تأثر الناس بالخطابة
وقد تحدث علماء المنطق عن مدى تأثير الخطابة على الجماهير، حيث يقول الشيخ المظفر في كتابه المنطق تحت عنوان «وجه الحاجة إلى الخطابة»: كثيراً ما يحتاج المشرعون ودعاة المبادئ، والسياسيون نحوهم إلى إقناع الجماهير فيما يريدون تحقيقه، إذ تحقيق فكرتهم أو دعوتهم لا تتم إلا برضا الجمهور عنها وقناعتهم بها.
والجمهور لا يخضع البرهان ولا يقنع به، كما لا يخضع للطرق الجدلية، لان الجمهور تتحكم به العاطفة أكثر من التعقل والتبصر بلى ليست له الصبر على التأمل، والتفكير ومحاكمة الأدلة والبراهين، وإنما هو سطحي التفكير فاقد للتميز الدقيق.
تؤثر فيه المغريات، وتبهره العبارات البراقة وتقدمه الظواهر الخلابة.
والقدم صبره على التمييز الدقيق، نحره إذا عرضت عليه فكرة لا يتمكن من التفكيك بين صحيحها وسقيمها فيقبلها كلها أو يرفضها كلها.
بل لا يقتصر هذا الأمر على الجمهور بما هو جمهور، فإن كل فرد من أفراد العامة إذا كان قليل الثقافة والمعرفة هو أبعد ما يكون عن الاقتناع بالطرق البرهانية والجدلية، بل أكثر الخاصة المتفقين وإن ظنوا في أنفسهم المعرفة وحرية الرأي ينجذبون إلى الطرق المقنعة المؤثرة على العواطف، وينخدعون بها بل لا يستغنون عنها في كثير من آرائهم واعتقاداتهم، بالرغم من قناعتهم بمعرفتهم وثقافتهم التي قد يتخيلون أنهم قد بلغوا بها الغاية، ولم تبق لنا صناعة هذا الفرض غير صناعة الخطابة، فإن الأسلوب الخطابي أحسن شيء للتأثير على الجمهور والعامي وكل شخص استطاع أن يكون خطيباً بالمعنى المقصود من الخطابة في هذا الفن، فإنه هو الذي يستطيع أن يستغل الجمهور والعوام ويأت بأيد يهم إلى الخير والشر.
فلاحظ كيف يمكن التأثير على الناس وتغيير قناعاتهم بكل سهوله، من خلال التلاعب في عواطفهم، فكيف تريد من الله سبحانه وتعالى أن يوكل مسألة اختيار الشخص المناسب إلى الناس؟! كما إن الواقع خير شاهد على فساد رأي الاكثرية حيث تلاحظ أن الناس في أوروبا وأمريكا قد اختارت وانقادت لحكام فاسدين يتقول الله سبحانه وتعالى: <وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ>[1]
- [1] المؤمنون 71