الظروف السياسية في البحرين من 1965م حتى 1975م
في ظل الاحتلال البريطاني للبحرين والتبعية الكاملة للنظام الحاكم للاستعمار، انتفض شعب البحرين ضد الاحتلال وعملائه، وكان ذلك في شهر مارس 1965م؛ حيث قام عمّال شركة نفط البحرين بالإضراب عن العمل، وتفاعل معهم طلاب المدراس، وخرجت مسيرات في عدة مناطق من البحرين ضد الاحتلال، وفي هذه الانتفاضة استشهد اثنان من قرية النويدرات في مسيرة أمام شركة بابكو؛ وهما الحاج عبدالنبي سرحان وهو ابن عمة الأستاذ عبدالوهاب، وعبدالله مرهون وهو ابن بنت عمة الأستاذ كذلك، وكان حينها في الصف السادس الابتدائي يعيش تلك الأجواء المفعمة بالنضال، ولكن الجو الفكري السائد حينها في العمل السياسي ينتسب إلى الفكر الشيوعي والمد القومي مع غياب النزعة الدينية، إلا أن الأستاذ منذ ذلك الحين يعتبر ما حدث جزءاً من نضال شعب البحرين وضمن المطالب الحقة للتخلص من ربقة الاستعمار والظلم ونيل الحرية، ورغم أن الرصاص والبطش أسكت الانتفاضة حينها، إلا أنه فتح باباً للقوى الشعبية لتنهض وتتجرأ على إجراءات المحتلين وتتمرد عليها. وفي العام 1970م، وضمن سياسة بريطانيا في تقليص تواجدها العسكري وتمددها في المستعمرات بحكم الظروف التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية، وتغيّر قواعد اللعبة السياسية وموازين القوى في العالم، أعلنت رغبتها في الانسحاب من منطقة الخليج، وظهرت مشكلة مطالبة الشاه بضم البحرين إلى الأراضي الإيرانية بعد رحيل البريطانيين، عندها تم اللجوء للأمم المتحدة، وقررت إجراء استفتاء لتقرير المصير بين هذين الخيارين؛ وهما: إما ضم البحرين للتبعية الإيرانية تحت حكم التاج الشاهنشاهي، وإما الاستقلال تحت حكم آل خليفة كإمارة عربية، وقد لعب الجانب القومي وضيق الخيارات دوراً لانحياز الأكثرية للخيار الثاني، خصوصا مع الوعود التي قدمها الحاكم الشابق عيسى بن سلمان آل خليفة لشعب البحرين؛ من إعطاء حقوقه الدينية والسياسية ومشاركته في القرار وإدارة الدولة عبر مجلس منتخب واسع الصلاحيات. وبالفعل تشكل عام 1971م المجلس التأسيسي الذي صاغ دستور البلاد برئاسة إبراهيم العريّض، وأعلنت البحرين استقلالها بتاريخ 14 أغسطس 1971م تحت حكم آل خليفة، وحصلت انتخابات عام 1973م بعد إقرار دستور البلاد الجديد، وعلى إثره تشكل المجلس الوطني المنتخب، وزاول أعماله وفق تركيبة أفرزتها القوى الموجودة آنذاك، حيث هيمنت على المجلس القوى اليسارية الشيوعية والقومية والبعثية، أما التيار الديني فكان يتمثل في ثلاثة أعضاء شكّلوا الكتلة الدينية متمثلة في سماحة الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبدالأمير الجمري (ق) والشيخ عبدالله المدني (رحمه الله)، وقد ترأس المجلس عبدالرسول الحبشي، وزاول المجلس أعماله لمدة عامين تميزت بوجود خلافات بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وخلافات بينية بين الكتل؛ خصوصاً بين الكتلة الدينية والتيار الشيوعي الذي تمثله جبهة التحرير.
على أي حال؛ في سنة 1975م اقترحت السلطة التنفيذية، ثم حولته إلى مشروع قانون تحت مسمى «تدابير أمن الدولة»، الذي يعطي صلاحيات واسعة لوزير الداخلية، ويخالف أسس الدستور من رعاية الحريات وعدم تقييدها؛ فضلاً عن كونه سيفا مسلطا على كل من يعارض السلطة، ويعطي الحق للحكومة باتخاذ إجراءات خارج إطار الدستور ودون محاسبة، وقد جُوبه هذا القانون بالرفض من كافة الكتل البرلمانية، مما زاد الخلافات بين السلطتين، مما دفع بالحاكم حينها إلى تعليق العمل بالدستور، وحل البرلمان، وفرض قانون أمن الدولة بمرسوم أميري، وبه تم تجميد العمل السياسي في البلاد وفرض الديكتاتورية المطلقة بيد الحاكم وزبانيته، فانكفأت المعارضة بكل أطيافها، وأصبحت عرضة لانتقام السلطة، وبما أن المعارضة الشيوعية كان رصيدها الأكبر، فإنها نالت القسط الأكبر كذلك من الانتقام، وبسبب صِدام الحركات الشيوعية مع معتقدات المجتمع وأعرافه وأخلاقه، لم تجد الحاضنةَ الشعبية التي تخدمها، وقد استغلت السلطة هذا الجانب، فعملت على زرع عداوات جديدة، وكان أخطرها اغتيال الشهيد عبدالله المدني واتهام الشيوعيين بالحادثة، وتم إعدام ثلاثة منهم، وبدأت حملات الاعتقال الواسعة في أوساط السياسيين والنقابيين وكافة التوجهات، وتم تكتيم الأفواه، واعتقال خلية من الجيش اتهمت بزعزة الأمن والارتباط بمنظمات محظورة، فساد جوٌّ من الترهيب والخوف في البلاد، ألقى بظلاله على الحراك السياسي والاجتماعي على المجتمع، وفي نفس الوقت ابتعد الكثير من رجال الدين والمتدينين عن الانشغال بالشأن السياسي، وأما من بقي منهم ضمن الإطار السياسي، فقد فضّل العمل السري والاقتصار على العمل التبليغي، وقد برزت شخصيتان علمائيتان راعيتان للعمل الإسلامي الحركي الذي يتبنى منهج السيد الصدر وحزب الدعوة؛ وهما السيد أحمد الغريفي والشيخ عيسى قاسم، وهناك شخصية علمائية عملت من جهة أخرى على بناء القواعد الرسالية والتأسيس لإسلام حركي مرتبط بالجانب السياسي وفي إطار سري؛ وهو سماحة السيد هادي المدرسي، عندها بدأ عهد جديد للحركة الدينية في البحرين، التي سوف يكون لها الدور البارز مستقبلاً في النشاط السياسي والاجتماعي، وكانت نقطة التحوّل الكبرى هي انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م.