زمن نيابة الفقهاء
وبانتهاء زمن السفارة، يبدأ عهد النيابة العامة الذي قد مهّد له الأئمة (ع) قبل الغيبة من خلال اعتماد نظام الوكلاء، ومن خلال إرجاع الناس لشخص معین منصوص عليه بالاسم، أو إرجاعهم لمن توفرت فيه الصفات العامة، من دون تحديد لذلك الشخص من هو فتكون مسألة تحديد ومعرفة ذلك. الشخص، موكلة إلى الناس فقد ورد عن. الإمام الصادق أنه قال الأشخاص قد سألوه عن العمل في حالة عدم القدرة للوصول إلى الإمام أو الوكيل المحدّد المعين من قبله: «ومن كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فأني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل. منه، فإنها استخف بحكم الله وعلينا رده والراد علينا، كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله» فنلاحظ إن هذا النوع من التعيين: هو تعيين عام، قام من خلاله الإمام بذكر مواصفات عامة الفقاهة والعدالة وهي قابلة للانطباق على أكثر من شخص.
ويكون تحديد الشخص الذي تنطبق عليه هذه المواصفات موكولاً للناس، فإذا عرفوا بأن الشخص الفلاني تتوفر فيه صفتي الفقاهة والعدالة فإنه يكون حجة وحاكماً عليهم، وذلك بجمل وتنصيب من الإمام (عجل الله فرجه).
نقطة مهمة: ينبغي الالتفات هنا إلى إن معرفة واختيار الناس ليس له مدخليه في التنصيب وإثبات الولاية والمشروعية، بل إن معرفة الناس توجه التكاليف للناس بلزوم التسليم والطاعة لذلك الشخص المتوفرة فيه الصفات المشروطة، سواء رضوا به وأعجبهم أو لا <قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ>[1].
<وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ>[2].
فالفقيه العادل تكون له الولاية والحاكمية بمجرد وصوله لتلك المرتبة، فمجود أن يصبح الإنسان فقيهاً عادلاً تثبت له الولاية بدرجة من الدرجات.
الإمام المهدي (عجل الله فرجه) يقر هذه الطريقة في زمن السفارة
وقد أثبت الإمام هذه الطريقة حتى في زمن السفارة رغم وجود السفراء المعينين، حيث أنه حتى النيابة الخاصة الذي كان يستطيع الناس فيه الرجوع للسفير ليرجع إلى الامام (عجل الله فرجه) إلا أنه لامتداد الشيعة في بقاع مختلفة من العالم، كان من الصعب عليهم أن يتواصلوا مع السفير متى ما شاؤوا، خصوصاً في المسائل المستعجلة والتي لا تحمل التأخير.
من هنا فقد أوجد الإمام (عجل الله فرجه) حلاً وطريقاً آخر يمكن أن يعتمد الناس عليه، وهو الرجوع إلى الفقهاء العدول. فقد نقل الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمة الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان: أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حدثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجه الله عليكم[3]
توافق نظرية الشيعة مع حكم العقـل والعقلاء.
إذا تأملنا في نظرية الشيعة المطروحة في مسألة الخلافة والحاكمية، سنجد أنها تعود في الحقيقة إلى حاكمة العالم العادل، وتتوافق مع حكم العقل والعقلاء.
فلو سألنا العقل والعقلاء: أيها أفضل؟ أن يكون الحاكم عالماً أو جاهلاً؟! فبالتأكيد سيكون جوابهم:
أن يكون عاماً.
وهذا هو ما ندعوا إليه، إن الحاكم لابد أن يكون عالماً وعادلاً. وهذا هو معنى ولاية الفقيه فالفقيه يمثل العالم العادل.
حاكمية العالم العادل هي نظرية الفلاسفة أيضاً..
تستطيع أن نقول بأن الفلاسفة يمثلون حكم العقل، وقد وصلوا من خلال منهجهم في البحث إلى أن الحاكم ينبغي أن يكون هو الفيلسوف، ولهذا هم يؤمنون ثبوت الحاكمية للفيلسوف، أي ولاية الفيلسوف وإذا سألنا هم من هوا الفيلسوف؟ سيجيبون بأنه: الحكيم.
وإذا سألناهم من هو الحكيم؟ فسيجنون بأنه: من يتوفر على الحكمة النظرية والعملية، أي بعبارة أخرى هو العالم العادل فالعلم يمثل جانب الحكمة النظرية والعدالة تمثل الحكمة العملية.
لتوضيح ذلك سنوضح شجرة علوم الفلسفة:
وينبغي في الالتفات إلى أن المراد من الأخلاق الفردية ليس مجرد أن يكون الإنسان صادقاً وعفيفاً وحليماً، بل لابد أن يكون شجاعاً أيضاً أي يكون متحلياً بجميع الأخلاق والصفات المذكورة في كتاب جامع السعادات فيكون مجانباً لجانبي الإفراط والتفريط، وموازناً ووسطياً في القوى الثلاث: العقلية
والغضبية، والشهوية وهذا هو معنى العدالة عند الفلاسفة، فالعدالة عند الفلاسفة تختزل وتتضمن: الشجاعة الكفاءة، والسياسية.
تعليق واحد