مواضيع

إفادة الأستاذ محمد جواد برويز

بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر القضاة على إتاحتهم لي المجال بالكلام أمام المحكمة.

مقدمة

أنا عمري اﻵن 65 سنة، وقد فقدت والدي وكان عمري 12 سنة، وقد ساهم ذلك في تشكيل شعوري بالظلم والتعاطف مع المظلومين في سنّ مبكرة، وكنت أجهر برفضي للظلم والاستبداد والعبوديّة ونصرتي للمظلومين، وأصبح ذلك جزءاً من تكويني العقليّ والنفسيّ والاجتماعيّ، وطبعت شخصيّتي بتلك الطباع، وعرفت بها في المجتمع، وبسبب رفضي لظلم الحكومة لأبناء الشعب تعرّضت للاعتقال التعسّفي مرات عديدة وحتّى الاعتقال الأخير الذي أقف فيه للمحاكمة بين أيديكم، وكانت فترات الاعتقال تتراوح بين الأسبوع والأشهر والسنوات، وذلك بدون محاكمة. وقد تعرّضت في جميعها للتعذيب الشديد على أيدي المخابرات، وقد جرى اعتقالي مرات عدّة من المنزل؛ حيث تعرّضت عائلتي للترويع وتعرّض بيتي للتخريب والتكسير وسرقة مالي، ومرات عدّة اعتقلت من الشارع وبدون أيّ أسباب.

اعتقالات سابقة

ففي العام 1994 اعتقلت من المنزل وفي وقت متأخّر من الليل عند الساعة الثانية والنصف تقريبا؛ حيث كنت حينها نائماً أنا وعيالي وزوجتي، حين دخل رجال المخابرات مع قوات الشغب إلى داخل المنزل بصورة مفاجئة، فروّعوا زوجتي وأطفالي واستولوا على أشياء من المنزل، مثل كاميرا والفيديو وغيرها، وقد قيّدوني بالأصفاد وأخرجوني من المنزل وأنا معصّب العينين مع الإهانة والسبّ والشتم، وأخذوني إلى قسم التحقيقات الجنائيّة بالعدليّة، ووضعوني في غرفة صغيرة (مساحتها مترين في ثلاثة أمتار تقريباً)، وكانت الزنزانة ضيّقة جدّاً، وكنّا سبعة أفراد في تلك الزنزانة الصغيرة، وبقينا في تلك الزنزانة لثلاثة أسابيع تعرّضنا فيها لأبشع أنواع التعذيب النفسيّ والجسديّ، ما أدّى إلى انخفاض وزني بشكل ملحوظ، وقد أصبحت زوجتي مريضة بالكآبة وقد افتقدني أطفالي وكانوا يبكون وينتظرون رجوعي إليهم، ولكن كنت أنا في أيدي المخابرات أتعرّض للتعذيب والإهانات، ثمّ أخذوني إلى القلعة ومنها إلى سجن جو، وذلك بدون أيّ تهمة أو محاكمة لا لجرم سوى أنّي عبّرت عن رأيي في نصرة المظلومين من أبناء الشعب، وكانوا أثناء سجني في جو يأخذونني إلى القلعة بين فترة وأخرى للتعذيب النفسيّ والجسديّ.

وكانت من صور التعذيب التي تعرّضت لها ما يعرف بالفيلقة والضرب بالهوز على القدم وسائر أعضاء الجسد، وقد استمر اعتقالي ل10شهور تقريبًا، لم يتوقف خلالها التعذيب والضرب والشتم، ثم أطلقوا سراحي وبعد هذا الاعتقال التعسّفي لم يسمحوا لي بالعمل في أيّ مؤسّسة حكوميةّ أو خاصّة، وكنت إذا تقدمت إلى العمل لأيّ مؤسّسة حكوميّة أو أهليّة أواجه بالرفض، وذلك بسبب تدخل جهاز المخابرات ما عاد عليّ بالضرر البليغ، وكذلك على عائلتي؛ حيث تعرّضت عائلتي لضيق المعيشة وتقطّعت بها سبل الحياة الكريمة، ولم يتمكّن ثلاثة من أبنائي من مواصلة دراستهم الجامعيّة.

الاعتقال الحالي

أما اعتقالي اﻷخير فكان في 22/مارس/2011 والذي أقف فيه بين أيديكم للمحاكمة، وأنا أؤكّد أنّني لا أنتمي لحزب أو جمعيّة سياسيّة أو غير سياسيّة، بل لا أعتبر نفسي أنّي سياسيّ، وكنت من بين الآلاف من أبناء الشعب أشارك في المسيرات السلميّة المطالبة بالإصلاح، ولم أمارس العنف، وليس لديّ علاقة بأيّ تنظيم، وليس لي علاقة بقلب نظام الحكم، وإنّ التهمة لي بجمع الأموال إلى التنظيم لا أساس لها من الصحة، بل لم تكن لي علاقة مع الأستاذ عبدالوهّاب حسين قبل السجن، وقد تمّ اعتقالي من الشارع؛ حيث اتصلت بمركز شرطة النعيم، وقلت لهم أريد أن آخذ سيّارتي التي كانت مركونة عند دوار مجلس التعاون، فقالوا لي: “يمكنك أن تأتي وتأخذها”. وذلك بعد أن سألوني عن اسمي فأخبرتهم به، وعند مركز النعيم وفي طريقي لأخذ السيارة وكنت أريد أن أصلح العطب في إطار العجلة قبل أخذها أوقفت عند نقطة تفتيش للجيش، فطلبوا بطاقتي الشخصيّة، ثمّ طلبوا منّي النزول من السيّارة، وما أن نزلت من حتّى انهالوا عليّ بالضرب المبرح، وتألّمت بسبب ذلك ألماً شديداً في الحوض ولا زلت أعاني من الألم حتّى الساعة، ثم أدخلوني إلى مركز شرطة النعيم وأنا معصّب العينين ومكبل اليدين من الخلف، وتألمت بسبب ذلك ألماً شديداً في الحوض ولا زلت أعاني من الألم حتّى الآن.

بعض صور التعذيب

ثمّ أدخلوني إلى مركز شرطة النعيم وأنا معصّب العينين ومكبّل اليدين من الخلف، وسرقوا مني 40 ديناراً مع أغراض كانت موجودة في السيارة، وكان الجيش في المركز من جنسيّات مختلفة، فأنزلوني على اﻷرض وضربوني ضرباً مبرحاً ترافق مع السبّ والشتم بدون سبب، فلم أدرِ وما زلت لا أدري لماذا كانوا يفعلون بي ذلك؟!

وقد أوقفوني على قدمي لساعات طويلة ما تسبّب لي بآلام شديدة في الظهر والقدمين، ثمّ أخذوني إلى مبنى القلعة وأنزلوني إلى مكان تحت الأرض (سرداب)، وخلعوا حذائي وحزامي، ثمّ وجهوني إلى ممر في المبنى وكنت معصّب العينين ومقيّد اليدين، وأوقفت على قدمي هناك طيلة نصف يوم، واشتد اﻷلم عليّ في الظهر والرجلين، ثمّ رُميت في ممرّ على جانب لمدة 3 أيام، ثمّ استدعوني للتحقيق حيث تعرّضت لأصناف التعذيب النفسيّ والجسديّ وذلك على يد رجال المخابرات، وقد سألوني عن الدوار والمسيرات والأسلحة والجماعات التي لا أعرف عنها شيئاً.

وقد أغمي عليّ أثناء التعذيب، فقاموا بصبّ الماء عليّ من أجل إيقاظي وإنعاشي، وقد سألوني عن رأيي في الحكومة وكنت خائفاً ومرتبكاً ولا أدري ماذا سيفعلون بي، وكانوا يسبّونني ويسبّون الرموز الدينيّة والسياسيّة، ويهدّدوني بالاعتداء الجنسيّ، وأنّهم سيفعلون بي كذا وكذا وفي زوجتي وبناتي.

واستمر هذا الحال لأسبوعين أو أكثر، وكانت من صور التعذيب الذي تعرضت له في سرداب القلعة الصعق بالكهرباء، والفيلقة، وتقييد القدمين والرجلين، والتعليق من اليدين والرجلين ومن ثم الكب على الوجه، والجلوس والقفز على الظهر أثناء التعذيب، والضرب بالهوز على جميع أجزاء الجسد بدون رحمة ولا رأفة، وما زلت أعاني من آثار التعذيب إلى هذه الساعة.

وقد وثّق ذلك البسيوني في تقريره، وكانت لجنة بسيوني قد قامت بتصوير الجروح في جسمي وقياسها، وأنا إلى هذا اليوم لا أهنأ بالنوم من شدة الألم في جميع أجزاء جسمي من التعذيب البشع الذي تعرّضت له، ولا أستطيع الجلوس لمدّة طويلة، وإذا جلست لا أستطيع الجلوس إلّا اذا مدّدت قدمي ّعلى شيء مرتفع أمامي، وأنا إلى الآن لا أحصل على الرعاية الطبيّة الكافية.

وبعد الأسبوعين الذين قضيتهما في سرداب القلعة، أخذت إلى سجن الحوض الجاف، وبقيت هناك لليلة واحدة وفيها تعرّضت للضرب والتعذيب بكلّ أشكالهما، وبعدها أخدت إلى سجن القرين العسكريّ الذي بقيت فيه 8 شهور منها 3 شهور أو أكثر في سجن انفراديّ مساحته متر في مترين، وكنت أتعرّض للضرب والتعذيب حتّى 10/يونيو/2011، وكنت أسمع صراخ اﻵخرين الذين يتعرّضون للتعذيب في العنبر الذي كنت فيه.

من صور التعذيب في سجن القرين

الحرمان من النوم، اللكم على الوجه والرأس بقبضات اليد، سكب الماء البارد في الطقس البارد على الجسم والفراش، والبصق بالفم وإجباري على بلع البصاق، وإجباري على تقبيل أيدي الملثّمين وأقدامهم، إجباري على تقبيل صور الملك ورئيس الوزراء والملك السعوديّ، والسبّ والشتم لي ولعائلتي والرموز الدينيّة وللمذهب وللطائفة والأئمّة من أهل بيت النبيّ، والإساءة إلى زوجتي وبناتي وكثرة القول إنّ الشيعة أكثرهم أولاد متعة، وكانوا يقدّمون لنا القليل من الطعام ما أدّى إلى فقداني 8 إلى 10 كيلو من وزني، ولم يكن لدي خبر عن أهلي وعن العالم إلّا بعد أن ذهبنا إلى المحكمة العسكريّة للمحاكمة.

المحاكمة

وكانوا يضعون على أعيننا عصابة، ثمّ يضعون فوق رؤوسنا أكياس خيش أثناء نقلنا إلى المحكمة، وفي يوم النطق بالحكم علينا في المحكمة العسكريّة هتفنا :”سلميّة سلميّة الشعب يريد حرية”، فأخرجونا من قاعة المحكمة بعنف شديد، ثّم قيّدونا وضربونا ضرباً مبرحاً وذلك على يد الشرطة العسكريّة، ثم أخذنا إلى غرفة الانتظار، وهناك تعرّضنا للمزيد من الضرب والرفس بالأرجل والشتائم.

التحقيق

ثمّ أخذنا إلى سجن القرين بشكل مذلّ ومهين جدّاً، وأثناء التحقيق معي في النيابة العسكريّة لم يحضر معي المحامي لا قبل التحقيق ولا خلاله ولا بعده، ولم أقابل المحامي إلا في يوم الجلسة الثانية من المحاكمة العسكريّة، ولم أكن أسمع جيّداً الأسئلة التي توجّه إليّ أثناء التحقيق، وذلك بسبب ما أعانيه من ضعف السمع جرّاء التعذيب، وقد زاد الضرب على أذني أثناء التعذيب من مشكلة السمع لدي؛ حيث تعرضت أذناي للالتهاب الذي مازلت أعاني منه إلى الآن، ولم تكن معي أثناء التحقيق سمّاعة أذني التي تعينني على السمع، ثم أجبرت على التوقيع على الإفادة بدون أن يسمح لي بقراءتها، وأنا الآن لم أعرف ولم أستوعب بدقة التهم التي سطرتها النيابة العسكريّة ضدّي.

تهم باطلة

وقد حكمت المحكمة عليّ بالسجن مدّة 15 عاما ًظلماً وجوراً وبهتاناً، وأنا كما ذكرت قبلاً بأنّني لا أنتمي إلى أيّ حزب أو جمعيّة سياسيّة وغير سياسيّة، وأنّ التهمة لي بجمع الأموال للمجموعة باطلة ولا أساس لها من الصحة، بل لم تكن لي علاقة مع الأستاذ عبد الوهاب حسين ولا غيره من أفراد المجموعة قبل هذا السجن، وكانت معرفتي بهم معرفة عادية كمعرفة سائر الناس بهم.

لقد تعرّضت لكل هذا الظلم طيلة هذه السنوات لأنّني عبّرت عن رأيي في الإصلاح ونصرة المظلومين وعمري الآن 65 سنة، وقد تعرّضت عائلتي لأضرار شديدة وخسرت أعمالي الخاصة التي كانت مصدر رزقي.

إنّني أقول: إنّ جميع التهم التي وجهت لي من النيابة العسكريّة باطلة ولا أساس لها من الصحة، وإنّ كلّ الاعترافات التي سطّرتها النيابة العسكريّة أخذت بالإكراه، ولم أكن أعلم بها إلى يوم المحكمة لذلك أنا بريء من جميع التهم، وأطالب بالإفراج عنّي فوراً ومحاسبة الذين قاموا بالقبض عليّ، وتعذيبي وبتعويضي عن جميع الأضرار التي لحقت بي.

والحمدالله ربّ العالمين.

محمّد حسن محمّد جواد (برويز).

ملاحظة: نقلت هذه الرسالة من تغريدات حسين ابن المعتقل محمد حسن جواد برويز.

المصدر
كتاب شهادة وطن – إفادات قادة ثورة 14 فبراير والمعارضة البحرانية أمام المحاكم الخليفية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى