التفات النبي (ص)
من غير الصحيح ما يقال بأن النبي صل الله عليه واله وسلم كان غير ملتفت لهذا الموضوع، فهو كان وقد تكلم في ذلك مرات عديدة، وكان دون جدوى وفائدة، وقد تكرر منه ذلك مرات عديدة، وأشهر تلك النصوص رواية «حديث الغدير» التي يتفق عليها جميع المسلمين وهي:
عندما رجع المسلمين من حجة الوداع مع رسول الله صل الله عليه واله وصلم في اخر حجة له -أي قبل شهرين من وفاته فقط- وقف مع المسلمين في مكان قاحل من الصحراء وكان يبلغ عدد المسلمين حوالي 100ألف، وقف هناك وجمع المسلمين ليقول لهم أمراً مهماً فقد أمسك بيد أمير المؤمنين (ع) ورفع يد وهو يقول «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».
ولكن من الغريب كيف إن المسلمين تركوا مثل هذا النص وغيروه من النصوص الكثيرة، وقالوا بأن مثل هذه النصوص لا تدل على تعيين الخليفة فمثلاً يقولون بأن حديث الغدير لا يدل على خلافة علي (ع) بل يدل لزوم محبة علي (ع)!
اعتراض
وهنا نعترض ونقول، لو لم نكن هناك حاجة لوجود خليفة بعد رسول الله (ص) لأمكن التسامح والقبول بعدم دلالة هذه النصوص على الخلافة، وكذلك لو كانت هناك حاجة وضرورة، ولم تكن هناك نصوص تتحدث عن موضوع الخلاف، لأمكن أيضاً أن نقبل ترك الله للأمة سدً في الضياع والشتات!!
أما الحال بأن الضرورة والحاجة موجودة، وحكم العقل والعقلاء -بالحد الأدلة- بأفضلية الاستخلاص بحيث إن الرسول ينبغي أن يكون: لماذا لم يستخلف الله والرسول (ص) خليفة من بعج رسول ليدفع شتات الأمة؟!
ويأتي النصوص الواضحة لتبين هذا الموضوع ولكن يتم الاعتراض عن ذللك، فما هذا إلا تعصب أعمى.
الاعتراض كان مند زمن الرسول (ص)
ولكن المسلمين لم يعرضوا عن نص النبي (ص) في هذا الزمن فقط، بل كانوا يعرضون ويرفضون كلام النبي (ص) منذ حياته (ص) إذ ينقل التاريخ إن المسلمين كانوا مجتمعين عند رسول الله (ص) قبل وفاته «استشهاده» بأيام قليلة، وأراد أن يكتب لهم كتاب لا يضلون بعده، إلا إنهم رفضوا ذلك، وكأنهم يقولون للنبي (ص) لا نريد منك أن تعين خليفة بل دع الأمر لنا لنتكفل به.
وهنا ننقل لكم هذه الحادثة من نفس الكتاب أيضاً يقول: ويم الخميس قبل الوفاة «الاستشهاد» بأربعة أيام قال: وقد اشتد به الوجع: «هلموا أكتب لكم كتاب لن تضلوا بعده» وفي البيت رجال فيهم عمر، فقال عمر قد غلب عليه الوجع وعندكم القران، حسبكم كتاب الله.
فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله (ص) ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله (ص) قوموا عني.
- في آيات أجر الرسالة كفاية
ولوكان المسلمين طالبين للهداية ولاسترشاد لكفتهم الآيات تتحدث عن أخر الرسالة في القران إذن القران هو أكثر مصدر موثوق ومعتمد عند المسلمين، جميعاً، وقد تحدثت الآيات عن هذا الموضوع، وإذا جمعنا بين تلك الآيات سنصل الى إن الرسول (ص) لا يريد أجراً من المسلمين، وأن الأجر الوحيد الذي طلبه منهم هو المودة في القربى <قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلا المَوَدَّةَ في القُرْبى>[1].
وهو عندما طلب هذا الأجر فذلك الطلب إنما يعود لمصلحة المسلمين <قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ>[2].
وفي أية أخرى لبين الرسول ماهي تلك المصلحة التي تعود عليهم بالتحديد، وهي الاعتداء إلى الله ومعرفة الطريق الصحيح الموصل لله: <قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا>[3] فالرسول (ص) لا يطلب أجداً كما هي سيرة جميع الأنبياء والرسل: <اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ>[4].
والأجر الوحيد الذي طلبه الرسول (ص) هو: المودة في القربى – وهنا ينبغي علينا أن نتساءل: ما الذي دعا الرسول (ص) للطلب من الناس أن يودوا ذوي القربى «قربته»؟!
هل يعقل أن يكون ذلك الأمر يعود بالنفع الشخصي للرسول (ص)؟!
فحتى لو لم تأت الآيات لتوضع لنا سبب
الحقيقي وراء طلب الرسول (ص) فينبغي علينا أن ندرك بأن السبب وراء ذلك هو مصلحة المسلمين. فالآيات إذاً ذوي القربى الرسول (ص) كمرجعية للاهتداء، وتحدد الخلافة والمرجعية الشرعية – بالحد الأدنى بشكل أكيد.
إنباء الله سبحانه وتعالى بانقلاب المسلمين يقول الله في كتابه الكريم: <وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ>[5].
سبحان الله كيف إن الانقلاب حصل مباشرة وبلا تأخيره فبدل أن ينشغل المسلمون بتجهيز رسول الله انشغلوا بمخالفة تعاليم رسول الله واغتصاب الخلافة.
الواثبين لظلم آل محمد
ومحمد ملقى بلا تكفين
خلاصة القول: إذا رجعنا إلى العقل والعقلاء سنجد بأنهم يحكمون – بالحد الأدنى – بأفضلية وجود خليفة معيّن بعد السول الله (ص) خصوصا بعد حصول التشرذم الكبير الحاصل إلى يومنا هذا وظهور الحاجة لوجود مرجعية شرعية يرجع لها المسلمون لمعرفة رأي الشريعة والاسلام. في المسائل والحوادث المختلفة، فالمسالة ليست مسألة خلافة سياسية وحسب، بل هي خلافة شرعية بالدرجة الأولى .
والدليل على ذلك إن المسلمين تعاطوا مع المسألة بهذا النحو، فقد جعلوا الخليفة الأول والثاني كمراجع ومصادر لمعرفة آراء وأحكام الشريعة، والتزموا بآرائهم من دون آراء سائر الصاحبة، وما ذلك إلا لأنهم كانوا ينظرون إلى إن منصب الخلافة ليس. منحصراً في الشأن السياسي وحسب، بل يشمل الشأن الديني أيضاً.
وبناء على هذا كله، قد أخذ الشيعة وبالنصوص الشرعية الكثيرة التي تتحدث عن هذه النقطة. وقد تبين بأن نظرية الشيعة في مسألة الحكم في الإسلام «هي» نظرية الاستخلاف الإلهي وهي نظرية تتوافق مع حكم العقل والعقلاء.