مواضيع

كلمة الأستاذ الفاضل عبد الوهّاب حسين أمام محكمة الاستئناف العليا

المحتويات

يوم الثلاثاء

22 مايو 2012

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

في البداية أشكر السادة أصحاب السعادة القضاة على الإذن لي بالكلام في هذه المحكمة، وأرجو أن تتسع صدورهم لكلامي؛ لكي أشرح خلفيّات قضيّتي وحيثيّاتها، وأدافع عن نفسي.

أولاً: استهدافي أمنيّاً بسبب آرائي السياسيّة المعارضة للسلطة

أنا ناشطٌ سياسيّ معارضٌ للسلطة في البحرين، وقد استهدفتني السلطة بسبب آرائي السياسيّة المعارضة لها، لمطالبتي بالإصلاح الدستوريّ والقانونيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ في البحرين بالأساليب السلميّة. وقد حرصت على الجهر بآرائي ونشرها للرأي العام، فتعرّضت -بسبب ذلك- للمراقبة والمضايقات الأمنيّة، واعتقلت في التسعينات من القرن الماضي مرّتين، المرّة الأولى لمدّة 6 أشهر من 17\مارس\1995 إلى 10\سبتمبر\1995، والمرّة الثانية لمدّة 5 سنوات من 14\يناير\1996 إلى 5\فبرير\2001، قضَيتها في السجن الانفراديّ وشبه الانفراديّ، وبمعزلٍ تام عن سائر المعتقلين، وذلك تحت طائلة قانون أمن الدولة سيّء الصيت.

وفي المرحلة الأمنيّة التي سبقت ثورة 14 فبراير، وعرفت باسم الخليّة الإرهابيّة، وضمّت 25 ناشطاً سياسيّاً وحقوقياًّ، كنت قد وضعت على رأس قائمة الأسماء والصور التي نشرتها جريدة الوطن البحرينيّة، إلّا أنّني لم اُعتقَل لأسبابٍ أجهلها، ولكنّي كنت -بحسب تصريحات المحامين- من الشخصيّات المستهدفة أثناء التحقيقات مع المتّهمين، وهذا ما علمته أيضاً من بعض المتّهمين، وقد أُفرج عن المتّهمين في هذه القضيّة بعد تفجّر ثورة 14 فبراير، ثمّ أُعيد اعتقال معظمهم بعد 21 يوماً من الإفراج عنهم. وعن نفسي، فإنّه بعد ثورة 14 فبراير زادت درجة الاستهداف الأمنيّ لي من قبل السلطة، وذلك بسبب الدعم السياسيّ الذي أظهرته لمطالب الثورة الإصلاحيّة، وكان لي شرف المشاركة في أوّل مسيرة خرجت في14 فبراير\2011 بعد صلاة الفجر من مسجد الشيخ أحمد في قرية النويدرات إلى الدوّار على الشارع الرئيسيّ عند مدخل القرية، وكان المشاركون في المسيرة يطالبون بالإصلاحات الدستوريّة والسياسيّة، وكانت المسيرة في غاية السلميّة والحضاريّة، حتّى إنّ المشاركين لم يرموا في المسيرة -ولا غيرهم- حجرةً واحدةً أو غيرها على قوّات مكافحة الشغب، التي كانت قد استخدمت القوّة بإفراط ضدّ المشاركين في المسيرة، وكان فيها أطفال ونساء وكبار في السن، وقد أشار “بسيوني” إلى هذه المسيرة في تقريره (الفقرة 202).

ثانياً: نصوص من تقرير بسيوني حول ثورة 14 فبراير

في الفقرة 640 قال: «فإنّ المطالب والدعاوي للقيام بإصلاحات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة في البحرين ليست بجديدة، وإنّما تأتي تكملة لمطالب ومظالم عبّر عنها البحرينيّون في فترات تاريخيّة سابقة».

وفي الفقرة 641 قال: «فإنّ البحرين قد تأثّرت بما أصبح يُعرف عامّةً بالربيع العربيّ، ورغم أنّ كلّ دولة ومجتمع عربيّ تأثّر بهذه الأحداث والتطوّرات بشكلٍ مختلف، إلّا أنّ الثابت هو أنّ الربيع العربيّ شجّع شعوباً عربيّة -ومنها البحرين- على التعبيرعن مظلوميّتها وعن مطالب إصلاحيّة كانت مكبوتة لفترات طويلة، وبعكس الاضطرابات الشعبيّة التي شهدتها البحرين في فترات تاريخيّة سابقة، لم تكن الاحتجاجات التي بدأت في 14 فبراير مدبّرة من قِبل جمعيّات سياسيّة معارضة ذات طابع مؤسّساتي، وقادتها شبكات من شباب غير مسيّس وغير منتمٍ لأيّ جماعات سياسيّة، ولكنّه أحسّ بالغضب إزاء الأحوال في البلاد».

وقال في الفقرة نفسها: «كما تجدر الإشارة إلى أنّ المطالب التي رفعت عبّر عنها خلال التظاهرات التي بدأت يوم 14 فبراير 2011 ….. على الأقلّ في بداية الأمر، بدرجة عالية من الدعم الشعبيّ الذي تجاوز الحدود الدينيّة والطائفيّة والعرقيّة».

وفي الفقرة 642 قال: «وتمتدّ جذور التظاهرات التي بدأت في الرابع عشر من فبراير إلى عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، خلال هذه العقود وقبل ظهور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعيّ الحديثة، تظاهر العديد من البحرينيين للمطالبة بحقوقهم السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وفي بداية الأحداث في البحرين -وكما حدث في عقود سابقة- كان المطلب الأساسيّ هو إجراء الإصلاحات، وليس تغيير النظام، وهو ما كان عليه الحال في المراحل الأولى من المظاهرات والاحتجاجات التي جرت في كلّ من تونس ومصر وسوريا واليمن، ولكن كما بيّنت التجربة، فإنّه عند عدم الاستجابة لمطالب الإصلاح، فإنّ الأمر يتطوّر ويرتفع سقف المطالب ليكون المطلب هو تغيير النظام، ويتعرّض المجتمع لحالة من الاستقطاب أو التطرّف».

وفي الفقرة 650 قال: «وإلّا فإنّه وعلى الرغم من ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين وقيامهم بتوسيع أماكن تجمّعاتهم، إلّا أنّ التظاهرات ظلّت تتّسم بالطبيعة السلميّة».

وفي الفقرة 661 قال: «وقد ساهمت المواجهات العنيفة للمتظاهرين وعدم تجاوب الحكومة مع مطالبهم في تأجيج الغضب في الشوارع، وتسبّب في وقوع المزيد من التصادمات بين المتظاهرين والشرطة».

التعليق

هذه النصوص، أيّها السادة، تثبت تجذّر التظاهرات والمطالب الشعبيّة العادلة في البحرين، وأنّها تعود لفترات تاريخيّة سابقة، وأنّ تظاهرات 14 فبراير اتّسمت بالطبيعة السلميّة، وتُحمّل السلطة مسؤوليّة العنف وارتفاع سقف المطالب الشعبيّة، وتنفي مسؤوليّة القوى السياسيّة من التحريض، الأمر الذي يشمل هذه المجموعة، وذلك يترتب عليه إسقاط كلّ التهم الباطلة لهم بتشكيل التنظيم والتحريض على العنف لإسقاط النظام.

ثالثاً: القبض العنيف (من لحظة القبض حتّى مكان الحبس المجهول)

لقد قُبض عليّ في 17 مارس 2011 في وقتٍ متأخرٍ من الليل قبل الفجر، وكان القبض عنيفاً للغاية؛ حيث كسرت القوّات الباب الخارجيّ للمنزل، ودخلت عنوةً إلى البيت، وقاموا بطرق الباب الداخليّ بعنفٍ شديد أفزع من كانوا في البيت، وحاولوا كسره، إلّا أنّي فتحته قبل أن يتمكّنوا من كسره، وما إن فتحت الباب حتّى تناولتني أيدي الملثّمين -الذين ملؤوا المكان- بالصفع واللكم، وجرّوني بقسوة إلى خلف الباب، واستمرّوا في الصفع واللكم والرفس بالأرجل وهم ينتظرون الأحذية، وقد ضربوا رأسي بالجدار حتّى شجّ جبيني فوق الحاجب الأيسر، وسالت مني الدماء حتّى تلطّخت ملابسي، وعصبوا عينيّ وقيّدوا يديّ إلى الخلف بسلك، وساقوني نحو سيّارة مدنيّة صغيرة كانت مركونةً في مكانٍ قريبٍ من منزلي، وكنت أتعرّض للصفع واللكم والرفس، حتّى أدخلوني السيّارة وأجلسوني في المقعد الخلفيّ، وجلس أحدهم عن يميني وآخر عن يساري، وكانوا يمارسون مهمتهم في الضرب والشتم، وبقيت في السيّارة لمدّة ساعة تقريباً، ثمّ مشوار بي إلى مكانٍ مجهول.

وكنت طوال الطريق أتعرّض داخل السيارة للصفع واللكم والشتم الذي شملني شخصيّاً، وشمل عرضي وزوجتي وأمّي وبناتي وطائفتي ورموزي الدينيّة، وكان الضابط “بدر الغيث” قائد القوّات كما عرفت أثناء شهادته في المحكمة العسكريّة بشأن قبضه على الحقوقيّ “عبد الهادي الخواجة” (أحد أفراد هذه المجموعة)؛ حيث ذكر أنّه تولّى أيضاً القبض عليّ، كان يصفعني ويقول: “هذه عن الملك، وهذه عن رئيس الوزراء، وهذه عن وزير الدفاع، وهذه عن وزير الداخليّة..” ونحو ذلك.

وقد استمرَّ الصفع حتّى أنزلوني من السيّارة في مكانٍ أجهله إلى الآن، وبمجرّد إنزالي من السيّارة طرحوني أرضاً، وتجمّعوا عليَّ رفساً بأرجلهم وهم منتعلي الأحذية. كان أحدهم يقول ويكرِّر: “لولا الأوامر لم يخرج من بيتهِ إلّا ميّتاً”. ثمَّ أدخلوني إلى ذلك المكان، وأُجلستُ على كرسيٍّ مدّة تزيد عن الساعة، ثمَّ أخذتُ إلى شخص قال عن نفسه إنّه طيّب، وأنا كنت معصوب العينين، ومقيَّد اليدين إلى الخلف، فسألني بعض الأسئلة عن صحّتي، ثمَّ أعادوني إلى الكرسيّ نفسه -على ما أظنّ- وبعد فترة قصيرة أخذوني إلى مغسلة، وفكّوا القيد عن يديّ، ورفعوا العصابة عن عيني، وطلبوا منّي غسل الدماء عن وجهي، وخلع ثوبي و”فانيلتي” الداخليّة الملطّخة بالدماء، وألبسوني ثوب شرطيّ، ثمّ نقلوني إلى السيّارة نفسها، على ما أظنّ. وقبل أن يدخلوني السيّارة طرحوني أرضاً، وتجمّعوا عليَّ رفساً بالأرجل، ثمّ أدخلت إلى السيّارة، وجلس أحدهم عن يميني وآخر عن يساري، كما في المرّة الأولى، وفي أثناء الطريق استمرّوا بصفعي ولكمي، وكان الضابط “بدر غيث” – وكان يجلس في المقعد الأماميّ – يقول لي عند كلِّ صفعة أو لكمة: “هذه عن الملك، وهذه عن رئيس الوزراء، وهذه عن وزير الدفاع، وهذه عن وزير الداخليّة”.. ونحو ذلك.

كان الذين معه يعلِّقون على الصفعات واللكمات بقولهم: “هذه قويّة، وهذه أقوى”.. وهم يضحكون ويقولون: “تريد تغيير النظام؟”. وقد أخذت إلى غرفة بدا لي من خلال تأثيثها أنّها غرفة في مستشفى، وهناك عُولج الجرح فوق الحاجب الأيسر لعيني، ثمّ أخذت إلى السجن، وأُدخلت زنزانة في عنبر لم يكن فيه غيري سوى شخص واحد، كان في الزنزانة الأولى من العنبر، وأنا كنتُ في الزنزانة الأخيرة منه، ولم يكن فيه غيرنا نحن الاثنين، وقد عرفت فيما بعد أنَّ الشخص كان الأستاذ حسن المشيمع، والسجن هو سجن القرين العسكريّ، والعنبر رقم “3”.

رابعاً: تخريب البيت وترويع الأهل وسرقة المال والممتلكات

علمت فيما بعد أنّه في الوقت الذي أبقيت فيه في السيّارة، في المكان القريب من منزلي بعد القبض عليّ، كانت القوّات تمارس مهنتها في تفتيش البيت، ولم يكن بالطبع تفتيشاً عاديّاً، وإنّما كان انتقاميّاً. لقد قاموا بتخريب البيت ومحتوياته، وسرقوا المال والممتلكات الخاصة مثل: كاميرا فيديو يقدّر سعرها بـ 1800 دينار، وساعة وخواتم، وهواتف نقّالة، وأجهزة لابتوب، وأجهزة كمبيوتر عاديّة، وأجهزة إلكترونيّة، ومكبّرات صوت خاصّة بمجلسي، وأوراق ثبوتية، وأوراق خاصة. وقد أجبروا زوجتي على فتح صندوق التجوري، كما أجبروها على الخروج من غرفة النوم، وقد تبيّن لها بعد خروجهم أنّهم أخذوا مبلغاً من المال لا يقلُّ عن 1300 دينار بحريني، كما أخذوا حقيبتين “دبلوماسيّتين” خاصّتين بي، وفيها مقتنيات وأوراق خاصّة، وأخذوا ساعتي الخاصّة، وخاتمين ثمينين، أحدهما بفص عقيق يمانيّ، وآخر بفص فيروزي، وأخذوا محفظة نقودي، وفيها العديد من البطاقات، وأخذوا الصندوق الذي فيه أدويتي، وبعض الأجهزة والأدوات الطبيّة الصغيرة، وأخذوا الهواتف النقّالة، وأجهزة لابتوب، وثلاثة أجهزة كمبيوتر مكتبيّة، ومكبّر صوت معه جميع الأجهزة الإلكترونيّة الخاصّة بمجلسي.

وكانوا قد أبقوا جميع أفراد العائلة في غرفة الطعام، وقاموا بتفتيش المنزل، بغير رقيب ولا حسيب، فلا يُعلم ما أخذوا على وجه التحديد، وقد أخذوا من مكتبي أشياء لا حصر لها، ولا أعلم حتّى الآن ما هي، ولم يُعرض عليّ في النيابة العسكريّة أثناء تحقيقها معي سوى دفتر فيه ملاحظات صغيرة، وستّة هواتف نقّالة، وخمسة أجهزة لابتوب، وثلاثة أجهزة كمبيوتر مكتبيّة، لا يعود لي منها إلّا دفتر الملاحظات الصغير وهاتف نقّال واحد، وجهاز لابتوب واحد، والباقي يعود لأفراد أسرتي، وقد ثُبّت ذلك في محضر التحقيق، ولم تعرض عليّ أثناء التحقيق معي في النيابة العسكريّة أيّ قائمة بالأشياء الكثيرة الأخرى، ما يدلّ على أنّها غير ذات صلة بالقضيّة التي قبضوا عليَّ بسببها، وقد حكم القاضي العسكريّ بمصادرة جميع المضبوطات التي عرضت عليّ في النيابة العسكريّة، على الرغم من أنَّ معظمها يعود لأفراد أسرتي ولا تحتوي على شيء يتعلّق بي وبقضيّة اعتقالي، وقد تسبّب أخذهم لجهاز اللابتوب وجهاز الكمبيوتر الخاصين بابنتي حوراء في تأخّر تخرّجها من الجامعة لمدّة فصل دراسيّ كامل؛ حيث لم يسعفها الوقت لإعداده مرّة ثانية، كما أنَّ القوّات قامت بضرب ابنتي عقيلة بأعقاب البنادق، وطرحوا ابني أحمد على أرض غرفته مكبوباً على وجهه، وأخذوا يطؤونه بأقدامهم طيلة الوقت الذي قضوه في داخل غرفته لتفتيشها، والجدير بالذكر أنَّ القوّات التي ألقت عليّ القبض وقامت بتفتيش منزلي لم تبرز لي أمراً قضائياً بالقبض أو التفتيش.

خامساً: نصوص من تقرير بسيوني حول عمليّات القبض

في الفقرة 1704 قال: “في الفترة ما بين 21/ مارس و15/ أبريل/2011 هاجمت قوّات الأمن بشكل منهجيّ المنازل بغية توقيف الأفراد، وهو ما أدّى إلى ترويع قاطني هذه المنازل، وكانت هذه العمليّات تتمّ في أوقات متأخّرة من الليل وقبل الفجر، ويقوم بها أشخاص ملثّمون، وكان هؤلاء الأشخاص يكسرون الأبواب عن قصد، ويدخلون عنوة، وسجّلت حالات سرقة من المنازل في بعض الأحيان، وكانت هذه الممارسات ترتبط في العادة بإهانات وسب موجّه للطائفة التي ينتمي إليها هؤلاء، وفي العديد من الحالات المبلّغ عنها كانت النساء والأطفال وغيرهم من أفراد الأسرة يؤمرن بالوقوف بملابس النوم، الأمر الذي عرضهنّ وأفراد الأسرة الآخرين للإهانة الشديدة، وذلك بالإضافة إلى ترويع الأطفال، وعادة ما كان يتمّ اقتياد الأشخاص الموقوفين معصوبي الأعين إلى أماكن الاحتجاز التي لم تكن معلومة آنذاك لهم، ويشير هذا الأسلوب النمطيّ المتكرّر للقبض إلى وجود خطّة عمليّات قام بتنفيذها موظّفون في جميع الأجهزة.

وفي الفقرة 1124 قال: “حيث يدلّ أسلوب تنفيذ عمليّات القبض على نمط سلوكيّ متكرّر من قبل الجهات الأمنيّة المشاركة، مصمم على بثّ الرعب في نفوس المقبوض عليهم وأفراد أسرهم والقاطنين معهم. بالإضافة إلى ذلك، يفضح هذا النمط تكرار ممارسة إتلاف ومصادرة الممتلكات الشخصيّة”.

وفي الفقرة 1178 قال: “وختاماً، خلصت اللجنة إلى أنّ عمليّات القبض الموسعة التي تمّت بناءً على النمط الموصوف عالياً تعدّ انتهاكاً للقانون الدوليّ لحقوق الإنسان، وكذلك للقانون البحرينيّ.

وفي الفقرة 1179 قال: “ويشير تواجد نمط سلوكيّ منهجيّ إلى أنّ هذا هو أسلوب تدريب هذه القوّات الأمنيّة، وأنّ هذه هي الطريقة التي من المفترض أن يعملوا بها، وأنّ هذه الأحداث لم تكن لتحدث دون علم الرتب الأعلى في تسلسل القيادة داخل وزارة الداخليّة وجهاز الأمن الوطنيّ”.

ممارسات التعذيب والإرهاب

وأحياناً يحرّكون الأجسام المعدنيّة بعنف شديد على الشبك ذهاباً وإياباً، وأحياناً يقومون برمي الأجسام المعدنيّة بشكل مفاجئ ومن بعيد على الأرض لخلق أجواء الرعب وإدخاله إلى نفسي، يفعلون ذلك كالأشباح وهم صامتون، واستمرّت تلك الممارسة بشكل متواصل حتّى طلوع الفجر، وتوقّفت عند صلاة الفجر، وبعد الصلاة عادوا مرّة ثانية مع طلوع ضوء الشمس حيث أضاء العنبر قليلاً. وفي ساعات النهار تعرّضت للضرب والسبّ والإهانات، وفي الليالي التالية كانوا يوقظونني من النوم بشكلٍ مفاجئ، وتقرع الأصوات في أوقات مختلفة، وقد يتكرّر ذلك في الليلة الواحدة أكثر من مرّة، ويطلبون منّي الوقوف مستديراً نحو الجدار، ورفع اليدين إلى الأعلى ولأوقات طويلة رغم تدهور حالتي الصحيّة، أو يأمرونني أحياناً بالدوران حول نفسي، وكانوا يصبون عليّ الماء حتّى يغمروا جسمي وملابسي وفراشي ولحافي، ومع برودة الطقس، كانت مكيّفات الهواء تعمل بأقصى طاقتها. فعلوا بي ذلك مرّات عديدة، وتعرّضت للضرب مرّات عديدة، وحرمت من الاستحمام لأكثر من عشرة أيّام، حتى تدهورت حالتي الصحية كثيراً، واحتجت إلى رعاية صحيّة خاصّة. وكانوا يأمرونني بقضاء الحاجة وأبواب الحمّام مفتوحة وتحت نظر الحراس، وكانوا يكثرون من إهانتي وشتمي وشتم مذهبي وطائفتي ورموزي الدينيّة، ويسيئون إلى عرضي بشكل مستمرّ، ويرغموني على تقبيل أيدي الملثّمين وأقدامهم، وصور الملك، ورئيس الوزراء، وملك السعودية، وكانوا أحياناً يبصقون في فمي مرات عديدة ويجبرونني على بلع بصاقهم، ويقابل رفض هذه الأوامر بالضرب. وقد استمرّ هذا الوضع السيّئ حتّى 10/ يونيو، وقد وثّق تقرير البسيوني حالتي (الحالة 4، صفحة 548، الملحق الثاني، ملخصات الإفادات).

مندوب مزيّف عن (الملك)

والجدير بالذكر أنّي أُخذت في ليلتين من السجن العسكريّ إلى مكان مجهول، وقابلني هناك شخص قال إنّ اسمه “الشيخ صقر بن خليفة آل خليفة”، وإنّه مندوب من الملك إلى مقابلتي، وطلب منّي أن أبعث برسالة اعتذار إلى الملك في سبيل مصلحتي كما قال، فرفضت ذلك، وقلت بأنّي لم أخطئ، وأنّ النيابة العسكريّة قد حقّقت معي، وأنا أُحاكم أمام المحكمة العسكريّة، إلّا أنّي اتفقت معه في آخر الجلسة على أن أبعث برسالة متلفزة إلى الملك حول الحوار، وكان ذلك بعد جلسة المحكمة العسكريّة الأولى. وفي الليلة الأولى بعد جلسة المحكمة العسكريّة الثانية أخذت إلى المكان نفسه، وقابلني الشخص عينه، فقمت بحسب الاتفاق بتسجيل رسالة متلفزة إلى الملك حول الحوار نصّها المكتوب موجود لدى المحامي، ثمّ طلب منّي الشخص المذكور إعادة ما قلته أمام النيابة العسكريّة ليقوموا بتصويره بالفيديو بهدف رفعه إلى… كما قال، فرفضت ذلك بشكل قاطع ونهائيّ، وقلت إنّ النيابة العسكريّة قد حقّقت معي وأنهت التحقيق، ومثلت للمحاكمة أمام المحكمة العسكريّة، وأرفض أيّ تحقيق آخر، فغضب كثيراً لهذا الموقف منّي وأساء معاملتي، وفي طريق إعادتي إلى السجن، سمعت من الجلاوزة ما لم أسمعه في حياتي من الشتم والكلمات البذيئة والإساءة إلى أمّي وزوجتي وبناتي، وكانوا يكرّرون أنّهم يريدون التمتّع بهنّ؛ لأنّ المتعة حلال عند الشيعة، وأن أكثر الشيعة هم أبناء متعة، وشتموا مذهبي وطائفتي ورموزي الدينيّة كالمراجع والأئمّة من أهل البيت(ع)، وقد أخذت النيابة علماً بتفاصيل هذا الحادث، وأنا أحمّلهم المسؤوليّة عنه؛ لأنّي كنت في سجن القرين العسكريّ تحت إشرافهم، فهم يعلمون قطعاً بالجهة التي أُخذت إليها والشخص الذي قابلني هناك، وانتحل صفة مندوب الملك، وفعل هو والجلاوزة الذين معه من الإساءة والانتهاكات ما قد وصفتُ أعلاه.

سابعاً: نصوص من تقرير البسيوني حول تعذيب السجناء وسوء معاملتهم

قال في الفقرة 1238: “وتبرهن المعاملة الجسمانيّة والنفسيّة السابق شرحها على حدوث هذه الممارسات بصورة عمديّة من قبل منتسبي جهاز الأمن الوطنيّ ووزارة الداخليّة. في بعض الحالات،كان الهدف من هذه الممارسات هو الحصول على الاعترافات والإقرارات بالإكراه، بينما في حالات أخرى، كان المقصود من هذه المعاملة هو الجزاء والعقاب. ويستخلص من التحقيقات التي أجرتها اللجنة ولا سيّما تقرير الطبّ الشرعي، أنّه كانت هناك ممارسات ممنهجة من سوء المعاملة البدنيّة والنفسيّة، والتي وصلت إلى التعذيب في عدة حالات، من قِبَل عدد كبير من الأشخاص المحتجزين في مراكز التوقيف”.

وفي الفقرة 1230: “توضّح المعلومات التي تمّ الحصول عليها من مصادر مختلفة، سيّما أثناء المقابلات مع الأشخاص الذين ادّعوا أنّهم ضحايا لسوء المعاملة ولأشكال أخرى من الإساءة البدنية والنفسية أثناء وجودهم في مراكز التوقيف التابعة للدولة، أنّه كان هناك أنماط معيّنة من السلوك التي كانت تنتهجها الأجهزة الحكوميّة. لم تكن هذه الأنماط موحّدة باستثناء ما يتعلّق بسوء المعاملة مع فئات معيّنة من الموقوفين بما في ذلك بعض أفراد الطاقم الطبّي الذين ألقي القبض عليهم بتهم مرتبطة بأحداث مجمع السلمانيّة الطبيّ، والشخصيّات السياسيّة الأربعة عشر الذين كانوا موقوفين في سجن القرين. وكان الغرض في الكثير من هذه الحالات هو الحصول على إفادات أو اعترافات تجرّم أولئك الأشخاص المقبوض عليهم، وفي حالات أخرى، كان الغرض المقصود من الحصول على إفادات من بعض هؤلاء الأشخاص هو استخدامها ضدّ أشخاص آخرين ينتمون إلى نفس الجماعة”.

وقد أشار التقرير إلى هذه المجموعة في فقرات عدة منها: الفقرة 1185، و1187، و1188، و1204، وغيرها.

وفي الفقرة 1243 قال: “فمعاودة ارتكاب العديد من الانتهاكات، التي حدّدتها لجنة مناهضة التعذيب، في الآونة الأخيرة تشير إلى أنّ مسؤولي السجون مازالوا يتّبعون مجموعة من الممارسات، أو حتّى السياسات المشابهة، كما كان الأمر في السابق. وهذا يشير إلى وجود مشكلة منهجيّة، لا يمكن معالجتها”.

وفي الفقرة 1240 قال: “ولاحظت اللجنة عددًا من إفادات الشهود تشير إلى أنّ الضالعين في إساءة المعاملة كانوا يبدون للموقوفين دائمًا شعورًا بأنّهم سيفلتون من العقاب. وترى اللجنة أنّ عدم مساءلة المسؤولين في النظام الأمنيّ قد أدّت إلى سيادة ثقافة الإفلات من العقاب، حيث إنّ مسؤولي الأمن ليس لديهم إلّا قليل من الحوافز التي تدفعهم إلى تجنب إساءة معاملة السجناء أو اتّخاذ إجراءات لمنع إساءة المعاملة من جانب مسؤولين آخرين. وفي ضوء هذه الثقافة، تشيد اللجنة بالشجاعة الهائلة التي تمتّع بها ضحايا التعذيب وإساءة المعاملة في الإبلاغ عمّا تعرّضوا له”.

ثامناً: نصوص من تقرير البسيوني حول تواطؤ النيابة والقضاء

جاء في الفقرة 1241: “وقد تلقّت اللجنة أدلّة تشير إلى أنّه في بعض الحالات، تغاضى العاملون في السلك القضائيّ والنيابة العامة ضمنيّاً عن هذا الافتقار إلى المساءلة”.

وفي الفقرة 1698: “ولقد تلقّت اللجنة أدلّة تشير إلى أنّه في بعض الحالات لم تقم النيابة أو القضاء باتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين”.

أمّا في الفقرة 1247 فأوصى بقوله: “في ضوء (نموذج الإفلات من العقاب) على جريمة التعذيب والمعاملة السيّئة في الماضي، يجب أن تبدأ المحاكمات المناسبة بما يضمن تحقّق العقاب المكافئ لفداحة الجرم”.

وفي الفقرة 1246: “توصي اللجنة بأن تتولّى جهة مستقلّة ومحايدة التحقيق في كافّة الادعاءات بالتعذيب والمعاملة المماثلة وفقاً لمبادئ إسطنبول 616، حيث يجب أن يكون للتحقيق القدرة على تقديم المرتكبين للمحاكمة بصورة مباشرة وعلى كافة مستويات المسؤوليّة”.

وفي الفقرة 1716 أوصى بـ: “وضع آليّة مستقلّة ومحايدة لمساءلة المسؤولين الحكوميّين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسبّبوا بإهمالهم في حالات القتل والتعذيب وسوء معاملة المدنيّين، وذلك بقصد اتخاذ إجراءات قانونيّة وتأديبيّة ضدّ هؤلاء الأشخاص بمن فيهم ذوي المناصب القياديّة، مدنيّين كانوا أم عسكريّين، الذين يثبت انطباق مبدأ (مسؤوليّة القيادة) عليهم وفقاً للمعايير الدوليّة.

وفي الفقرة 1722 أ أوصى بـ: “القيام بتحقيقات فاعلة وفقًا لمبادئ الردع الفعّال والتحقيق في جميع حالات القتل المنسوبة لقوّات الأمن الذي يقع خارج إطار القانون أو بشكل تعسّفي أو دون محاكمة. وكذلك التحقيق في جميع دعاوى التعذيب والمعاملة المشابهة من قبل هيئة مستقلّة ومحايدة وفقا لمبادئ إسطنبول. ويجب أن يفضي التحقيق في الانتهاكات المزعومة إلى محاكمة الأشخاص المتورّطين، بطريقة مباشرة وعلى كلّ مستويات المسؤوليّة، مع ضرورة ضمان اتساق العقوبة مع خطورة الجرم”.

وفي الفقرة 1722 وأوصى بـ: “تدريب الجهاز القضائيّ وأعضاء النيابة العامّة على ضرورة أن تكون وظائفهم عاملاً مساهمًا في منع التعذيب وسوء المعاملة واستئصالهما”.

التعليق

أملي أن تأخذ هيئات المحاكم وأعضاء النيابة بتوصية البسيوني بأن تكون وظائفهم عاملاً مساهماً في منع التعذيب وسوء المعاملة واستئصالها، وذلك بإبطال التهم التي بنيت على باطل كافّة، وهذا من شرف المهنة وإعمال الضمير، وأن يقوموا باتّخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين عن التعذيب وسوء معاملة السجناء والمعتقلين والموقوفين، وأن تبدأ المحاكمات المناسبة للأشخاص المتورّطين بمن فيهم ذوي المناصب القياديّة، مدنيّين كانوا أم عسكريّين بما يضمن تحقّق العقاب المكافئ لفداحة الجرم.

تاسعاً: تشكيل النيابة العسكريّة لتهم غير واقعيّة ضدنا

لقد تجاهلت النيابة العسكريّة كلّ الأوضاع السيّئة وسوء المعاملة لي في داخل السجن، بما في ذلك تعرّضي وجميع أفراد المجموعة للضرب المبرح في مبنى المحكمة العسكري٦ة، وكنّا تحت إشرافها في سجن القرين العسكريّ. وعلاوةً على ذلك، قامت بتوجيه تهم غير واقعيّة ضدّي، ولا تمتّ بصلة لأقوالي في تحقيقاتها معي، فالجماعة التي اتهمت بعمليّة الانقلاب هي مجموعة مختلقة، وليس لها وجود إلّا في مخيّلة النيابة العسكريّة ولا وجود لها على أرض الواقع؛ فأفراد المجموعة هؤلاء الماثلون أمام المحكمة وغيرهم لهم انتماءات أيديولوجيّة وفكريّة وسياسيّة وتنظيميٍة متباينة (الوفاء، وحق، والأحرار، ووعد، وأمل، وحقوقيّون، ومستقلّون) وبعضهم لم تكن لي معرفة سابقة بهم أو ارتباط اجتماعيّ. وأمّا تهمة التخابر فهي أتفه من أن أردّ عليها، وأكتفي فيما يتعلّق بتهم التنظيم، والتخابر، وإسقاط النظام بالقوّة، بما جاء على لسان محكمة التمييز، وأترك الدفاع القانونيّ بشأنها وبشأن غيرها من التهم المفبركة من قبل النيابة العسكريّة إلى المحامي الفاضل.

عاشراً: نصوص من تقرير البسيوني حول دور النيابة العسكريّة

جاء في الفقرة 1701: “وسجّلت اللجنة انتهاكات عديدة لحقوق المحاكمة العادلة، وتعتقد اللجنة بأنّ أحد أسباب هذه الانتهاكات يتمثّل في غياب تشريع يحدّد سلطات الحكومة أثناء تطبيق حالة السلامة الوطنيّة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن النائب العام العسكريّ قد اختار أن يعتمد على تلك الأحكام التشريعيّة الأكثر إجحافاً بحقوق الأشخاص الموقوفين والمدعى عليهم الذين أحيلوا إلى محاكم السلامة الوطنيّة، وهي محاكم استثنائيّة تتشكل برئاسة قاضٍ عسكريّ وعضويّة قاضيين مدنيّين”.

وفي الفقرة 1702: “من الواضح أنّ مرسوم السلامة الوطنيّة الذي طبّقه النائب العام العسكريّ قد تجاوز النظام القضائيّ الوطنيّ. ونتيجة لذلك، فلقد وقعت بالفعل انتهاكات نمطيّة لقواعد المحاكمة العادلة في مرحلة ما قبل المحاكمات، وأثناء المحاكمات التي حرمت معظم المتّهمين من الضمانات الأساسيّة للمحاكمات العادلة”.

الحادي عشر: الانتهاكات لقواعد المحاكمة العادلة

لم تتوفّر في المحكمة العسكريّة التي حكمتنا شروط المحاكمة العادلة؛ فقد تجاهلت الخلل القانونيّ في إجراءات القبض وما تعرّضنا له من تعذيب وسوء معاملة، وفي تحقيقاتها معنا، واختزلت جلسات المحاكمة وسلقتها سلقاً، ونحن تحت تأثير إرهاب الشرطة العسكريّة في جميع جلسات المحكمة، وقد تعرّضنا للضرب الوحشيّ وبشكل جماعيّ من جماعات الشرطة العسكريّة لمجرّد أنّنا هتفنا في المحكمة بشعار «سلميّة سلميّة، شعب يطلب حريّة»، ولم يسمح لنا بالكلام في جلسات المحكمة ولا لمرّة واحدة، ولم يمنح المحامون فرصة المرافعة الشفهيّة، وأصدرت المحكمة العسكريّة بحقّنا أحكاماً جائرة بناءً على تهم مختلقة لا وجود لها في الواقع، وذلك استناداً إلى أدلّة باطلة ولا أساس لها من الصحّة، وقد تمّ إخضاع العديد من المحاكمين للتحقيق من قبل النيابة العسكريّة.

الثاني عشر: نصوص من تقرير البسيوني حول الانتهاكات لقواعد المحاكمة العادلة

في الفقرة 1279 قال معلّقاً على المواد (165، 168، 169، 179، 180) من قانون العقوبات البحرينيّ: “وترى اللجنة أنّ حكومة البحرين استخدمت هذه المواد لمعاقبة المعارضة وردع المعارضة السياسيّة.

وفي الفقرة 1700 قال: “تمّت محاكمة عدد كبير من الأفراد أمام محاكم السلامة الوطنيّة، وسجنوا لمخالفتهم نصوص المواد أرقام 165 و168 و169 و179 و180 من قانون العقوبات البحريني، وذلك خلال أحداث فبراير ومارس الماضيين. وجدير بالذكر أنّ الصياغة الفضفاضة لتلك المواد، والطريقة التي طُبقت بها تثير التساؤل بشأن مدى اتفاقها مع قانون حقوق الإنسان الدوليّ ودستور البحرين”.

وفي الفقرة 1280 قال: “ونظراً للطريقة التي جرى بها تطبيق هذه الأحكام في البحرين، فإنّ لدى اللجنة عدداً من بواعث القلق بشأن اتساقها مع أحكام القانون الدوليّ لحقوق الإنسان ومع أحكام دستور البحرين”.

وفي الفقرة 1697 قال: “وقد استُخدمت هذه الاعترافات المنتزعة تحت وطأة الإكراه في المحاكمات التي تمّت؛ سواء أمام المحاكم الخاصّة المنشأة بموجب مرسوم السلامة الوطنيّة، وفي بعض الحالات أمام المحاكم الجنائيّة العاديّة”.

التعليق

قد سجّلت لجنة البسيوني انتهاكات عديدة لشروط المحاكمة العادلة وقواعدها في مرحلة ما قبل المحاكمات وأثناء المحاكمات، استجابة من النيابة العسكريّة والنيابة العامة ومن القضاء العسكريّ والقضاء العاديّ لسياسة السلطة وتوجهها لمعاقبة المعارضة السياسيّة لها وقمعها.

والقبول بتقرير البسيوني يقتضي إبطال كلّ ما صدر عن تلك المحاكم من أحكام، والإفراج الفوريّ عن جميع المعتقلين الذين عاقبتهم السلطة من خلال أجهزتها القضائيّة التي تفتقر إلى الاستقلاليّة والنزاهة، وقد قبلت السلطة رسميّاً بتقرير البسيوني، وأعلنت للرأي العام والمجتمع الدوليّ التزامها بتطبيق جميع ما جاء فيه من توصيات إلّا أنّها لم تفِ بالتزاماتها، ولهذا نحن نحاكم هنا بغير وجه حق.

الثالث عشر: توصية البسيوني بإلغاء الأحكام والعقوبات

أوصى في الفقرة 1720 ب: “إتاحة الفرصة لمراجعة جميع أحكام الإدانة الصادرة عن محاكم السلامة الوطنيّة التي لم تأخذ في الاعتبار المبادئ الأساسيّة للمحاكمة العادلة، بما في ذلك الاستعانة بمحامٍ استعانة كاملة وفوريّة وعدم قبول الأدلّة التي انتزعت بالإكراه”.

وفي الفقرة 1291: “توصي اللجنة بإلغاء الأحكام والعقوبات التي صدرت في حقّ جميع الأشخاص الذين اتهموا بارتكاب جرائم ذات صلة بالتعبير السياسيّ، ولا تنطوي على الدعوة إلى العنف، أو بحسب الحالة، بمراجعة الأحكام الصادرة ضدّهم، وبإسقاط التهم المعلّقة الموجهة إليهم أو تخفيفها بحسب الحالة”.

الرابع عشر: اختياري لقيام النظام الجمهوري

في ظلّ تطورات الأحداث، وسقوط الشهداء بسبب عنف الشرطة والجيش، وارتفاع سقف المطالب لدى الجماهير -بشكل تلقائيّ- من إصلاح النظام إلى إسقاط النظام، فقد تبنّيت سياسيّاً خيار إقامة النظام الجمهوريّ، وهذا يدخل ضمن حقّي في حريّة الرأي والتعبير الذي كفلته المواثيق الدوليّة ودستور البحرين، وأكّد البسيوني هذا الحقّ في تقرير (الفقرة 1281) حيث قال: “جرى تطبيق المادة 165 من قانون العقوبات تطبيقاً ينتهك حرّية الرأي وحرّية التعبير؛ إذ أقصيت من النقاش العام الآراء التي تعبّر عن معارضة نظام الحكم القائم في البحرين والآراء التي تدعو لأيّ تغيير سلميّ في بنية الحكم أو نظامه أو تدعو إلى تغيير النظام”.

وأنا لم أدعُ إلى عنف، بل كان خياري دائماً هو المنهج السلميّة، وكنت من أكثر من نظّر ودعى إلى المنهج السلميّة في البحرين، وتشهد على ذلك كتاباتي المنشورة في كتبي وموقعي الإلكترونيّ الذي أغلقته السلطة بغير وجه حق، ورفض القضاء العسكريّ الاستجابة لطلب المحامي بفتحه للاستفادة ممّا هو فيه في الدفاع عنّي. كما اعتمدت على وجوب الرجوع إلى الإرادة الشعبّية في اختيار النظام السياسيّ والتزامي بالنزول على هذه الإرادة المحترمة.

رسائل اختيار النظام الجمهوريّ

وكان اختياري لقيام النظام الجمهوريّ يحمل مجموعة من الرسائل السياسيّة الأساسيّة التي لا زلت أؤكّد عليها، وهي:

  1. أنّ النظام الذي لا يملك القدرة على التجديد الذاتيّ واستيعاب تطورات العصر والارتقاء إلى مستوى طموحات المستقبل لأبناء الشعب من خلال المؤسّسات الدستوريّة الفاعلة، لا يمتلك القابليّة للبقاء والاستمرار.
  2. أنّ الحكومة التي تعادي أو تخاصم نصف أبناء شعبها أو أكثر، لا يمكنها أن تحافظ على الأمن والاستقرار في البلاد، ولا أن تقيم العدالة على الأصعدة القانونيّة، والسياسيّة، والاقتصادي٥ة، والاجتماعيّة، وغيرها، ولا أن تكون أمينةً على مصالح الشعب.
  3. أنّ الشعب هو مصدر شرعيّة النظام والسلطة، ويجب أن ينبثق النظام والحكومة من إرادة الشعب واختياره، ومن حقّ المواطنين أن يغيّروا النظام والحكومة متى ما تبيّن لهم أنّهما لا يمثّلان إرادتهم واختيارهم، ولا يقومان على مصالحهم، وذلك من خلال الانتخابات الحرّة النزيهة. ويجب على السلطة في جميع الأحوال والأوقات أن تحترم إرادة المواطنين، وأن تحرص على كسب ثقتهم ورضاهم، وأن تعمل من أجل مصلحتهم، وأن تقف على بعد واحد منهم جميعاً ولا تميّز بينهم على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس أو الانتماء السياسيّ أو التنظيميّ أو غير ذلك، وأن لا يكون حكمها بالقوّة والإرهاب وفرض الأمر الواقع.
  4. أنّ الحريّة والديمقراطيّة والتبادل السلميّة للسلطة هو البديل عن عنف البوليس والقوّات المسلّحة، فإن غابت الحريّة والديمقراطيّة والتبادل السلميّة للسلطة حلّ محلّها إرهاب الدولة الفكريّ والسياسيّ والإعلاميّ والقانونيّ وعنف البوليس والقوّات المسلّحة لقمع المعارضة والقضاء على الاحتجاجات والمطالبات المشروعة بالإصلاح والحقوق، وفُقد الأمن والاستقرار، وضاعت فرص التقدّم والرخاء والازدهار، وتحوّلت المؤسّسات الدستوريّة إلى مؤسّسات صوريّة غير فاعلة، ووسيلة لترسيخ الدكتاتوريّة والاستبداد وشرعنة الظلم والانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان والتمييز بين المواطنين.

وختاماً

إنّي حريص على التعبير عن رأيي بما أرى أنّه حقّ وصواب يصبّ في مصلحة أبناء الشعب، وهذا ليس بجريمة في ظلّ دولة الإنسان والحكم الرشيد، وإنّما يعدّ جريمة في ظلّ الأنظمة الدكتاتوريّة والحكومات المستبدّة، وأنا غير مكترث بأن تكون وراء ممارستي لحقّي في التعبير عن رأيي عقوبات جائرة، فدائماً ما يضطر الشرفاء والمناضلون لدفع أثمان باهظة في سبيل الحريّة والعدالة والعزّة والكرامة في ظلّ الأنظمة الدكتاتوريّة والحكومات المستبدّة، وأنا أعلم جيّداً حجم التحريض السياسيّ والإعلاميّ على هذه المجموعة وغيرهم من الشرفاء والمناضلين، وأعلم بالرسالة التي بعث بها القضاء إلى مؤتمر حوار التوافق الوطنيّ، واشتكوا بأنّهم لا يتمتّعون بالاستقلال الكافي، ووقفت على ما جاء في تقرير البسيوني من أوجه الخلل في التشريعات البحرينيّة، ودور النيابة العامة والقضاء في تمرير سياسة السلطة والمساهمة في قمع المعارضة ومعاقبتها، إلّا أنّ ذلك لم يمنعني ولن يمنعني من التعبير عن رأيي بكلّ شفافيّة ووضوح. ويفترض بحسب قواعد العدالة وما جاء في تقرير البسيوني الذي قبلته السلطة والتزمت به أمام الرأي العام والمجتمع الدوليّ أن تطبّق توصياته، فأكون أنا وجميع أفراد هذه المجموعة وغيرنا من سجناء الرأي والمناضلين الشرفاء نتمتّع بحريّتنا خارج السجن، ونمارس دورنا الوطنيّ في الإصلاح والتنمية، وأن يكون بعض القيادات السياسيّة والأمنية والعسكريّة العليا، وأعضاء النيابة والقضاة ممّن ارتكبوا جنايات بحقّ أبناء الشعب الأبرياء داخل السجن.

وأقول: إذا كانت النيابة العامة تتمتّع بالاستقلال الكافي، وتريد أن تحاسب الانقلابيّين الحقيقيّين كما هو المفروض، فعليها أن تحاسب رموز السلطة الذين نفّذوا انقلاب أغسطس 1975م بتعطيل بعض مواد الدستور، وتعطيل الحياة البرلمانيّة، وهما إجراءان انقلابيّان خالف بهما رموز السلطة الدستور الواجب تطبيقه والعمل به، وفرضوا قانون أمن الدولة سيّىء الصيت والسمعة، ومارسوا الاعتقال التعسّفيّ، والتعذيب، والقتل غير القانونيّ تحت التعذيب في داخل السجن وخارجه، ثمّ الذين نفّذوا انقلاب فبراير / 2002م بإلغاء الدستور ومخالفة ميثاق العمل الوطنيّ والتعهّدات التي التزموا بها لوجوه المعارضة، وفرضوا مؤسّسة برلمانيّة صوريّة غير فاعلة، وأدخلوا البلاد في أزمة دستوريّة وسياسيّة وأمنيّة تُعدّ ثورة 14 / فبراير والأوضاع الخانقة الراهنة أحد أهم تداعياتها الخطيرة.

والحمد لله ربّ العالمين.

سجين الرأي: عبد الوهّاب حسين علي.

الثلاثاء 22 / أبريل / 2012م

البحرين. وزارة العدل. محكمة الاستئناف العليا.

المصدر
كتاب شهادة وطن – إفادات قادة ثورة 14 فبراير والمعارضة البحرانية أمام المحاكم الخليفية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟