليه، الشكر لكل الذين تبرعوا بالدم في مختلف المناطق اللبنانية، حتى قيل أن ما حصل يوم الثلاثاء من تبرع بالدم كان أكبر عملية تبرع بالدم في تاريخ لبنان، الشكر لكل من بادر في نقل جريح لأنه كما رأيتم بالطرقات على كتفه أو في سيارته أو على دراجته، الشكر لكل الذين أعلنوا استعدادهم للتبرع بأعضاء من أجسادهم لهؤلاء الجرحى، الشكر لكل الأطباء الذين فتحوا أبواب عيادتهم بالمجان وليل نهار، الشكر لكل الناس لأهلنا الطيبين في لبنان لشعبنا اللبناني العزيز في مختلف المناطق الذين تضامنوا وتعاطفوا وعبروا عن مشاعر صادقة بمعزل عن الاعتبارات الطائفية والسياسية والخلافات والخصومات الموجودة، الشكر لكل القيادات المتضامنة من الرؤساء، إلى المرجعيات الدينية والسياسية، الوزراء، النواب، الأحزاب، التيارات السياسية، النخب والمؤسسات الإعلامية والاجتماعية والثقافية والنقابية وغيرها.
بركات الدماء الزكية وتضامن الوطني الإنساني والدولي
من بركات هذه الدماء الزكية وهذه المظلومية التي عشناها خلال هذه الأيام أننا شهدنا من بركاتها أننا شهدنا في لبنان مجدداً ملحمة إنسانية وأخلاقية كبرى على المستوى الوطني والإنساني لم نشهدها منذ وقت طويل، وهذه من نعم الله سبحانه وتعالى ومن بركات هذه الدماء وهذه التضحيات، يجب أن نتوجه بالشكر أيضاً للدول التي سارعت بتقديم الدعم وأرسلت طواقم طبية ومواد وتجهيزات طبية الحكومة العراقية، الجمهورية الإسلامية في إيران التي أرسلت أيضاً طائرة لنقل عشرات الجرحى، تم نقلهم بالأمس وستأتي طائرات أخرى، للحكومة السورية التي فتحت لنا أيضاً أبواب مستشفياتها وتم نقل عدد من الجرحى إلى مستشفيات دمشق والشكر لكل الدول التي اتصلت بالحكومة اللبنانية وأعلنت عن استعدادها للدعم، والشكر لكل من أدان هذه الجريمة البشعة الإسرائيلية من دول العالم ومن أحزاب وحركات ومؤسسات ونخب، وخصوصاً قوى محور المقاومة في فلسطين واليمن والعراق وسوريا وغيرها. هذا أولاً شكر وأولاً وآخراً الشكر لله سبحانه وتعالى على بلائه وامتحانه وإعانته وعونه ودفعه للمزيد من البلاء.
المحور الثاني: تفجير البيجرات وكيفية التعاطي معها
ملخص الأحداث يومي الثلاثاء والأربعاء
ما حصل يوم الثلاثاء والأربعاء، يوم الثلاثاء أنا أُريد أن أُوصف في اختصار كمدخل وإلا معروف لكم ما الذي حدث. تم استهداف من قبل العدو الإسرائيلي آلاف أجهزة البيجر وتم تفجيرها في وقت واحد، العدو تجاوز في هذه العملية كل الضوابط والقوانين والخطوط الحمراء، لم يكترث لأي شيء على الإطلاق لا أخلاقياً ولا إنسانياً ولا قانونياً، التفجيرات وقعت بعضها في مستشفيات لأنه في بعض حملة البيجر كانوا يعملون في المستشفيات، في مستشفيات، في صيدليات، في أسواق، في محلات، في بيوت، في سيارات، في الطرقات العامة حيث يتواجد الكثير من المدنيين ومن النساء والأطفال، يعني هو أراد أن يستهدف رجال حزب الله ومقاتلي حزب الله ولكن هو كان يستهدف كل هذا المحيط الذي يتواجدون فيه، وهو استخدم وسيلة مدنية مستعملة لدى شرائح كبيرة في المجتمع في العالم وليس عندنا فقط، مستشفيات وأطباء وشركات تجارية ومؤسسات نقل، ثم عاود ذلك يوم الأربعاء بتفجير أجهزة لاسلكية أيضاً، غير مكترث بأماكن حملتها، لم تفرق معه شيئاً هؤلاء يحملون جهاز لاسلكي بمستشفى، بصيدلية، بالشارع، بالبيت وليس شرط أن يكون حامله لو وضعه على الطاولة. بنتيجة هذا العدوان ارتقى عشرات الشهداء وبينهم أطفال ونساء ومدنيون وأصيب الآلاف بالجراح، بجراح مختلفة فتظهر الأرقام الحقيقية مع الوقت لأن الكثير من الإخوة والناس ممن أصيبوا دخلوا إلى المستشفى وخرجوا يعني في ناس غير محسوبين ويوجد ناس محسوبين مرتين أو ثلاثة، على كلٍ مع الوقت يتبين العدد ولكن العدد كبير جداً.
استهداف العدو ونواياه الإجرامية
لنحكي بنوايا العدو الآن ماذا حدث شيء ثاني! هو يستهدف مجموعة بيجر سيأتي الوقت لنحكي عنها بالتفصيل، يفترض أو يعلم أن عددها يتجاوز الأربعة آلاف جهاز وهو يفترض أن الأربعة آلاف جهاز موزعين على شباب حزب الله أخوة وأخوات في وحدات ومؤسسات مختلفة، عندما قام بتفجير أجهزة البيجر هذه، يعني هو كان يتعمد بالنية أولاً، كان يتعمد قتل أربعة آلاف إنسان في دقيقة واحدة، في الحد الأدنى قتل أربعة آلاف إنسان في دقيقة واحدة، هذا غير يوم الأربعاء الخاص بالأجهزة اللاسلكية، نحن لا زلنا نتكلم فقط عن البيجر بمعزل عن عدد الذين يمكن أن يقتلوا في محيطهم بالمستشفى والصيدلية والسوق والبيت والسيارة والمشاكل والطريق، هذه نية العدو وهذا مستوى الإجرام الذي أقدم عليه، ثم في اليوم الثاني أيضاً كانت نيته قتل الآلاف ممن يحملون الجهاز اللاسلكي أو يستفيدون منه، طيب إذا أردنا أن نقول الآلاف سنقول ألف لأنه يوجد مئات الجرحى وعشرات الشهداء أيضا يوم أمس، طيب إذا اردنا أن نختصر العدد ونقلله أيضاً نقول على مدى يومين، وفي دقيقة واحدة يوم الثلاثاء وفي دقيقة واحدة يوم الأربعاء كان العدو الإسرائيلي يريد أن يقتل ما لا يقل عن خمسة آلاف إنسان في دقيقتين وبدون اكتراث لأي ضابطة، وليس لديه أي مشكلة أين يقتل وكيف يقتل، وسيأخذ بعين الاعتبار أيضاً انه حتى لو أُصيبوا بالجراح حالة الإرباك التي ستسود، قدرة المستشفيات على استيعاب هؤلاء الجرحى لأن كثيراً من هؤلاء الجرحى سيموتون.
ماذا يمكننا أن نسمي هذا العمل الإجرامي؟
ماذا يمكن أن نُسمي هذا العمل الإجرامي؟؟ هو عملية إرهابية كبرى، هو إبادة جماعية، هو مجزرة، نحن سنتبنى مصطلح مجزرة الثلاثاء ومجزرة الأربعاء أو مجزرتي الثلاثاء والأربعاء لتضاف إلى مجازر العدو الكبرى في مجمل الصراع القائم مع هذا العدو منذ تأسيس، منذ إيجاد هذه الغدة السرطانية في منطقتنا، وهذا الشر المطلق في منطقتنا، إبادة جماعية، عدوان كبير على لبنان وشعبه ومقاومته وسيادته وأمنه، جرائم حرب أو إعلان حرب يمكن أن تُسميها أي شيء وتستحق تلبس تحتمل أنك تسميها أي شيء، طبعاً هذه كانت نية العدو، الله سبحانه وتعالى برحمته الواسعة وبلطفه وبكرمه سلم كثيراً ودفع الكثير من البلاء، دفع الكثير من البلاء لماذا؟ لأنه من جهة، كثير من هذه الإصابات كانت طفيفة وكان يمكن أن يكونوا في عداد الشهداء، عدد من هذه البيجرات كانت خارج الخدمة أي مطفأة، وبعضها كان بعيداً عن الإخوة، وبعضها لم يُوزع أساساً.
بلطف الله والجهود البشرية لم يحقق العدو هدفه بقتل 5000 شخص
بعناية الله سبحانه وتعالى ورحمته ولطفه وأيضاً الجهود البشرية التي بدأنا بشكرها، ما في شك اللهفة التي رأيناها عند الناس لم يترك جرحى بالأرض، لم يترك جرحى بالطرقات، الإسعافات، الدفاع المدني، جمعيات الصليب الأحمر، الهلال الأحمر، الهيئات الصحية، الكشاف، الناس، لهفة الناس، حضور الناس، تعاون الجميع الجيش، الأجهزة الأمنية، الطرقات، المستشفيات، الأطباء، على كلٍ هذا كله ضيع تحقيق هذا الهدف بالنسبة للعدو، ضيع تحقيق هذا الهدف بنسبة كبيرة، إذا قلنا أحد أهداف ما جرى يومي الثلاثاء والأربعاء كان قتل 5000 إنسان، بنعمة الله ولطفه وبالجهود البشرية المخلصة الصادقة والهمة العالية والغيرة والحمية والحضور الكبير لفئات ومجتمعات فئات شعبنا المختلفة الرسمي والشعبي تمّ تعطيل جزء كبير من هذا الهدف.
أما ما حصل، كيف حصل وما حصل، نحن شكلنا لجان تحقيق داخلية متعددة فنية وتقنية وأمنية وندرس كل السيناريوهات والاحتمالات والفرضيات في موضوع التفجيرات، وصلنا إلى نتيجة شبه قطعية ولكننا ما زلنا نحتاج إلى بعض الوقت، لكن مجمل هذا الملف هو قيد التحقيق والمتابعة الدقيقة سواءً من الشركة التي باعت إلى التصنيع إلى النقل إلى الوصول إلى لبنان إلى الإجراءات هنا في لبنان إلى التوزيع من المنتج إلى المستهلك إلى لحظة التفجير، هذا كله سنصل فيه خلال وقت قصير إن شاء الله إلى نتائج واضحة ويقينية ويبنى حينئذ على الشيء مقتضاه، لن أدخل الآن ولن أعجل وأدخل الآن في هذا الجانب الفني والتقني، لأنه يوجد تحليلات واحتمالات ونظريات، فلننتظر قليلاً لنصل إلى ما هو يقيني وأكيد، لكن لا شك نحن ناس واقعيين ولا نُكابر، لا شك أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنياً وإنسانياً وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان، بالحد الأدنى غير مسبوقة في تاريخ لبنان، هذا المستوى من العدوان وقد يكون غير مسبوق في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي على مستوى كل المنطقة، وقد يكون غير مسبوق في العالم، هذا النوع من القتل ومن الاستهداف ومن الجريمة استخدام بيجرات يحملها الناس أو أجهزة لاسلكي وتفجيرها بهم بمعزل عن المحيط الذي يتواجدون فيه، نعم نحن تلقينا ضربة كبيرة وقاسية لكن هذه حال الحرب أيضا وحال الصراع، ونحن نعرف أن عدونا لديه تفوق ولم نقول غير ذلك في يوم من الأيام، تفوق على المستوى التكنولوجي لأنه هنا لا يوجد فقط الإسرائيلي، الأمريكي معه والغرب معه والناتو معه وكل القوى التي تملك أحدث تكنولوجيا وأحدث القدرات التكنولوجية في العالم هي في الجبهة المقابلة، وعندما ندخل في هذا الصراع نحن نُراهن على الجهد والجهاد والتضحيات والوقت والاستنزاف وتراكم النقاط لِننتصر وقد انتصرنا وانتصرنا وانتصرنا حتى الآن.
لكن طبيعة الحرب طوال التاريخ أياً يكن الأطراف في هذه الحرب هي سجال، الحرب سجال يوما لنا من عدونا ويوم لعدونا منا، يوم نُساء ويوم نُسر، يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء كانت بالنسبة إلينا أيام ثقيلة ودامية، وكانت أيضاً امتحاناً كبيراً، استطعنا بعون الله تعالى وما سأتحدث عنه أيضاً بعد قليل وسنتمكن إن شاء الله من تجاوز هذا الامتحان بشموخ وبرؤوس مرفوعة، المهم أن لا تُسقطك الضربة مهما كانت كبيرة وقوية، وأقول لكم بكل اطمئنان وثقة وتوكل على الله سبحانه وتعالى، هذه الضربة الكبيرة والقوية وغير المسبوقة لم تُسقطنا ولن تُسقطنا إن شاء الله، من خلال هذه التجربة ودروسها وعبرها سنصبح أقوى وأمتن وأشد صلابةً وعزماً وعوداً وقدرةً على مواجهة كل الاحتمالات وكل المخاطر.
المحور الثالث: ما هي أهداف العدو من هذه المجزرة الدموية؟
الهدف الأول للعدو: توقف الجبهة اللبنانية وفصلها عن الجبهة الفلسطينية
السياق والأهداف، أنا كتبت بهدف الاستفادة من الوقت، مهم لنا للمواجهة وللرد ولتعطيل الأهداف أن نفهم هدف العدو من خلال هذه الجريمة الكبرى، للتذكير طوفان الأقصى 7 تشرين الأول 2023 بعد أسابيع قليلة سنكون أمام الذكرى السنوية الأولى، عام كامل مضى على هذا الطوفان المبارك، في 8 تشرين الأول فُتحت جبهة الإسناد اللبنانية وتواصلت حتى الآن هذه الجبهة، كانت فاعلة ومؤثرة وضاغطة جداً على العدو، والدليل ما يفعله العدو، لا يهمني ما يُقال هنا وهناك، تعرفوني هناك نقاش حول هذا الموضوع، لأن هناك ناس اتخذوا من اليوم الأول خط أنه لا توجد جدوى ولا فائدة ولا تنفع ما سميناه تبخيس والتيئيس وما شابه، المهم ما يقوله العدو وما يعترف به العدو، عندما نستمع إلى قادة العدو الحاليين والسابقين ووزراء دفاع وجنرالات ورؤساء أركان ونواب رؤساء أركان وقادة فرق وقادة مناطق عسكرية ورؤساء أجهزة أمنية في كيان العدو كيف يقيمون جبهة الشمال، هذا هو المهم، ليس المهم من يجلس ويقيم بخلفية وأصلاً ليس لديه لا معطيات ولا معلومات ولا متابعة ولا يعرف ما الذي يوجد في الجبهة ولا يعلم ماذا يوجد في قلب الكيان وماذا يقولون، هذا إذا احسنا الظن، مثلاً عندما يقول أحد نائب رئيس أركان سابق يقول ما يجري في الشمال على مدى الأشهر الماضية هو أول هزيمة تاريخية لإسرائيل في الشمال، آخرون يقولون لا شك أن حزب الله يُحقق إنجازات استراتيجية في الشمال، هم يتحدثون عن إنجازات استراتيجية، هم يتحدثون عن هزيمة تاريخية، هم يقولون أنهم خسروا الشمال، هم يتحدثون عن حزام أمني داخل الكيان وداخل فلسطين المحتلة في الحدود الشمالية لأول مرة منذ 75 عاماً، هم يتحدثون عن حجم التهجير، وهم يتحدثون عن حجم الخسائر الاقتصادية في الصناعة، والزراعة، والسياحة في الشمال، هم يتحدثون عن معركة الاستنزاف، هم يتحدثون عن استنزاف الجيش، جيش العدو في الجبهة الشمالية، ولذلك كل القوات التي جاء بها إلى الشمال من الثامن من تشرين رغم الضيق الذي كان فيه في غزة لم يسحب منها قوات إلى غزة، حتى بالضفة جاء من غزة للضفة لكنه لم يأخذ من الشمال، لأنه لديه تهديد حقيقي في الشمال ولديه جبهة حقيقية في الشمال، لديه مشكلة في القوات، قبل يومين إحدى القنوات الإعلامية الإسرائيلية قالت انه بسبب مشكلة عديد القوات سيقومون بتدريب كمية كبيرة من سلاح البحرية، سيتدربون من البحرية إلى المشاة حتى يستطيعون تعزيز القوات التي يحتاجونها، هذه الجبهة تعابيرهم خسرنا الشمال، صراخ أهل الشمال على مدى 11 شهر، هو ما تسبب بهذا الضغط الكبير الذي أجبر نتنياهو وبات مضطراً وغالانت والكل تفضلوا نود المجيء إلى الشمال ونحل مشكلة الشمال، أحد أهم عناصر الضغط على كيان العدو في هذه المعركة، أحد أهم جبهات الاستنزاف إلى جانب الجبهات الأخرى جبهة اليمن الكبيرة والعظيمة والمهمة سواءً في البحر الأحمر أو بحر العرب أو المحيط الهندي أو التضامن الشعبي الأسبوعي أو الصواريخ وآخرها صاروخ فلسطين 2، جبهة العراق، هذه الجبهة اللبنانية لا شك إنها جبهة ضاغطة وبقوة، وهي أيضاً من أهم أوراق التفاوض التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية اليوم بتحقيق الأهداف ووقف العدوان.
العدو هنا منذ اليوم الأول أيضاً سعى إلى إطفاء جبهة لبنان، إلى إطفاء جبهة الإسناد اللبنانية، إلى إيقافها وتوقيفها، واستخدم في ذلك الكثير من محاولات الضغط والتهويل، وإن كان في الوضع الميداني التزم بنسبة كبيرة وليس بالكامل بقواعد الاشتباك التي نشأت، وإلا هذه «إسرائيل» التي تُهول بالحرب، ما جرى عليها خلال 11 شهراً، كان في الماضي 1 في المئة منه يدفع «إسرائيل» لِشن الحرب، لكن هذا نتيجة العوامل التي استجدت في الجبهات وتوازن الرعب والردع القائم، محاولة الفصل بين جبهة لبنان وجبهة غزة، التهديد بالحرب، تذكرون على 11 شهر يُحددون مواعيد وبعض الناس هنا في لبنان وفي العالم العربي يُساعدوهم بعد يومين هناك حرب، بعد يومين هناك حرب شاملة، بعد ساعتين ستحصل حرب شاملة، بعد أسبوع هناك حرب شاملة، من 11 شهرًا ونحن نعيش هذه الأجواء، وكل هذا كان هدفه الضغط على الدولة اللبنانية وعلى الشعب اللبناني وعلى المقاومة في لبنان، على كل فصائل المقاومة في لبنان، وبالتحديد على حزب الله، من أجل توقف هذه الجبهة. القتل، اغتيالات القادة، اغتيالات الأفراد والمجاهدين، تدمير آلاف المنازل، إرعاب الناس، لا يحلو له جدار الصوت إلا في منتصف الليل، في الجنوب خصوصًا، هذا كله جزء من المعركة. هذه الضربة أيضًا جاءت في هذا السياق، يعني كل المحاولات السابقة فشلت، لم تؤدِ إلى نتيجة، بقيت المقاومة في لبنان مصرة على موقفها فلجأ إلى هذا الأسلوب الذي هو أعلى مستوى إجرامي يمكن أن يُقدم عليه، وهو بظنه هكذا أنّه يُحيّد المدنيين، هو قتل بقلب المدنيين، قتل المدنيين واستهدف منشآت مدنية. هذه الضربة والجريمة الكبرى التي ارتكبها هذا هو هدفها، أنا لا أحلّل، لأنه يوم الثلاثاء من بعد الظهر بعد العملية بساعات وصلت رسائل بقنوات رسمية وقنوات غير رسمية وتقول بوضوح: «هدفنا من هذه الضربة هو أن تتوقفوا عن دعم غزة وأن توقفوا القتال في الجبهة اللبنانية، وإن لم تتوقفوا لدينا المزيد»، هذا يوم الثلاثاء من بعد الظهر، فكان الأربعاء المزيد الذي توعدوا به يوم الثلاثاء. إذًا الهدف واضح، الهدف واضح، الآن ممكن أن يذهب أحد بالهدف أبعد من ذلك ويقول أنّ هذه الضربة كانت تمهيدية وكانت ستلحق بها بعد ساعات عملية عسكرية واسعة كبرى، هذا قابل للنقاش، لكن بالحد الأدنى القدر المتيقن، وهذا ما أُرسل إلينا وبُلّغت به أيضًا الجهات الرسمية في لبنان، أنّ هدف الضربة هو هذا، أصلًا ضمنًا هناك تبني إسرائيلي للموضوع.
إخضاع المقاومة، استسلام المقاومة، توقف المقاومة، خروج المقاومة من هذه المعركة، طبعًا هناك بعض الدول الغربية جاهزين ليعملوا لنا مخرجًا، أن نعمل تسوية معينة، في مجلس الأمن ونقول تطبيق 1701 ونُوقف الحرب، وتُترك غزة وأهل غزة ومقاومة غزة وأهل الضفة وفلسطين وكل المعركة لمصيرهم، وبالتالي كل ما قدّمناه من تضحيات ومن شهداء ومن جهود ومن مواجهات قاسية ودامية خلال عام يكون ذهب سُدى، ونحن لا يمكن أن نفعل ذلك.
إذًا الهدف من هذه الضربة، السياق الذي جاءت به في هذه الضربة والهدف منها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء هو فصل الجبهتين وتوقف الجبهة اللبنانية.
جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة
الجواب باسم الشهداء، باسم عوائل الشهداء، باسم الجرحى في المستشفيات، باسم الذين فقدوا أعينهم وأكفهم، باسم كل الناس الصابرين والصامدين والثابتين والأوفياء، باسم كل الذين تحمّلوا مسؤولية القيام بهذا الواجب الأخلاقي والإنساني والديني في نصرة غزة التي تتعرّض للإبادة الجماعية والقتل الجماعي والجوع والعطش والمرض والحصار، نقول لنتنياهو وغالانت – الذي كانوا سيطردونه ولكن يبدو أنه بقي – نقول لحكومة العدو، لجيش العدو، لمجتمع العدو، جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة، من 11 شهرًا نقول هذا الكلام، ممكن هذا الكلام مُتكرّر الآن، ولكن هذا الكلام يأتي بعد هاتين الضربتين الكبيرتين، بعد كل هؤلاء الشهداء وكل هذه الجراح وكل هذه الآلام أنا أقول بوضوح أيًا تكن التضحيات، أيًا تكن العواقب، أيًا تكن الاحتمالات، أيًا يكن الأفق الذي تذهب إليه المنطقة، المقاومة في لبنان لن تتوقف عن دعم ومساندة أهل غزة وأهل الضفة والمظلومين في تلك الأرض المقدسة، وهذا هو أول رد، هذا هو أول رد، تعطيل الأهداف، يكون كل الذي قام به أنه قتل، جرح، مارس وحشيته، لكن حقّق الهدف!؟ لم يُحقّق الهدف، كما هو الحال في غزة، يقتل ويُبيد، ولكن من 11 شهرًا حتى الآن هدف واحد لم يُحقّق من الأهداف المعلنة للحرب.
طبعًا في سياق هذا الهدف أيضًا هناك هدف ضمني ولكن يخدم نفس الهدف، هو ضرب البيئة، ضرب البيئة، وهناك هدف ثالث هو ضرب البنية.
الهدف الثاني للعدو: ضرب بيئة المقاومة
في الهدف الثاني، ضرب البيئة، بشكل أساسي أين حصلت التفجيرات؟ الضاحية الجنوبية، البقاع، الجنوب، طبيعي لأنّه تواجد شباب حزب الله ومؤسسات حزب الله وحصل بعضها أيضًا في الشمال وفي منطقة جبيل – كسروان، من خلال هذا التفجير الواسع هو يريد أن يضرب هذه البيئة، أن يُتعبها، أن يستنزفها، أن يُخضعها، أن يجعلها تصرخ وتقول للمقاومة ولقيادة المقاومة كفى، مثل ما يحاول البعض من غير بيئة المقاومة، كفى، خلص بزيادة أدّينا قسطنا للعلى، هذا الهدف أيضًا سقط، سقط يوم الثلاثاء، سقط يوم الأربعاء، عندما تسمعون الجرحى في المستشفيات، الذين ما زالوا في المستشفيات أو الذين خرجوا، وكل العالم سمعتهم وشاهدتهم وشاهدت معنوياتهم العالية، وأنا سمعتهم على التلفزيونات، معنوياتهم العالية وصبرهم العظيم، إرادتهم، عزمهم للعودة إلى الميدان، للعودة إلى الجبهات، للعودة إلى القتال، الإصرار على هذه المهمة وهذه الوظيفة وهذه المسؤولية، هذا يكون أيضًا رد على العدو وإسقاط لهذا الهدف. الذي يسمع عوائل الشهداء والذي يسمع عوائل الجرحى وثباتهم وكلامهم وعزمهم وصبرهم وتصميمهم والرسائل التي يرسلونها لنا والخطاب الذي يوجهونه لنا على وسائل الإعلام، نحن نخجل منهم ومن صبرهم وعزمهم وشجاعتهم وإيمانهم واحتسابهم. الرسالة أيضًا أمس واليوم وأول أمس في تشييع الشهداء، هذا التشييع الضخم في كل القرى وفي كل البلدات وفي كل المدن، وما يُردّده المشيّعون للشهداء من شعارات ومن هتافات، هذا رد البيئة، وأيضًا رد البلد كله من خلال التضامن والتعاطف، إذا كان هو يتوقع أنّه من خلال هذه المجزرة وهذه الجريمة هذا سوف يؤدي إلى المزيد من الانقسام أو الشرخ أو التخاذل على المستوى الوطني واللبناني، الذي حصل هو العكس.
الهدف الثالث للعدو: ضرب بنية المقاومة
من جملة الأهداف أيضًا ضرب البنية، بنية المقاومة، طبيعي هو يفترض أنّه جزء كبير من هذه «البيجر» أو أجهزة اللاسلكي يحملها مسؤولون كبار ومفاصل أساسية في المقاومة، طبعًا الأمر لم يكن كذلك لأنهم يحملون «بيجر» قديمة، «البيجر» الجديدة ذهبت إلى أماكن أخرى. في كل الأحوال هو كان يقصد قتل أكبر عدد ممكن من القادة، من المسؤولين، ضرب المفاصل، هز وزلزلة البنية، بل نظام القيادة والسيطرة، وبالتالي أن تشيع حالة الفوضى والارتباك والضعف والوهن في بنية حزب الله وفي بنية المقاومة، وهذا لم يحصل، أقول لم يحصل لحظة واحدة على الإطلاق، لم يحصل لحظة واحدة على الإطلاق، منذ اللحظة الأولى القيادة والسيطرة والإدارة ومُتابعة الأحداث بالتفصيل كانت قائمة وإعلان الجهوزية في الجبهة، جهوزية كل الأسلحة وكل القوات، لأنّه كان عندنا أيضًا احتمال أن يبدأ هجوم ما إسرائيلي وكان من واجبنا أن نحتاط.
في كل الأحوال، اليوم أيضًا أؤكد لكم أنّ هذه البنية لم تتزلزل ولم تهتز، لم تتزلزل ولم تهتز، بل أقول لكم أكثر من ذلك، بحمد الله عزّ وجل وبتراكم الجهود وبركة دماء الشهداء وتضحيات المجاهدين والجرحى والقادة والكوادر في كل المستويات من 1982 إلى اليوم هذه البنية هي من القوة والمتانة والقدرة والعدّة والعديد والتماسك ما لا تهزّه جريمة كبرى بهذا الحجم، كونوا مطمئنين، لكل الأصدقاء والمحبين الذين قلقوا في العالم ومن حقّهم، لأنّ الذي حصل ضخم وكبير، أود أن أطمئنهم من موقع المعرفة والمسؤولية وليس من موقع المكابرة على الإطلاق. بنيتنا الحمد لله كبيرة وقوية ومُتماسكة وقدراتنا كبيرة واستعداداتنا عالية، وليعرف العدو أنّ ما حصل لن يمس لا بُنيتنا ولا إرادتنا ولا عزمنا ولا تماسكنا ولا قدرتنا ولا نظام القيادة والسيطرة عندنا ولا جهوزيتنا ولا حضورنا في الجبهات، بل سيزيدنا قوةً ومتانةً وصلابةً وحضورًا، وكونوا على يقين من ذلك.
هذا في هذا الجزء من تعطيل الأهداف. إذا كان الهدف فصل الجبهتين لا يحلم، إذا كان الهدف تزلزل البيئة لا يحلم، هو حتى الآن هو أحمق وغبي، وهناك أناس عندهم قالوا أنّه صحيح هم في التكنولوجيا على درجة عالية من الذكاء ولكن بما فعلوا كشفوا للعالم أنهم على درجة عالية من الغباء، لأنه لا يستطيع أن يُحقّق أهدافه، حتى الآن هو لا يفهم العمق المعنوي والثقافي والإيماني لهذه البيئة ولهذه المقاومة ولهؤلاء الناس، وأيضًا على المستوى الوطني وأيضًا على مستوى بنية المقاومة.
المحور الرابع: تتمة الحقيقة
تحديات الشمال وأهداف العدوان
في الأسابيع الأخيرة بدأ الكلام عن الشمال – طبعًا الكلام عن الرد أعود إليه بآخر الكلمة – بدأ الحديث عن نقل الثقل إلى الشمال وجبهة الشمال والحرب في الشمال والضغط، طبعًا الحديث مُتفاوت، أي هناك أناس يتحدثون عن تصعيد عسكري، وهناك أناس يتحدثون عن شبه حرب، وهناك أناس يتحدثون عن أيام قتالية، هناك أناس يبالغون ويقول لك حرب شاملة، الآن لا أريد الدخول بتحليل هذا الموضوع لأنّه ليس هناك من داعٍ، الأيام هي ستكشف هذه الحقائق، لكن كل هذا الذي يقولونه عن الشمال وضعوا له هدف، نحن دائمًا نقول المهم أن تلحق الهدف وتعطل الهدف وأن تهزم العدو وتُفشل العدو من خلال منعه من تحقيق هدفه، معركة المقاومة هكذا، بكل التاريخ هكذا كانت معركة المقاومة، مقاومة الشعوب. ما هو الهدف الذي أعلنت عنه حكومة العدو وعلى أساسه فوّضت نتنياهو وغالانت بالجبهة الشمالية؟ إعادة سكان – بتعبيرهم – سكان الشمال إلى الشمال بشكل آمن، هذا الهدف، وزادوه على أهداف الحرب، يعني كانت أهداف الحرب المعلنة التي لها علاقة بغزة ثلاثة، الآن صار هناك هدف رابع اسمه إعادة السكان، يعني بتعبيرنا نحن إعادة المستوطنين المحتلين لشمال فلسطين المحتلة إلى المنطقة الحدودية مع جنوب لبنان، هذا هو الهدف، أتستطيع تحقيق هذا الهدف؟ أنت يا نتنياهو، أمس كان «منتشي» قليلًا وكذا، حسنًا، أنت وغالانت وكل جيشك وحكومتك وكيانك، هنا التحدي، نحن قبلنا هذا التحدي من 8 تشرين الأول، واليوم أيضًا نقبل هذا التحدي، وأنا أقول لنتنياهو ولغالانت ولجيش العدو ولكيان العدو لن تستطيعوا أن تعيدوا سكان الشمال إلى الشمال، لن تستطيعوا أن تعيدوا المستوطنين المحتلين المغتصبين إلى المستعمرات في الشمال، وافعلوا ما شئتم، لن تستطيعوا، هذا تحدي كبير بيننا وبينكم، السبيل الوحيد وهذا قلنا منذ 8 تشرين الأول والآن على مقربة انتهاء عام نعيده، ونقول السبيل الوحيد هو وقف العدوان والحرب على أهل غزة وعلى قطاع غزة، وطبعا على الضفة الغربية، هذا الطريق الوحيد، غير هذا حل، لا تصعيد عسكري وقتل ولا اغتيالات ولا حرب شاملة تستطيع أن تعيد الشمال إلى الحدود أبدا، إن شاء الله، بل بالعكس ما ستقدمون عليه سيزيد تهجير السكان في الشمال، سيبعد فرصة العودة الآمنة لهؤلاء، وأنتم تعرفون ذلك ولا أريد أن أزيد لأننا منذ 11 شهرا إلى اليوم نقاتل مستوى معين من القتال، إذا هذا أيضا التزامنا.
الحديث عن الحزام الأمني في الشمال ورؤية المقاومة
يوجد أمر آخر أيضا يجب أن نتكلم عنه بوضوح هو هذا الأحمق قائد المنطقة الشمالية الذي يقترح حزاما أمنيا داخل الأراضي اللبنانية، أولاً نحن نتمنى أن يدخلوا إلى أرضنا اللبنانية، نتمنى ذلك، أتعرفون لماذا؟ لأنهم على الحدود مواقعهم محصنة جداً ومن النادر أن نرى دباباتهم تتحرك، اليوم بمجرد ما تحركت دبابة قام الإخوان بضربها، الإجراءات التي أقاموها للاختفاء والتخفي والانتقال يجعل من الصعب كشفهم، نحن نبحث عن الجندي والدبابة «بالسراج والفتيلة» في الليل والنهار، ونحتاج إلى جهد معلوماتي واستخباري يومي لِنحدد أماكن هؤلاء ونستهدفهم، أما إذا أتوا إلينا أهلا وسهلا، ما يعتبره هو تهديد نعتبره نحن فرصة، بل نعتبره فرصة تاريخية، بل نتمناها، لأنه أكيد سيكون لها تأثيرات كبرى على هذه المعركة، هذا من حيث المبدأ، وثانياً، ماذا يقول هو، أنه سيقوم بحزام أمني، يظن بذلك أنه يستطيع أن يُعيد المستوطنين ويعيشون بأمان، لديه شبهة، هو يقيس على تجربة 1978، عندما أقاموا حزاماً أمنياً في الجنوب، ويعودون بعد ذلك لِيوسعوا الحزام الأمني بال1982 إلى عام 2000، الحزام الأمني المعروف الذي نُسميه في لبنان منطقة الشريط الحدودي المحتل، حسناً، هنا لديه شبهة وقياس خاطئ، ما هي؟ بالعام 1978 المقاومة التي كانت قبل ال1982 وبعد العام 1982 المقاومة التي أكملت ونشأت أيضا، يعني التي كانت موجودة وأكملت أو التي نشأت مثل حزب الله بعد ال1982 كل فصائل المقاومة حزب الله حركة أمل، فصائل جبهة المقاومة الوطنية بأحزابها المختلفة، فصائل المقاومة الإسلامية وقتها كان الجماعة الإسلامية وحركة التوحيد الإسلامي، أيضا كانوا بسياق المقاومة الإسلامية، كان يوجد تبني نحن كلبنانيين انه عملياتنا وقتالنا يكون داخل الأراضي اللبنانية لأن الهدف هو تحرير الشريط الحدودي المحتل، ولذلك منذ العام 1982 إلى ال2000 نحن لم نقم بعمليات داخل فلسطين المحتلة، كان تركيز كل فصائل المقاومة اللبنانية على منطقة الشريط الحدودي واستنزاف جيش العدو وعملائه ليفرضوا عليه الخروج من أرضنا، نعم بعد 1992 أُقيمت معادلة يتم من خلالها استهداف المستعمرات عندما يستهدف المدنيون في الجنوب، هذا لاحقاً عبر عن نفسه بتفاهم تموز في العام 1993 وعبر عن نفسه بتفاهم نيسان في العام 1996، وإلا لم يكن هناك هدف اسمه العمليات في شمال فلسطين المحتلة، اليوم الموضوع مختلف، أنت مشتبه، إذا كُنت أنت تتصور أنك إذا دخلت وأقمت حزاماً أمنياً المقاومة ستنشغل معك إذا استطعت، ستنشغل معك في القتال داخل الحزام الأمني؟ وستركز عملياتها فقط على الحزام الأمني، كلا، إذا دخلت إلى الحزام الأمني سوف يستمر استهداف المواقع العسكرية والثكنات العسكرية والمراكز العسكرية وأيضا المستعمرات رداً على استهداف المدنيين في شمال فلسطين المحتلة، بل ستتوسع، هذا الحزام الأمني سيتحول إلى وحل وإلى فخ وإلى كمين وإلى هاوية وإلى جهنم لجيشكم إذا أحببتم أن تأتوا إلى أرضنا، وستجدون أمامكم المئات من هؤلاء الذين جُرحوا يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، لأن هؤلاء اليوم أشد عزماً على المضي في مقاومتكم ومقارعتكم وقتالكم واستنزافكم، إذاً يوجد شبهة، أنت تقيس بشكل خاطئ، ويمكنك أن تُجرب، على كل حال، أما الكلمة الأخيرة لا شك أن العدوان الذي حصل هو عدوان كبير، وكما قلت في سياق الكلمة هو غير مسبوق وسيواجه بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون، ولكن لأن هذه المعركة الجديدة كانت في أوجه خفية دعونا اليوم أن أُغير الأسلوب، فلا أتحدث لا عن وقت ولا عن شكل ولا عن مكان ولا عن زمان، أتركوا الموضوع والخبر هو ما ترون لا ما تسمعون، هذا حساب سيأتي، طبيعته وحجمه وكيف وأين؟ هذا بالتأكيد ما سنحتفظ به لأنفسنا وفي أضيق دائرة حتى في أنفسنا، لأننا هنا في جزء من المعركة الأكثر دقة وحساسية والأكثر عمقاً وأهمية.
الختام
في نهاية الكلمة، مُجدداً أسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة وعلو الدرجات للشهداء، أسال الله سبحانه وتعالى لِعوائل الشهداء الصبر والرضا والتسليم كما يعبرون وأن يتقبل الله سبحانه وتعالى منهم قرابينهم وتضحياتهم وموقفهم، أسأل الله سبحانه وتعالى لِكل الجرحى الشفاء العاجل والعافية والصحة التامة والكاملة لِيعودوا إلى أهلهم وعائلاتهم وإلى ميادينهم وساحات جهادهم، وأسال الله سبحانه وتعالى أن يُثبت قلوب اللبنانيين جميعاً، الشعب اللبناني المتضامنين المتعاطفين الثابتين، وأن نَتمكن من الحفاظ على هذه الإيجابية التي تجلّت بِبركة دماء هؤلاء الشهداء، وأن لا يقوم بعض التافهين لا من السياسيين ولا من الإعلاميين أو مواقع التواصل من تخريب هذا المشهد الوطني الإنساني الأخلاقي الرائع الكبير، لأن لبنان اليوم أحوج ما يكون إلى هذا الموقف وإلى هذا التماسك وإلى هذا التراص في مواجهة العدو، هذا من عناصر القوة التي تجعل العدو يتردد في مواصلة استهدافه للبنان أو في حربه على لبنان، نَسأل الله سبحانه وتعالى أن يُثبت وأن يعين أهلنا وشعبنا في غزة وفي الضفة وفي فلسطين المحتلة، الذين يتعرضون كل يوم للقصف والمجازر وللإبادة الجماعية أمام منظر ومشهد العالم كله، وأن يُثبت ويُعين كل المساندين والمؤيدين والمقاتلين والمقاومين في جميع جبهات محور المقاومة، وأن يكونوا جميعاً على يقين بأن خاتمة هذه المعركة هو النصر الإلهي التاريخي الكبير، نتنياهو وغالانت وبن غفير وسيموتريتش يقودون كيانهم إلى الهاوية، يقودون كيانهم إلى الخراب الثالث بحسب أدبياتهم، هذه القيادة الحمقاء المتهورة الأنانية النرجسية الشخصانية الهوجاء ستودي بهذا الكيان إلى وادي سحيق، وهنا أمام مستقبل المعركة الكبير أقول: الأيام والليالي والأسابيع والشهور وقد تكون السنوات، هذه معركة كبيرة وطويلة مع هذا الكيان ولكن أفقها ونهايتها واضحة، يراها المجاهدون والمؤمنون والصابرون والمحتسبون والجرحى، ويشهد عليها اليوم الشهداء من عليائهم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته