الإفادة النصيّة للأستاذ حسن مشيمع
المحتويات
من تقرير اللجنة المستقلّة
المادّة 1693، ص 529
لقد اعتقدت الحكومة أنّ الوضع الداخليّ قد وصل إلى حدّ ينذر بانهيار تامّ للقانون، وفي 15 مارس 2011 أصدر جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المرسوم الملكيّ رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنيّة في البحرين، وبدورها استعانت حكومة البحرين بقوّات دفاع البحرين والحرس الوطنيّ لمساعدة الوحدات التابعة لوزارة الداخليّة في استعادة النظام العام.
كذلك تمّت الاستعانة بجهاز الأمن الوطنيّ للقبض على عددٍ كبير من الأشخاص من بينهم بعض القيادات السياسيّة والدينيّة البارزين في المعارضة والجماعات الشيعيّة، ولقد نفّذت قوّات الأمن أيضاً عدداً كبيراً جداً من عمليّات القبض دون إبراز أوامر القبض أو حتّى إخبار الأشخاص المقبوض عليهم بأسباب ذلك، وفي حالات كثيرة لجأت الجهات الأمنيّة في حكومة البحرين إلى استخدام القوّة المفرطة وغير الضرورية مصحوبة بسلوك بثّ الرعب في نفوس المواطنين؛ فضلاً عن الإتلاف غير الضروريّ للممتلكات، وبالتأكيد فإنّ وجود مثل هذا النمط المتكرّر من السلوك يكشف عن طبيعة التدريب السابق لتلك القوّات، وما كان متوقّعاً منهم تنفيذه.
المادّة 1694، ص 529
و في هذا الإطار تعرّض الكثير من الموقوفين للتعذيب، ولأشكال أخرى من الانتهاكات البدنيّة والنفسّية داخل سجنهم، الأمر الذي يدلّل مرّة أخرى على وجود أنماط سلوكيّة معيّنة تقوم بها بعض الجهات الحكوميّة. وبالطبع، لم يتعرض جميع الموقوفين لأساليب إساءة المعاملة كافّة، ولكنّك تلاحظ وجود نمط خاصّ من سوء المعاملة موجّه لفئات بعينها من الموقوفين، إنّ حجم سوء المعاملة النفسيّ والبدنيّ وطبيعته يدلّان على ممارسة متعمّدة كانت تهدف في بعض الحالات إلى انتزاع اعترافات وإفادات بالإكراه، بينما في حالات أخرى كانت هذه المعاملة بهدف العقاب والانتقام.
المادّة 1696، ص 530
وكان من بين الأساليب الأكثر شيوعاً لإساءة معاملة الموقوفين تعصيب العينين وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، واللكم والضرب بخراطيم مطاطيّة وأسلاك كهربائيّة على القدمين، أو بالسياط وقضبان معدنيّة وخشبيّة وأشياء أخرى… والصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، وتعريض السجين لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظيّة والتهديد بالاغتصاب وإهانة الطائفة الدينيّة للموقوفين من الشيعة، وقد أجرت وزارة الداخليّة تحقيقاً في حالة الدعوى بالتعذيب، وباستثناء 10 حالات ملاحقة قضائيّة لعمليات تعذيب أفضت إلى الموت، لم تجرِ أيّ ملاحقات قضائيّة.
الأسوأ في كلّ الاعتقالات السابقة
جاء الاعتقال الأخير الذي وقع على إثر الأحداث التي جرت منذ 14 فبراير 2011 ليكون الأسوأ في كلّ الاعتقالات التي مرّت عليّ؛ ففي وقت متأخر عند الساعة الثانية من فجريوم الخميس الموافق 17 مارس 2011 -وهو الوقت الذي اختارته القوى الأمنيّة لحملة اعتقالاتها ليكون أكثر أذى وترويعاً للنائمين وإرهاب الأطفال وتخويفهم، وليحفروا في ذاكرة الأطفال والعائلة تلك المناظر المقززة والانتهاكات الصارخة- كنت نائماً، إلّا أنّ أولادي وبناتي كانوا مستيقظين، فسمعوا طرقاً شديداً ومتواصلاً لجرس المنزل، فجاؤوا لإيقاظي وإخباري بأنّ قوّات مكافحة الشغب تطوّق المنزل، وقد جاءت لاعتقالي… فخرجت إليهم، وسألتهم السؤال المعتاد إن كانوا يحملون أمراً قضائياًّ أو من النيابة، فلاذوا بالصمت، ودخلوا مع قوّات الشغب وملثمين إلى حجرة نومي، وفتّشوا الغرفة ثمّ عرضوا على مسؤولهم “اللابتوب” وهاتفي النقّال، ثمّ اقتادوني مقيّداً مصحوباً بقوّات كبيرة إلى سافرة. وهناك وبعد الفحص الشكليّ والسريع أعادوا تقييدي، وعصبوا عيني، ووضعوني في سيّارة لا أعرف شكلها لتبدأ حفلة الاستقبال الخاصّة، وخلافاً لكل الاعتقالات السابقة بدؤوا بالضرب والإهانات والسبّ والشتم؛ فليس ثمّة قانون يطبّق أو يحترم، وليس ثمّة حقوق للمعتقل، بل نافثات من الحقد والانتقام والتشفّي، فكانت أولى العبارات الشنيعة هي: “مشيمع طز فيك وطز في مذهبك”.
واستمرّ هذا التعامل الحاطّ بالكرامة طوال الطريق، حتّى وصلنا إلى سجن القرين -الذي عرفته فيما بعد- لتبدأ حفلة أخرى من الاستقبال بالضرب واللكم في كلّ مواقع الجسد وخاصّة على الرأس والأذن والبصق والدفع، حتّى وقعت على الأرض وجرحت، وكنت على وشك التقيّؤ من شدة البرد، لكنّهم كانوا مستمرّين في سبهّم وشتمهم وإهاناتهم وضربهم، حتّى أخذوني إلى الزنزانة الانفراديّة، وهناك وإمعاناً في الإهانة والإذلال أعطوني فراشاً ممزّقاً قديماً لأنام عليه، ولحافاً قديماً وسخاً ومخدة قديمة جداً وبها روائح، وما أن جلست على ذلك الفراش المهين حتّى فوجئت بأحد الملثّمين يأتي بماء بارد في ذلك الجوّ البارد والمكيّف يعمل أيضاً، ليبدأ بسكب الماء على رأسي وجسمي والفراش واللحاف؛ لأبقى أرتجف من شدّة البرد، ولا أستطيع أن أنام رغم أنّي متعب. وفي الليلة التالية، أطفئت الأنوار لنغوص في الظلمة، وبدأت حفلة أخرى من الترويع والإزعاج بواسطة أجسام صلبة تضرب على شباك الزنزانة، تصدر أصواتاً عالية ومزعجة، وفي منتصف الليل، تأتي مجموعات أخرى ملثّمة تهدّد وتشتم وتسخر وتضرب، واستمرّت تلك المعاملة الحاطة بالكرامة، واستمر معها مسلسل الترهيب والتعذيب بوتيرة يوميّة وخاصّة عند منتصف الليل، فلا أهنأ بالنوم، بل أظلّ وجلاً متوقّعاً قدومهم في أيّ لحظة من الليل؛ حيث تحضر مجموعات من الملثّمين لتواصل وسائلها القذرة في التعدّي والسبّ والضرب والإهانة بأشكال مختلفة، مثل الوقوف لساعات مقابل الجدار مع رفع اليدين وأحياناً من غير رفعهما.
أتذكّر أنّي بقيت بالملابس نفسها من دون استحمام مدّة 10 أيّام حتّى كرهت رائحتي، وفي مرّة طلبت من الشرطي -وهو أيضا ملثّم- بالسماح لي بالاستحمام، فلم يجب، وبعد حوالي الساعة جاء شخص ملثمّ بلباسه المدنيّ، ودخل الزنزانة وهو يصرخ بأعلى صوته: “قم، جابل الجدار ما يربت تسبح في لندن في الشارع؟” ثمّ أخذ يسكب الماء البارد على جسمي كلّه، وأنا واقف مقابل الجدار، وقال: “لا تتحرّك من مكانك”. بقيت على هذه الحال حوالي 5 ساعات، ليأتي بعد ذلك ملثّم أخر فيقول: “نسيناك”!
وبقيت مدّة طويلة منقطعاً عن العالم لا أدري في أيّ سجنٍ أنا، ولا أهلي يعرفون عنّي شيئاً، وبعد مدّة تزيد على الشهر سمحوا لي بمكالمة وحيدة وبشرط أن لا أتحدّث مع الأهل بغير التحيّة والسلام. وعندما قالت إحدى بناتي إنّهم يسلّمون عليك قطعت المكالمة قبل أن تكمل الكلمة، وأرجعت إلى الزنزانة ليواصلوا التعذيب والتعدّي، وهدّدوني بأن يحضروا كلاباً لي وكنت أسمع أصوات تلك الكلاب.
لم تكن الإهانات والسبّ والشتم تمسّ أشخاصنا فحسب، بل كان التعدّي على المذهب والعقيدة، أتذكّر أنّني أُخذت في أكثر من مرّة في شهر مايو -حيث كانت بداية المحاكمة- إلى جهة ليست بعيدة عن المعسكر، وكنت معصّب العينين ومقيّداً عند الفجر، وكانوا شباباً من المراهقين الملثّمين، وفي السيّارة، وخلال الصعود إليها والنزول منها، ظلّوا يشمتون، ويسخرون، وقاموا بسبّي وشتمي وشتم المذهب والعلماء المراجع، وانبرى أحدهم يقول بسخرية مهينة – ولا أظن أحدكم يقبل به – قال بكلّ صلابة وهو يضحك: #ابنتك حليوة، تزوّجني إيّاها متعة؟” فقلت له ممتعضاً: “لا تذكر أهلي أو بناتي رجاءً”، فما كان منه إلّا أن واصل شتمي وتهديدي، ثمّ اقتادوني إلى تلك الجهة التي لا أعرفها.
وهناك قال أحدهم إنّ شخصاً سمّاه «شيخ صقر» من العائلة الحاكمة، وجاء من قبل الديوان الملكيّ ليتعرّف على رأيك، ويسمع منك لينقل إلى الملك. وأثناء الحديث عمّا حدث وجرى، اقترح عليّ أن أعتذر، ويتمّ تصوير ذلك تلفزيونياً، وحين رفضت ألحّ عليّ أكثر من مرّة، وقال: “إنّا سنستدعيك مرة أخرى…” وفعلاً بعد جلسة المحاكمة استدعوني حوالي الساعة 3 قبل أذان الصبح، وأخذوني مكبّلاً معصوب العينين بالطريقة نفسها من السخرية والسبّ والشتم، وحين قابلته عرض عليّ الاقتراح السابق؛ إلّا أنّي رفضت، وعلى الفور انبرت مجموعة من الملثّمين للعبث معي والتحرّش بي وشدّ لحيتي والتهديد، وقالوا لي: “إننا سوف نرجع لك السرطان الذي شفيت منه هذه الليلة”. وكنت أرى في الذهاب والإياب كلّ ألوان التشفّي والحقد الذي لا علاقة له بتطبيق القانون.
أن تُعذّب من قبل المخابرات، وتمارس بحقّك أنواع الأساليب القذرة والمهينة لانتزاع اعتراف قد يبدو مبرّراً، وإن كان مخالفاً لحقوق الإنسان، لكن أن تُعذب وتتخذ ضدّك كلّ تلك الأساليب والمعاملة الحاطّة بالكرامة لمجرّد التشفّي والحقد، فهو مضمون يختزن في داخله غياب دولة القانون، وإهدار الكرامة الإنسانيّة، وضياع المواطنة، وهي دليل على العقيدة التي انتهجها الجيش والداخليّة وجهاز الأمن الوطنيّ، يكشف عن طبيعة التدريب السابق لتلك القوّات وعدّ المعتقل عدوّاً ينبغي الانتقام منه لا مواطناً له كرامة وله حقوق.
في إحدى الليالي في حوالي نهاية شهر مايو تقريباً من جلسة النطق بالحكم، وربّما في بداية شهر يونيو، وكالمعتاد في منتصف الليل حضر إلى داخل السجن حوالي 9 أشخاص ملثّمين، وبدؤوا بالسبّ والصراخ والضرب والشتم، وعند اقترابهم من زنزانتي أخذوا يسخرون منّي، ويهدّدونني بحكم الإعدام، ثمّ انبرى أحدهم -وهو بعمر أحفادي- ومدّ قدمه طالباً منّي تقبيلها، فهل ثمّة إهانة أكثر من ذلك؟ وهل الأساليب المهينة والنهج الذي مورس ضدّنا هو تصرّفات شخصيّة كما يحاول البعض أن يطرح وكما هو ديدن السلطة؟! أم هو نهج السلطات العليا؟ وهل يستطيع موظّف صغير أن يتخذ إجراء دون وجود ضوء أخضر من القيادات العليا؟! لقد شكونا حالنا وما نتعرّض له من الإهانات إلى المحقّقين في النيابة العسكريّة نفسها وبأشكال مشينة ومهينة، وكانوا إذا أرادوا أن يأخذونا إلى قاعة المحكمة أو إلى لقاء المحامي أو لقاء الأهل القصير كانوا يتعاملون معنا بحقارة وإذلال وبالصراخ يقولون:” نزل راسك طالع الأرض”، وأحيانا يمسكوننا من رقابنا بكلّ قوّة وهم يدفعون بنا إلى غرف المقابلة. وفي يوم النطق بالحكم بتاريخ 22/ 6 / 2011 وبعدما هتفنا: “سلميّة .. سلميّة .. شعب يطلب حريّة”، وضعوا القيود في أيدينا من الخلف، وعصبوا عيوننا، وأخرجونا بالدفع والضرب والرفس، وسندونا في البداية إلى الحائط، وبدؤوا بضربنا بأشكال مختلفة، وفي غرفة الانتظار واصلوا اللكم والضرب بالحذاء.
وأتذكّر أنّ أحد الضبّاط بعد أن سألني عن حكمي، بدأ يمارس ضربي بشكل مستمر، وراح يفرغ حقده عليّ، واستمرّ في ضربي في كلّ أنحاء جسمي باليد تارة وبالرجل والحذاء تارة أخرى، ويضع كعب الحذاء في فمي، ويمسح فمي بالحذاء، ثمّ أخذ نعالي وصار يضربني بها، ويمسح النعال في وجهي وفي فمي أمام مرأى المسؤولين في القضاء ومعرفتهم دون أن يتخذوا أيّ موقف، وحتى حين شكونا الحال لم يتم الالتفات إلينا، وفي النيابة كنّا نبقى مقيّدين ومعصّبين لمدّة طويلة قد تصل لأكثر من ساعة إلى أن يأتي دورنا في الدخول على المحقق، فكانوا يهينوننا، وشغلوا شريط أناشيد، ومن ضمنها السلام الملكيّ، وكلّ مواعيد السلام الملكيّ على CD وأمرونا بأن نقف.
إنّ الذي مارس التعذيب في الواقع واستهدفنا بالإهانة ليس الشرطة فقط والمخابرات، وإنّما من أعطى أوامر القبض والاعتقال والحبس.
فهل القضاء قادر على استدعاء أولئك القادة الكبار الذين كانوا السبب الحقيقي وراء كل الأحداث والانتهاكات والظلم الذي لحق بنا وبغيرنا من المستضعفين ومحاكمتهم؟!! إنّ من يطالب بأسماء المعذِّبين الملثّمين لتحريك قضايا التعذيب يمارس السخرية من الأبرياء المظلومين، ويمارس الالتفاف عليهم؛ لأنّ الذي يعرف المعذِّبين هو فقط من أعطى الأوامر بالاعتقال والتعذيب، فلو كانت هناك نيّة صادقة في المحاسبة، لقدّم أولئك الكبار للمحاكمة، ولكُشف عن كلّ الذين مارسوا التعذيب، لكن ذلك لا يمكن أن يكون إلّا في دولة القانون والمؤسّسات لا في دولة بوليسيّة، وفي الدولة التي تعمل على فصل السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة لا تلك التي تستحوذ على السلطات وتهيمن عليها جميعاً.
التحقيقات
أخذوني مرّتين أو ثلاث إلى التحقيق قبل أخذنا إلى النيابة العسكريّة، وكان ذلك داخل أحد المكاتب في المعتقل نفسه، وكنت معصّب العينين لا أرى شيئاً. وأجلسوني أمام المحقّقين الذين لم أعرفهم ولم أرهم والجلاوزة تحيط بي، وتنتظر أيّ إشارة ليضربوني، وهدّدت بعدم تغيير أقوالي في النيابة العسكريّة، ثمّ بعد ذلك وفي مدّة قصيرة بدؤوا التحقيق معي في النيابة العسكريّة، واستغرق ذلك أيّاماً. وكانت عدد صفحات التحقيق حوالي 130 صفحة، وكان بإمكاني أن أمتنع عن الإجابة على الكثير من الأسئلة، وأختصر الوقت والصفحات، لكنّي كنت صريحاً وشفافاً، وفنّدت كلّ التهم الكيديّة، وقد أوضحت للمحقّق بأنّ سبب صراحتي هو أنّني لا أشعر أنّي مارست عملاً خاطئاً ولا ارتكبت جرماً، وكان نشاطي في العلن ولم يكن في السرّ، وإنّما عبّرت عن آرائي السياسيّة ومطالباتي بحقوق شعب البحرين، ولم تكن المطالب طائفيّة بل وطنيّة بغض النظر عن الصواب والخطأ، وإنّ ما سمي تحريضاً أو كراهية النظام لا يعدو كونه نقداً سياسيّاً ووضعاً لليد على الجروح التي نزف منها الوطن، وهي حقوق لكلّ المواطنين، وأنّ عليهم إصلاح القوانين التي تصطدم بالحقوق.
كما جاء في المادّة 31 من الدستور: «لا يكون تنظيم الحقوق والحريّات العامّة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلّا بقانون أو بناءً عليه، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحقّ أو الحريّة».
و قد تمّ عرض كلّ خطبي ومقابلاتي مع محطات التلفزة والإذاعة المختلفة، وكذلك خطاباتي في الدوّار من قبل النيابة العسكريّة، وطالبت ولازلت أطالب بأن يأتوا بتصريح واحد دعوت فيه إلى العنف، ولم يكن فيها إلّا أرائي السياسيّة وانتقاداتي للوضع السياسيّ والحقوقيّ الخاطئ، والدعوة إلى تحقيق مطالب شعب البحرين بعيداً عن الطائفيّة أو الدعوة لها، والحديث عن النظام الديمقراطيّ والمطالبة بالحريّة والكرامة للجميع، أو الدعوة للحوار الجاد الهادف، أو التأكيد على الوحدة واللحمة الوطنيّة وأنّ الحقوق للجميع، وحتّى اختيار نظام الحكم هو حقّ للشعب بمقتضى الشرع وبمقتضى الدساتير العالميّة ومنها دستور البحرين لسنة 1973 العقدي.
من تقرير اللجنة المستقلّة
المادّة 1700، ص531
حوكم عدد كبير من الأفراد أمام محاكم السلامة الوطنيّة، وسُجنوا لمخالفتهم نصوص المواد أرقام 165، 168 و169 و179 و180 من قانون العقوبات البحرينيّ، وذلك خلال أحداث فبراير ومارس الماضيين، والجدير بالذكر أنّ الصياغة الفضفاضة لتلك المواد والطريقة التي طبقت بها تثير التساؤل بشأن مدى اتفاقها مع قانون حقوق الإنسان الدوليّ ودستور البحرين.
المادّة 1701، ص 531
وسجلت اللجنة انتهاكات عديدة لحقوق المحاكمة العادلة، وتعتقد اللجنة أنّ أحد أسباب هذه الانتهاكات يتمثّل في غياب تشريع يحدّد سلطات الحكومة أثناء تطبيق حالة السلامة الوطنيّة، بالإضافة إلى ذلك يبدو أنّ النائب العام العسكريّ قد اختار أن يعتمد على تلك الأحكام التشريعيّة الأكثر إجحافاً بحقوق الأشخاص الموقوفين والمدّعى عليهم الذين أحيلوا إلى محاكم السلامة الوطنيّة.
المادّة 1702، ص 532
إنّ الأسلوب الذي اتّبعته أجهزة الأمن والأجهزة القضائيّة في تفسير مرسوم السلامة الوطنيّة، فتح الباب أمام ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فمن الواضح أنّ مرسوم السلامة الوطنيّة الذي طبّقه النائب العام العسكريّ قد تجاوز النظام القضائيّ الوطنيّ. ونتيجة لذلك، فلقد وقعت بالفعل انتهاكات نمطيّة لقواعد المحاكمة العادلة في مرحلة ما قبل المحاكمات وأثناء المحاكمات التي حرمت معظم المتهمين من الضمانات الأساسيّة للمحاكمات العادلة والنتائج التي خلصت إليها اللجنة.
المادّة 1279، ص 394
جرى متابعة الكثير من الأشخاص أمام محاكم السلامة الوطنيّة، وسجنوا لانتهاكهم أحكام المواد 165 و168 و179 و180 من قانون العقوبات البحرينيّ خلال أحداث شهري فبراير ومارس 2011، وترى اللجنة أنّ حكومة البحرين استخدمت هذه المواد لمعاقبة المعارضة السياسيّة.
المادّة 1280، ص 394
ونظراً للطريقة التي جرى بها تطبيق هذه الأحكام في البحرين، فإنّ لدى اللجنة عدداً من بواعث القلق بشأن اتّساقها مع أحكام القانون الدوليّ لحقوق الإنسان ومع أحكام دستور البحرين.
المادّة 1281، ص 394
جرى تطبيق المادة 165 من قانون العقوبات تطبيقاً ينتهك حريّة الرأي وحريّة التعبير إذا أقصيت من النقاش العام الآراء التي تعبّر عن معارضة نظام الحكم القائم في البحرين، والآراء التي تدعو لأيّ تغيير سلميّ في بنية الحكم أو نظامه أو تدعو إلى تغيير النظام. إضافة إلى المواد 1282و 1283 و1286.
المادّة 1284، ص 395
إنّ المواد 165 و168 و169 من قانون العقوبات تقيّد أيضاً الرأي والتعبير بتجريمها التحريض على كراهيّة النظام أو الإضرار بالصالح العام، دون أن تنصّ على أيّ عمل ماديّ ينتج عنه ضرر للمجتمع أو للفرد، وقد جرى تطبيقها لقمع النقد المشروع للحكومة.
المادّة 1291، ص 397
توصي اللجنة بإلغاء الأحكام والعقوبات التي صدرت في حق جميع الأشخاص الذين اتّهموا بارتكاب جرائم ذات صلة بالتعبير السياسيّ، ولا تنطوي على الدعوة إلى العنف أو بحسب الحالة بمراجعة الأحكام الصادرة ضدهم، وبإسقاط التهم المعلقة الموجّهة إليهم أو تخفيفها بحسب الحالة.
المادّة 1722
إلغاء [النسخة الإنجليزية مراجعة الإدانات وإلغاء العقوبات] كلّ الأحكام الصادرة بالإدانة على الأشخاص المتّهمين بجرائم تتعلّق بحريّة التعبير السياسيّ، والتي لا تتضمّن التحريض على العنف، أو تخفيفها، وإسقاط التهم التي لم يتمّ البتّ فيها ضدّهم.
المادّة 19 من دستور البحرين:
الفقرة ب: «لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريّته في الإقامة أو التنقّل إلّا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء».
الفقرة د: «لا يعرّض أيّ إنسان للتعذيب الماديّ أو المعنويّ أو للإغراء أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدّد القانون عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كلّ قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو الإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأيّ منها».
المادّة 20:
الفقرة د: «يحظر إيذاء المتّهم جسميّاً أو معنويّاً».
من الدستور الذي فرض على شعب البحرين، تعالوا نقرأ المادة 1-د: «نظام الحكم في ملكة البحرين ديمقراطيّ، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبيّن بهذا الدستور».
بل إنّ هناك خطابات كنت قد حذّرت فيها من صبغة الفتنة التي يؤجّجها النظام، وحذرت من أيّ مواجهة بينيّة يسعى النظام لخلقها واصطناعها، وحتّى البيان الذي صدر عن الجمهوريّة فقد أكّد على:
أنّها جمهورية مدنيّة وليست إسلاميّة لتربط بإيران أو غيرها، وثانياً أكّدنا على الأساليب السلميّة، وثالثاً تركنا الخيار للشعب بكلّ فئاته وشرائحه سنّةً كانوا أو شيعة، وضمن الممارسة الديمقراطيّة، ولم نتخذ أيّ خطوات عمليّة، فلم يكن هناك سوى رأي سياسيّ مثل الرأي الذي طالب بالملكيّة الدستوريّة، وقد دعا أحدهم في لندن إلى تغيير النظام الملكيّ هناك وتحويله إلى جمهوريّة، ولأنّ المجتمع والنظام ديمقراطيّ فقد أصبح ذلك الرجل وزيراً، فهل إذا عبّر أحد أفراد الشعب عن رأيه السياسيّ يسجن ويعذب؟ أو ينكّل به لأنّه مارس حقاً من حقوقه السياسيّة؟ وجاءت بعد ذلك اللجنة البحرينيّة المستقلّة لتؤكد أنّ المجموعة التي عبّر عنها ب 14 أو سجناء آخرين مارسوا التعبير عن آرائهم السياسيّة، فهل من يعبّر أو يمارس رأياً سياسيّاً يحكم عليه مؤبّداً؟
المحاكمة العسكريّة
لقد صدرت بحقّنا أحكام جائرة من محاكم تفتقد لمبادئ المحاكمة العادلة، وأسيئت معاملتنا، وسجنا فترات طويلة، كما هو الحال بالنسبة للمئات من المحتجّين، بسبب آرائنا ومواقفنا المعلنة وممارستنا لحقوقنا الأساسيّة في التعبير والتجمّع والتنظيم، وقد افتقرت المحاكمات إلى المعايير الدوليّة لمبادئ العدالة التي بدونها يسقط حقّ التقاضي، وتسقط تبعاً لذلك كلّ التهم بغضّ النظر عن جديّة هذه التهم وصدقيّتها. ومن ضمن مبادئ المحاكمة العادلة التي تمّ انتهاكها ضدنا ما يلي:
1- الاعتقال التعسّفي: ويشمل القبض علينا دون إبراز أوامر القبض وعدم إخبارنا بذلك. (الفقرات 1174 و1179 تقرير اللجنة.(
2- إجراءات التوقيف: لم تلتزم سلطات الاعتقال والتحقيق باشتراطات قانون الإجراءات الجنائيّة الخاصّة بالتوقيف في الثماني والأربعين ساعة الأولى. (الفقرات 1160 و1166).
3- حقوق الموقوفين: انتهكت سلطات التحقيق حقوقنا الخاصة باحتجازنا لأكثر من شهرين دون السماح لنا بالاتصال بالعالم الخارجيّ، أو الوصول للمحكمة للطعن في قانونيّة إجراءات التوقيف أو السماح لنا بالاتصال بالمحامين، وحرماننا وأهالينا من المعلومات الخاصة بأماكن احتجازنا أو أسبابها. (الفقرات 1235 و1237)
4- التعذيب وسوء المعاملة: (الفقرة 1238).
5- تجاهل السلك القضائيّ والنيابة للشكاوى التي تقدّمنا بها أثناء التحقيق وأثناء المحاكمة (الفقرة 1241).
6- تطبيق قوانين جائرة: إنّ التهم والمحاكمات (العسكريّة والمدنيّة) التي حيكت ضدّنا وضد المئات من المحتجّين استندت إلى مواد قوانين مدانة دوليّاً بسبب انتهاكها للحقوق المدنيّة والسياسيّة الأساسيّة للإنسان، وتشمل: قانون الإرهاب، وقانون العقوبات، وقانون التجمّعات، وقانون السلامة الوطنيّة وغيرها. (الفقرات 1274 و1290 1281و 1282 و1700).
7- المحاكم العسكريّة: تم تطبيق إجراءات المحاكمات العسكريّة علينا كمدنيّين وليس كعسكريّين، وقد اتسمت تلك المحاكمات بفقدانها الكفاءة للمحاكمات والترافع المحقق للعدالة. (الفقرات 1701 و1702).
8- الاستناد على الاعترافات المستقلة بالإكراه عبر وسائل التعذيب الجسديّ والنفسيّ، وتمّت الإدانة بناء على ذلك. (الفقرة 1720). وقد رفضنا كلّ التهم الكيديّة التي ألصقت بنا، إلّا أنّنا حكمنا ظلماً وعدواناً بدافع التشفّي والانتقام والقضاء على المعارضة بقانون القوّة وليس بقوّة القانون، والدليل الوحيد هو مصادرنا الخاصة والسريّة، ولأنّ قرار المحكمة الأوّل كان قراراً سياسيّاً بامتياز ولا علاقة له بالقانون والقضاء، فقد جاء قرار الاستئناف مطابقاً ومؤكّداً له.
التشويه والتشهير
وهناك أمر آخر مهم تجدر الإشارة إليه، وهو أنّ النظام لم يكتفِ بإعطاء الأوامر لاعتقالنا بشكل تعسّفي، بل تمّ إعطاء الأوامر بتعذيبنا وإهانتنا وحجبنا عن الاتصال بالعالم الخارجيّ، والتشهير بنا من خلال سيطرته التامة على الإعلام المرئيّ (التلفزيون) والمقروء (الجرائد)، ومن خلال الأقلام التي جنّدت لذلك لتنهش في أجسامنا وسمعتنا تشهيراً وتشويهاً، هذه الأقلام التي خذلت الوطن كلّه، وسخّرت نفسها لما يراه النظام وما ترتبط به مصالحها، وقبل أن يصدر القضاء حكمه وكلمته راحت تلك الأقلام تصدر الأحكام وتوزع علينا التهم: إرهابيّون، انقلابيّون، خونة، عملاء … دون الالتفات إلى القاعدة والمادة 20 – ج من الدستور التي تقول: «المتهم بريء حتّى تثبت إدانته في محاكمة قانونيّة تؤمن له فيها الضمانات الضروريّة لممارسة حقّ الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة». إلّا أنّ هذا التوجيه والتحريض يمكن أن يؤثّر في القضاء، كما عمّ التعتيم منشورا سابقاً في القضية تقرير البندر حين منع القضاء تداول الموضوع باعتبار أن القضية في القضاء، ومن شأن ذلك أن يؤثر على القضية، وكذلك فصل القضاء مثل ذلك في التعتيم الذي نشره في الجرائد في قضية الخلية المرتبطة بالقاعدة.
لماذا هذا التمييز الصارخ في معاملة المواطن؟!! وإلى حدّ الآن ما تزال الصحافة وما تزال تلك الأقلام ماضية في التشويه وإصدار الأحكام مع إعادة المحاكمة، فهل الشجاعة هي أن يلجأ هؤلاء الذين لم يفكّروا بروح المسؤوليّة، ولم يفكّروا يوماً بمصلحة البلاد لأن يتناولوا شخصاً وراء القضبان غُيّب شهوراً ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه؟ بل لا يتاح له أن يقول كلمته بصدق؟ إنّ هذه الافتراءات والأكاذيب التي روّجوا لها لابدّ أن ينكشف زيفها يوماً ما .. وتظهر الحقيقة، وإنّ الله العدل المطلق لا يمكن أن يتخلّى عن عبده وهو يعرف صدقه، ولا يزال الإعلام وتلك الأقلام ماضية في تضليلها وتشويهها والعبث بسمعة الأبرياء، (جريدة الأيّام نموذج). فلو كانت الدولة دولة قانون ومؤسّسات، وكان هناك قضاء مستقلّ منصف لأوقف هذه المهازل، لكنه لم يفعل، بل عمد إلى محاكمتنا والإصرار على إدانتنا رغم وضوح الصورة وسقوط كلّ الأقنعة.
مقالات الكاتب محمّد الأحمد لجريدة الأيام: من الذي تآمر على شعب البحرين؟
جاء العام 1938 م تتويجاً لنضالات شعب البحرين ومطالباته من أجل الحقوق السياسيّة والمدنيّة، ومن أجل العدالة والمساواة، ولذلك كانت أهم المطالب عام 1938 مجلس منتخب انتخاباً حراً يمثل طموح الناس، ودلّ الإصرار على ذلك المطلب إلى آخر عام 1973 بعد خروج الاستعمار، وكانت هناك وقفة تاريخيّة لشعب البحرين وخاصة الشيعة حين وقفوا مع إخوانهم السنّة في ذلك الوقت، ورفضوا طلب الشاه مؤكّدين على أن تكون البحرين دولة عربيّة مستقلّة وديمقراطيّة، ولم يدُر في خلدهم أنّهم سيوصفون في يوم من الأيام ويتهمون بالعمالة والتشكيك في ولائهم للوطن. في ظلّ ذلك الظرف الاستثنائيّ، حصل شعب البحرين على أوّل دستور عقديّ، ومجلس وطنيّ فيه أكثريّة منتخبة، لكن السلطة لم تتحمّل؛ لأنّها لم تؤمن في يوم من الأيّام بالديمقراطيّة أو المشاركة الشعبيّة في صنع القرار السياسيّ أو المشاركة في الثروة. إنّما ظلّت على مدى عقود تستأثر بكلّ شيء، وتسيطر على كلّ مفاصل الدولة.
حاولنا في التسعينيات مع مختلف القوى الوطنيّة وبالأساليب السلميّة، ومنها كتابة العرائض؛ حيث انبثقت العريضة النخبويّة، ثم العريضة الشعبيّة للمطالبة بعودة الحياة البرلمانيّة وتفعيل دستور 1973، وإرجاع المهجّرين، وحقوق المرأة وغيرها… وكانت خلفيّة المطالب وطنيّة لكل شعب البحرين، لكن النظام بدلا من أن يستجيب للشعب ويتفهمه، وكعادته حوّل القضيّة المطلبيّة إلى مواجهات أمنيّة، واعتقل مجاميع من الشعب، وتمّ اعتقالنا في تلك الفترة، وحاولنا أن نتقدّم بمبادرة لحلحلة الوضع الأمنيّ والسياسيّ، وكان هناك حوار من داخل السجن تمّ الاتفاق خلاله على إطلاق سراح جميع المعتقلين على دفعات ثلاث، إلّا أنّ النظام غيّر موقفه.
و أبقى على أكثر من 300 سجين، ثمّ عاد فاعتقلنا مرّة أخرى لنبقى في السجن حوالي 6 سنوات دون محاكمة بسبب آرائنا السياسيّة، وكانت هناك محاولات ومساومات من قبل النظام للإفراج عنّا بشرط التوقّف عن المطالب، وعدم عقد لقاءات مع إخواننا السنّة أو القوى الوطنيّة الأخرى، لكنّنا رفضنا ذلك إيماناً منّا بالاستمرار بمدّ الجسور مع إخواننا السنّة والقوى الوطنيّة الأخرى، والحفاظ على اللحمة الوطنيّة، وباعتبار أنّ المطالب هي لكلّ المواطنين وليست مطالب تخصّ طائفة دون أخرى، وحتّى بعد خروجنا الأوّل في عام 1995 وفي الخروج الثاني عام 2001 سعينا إلى عقد لقاءات مع شركاء الوطن، وعملنا من أجل ترسيخ العلاقات مع إخوتنا من خلال برامج ثقافيّة مشتركة، إلّا أنّ النظام ومن خلال وزارة الداخليّة منع ذلك التواصل، وحاصرت قوّات الشغب أحد المآتم في عالي لمنع ندوة مشتركة بيننا وبين إخوتنا السنّة.
و في فترة الميثاق حاولنا أن ندعم دعوة الإصلاح آملين أن نخرج من أزمتنا المستمرّة في البحرين إلّا أنّنا حين لمسنا عدم جديّة الإصلاح، ومحاولة الالتفاف على المطالب وإلغاء دستور 1973 ورغم كلّ الوعود ليستبدل بدستور أقلّ منه طموحاً وصلاحيّة، واصلنا النضال والإصرار على تحقيق المطالب من أجل دستور عصريّ ديمقراطيّ ينصف شعب البحرين بكلّ أطيافه، ويحقّق العدالة والمساواة، ويسهم في وجود سلطة تشريعيّة كاملة الصلاحيات تشريعاً ورقابة بالأساليب السلميّة نفسها؛ لذلك عملنا على كتابة العريضة الأمميّة المطالبة بكتابة دستور ديمقراطيّ يكتبه شعب البحرين سنّة وشيعة من خلال هيئة منتخبة، لكن نظريّة المؤامرة التي تعشعش في ذهن السلطة -وبدلاً من الاستجابة لمطالب شعب البحرين وحقوقه السياسيّة والمدنيّة- بدأت تحيك المؤامرة تِلو المؤامرة، وتستعرض المسرحيّات الهزيلة في ضرب الحراك السياسيّ وضرب اللحمة الوطنيّة وتمزيق الصف الشيعيّ-السنّيّ بأساليب متنوعة وعديدة، فكان تقرير البندر الذي كشف النقاب عن حجم المؤامرة على شعب البحرين ومحاولة تأجيج الصراع البينيّ بين السنّة والشيعة، وجنّدت السلطة لذلك أقلاماً، وأعدّت دراسات همّها أن تزرع الفتنة وتوسّع الهوّة بين السنّة والشيعة بدلاً من محاسبة المتآمرين على شعب البحرين.
بدأت السلطات -ومن خلال تلك الأقلام- العمل الدؤوب على ضرب جسور التواصل بين الشيعة والسنّة، واصطناع وهم الخوف من خطر الشيعة، وتزامن ذلك مع تجنيس الآلاف من السنّة من أصقاع مختلفة بحجّة الحفاظ على السنّة من خطر الشيعة الموهوم، وبدأت الكتابات تشحن الأذهان وتخوّفها من الناشطين السياسيّين والحقوقيّين، وبدأت تمهّد لاعتقال النشطاء والمطالبين بحقوق الشعب من خلال افتعال مسرحيّات مكشوفة.
و تمهيداً لكلّ ذلك تمّ تمرير قانون الإرهاب الذي أسّس لمرحلة أمنيّة استمرّت حتّى أحداث 14 فبراير 2011، ثمّ مرّر قانون التجمّعات، وبدأ الكتاب ينشطون ويتغنّون بإلصاق التهم بنا والتحريض بالاسم، وبدأ الكلام في المرحلة نفسها عن العفو المدّعى، وبدأ خلط الأوراق بشكل عجيب، فجاءت «مسرحيّة الحَجّيرة»، وكنت في لندن وضحكت كثيراً لعدم إتقان الإخراج؛ لأنّ الحَجّيرة في سوريا معروفة لدى الكثير من الزائرين والمقاولين أنّها سوق خضرة وفاكهة، فكيف يتدرّب الإنسان فيها على السلاح كما قالوا؟! وأتذكّر أنّني قلت لرئيس جهاز الأمن السابق: “كيف اتهمتني بالإرهاب وأنت تعرف أنّي لا علاقة لي به؟”
فاكتفى بالابتسام، ثمّ قال: “إنّ خطبك كانت شديدة جداً”، ثمّ تلتها مسرحيّة الخليّة الإرهابيّة، وحين انطلق الربيع العربيّ وانطلقت المطالبات بالحقوق في أحداث 14 فبراير 2011 -وبدلاً من الاستجابة وتهدئة الأمور والحوار الجاد وحلحلة الأمور إلى الأحسن’ التفّت السلطات كعادتها على الحركة المطلبيّة وحوّلتها إلى قضيّة أمنيّة من خلال افتعال أزمات ومناوشات وادعاءات وتهديدات واعتداءات على السنّة؛ ليكون ذلك مبرراً للضربة الأمنيّة وتطبيق قانون السلامة الوطنيّة، والاستعانة بالقوّات السعوديّة أو ما سمّي بدرع الجزيرة لضرب التحرّكات السياسيّة.
ما هي التهم الموجّهة إليّ؟
اعتقلت في التسعينيات بسبب خطاباتي السياسيّة ومطالبتي وإخواني بالديمقراطيّة وتحقيق العدالة والمساواة لشعب البحرين بكلّ أطيافه وشرائحه، وبقينا في السجن حوالي 6 سنوات بدون محاكمة، ولم توجّه إلينا في ذلك الوقت أيّ تهمة محدّدة، وبدلاً من أن يحاسب الذين حرمونا من حريّتنا في ظلّ قانون أمن الدولة الجائر يتمّ الحديث عن المنّ علينا بالعفو، ويبقى السؤال الحائر: عفو عمّاذا؟؟ اعتقلت مرّة أخرى عام 2007 لمدّة ساعات وأيضاً بسبب آرائي السياسيّة وخطاباتي المطلبيّة والصريحة التي أزعجت السلطة، ثمّ اعتقلت مرّة أخرى عام 2009 وأيضاً للسبب نفسه؛ أي خطاباتي السياسيّة ونشاطي مع آخرين؛ لأنّنا نسعى من أجل مطالب شعب البحرين فيما سمي بمسرحيّة الحَجّيرة التي أثبتت فشلها؛ لأنّها لم تكن سوى أكاذيب وكيد سياسيّ، ثمّ في عام 2010 وكنت حينها في لندن للعلاج من السرطان اللمفاوي، وكان علاجي بدايته على نفقة وزارة الصحة والذي قطعته في منتصف الطريق من خلال رسالة رسميّة استلمتها المستشفى التي كنت أتعالج فيها، واستلمت من المستشفى نسخة من تلك الرسالة ونشرتها في ذلك الوقت، وكان مضمونها أنّ الوزارة لا تتحمّل مصاريف العلاج ومن ذلك التاريخ الذي كتبت به الرسالة وحين سافرت من البحرين لم أكن متّهماً. بل إنّ موظّفاً في سفارة البحرين زارني في الشقّة ليبلّغني تحيّات الملك، ويقدّم لي كيساً مليئاً بالمال، لكنّي اعتذرت ورفضت استلامه، ثمّ كانت لي بعض المقابلات في محطات التلفزة، بعدها صدرت المسرحيّة الجديدة وأضيف اسمي فيها، ولو كنت قبلت المبلغ ولم أتحدّث في محطات التلفزة لما ورد اسمي ولما كنت متهماً. ثمّ أخيراً حين انطلقت أحداث 14 فبراير كنت لا أزال في لندن لاستكمال العلاج، ولم أحضر إلى البحرين إلّا بتاريخ 26 / 2 / 2011، وبدلاً من اعتبار 14 فبراير تعبيراً عن إرادة الشعب وشعوره بالمظلوميّة وإصراره على نيل مطالبه، تمّ توجيه التهم جزافا أنّنا وراء كلّ ما حدث، لقد كانت خطاباتي وكلماتي التي ألقيتها تعبيراً عن مطالب الشعب الديمقراطيّة والوطنيّة، ولم تكن ذات نبرة طائفيّة، ولم يكن بها أيّ دعوة إلى العنف. وجاء في كثير منها تأكيدٌ على الوحدة الوطنيّة وعدم الانجرار إلى أيّ مواجهة أو فتنة طائفيّة، وحتّى البيان الذي عبّر عن الجمهوريّة لم يتحدّث عن جمهوريّة إسلاميّة كما عزف على ذلك الكثير من الصحف وأقلام الفتنة، وتمّ التأكيد فيه على الوسائل السلميّة، وأرجعنا قرار القبول أو الرفض إلى إرادة شعب البحرين بكلّ أطيافه، فهذه خطاباتي ليس فيها سوى الرأي السياسيّ والنقد السياسيّ والمطالبة بالحريّة والديمقراطيّة واحترام الجميع. وما عداه فهو كذبٌ وافتراء وتلفيق، فهل هذه جرائم وتهم أسجن من أجلها؟ أم هي حقوق أقرّتها الديانات السماويّة، وأقرّتها الأعراف والدساتير العالميّة ومنها دستور البحرين، فأين الإنصاف وأين العدالة؟؟
هل القضاء مستقلّ في البحرين؟
أتساءل إذا كان القضاء في البحرين مستقلّاً وغير مسيّس؟! وأمامي أكثر من دليل على غياب العدل:
- تقارير المنظّمات الدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان.
- تصريحات القضاء في بيان سابق.
- خضوع القضاء للسلطة السياسيّة، وهناك أكثر من مؤشّر على ذلك.
- التجارب التي عشناها وعاشها آخرون في قضايا مختلفة وقف القضاء فيها لصالح الجهات الرسميّة؛ مثل وزارة الداخليّة وجهاز الأمن الوطنيّ ضدّ متّهمين أبرياء مع ثبوت التعذيب وانتزاع الاعترافات بالإكراه.
- آليّة تعيين القضاة.
ونتساءل أخيراً: إذا كان القضاء مستقلّاً فلماذا لم تثبت محكمة التمييز في قضيّتنا بعد تحويلها قبل أكثر من 5 شهور إلّا في الفترة الأخيرة؟ ولماذا تمّ تأجيلها مرّة أخرى بالضبط بعد انتهاء الفورملا 1؟!
لقد ثبت في تقرير اللجنة المستقلّة التي شُكّلت بقرار ملكيّ، وتمّ القبول بنتائجها وتوصياتها، ورغم النقص الموجود في التقارير إلّا أنّه أكّد في أكثر من مكان أنّنا أصحاب رأي سياسيّ، وأنّ التهم التي ألصقت بنا غير صحيحة ولا تتوافق مع قانون حقوق الإنسان الدوليّ ودستور البحرين.
علماً أن مَن أذكى الصراع البينيّ، ومارس التخندق الطائفيّ، وأجّج الخلاف بين السنّة والشيعة، وأحدث الشرخ الكبير في المجتمع هي السلطة نفسها، من خلال الإعلام المضلّل والموجّه من قبلها بشقّيه المرئيّ والمقروء، وجندت الأقلام التي لعبت دوراً بارزاً وكبيراَ في تأجيج الأمور وإيصالها إلى ما وصلت إليه، وأنّ كلّ ما نسب إلينا هو عارٍ عن الصحة ولا يصمد أمام الحقيقة.
إن من ينبغي أن يحاسب ويحاكم على كلّ ما جرى هو غيرنا، ولو كانت الدولة ديمقراطيّة ودولة قانون ومؤسّسات لقدّمت الحكومة استقالتها، وتمّت محاسبة المتسبّبين الأساسيّين والحقيقيّين لكلّ الأحداث والفتن التي عصفت في البلاد، ولو كان القضاء مستقلّاً والمحاكمة عادلة لتمّ الإفراج عنّا فوراً بعد أن اتضحت الصورة لا أن نحاكم مرّة أخرى؛ لذا ولأنّني واثق أنّ المحاكمة الجارية هي جزء آخر من الالتفاف على الحقيقة والكسب الإعلاميّ وأن القرار النهائيّ لا يحدّده القاضي، بل يحدّده القرار السياسيّ الصادر عن الجهات السياسيّة العليا، وأنّ حضورنا وعدمه وهيئة الدفاع لن يغيّر النتيجة، وأنّ استمرارنا في المحاكمة الصوريّة سيبدو وكأنّه اعتراف من قبلنا بوجود قضاء مستقلّ ومحاكمة عادلة.
لكلّ ما تقدّم أطالب بالآتي:
- الإفراج الفوريّ وغير المشروط عن جميع معتقلي الاحتجاجات التي جرت في البحرين منذ فبراير وما تلاها وسجنائها، مع جبر ضررهم وتعويضهم.
- محاكمة جميع المسؤولين، بغضّ النظر عن رتبهم ونسبهم في الأجهزة الأمنيّة والمتورّطين في التعذيب وسوء المعاملة من خلال لجنة مستقلّة ومحايدة بحسب ما جاء في لجنة التقصّي.
كما أعلن عن الآتي:
1- إنّ حضوري هذه الجلسات الأوليّة من هذه المحاكمة كان بهدف تسجيل إفاداتي وتوثيق ما تعرّضت له من تعذيب وسوء معاملة، إضافة إلى الانتهاكات التي جرت بحقّي أثناء الاعتقال والتحقيق والمحاكمة، ممّا ينتقص من مبادئ المحاكمة العادلة، ويكشف زيف النظام وعدم جديّته في علاج الأزمة السياسيّة الحقوقيّة في البلاد.
2- أتوقّف عن حضور الجلسات المستقبليّة وعدم الاستمرار في المحاكمة التي لا تتمتّع بالاستقلاليّة والعدالة.
3- مع شكري وتقديري لهيئة الدفاع ووجود المحامين الذين تصدّوا للدفاع عنّي، أطلب منهم الانسحاب من هذه المحاكمة ابتداءً من هذه الجلسة، وعدم تمثيلي في أيّ مرحلة من مراحل هذه المحاكمة.
4- أرفض أن ينبري أحد بتمثيلي، كما لا أجيز أو أوافق على انتداب أيّ محامٍ يمثّلني دون الموافقة المعلنة والرسميّة منّي.
المهمّ عندي ،وهذا الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبّتني عليه، هو أن أبقى على وعدي وعلى إصراري من أجل المطالبة بقضايا شعب البحرين، وإن مثل هذه الأكاذيب والمسرحيّات لن تفتّ من عزمي، ولن تجعلني أتراجع، وأنا سبق وقلتها..إنّني مستعدّ للسجن..